[ ص: 173 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889 ( سورة النحل )
مكية ، إلا الآيات الثلاث الأخيرة فمدنية
وآياتها : 128 ، نزلت بعد سورة الكهف
وحكى
الأصم عن بعضهم أن كلها مدنية ، وقال آخرون : من أولها إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كن فيكون ) مدني وما سواه فمكي ، وعن
قتادة بالعكس .
واعلم أن هذه السورة تسمى
nindex.php?page=treesubj&link=28883سورة النعم وهي مائة وعشرون وثمان آيات مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) .
فيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن معرفة تفسير هذه الآية مرتبة على سؤالات ثلاثة :
فالسؤال الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم بعذاب الدنيا تارة وهو القتل والاستيلاء عليهم كما حصل في يوم
بدر ، وتارة بعذاب يوم القيامة ، وهو الذي يحصل عند قيام الساعة ، ثم إن القوم لما لم يشاهدوا شيئا من ذلك احتجوا بذلك على تكذيبه ، وطلبوا منه الإتيان بذلك العذاب ، وقالوا له : ائتنا به . وروي أنه لما نزل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر ) [القمر : 1] قال الكفار فيما بينهم : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما هو كائن ، فلما تأخرت قالوا : ما نرى شيئا مما تخوفنا به ، فنزل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=1اقترب للناس حسابهم ) [الأنبياء : 1] فأشفقوا وانتظروا يومها ، فلما امتدت الأيام قالوا : يا
محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فنزل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله ) فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم ، فنزل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فلا )
[ ص: 174 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1تستعجلوه ) والحاصل أنه عليه السلام لما أكثر من تهديدهم بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، ولم يروا شيئا نسبوه إلى الكذب .
فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28987أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) وفي تقرير هذا الجواب وجهان :
الوجه الأول : أنه وإن لم يأت ذلك العذاب إلا أنه كان واجب الوقوع والشيء إذا كان بهذه الحالة والصفة ، فإنه يقال في الكلام المعتاد أنه قد أتى ووقع إجراء لما يجب وقوعه بعد ذلك مجرى الواقع ، يقال لمن طلب الإغاثة وقرب حصولها : قد جاءك الغوث فلا تجزع .
والوجه الثاني : وهو أن يقال أن أمر الله بذلك وحكمه به قد أتى وحصل ووقع ، فأما المحكوم به فإنما لم يقع ; لأنه تعالى حكم بوقوعه في وقت معين ، فقبل مجيء ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود والحاصل كأنه قيل : أمر الله وحكمه بنزول العذاب قد حصل ووجد من الأزل إلى الأبد ، فصح قولنا أتى أمر الله ، إلا أن المحكوم به والمأمور به إنما لم يحصل ; لأنه تعالى خصص حصوله بوقت معين فلا تستعجلوه ، ولا تطلبوا حصوله قبل حضور ذلك الوقت .
السؤال الثاني : قالت الكفار : هب أنا سلمنا لك يا
محمد صحة ما تقوله من أنه تعالى حكم بإنزال العذاب علينا إما في الدنيا وإما في الآخرة ، إلا أنا نعبد هذه الأصنام ; فإنها شفعاؤنا عند الله فهي تشفع لنا عنده ، فنتخلص من هذا العذاب المحكوم به بسبب شفاعة هذه الأصنام .
فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28987سبحانه وتعالى عما يشركون ) فنزه نفسه عن شركة الشركاء والأضداد والأنداد وأن يكون لأحد من الأرواح والأجسام أن يشفع عنده إلا بإذنه و
nindex.php?page=treesubj&link=28987_34077 ( ما ) في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عما يشركون ) يجوز أن تكون مصدرية ، والتقدير : سبحانه وتعالى عن إشراكهم ، ويجوز أن تكون بمعنى الذي ، أي : سبحانه وتعالى عن هذه الأصنام التي جعلوها شركاء لله ; لأنها جمادات خسيسة ، فأي مناسبة بينها وبين أدون الموجودات فضلا عن أن يحكم بكونها شركاء لمدبر الأرض والسماوات .
