(
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنا كفيناك المستهزئين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنا كفيناك المستهزئين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92nindex.php?page=treesubj&link=28986فوربك لنسألنهم أجمعين ) يحتمل أن يكون راجعا إلى المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين ; لأن عود الضمير إلى الأقرب أولى ، ويكون التقدير أنه تعالى أقسم بنفسه أن يسأل هؤلاء المقتسمين عما كانوا يقولونه من اقتسام القرآن ، وعن سائر المعاصي ، ويحتمل أن يكون راجعا إلى جميع المكلفين ; لأن ذكرهم قد تقدم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89وقل إني أنا النذير المبين ) أي لجميع الخلق ، وقد تقدم ذكر المؤمنين وذكر الكافرين ، فيعود قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين ) على الكل ، ولا معنى لقول من يقول : إن
[ ص: 170 ] السؤال إنما يكون عن الكفر أو عن الإيمان ، بل السؤال واقع عنهما وعن جميع الأعمال ; لأن اللفظ عام فيتناول الكل .
فإن قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=28986_34077كيف الجمع بين قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم ) وبين قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) [الرحمن : 39] أجابوا عنه من وجوه :
الوجه الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : لا يسألون سؤال الاستفهام ; لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم ، وإنما يسألون سؤال التقريع يقال لهم : لم فعلتم كذا ؟
ولقائل أن يقول : هذا الجواب ضعيف ; لأنه لو كان المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) سؤال الاستفهام لما كان في تخصيص هذا النفي بقوله يومئذ فائدة ; لأن مثل هذا السؤال على الله تعالى محال في كل الأوقات .
والوجه الثاني : في الجواب أن يصرف النفي إلى بعض الأوقات ، والإثبات إلى وقت آخر ; لأن يوم القيامة يوم طويل .
ولقائل أن يقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) هذا تصريح بأنه لا يحصل السؤال في ذلك اليوم ، فلو حصل السؤال في جزء من أجزاء ذلك اليوم لحصل التناقض .
والوجه الثالث : أن نقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) [الرحمن : 39] يفيد عموم النفي وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين ) عائد إلى المقتسمين وهذا خاص ولا شك أن الخاص مقدم على العام . أما
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28986_32026قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فاصدع بما تؤمر ) فاعلم أن معنى الصدع في اللغة الشق والفصل ، وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت لجرير :
هذا الخليفة فارضوا ما قضى لكم بالحق يصدع ما في قوله حيف
فقال يصدع يفصل ، وتصدع القوم إذا تفرقوا ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=43يومئذ يصدعون ) قال
الفراء : يتفرقون . والصدع في الزجاجة الإبانة ، أقول : ولعل ألم الرأس إنما سمي صداعا ; لأن قحف الرأس عند ذلك الألم كأنه ينشق . قال
الأزهري : وسمي الصبح صديعا كما يسمى فلقا . وقد انصدع وانفلق الفجر وانفطر الصبح .
إذا عرفت هذا فقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فاصدع بما تؤمر ) أي : فرق بين الحق والباطل ، وقال
الزجاج : فاصدع أظهر ما تؤمر به يقال : صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا كقولك صرح بها ، وهذا في الحقيقة يرجع أيضا إلى الشق والتفريق ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94بما تؤمر ) ففيه قولان :
الأول : أن يكون "ما" بمعنى الذي أي : بما تؤمر به من الشرائع ، فحذف الجار كقوله :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
الثاني : أن تكون "ما" مصدرية أي : فاصدع بأمرك وشأنك . قالوا : وما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94nindex.php?page=treesubj&link=28986_32489وأعرض عن المشركين ) أي : لا تبال بهم ، ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار
[ ص: 171 ] الدعوة . قال بعضهم : هذا منسوخ بآية القتال وهو ضعيف ; لأن معنى هذا الإعراض ترك المبالاة بهم فلا يكون منسوخا .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنا كفيناك المستهزئين ) قيل : كانوا خمسة نفر من المشركين :
الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث ، قال
جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أكفيكهم ، فأومأ إلى عقب
الوليد فمر بنبال ، فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لأخذه ، فأصاب عرقا في عقبه فقطعه فمات ، وأومأ إلى أخمص
العاص بن وائل فدخلت فيها شوكة فقال : لدغت لدغت ، وانتفخت رجله حتى صارت كالرحا ومات ، وأشار إلى عيني
الأسود بن المطلب فعمي ، وأشار إلى أنف
عدي بن قيس ، فامتخط قيحا فمات ، وأشار إلى
الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات .
واعلم أن المفسرين قد اختلفوا في عدد هؤلاء المستهزئين وفي أسمائهم وفي كيفية طريق استهزائهم ، ولا حاجة إلى شيء منها ، والقدر المعلوم أنهم طبقة لهم قوة وشوكة ورياسة ; لأن أمثالهم هم الذين يقدرون على إظهار مثل هذه السفاهة مع مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم في علو قدره وعظم منصبه ، ودل القرآن على أن الله تعالى أفناهم وأبادهم وأزال كيدهم ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92nindex.php?page=treesubj&link=28986فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ; لِأَنَّ عَوْدَ الضَّمِيرِ إِلَى الْأَقْرَبِ أَوْلَى ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْأَلَ هَؤُلَاءِ الْمُقْتَسِمِينَ عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنَ اقْتِسَامِ الْقُرْآنِ ، وَعَنْ سَائِرِ الْمَعَاصِي ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ ; لِأَنَّ ذِكْرَهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=89وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ) أَيْ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَذِكْرُ الْكَافِرِينَ ، فَيَعُودُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) عَلَى الْكُلِّ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ
[ ص: 170 ] السُّؤَالَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنِ الْكُفْرِ أَوْ عَنِ الْإِيمَانِ ، بَلِ السُّؤَالِ وَاقِعٌ عَنْهُمَا وَعَنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ .
فَإِنْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28986_34077كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ) [الرَّحْمَنِ : 39] أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الوجه الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَا يَسْأَلُونَ سُؤَالَ الِاسْتِفْهَامِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ أَعْمَالِهِمْ ، وَإِنَّمَا يَسْأَلُونَ سُؤَالَ التَّقْرِيعِ يُقَالُ لَهُمْ : لِمَ فَعَلْتُمْ كَذَا ؟
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ) سُؤَالُ الِاسْتِفْهَامِ لِمَا كَانَ فِي تَخْصِيصِ هَذَا النَّفْيِ بِقَوْلِهِ يَوْمَئِذٍ فَائِدَةٌ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ .
وَالوجه الثَّانِي : فِي الْجَوَابِ أَنْ يَصْرِفَ النَّفْيَ إِلَى بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ، وَالْإِثْبَاتَ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ ; لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ طَوِيلٌ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السُّؤَالُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَلَوْ حَصَلَ السُّؤَالُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَحَصَلَ التَّنَاقُضُ .