السؤال الثالث : هب أنه تعالى قضى على بعض عبيده بالسراء وعلى آخرين بالضراء ولكن كيف يمكنك أن تعرف هذه الأسرار التي لا يعلمها إلا الله ، وكيف صرت بحيث تعرف أسرار الله وأحكامه في ملكه وملكوته ؟
فأجاب الله تعالى عنه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=29747_28987ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) وتقرير هذا الجواب أنه تعالى ينزل الملائكة على من يشاء من عبيده ، ويأمر ذلك العبد بأن يبلغ إلى سائر الخلق أن إله العالم واحد كلفهم بمعرفة التوحيد والعبادة ، وبين أنهم إن فعلوا ذلك فازوا بخيري الدنيا والآخرة ، وإن تمردوا وقعوا في شر الدنيا والآخرة ، فبهذا الطريق صار مخصوصا بهذه المعارف من دون سائر الخلق ، وظهر بهذا الترتيب الذي لخصناه أن هذه الآيات منتظمة على أحسن الوجوه والله أعلم . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28920_28932_28935_28938قرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي : ( ينزل ) بالياء وكسر الزاي وتشديدها ، والملائكة بالنصب ، وقرأ
ابن كثير وأبو عمرو ( ينزل ) بضم الياء وكسر الزاي وتخفيفها ، والأول من التفعيل ، والثاني من
[ ص: 175 ] الإفعال ، وهما لغتان :
المسألة الثانية : روي عن
عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : يريد بالملائكة
جبريل وحده . قال
الواحدي :
nindex.php?page=treesubj&link=34077وتسمية الواحد باسم الجمع إذا كان ذلك الواحد رئيسا مقدما جائز كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ) . [نوح : 1] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه ) [القدر : 1] . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر ) [الحجر : 9] وفي حق الناس كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الذين قال لهم الناس ) [آل عمران : 173] وفيه قول آخر سيأتي شرحه بعد ذلك وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2بالروح من أمره ) فيه قولان :
القول الأول : أن المراد من الروح الوحي وهو كلام الله ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) [الشورى : 52] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ) [غافر : 15] قال أهل التحقيق : الجسد موات كثيف مظلم ، فإذا اتصل به الروح صار حيا لطيفا نورانيا . فظهرت آثار النور في الحواس الخمس ، ثم الروح أيضا ظلمانية جاهلة ، فإذا اتصل العقل بها صارت مشرقة نورانية ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) [النحل : 78] ثم العقل أيضا ليس بكامل النورانية والصفاء والإشراق حتى يستكمل بمعرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله ومعرفة أحوال عالم الأرواح والأجساد ، وعالم الدنيا والآخرة ، ثم إن هذه المعارف الشريفة الإلهية لا تكمل ، ولا تصفو إلا بنور الوحي والقرآن .
إذا عرفت هذا فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28890القرآن والوحي به تكمل المعارف الإلهية ، والمكاشفات الربانية وهذه المعارف بها يشرق العقل ويصفو ويكمل ، والعقل به يكمل جوهر الروح ، والروح به يكمل حال الجسد ، وعند هذا يظهر أن الروح الأصلي الحقيقي هو الوحي والقرآن ; لأن به يحصل الخلاص من رقدة الجهالة ، ونوم الغفلة ، وبه يحصل الانتقال من حضيض البهيمية إلى أوج الملكية ، فظهر أن إطلاق لفظ الروح على الوحي في غاية المناسبة والمشاكلة ، ومما يقوي ذلك أنه تعالى أطلق لفظ الروح على
جبريل عليه السلام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك ) [الشعراء : 193] وعلى
عيسى عليه السلام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87روح الله ) [يوسف : 87] وإنما حسن هذا الإطلاق ; لأنه حصل بسبب وجودهما حياة القلب وهي الهداية والمعارف ، فلما حسن إطلاق اسم الروح عليهما لهذا المعنى ; فلأن يحسن إطلاق لفظ الروح على الوحي والتنزيل كان ذلك أولى .
والقول الثاني في هذه الآية وهو قول
أبي عبيدة : إن الروح ههنا
جبريل عليه السلام ،
nindex.php?page=treesubj&link=28987_34077والباء في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2بالروح ) بمعنى مع كقولهم خرج فلان بثيابه ، أي : مع ثيابه وركب الأمير بسلاحه أي : مع سلاحه ، فيكون المعنى : ينزل الملائكة مع الروح وهو
جبريل ، والأول أقرب ، وتقرير هذا الوجه : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=29747_29752سبحانه وتعالى ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم جبريل وحده ، بل في أكثر الأحوال كان ينزل مع
جبريل أفواجا من الملائكة ، ألا ترى أن في يوم
بدر وفي كثير من الغزوات كان ينزل مع
جبريل عليه السلام أقوام من الملائكة ، وكان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تارة ملك الجبال ، وتارة ملك البحار ، وتارة رضوان ، وتارة غيرهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2من أمره ) يعني : أن ذلك التنزيل والنزول لا يكون إلا بأمر الله تعالى ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك ) [مريم : 64] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) [الأنبياء : 27] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28وهم من خشيته مشفقون ) [الأنبياء : 28]
[ ص: 176 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) [النحل : 50] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) [التحريم : 6] فكل هذه الآيات دالة على أنهم لا يقدمون على عمل من الأعمال إلا بأمر الله تعالى وإذنه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15على من يشاء من عباده ) [ غافر : 15] يريد الأنبياء الذين خصهم الله تعالى برسالته ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2أن أنذروا ) قال
الزجاج : ( أن ) بدل من الروح والمعنى : ينزل الملائكة بأن أنذروا ، أي : أعلموا الخلائق أنه لا إله إلا أنا ، والإنذار هو الإعلام مع التخويف .
[ ص: 173 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889 ( سُورَةُ النَّحْلِ )
مَكِّيَّةٌ ، إِلَّا الْآيَاتِ الثَّلَاثَ الْأَخِيرَةَ فَمَدَنِيَّةٌ
وَآيَاتُهَا : 128 ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْكَهْفِ
وَحَكَى
الْأَصَمُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ كُلَّهَا مَدَنِيَّةٌ ، وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كُنْ فَيَكُونُ ) مَدَّنِيٌّ وَمَا سِوَاهُ فَمَكِّيٌّ ، وَعَنْ
قَتَادَةَ بِالْعَكْسِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تُسَمَّى
nindex.php?page=treesubj&link=28883سُورَةَ النِّعَمِ وَهِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَثَمَانِ آيَاتٍ مَكِّيَّةٍ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) .
فِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى سُؤَالَاتٍ ثَلَاثَةٍ :
فَالسُّؤَالُ الْأَوَّلُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَوِّفُهُمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا تَارَةً وَهُوَ الْقَتْلُ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمْ كَمَا حَصَلَ فِي يَوْمِ
بَدْرٍ ، وَتَارَةً بِعَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ ، ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا لَمْ يُشَاهِدُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ احْتَجُّوا بِذَلِكَ عَلَى تَكْذِيبِهِ ، وَطَلَبُوا مِنْهُ الْإِتْيَانَ بِذَلِكَ الْعَذَابِ ، وَقَالُوا لَهُ : ائْتِنَا بِهِ . وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) [الْقَمَرِ : 1] قَالَ الْكُفَّارُ فِيمَا بَيْنَهُمْ : إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَرُبَتْ فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا تَعْمَلُونَ حَتَّى نَنْظُرَ مَا هُوَ كَائِنٌ ، فَلَمَّا تَأَخَّرَتْ قَالُوا : مَا نَرَى شَيْئًا مِمَّا تُخَوِّفُنَا بِهِ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=1اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 1] فَأَشْفَقُوا وَانْتَظَرُوا يَوْمَهَا ، فَلَمَّا امْتَدَّتِ الْأَيَّامُ قَالُوا : يَا
مُحَمَّدُ مَا نَرَى شَيْئًا مِمَّا تُخَوِّفُنَا بِهِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ) فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَ النَّاسُ رُؤُوسَهُمْ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فَلَا )
[ ص: 174 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1تَسْتَعْجِلُوهُ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَكْثَرَ مِنْ تَهْدِيدِهِمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ ، وَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا نَسَبُوهُ إِلَى الْكَذِبِ .
فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28987أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) وَفِي تَقْرِيرِ هَذَا الْجَوَابِ وَجْهَانِ :
الوجه الْأَوَّلُ : أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الْعَذَابُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ وَالشَّيْءُ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَالصِّفَةِ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الْكَلَامِ الْمُعْتَادِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى وَوَقَعَ إِجْرَاءً لِمَا يَجِبُ وُقُوعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَجْرَى الْوَاقِعِ ، يُقَالُ لِمَنْ طَلَبَ الْإِغَاثَةَ وَقَرُبَ حُصُولُهَا : قَدْ جَاءَكَ الْغَوْثُ فَلَا تَجْزَعْ .
وَالوجه الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يُقَالَ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِذَلِكَ وَحُكْمَهُ بِهِ قَدْ أَتَى وَحَصَلَ وَوَقَعَ ، فَأَمَّا الْمَحْكُومُ بِهِ فَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِوُقُوعِهِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ، فَقَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ إِلَى الْوُجُودِ وَالْحَاصِلُ كَأَنَّهُ قِيلَ : أَمْرُ اللَّهِ وَحُكْمُهُ بِنُزُولِ الْعَذَابِ قَدْ حَصَلَ وَوُجِدَ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ ، فَصَحَّ قَوْلُنَا أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ، إِلَّا أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ وَالْمَأْمُورَ بِهِ إِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّصَ حُصُولَهُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ، وَلَا تَطْلُبُوا حُصُولَهُ قَبْلَ حُضُورِ ذَلِكَ الْوَقْتِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : قَالَتِ الْكُفَّارُ : هَبْ أَنَّا سَلَّمْنَا لَكَ يَا
مُحَمَّدُ صِحَّةَ مَا تَقُولُهُ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِإِنْزَالِ الْعَذَابِ عَلَيْنَا إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ ، إِلَّا أَنَّا نَعْبُدُ هَذِهِ الْأَصْنَامَ ; فَإِنَّهَا شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ فَهِيَ تَشْفَعُ لَنَا عِنْدَهُ ، فَنَتَخَلَّصُ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ الْمَحْكُومِ بِهِ بِسَبَبِ شَفَاعَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ .
فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28987سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ شَرِكَةِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ وَأَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ
nindex.php?page=treesubj&link=28987_34077 ( مَا ) فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عَمَّا يُشْرِكُونَ ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً ، وَالتَّقْدِيرُ : سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ إِشْرَاكِهِمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي ، أَيْ : سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ ; لِأَنَّهَا جَمَادَاتٌ خَسِيسَةٌ ، فَأَيُّ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَدْوَنِ الْمَوْجُودَاتِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُحْكَمَ بِكَوْنِهَا شُرَكَاءَ لِمُدَبِّرِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : هَبْ أَنَّهُ تَعَالَى قَضَى عَلَى بَعْضِ عَبِيدِهِ بِالسَّرَّاءِ وَعَلَى آخَرِينَ بِالضَّرَّاءِ وَلَكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَعْرِفَ هَذِهِ الْأَسْرَارَ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ ، وَكَيْفَ صِرْتَ بِحَيْثُ تَعْرِفُ أَسْرَارَ اللَّهِ وَأَحْكَامَهُ فِي مُلْكِهِ وَمَلَكُوتِهِ ؟
فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=29747_28987يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) وَتَقْرِيرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ تَعَالَى يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبِيدِهِ ، وَيَأْمُرُ ذَلِكَ الْعَبْدَ بِأَنْ يُبَلِّغَ إِلَى سَائِرِ الْخَلْقِ أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ كَلَّفَهُمْ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَازُوا بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنْ تَمَرَّدُوا وَقَعُوا فِي شَرِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ صَارَ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الْمَعَارِفِ مِنْ دُونِ سَائِرِ الْخَلْقِ ، وَظَهَرَ بِهَذَا التَّرْتِيبِ الَّذِي لَخَّصْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مُنْتَظِمَةٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28920_28932_28935_28938قَرَأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : ( يُنَزِّلُ ) بِالْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِهَا ، وَالْمَلَائِكَةَ بِالنَّصْبِ ، وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو ( يُنْزِلُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِهَا ، وَالْأَوَّلُ مِنَ التَّفْعِيلِ ، وَالثَّانِي مِنَ
[ ص: 175 ] الْإِفْعَالِ ، وَهُمَا لُغَتَانِ :
المسألة الثَّانِيَةُ : رُوِيَ عَنْ
عَطَاءٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : يُرِيدُ بِالْمَلَائِكَةِ
جِبْرِيلَ وَحْدَهُ . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077وَتَسْمِيَةُ الْوَاحِدِ بِاسْمِ الْجَمْعِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَئِيسًا مُقَدَّمًا جَائِزٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ) . [نُوحٍ : 1] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) [الْقَدْرِ : 1] . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) [الْحِجْرِ : 9] وَفِي حَقِّ النَّاسِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ) [آلِ عِمْرَانَ : 173] وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ سَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) فِيهِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الرُّوحِ الْوَحْيُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) [الشُّورَى : 52] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) [غَافِرٍ : 15] قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ : الْجَسَدُ مَوَاتٌ كَثِيفٌ مُظْلِمٌ ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الرُّوحُ صَارَ حَيًّا لَطِيفًا نُورَانِيًّا . فَظَهَرَتْ آثَارُ النُّورِ فِي الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، ثُمَّ الرُّوحُ أَيْضًا ظَلْمَانِيَّةٌ جَاهِلَةٌ ، فَإِذَا اتَّصَلَ الْعَقْلُ بِهَا صَارَتْ مُشْرِقَةً نُورَانِيَّةً ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ) [النَّحْلِ : 78] ثُمَّ الْعَقْلُ أَيْضًا لَيْسَ بِكَامِلِ النُّورَانِيَّةِ وَالصَّفَاءِ وَالْإِشْرَاقِ حَتَّى يُسْتَكْمَلَ بِمَعْرِفَةِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ عَالَمِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَادِ ، وَعَالَمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْمَعَارِفَ الشَّرِيفَةَ الْإِلَهِيَّةَ لَا تَكْمُلُ ، وَلَا تَصْفُو إِلَّا بِنُورِ الْوَحْيِ وَالْقُرْآنِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28890الْقُرْآنُ وَالْوَحْيُ بِهِ تَكْمُلُ الْمَعَارِفُ الْإِلَهِيَّةُ ، وَالْمُكَاشَفَاتُ الرَّبَّانِيَّةُ وَهَذِهِ الْمَعَارِفُ بِهَا يُشْرِقُ الْعَقْلُ وَيَصْفُو وَيَكْمُلُ ، وَالْعَقْلُ بِهِ يَكْمُلُ جَوْهَرُ الرُّوحِ ، وَالرُّوحُ بِهِ يَكْمُلُ حَالُ الْجَسَدِ ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الرُّوحَ الْأَصْلِيَّ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْوَحْيُ وَالْقُرْآنُ ; لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْخَلَاصُ مِنْ رَقْدَةِ الْجَهَالَةِ ، وَنَوْمِ الْغَفْلَةِ ، وَبِهِ يَحْصُلُ الِانْتِقَالُ مِنْ حَضِيضِ الْبَهِيمِيَّةِ إِلَى أَوْجِ الْمَلَكِيَّةِ ، فَظَهَرَ أَنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ الرُّوحِ عَلَى الْوَحْيِ فِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ ، وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ لَفْظَ الرُّوحِ عَلَى
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ ) [الشُّعَرَاءِ : 193] وَعَلَى
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87رَوْحِ اللَّهِ ) [يُوسُفَ : 87] وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْإِطْلَاقُ ; لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ وُجُودِهِمَا حَيَاةُ الْقَلْبِ وَهِيَ الْهِدَايَةُ وَالْمَعَارِفُ ، فَلَمَّا حَسُنَ إِطْلَاقُ اسْمِ الرُّوحِ عَلَيْهِمَا لِهَذَا الْمَعْنَى ; فَلَأَنْ يَحْسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الرُّوحِ عَلَى الْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عُبَيْدَةَ : إِنَّ الرُّوحَ هَهُنَا
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28987_34077وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2بِالرُّوحِ ) بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِمْ خَرَجَ فُلَانٌ بِثِيَابِهِ ، أَيْ : مَعَ ثِيَابِهِ وَرَكِبَ الْأَمِيرُ بِسِلَاحِهِ أَيْ : مَعَ سِلَاحِهِ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى : يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ مَعَ الرُّوحِ وَهُوَ
جِبْرِيلُ ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الوجه : أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29747_29752سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ وَحْدَهُ ، بَلْ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ كَانَ يُنَزِّلُ مَعَ
جِبْرِيلَ أَفْوَاجًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي يَوْمِ
بَدْرٍ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ كَانَ يَنْزِلُ مَعَ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقْوَامٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَتَارَةً مَلَكُ الْبِحَارِ ، وَتَارَةً رِضْوَانُ ، وَتَارَةً غَيْرُهُمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2مِنْ أَمْرِهِ ) يَعْنِي : أَنَّ ذَلِكَ التَّنْزِيلَ وَالنُّزُولَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) [مَرْيَمَ : 64] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 27] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 28]
[ ص: 176 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [النَّحْلِ : 50] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التَّحْرِيمِ : 6] فَكُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُقْدِمُونَ عَلَى عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذْنِهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) [ غَافِرٍ : 15] يُرِيدُ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ خَصَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2أَنْ أَنْذِرُوا ) قَالَ
الزَّجَّاجُ : ( أَنْ ) بَدَلٌ مِنَ الرُّوحِ وَالْمَعْنَى : يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِأَنْ أَنْذِرُوا ، أَيْ : أَعْلِمُوا الْخَلَائِقَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، وَالْإِنْذَارُ هُوَ الْإِعْلَامُ مَعَ التَّخْوِيفِ .