وَالوجه الثَّالِثُ : أَنْ نَقُولَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ) [الرَّحْمَنِ : 39] يُفِيدُ عُمُومَ النَّفْيِ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) عَائِدٌ إِلَى الْمُقْتَسِمِينَ وَهَذَا خَاصٌّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ . أما
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28986_32026قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الصَّدْعِ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْفَصْلُ ، وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابْنُ السِّكِّيتِ لِجَرِيرٍ :
هَذَا الْخَلِيفَةُ فَارْضَوْا مَا قَضَى لَكُمُ بِالْحَقِّ يَصْدَعُ مَا فِي قَوْلِهِ حَيْفٌ
فَقَالَ يَصْدَعُ يَفْصِلُ ، وَتَصَدَّعَ الْقَوْمُ إِذَا تَفَرَّقُوا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=43يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ) قَالَ
الْفَرَّاءُ : يَتَفَرَّقُونَ . وَالصَّدْعُ فِي الزُّجَاجَةِ الْإِبَانَةُ ، أَقُولُ : وَلَعَلَّ أَلَمَ الرَّأْسِ إِنَّمَا سُمِّيَ صُدَاعًا ; لِأَنَّ قِحْفَ الرَّأْسِ عِنْدَ ذَلِكَ الْأَلَمِ كَأَنَّهُ يَنْشَقُّ . قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : وَسُمِّيَ الصُّبْحُ صَدِيعًا كَمَا يُسَمَّى فَلَقًا . وَقَدِ انْصَدَعَ وَانْفَلَقَ الْفَجْرُ وَانْفَطَرَ الصُّبْحُ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَوْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) أَيْ : فَرِّقْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : فَاصْدَعْ أَظْهِرْ مَا تُؤْمَرُ بِهِ يُقَالُ : صَدَعَ بِالْحُجَّةِ إِذَا تَكَلَّمَ بِهَا جِهَارًا كَقَوْلِكَ صَرَّحَ بِهَا ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ يَرْجِعُ أَيْضًا إِلَى الشَّقِّ وَالتَّفْرِيقِ ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94بِمَا تُؤْمَرُ ) فَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ "مَا" بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ : بِمَا تُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ ، فَحَذَفَ الْجَارَّ كَقَوْلِهِ :
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ "مَا" مَصْدَرِيَّةً أَيْ : فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ وَشَأْنِكَ . قَالُوا : وَمَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=94nindex.php?page=treesubj&link=28986_32489وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) أَيْ : لَا تُبَالِ بِهِمْ ، وَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى لَوْمِهِمْ إِيَّاكَ عَلَى إِظْهَارِ
[ ص: 171 ] الدَّعْوَةِ . قَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْإِعْرَاضِ تَرْكُ الْمُبَالَاةِ بِهِمْ فَلَا يَكُونُ مَنْسُوخًا .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) قِيلَ : كَانُوا خَمْسَةَ نَفَرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ وَعَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ ، قَالَ
جِبْرِيلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ أَكْفِيَكَهُمْ ، فَأَوْمَأَ إِلَى عَقِبِ
الْوَلِيدِ فَمَرَّ بِنِبَالٍ ، فَتَعَلَّقَ بِثَوْبِهِ سَهْمٌ فَلَمْ يَنْعَطِفْ تَعَظُّمًا لِأَخْذِهِ ، فَأَصَابَ عِرْقًا فِي عَقِبِهِ فَقَطَعَهُ فَمَاتَ ، وَأَوْمَأَ إِلَى أَخْمَصِ
الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَدَخَلَتْ فِيهَا شَوْكَةٌ فَقَالَ : لُدِغْتُ لُدِغْتُ ، وَانْتَفَخَتْ رِجْلُهُ حَتَّى صَارَتْ كَالرَّحَا وَمَاتَ ، وَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيِ
الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَعَمِيَ ، وَأَشَارَ إِلَى أَنْفِ
عَدِيِّ بْنِ قَيْسٍ ، فَامْتَخَطَ قَيْحًا فَمَاتَ ، وَأَشَارَ إِلَى
الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ فَجَعَلَ يَنْطَحُ رَأْسَهُ بِالشَّجَرَةِ وَيَضْرِبُ وَجْهَهُ بِالشَّوْكِ حَتَّى مَاتَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَفِي أَسْمَائِهِمْ وَفِي كَيْفِيَّةِ طَرِيقِ اسْتِهْزَائِهِمْ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا ، وَالْقَدْرُ الْمَعْلُومُ أَنَّهُمْ طَبَقَةٌ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ وَرِيَاسَةٌ ; لِأَنَّ أَمْثَالَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ عَلَى إِظْهَارِ مِثْلِ هَذِهِ السَّفَاهَةِ مَعَ مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُلُوِّ قَدْرِهِ وَعِظَمِ مَنْصِبِهِ ، وَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْنَاهُمْ وَأَبَادَهُمْ وَأَزَالَ كَيْدَهُمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .