(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون )
اعلم أن أشرف أجسام العالم السفلي بعد الحيوان النبات ، فلما قرر الله تعالى الاستدلال على وجود الصانع الحكيم بعجائب أحوال الحيوانات ، أتبعه في هذه الآية بذكر الاستدلال على وجود الصانع الحكيم بعجائب أحوال النبات .
واعلم أن الماء المنزل من السماء هو المطر ، وأما أن المطر نازل من السحاب أو من السماء فقد ذكرناه في هذا الكتاب مرارا ، والحاصل : أن ماء المطر قسمان :
أحدهما : هو الذي جعله الله تعالى شرابا لنا ولكل
[ ص: 186 ] حي ، وهو المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10لكم منه شراب ) وقد بين الله تعالى في آية أخرى أن هذه النعمة جليلة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30وجعلنا من الماء كل شيء حي ) [الأنبياء : 30] .
فإن قيل : أفتقولون إن شرب الخلق ليس إلا من المطر ، أو تقولون : قد يكون منه ، وقد يكون من غيره ، وهو الماء الموجود في قعر الأرض ؟
أجاب القاضي : بأنه تعالى بين أن المطر شرابنا ، ولم ينف أن نشرب من غيره .
ولقائل أن يقول : ظاهر الآية يدل على الحصر ; لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10لكم منه شراب ) يفيد الحصر ; لأن معناه منه لا من غيره .
إذا ثبت هذا فنقول : لا يمتنع أن يكون الماء العذب تحت الأرض من جملة ماء المطر يسكن هناك ، والدليل عليه قوله تعالى في سورة المؤمنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ) [المؤمنون : 18] ولا يمتنع أيضا في غير العذب وهو البحر أن يكون من جملة ماء المطر ، والقسم الثاني من المياه النازلة من السماء ما يجعله الله سببا لتكوين النبات ، وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10ومنه شجر فيه تسيمون ) إلى آخر الآية ، وفيه مباحث :
البحث الأول : ظاهر هذه الآية يقتضي أن إسامة الشجر ممكنة ، وهذا إنما يصح لو كان المراد من الشجر الكلأ والعشب ، وههنا قولان :
القول الأول : قال
الزجاج : كل ما ثبت على الأرض فهو شجر وأنشد :
يطعمها اللحم إذا عز الشجر
يعني : أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة في هذه الآية : المراد من الشجر الكلأ ، وفي حديث عكرمة لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت يعني : الكلأ .
ولقائل أن يقول : إنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=6والنجم والشجر يسجدان ) [الرحمن : 6] والمراد من النجم ما ينجم من الأرض مما ليس له ساق ، ومن الشجر ما له ساق ، هكذا قال المفسرون ، وبالجملة فلما عطف الشجر على النجم دل على التغاير بينهما ، ويمكن أن يجاب عنه بأن عطف الجنس على النوع وبالضد مشهور وأيضا فلفظ الشجر مشعر بالاختلاط ، يقال : تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم بالبعض ، وتشاجرت الرماح إذا اختلطت وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) [النساء : 65] ومعنى الاختلاط حاصل في العشب والكلأ ، فوجب جواز إطلاق لفظ الشجر عليه .
القول الثاني : أن الإبل تقدر على رعي ورق الأشجار الكبار ، وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى ما ذكرناه في القول الأول .
البحث الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10فيه تسيمون ) أي : في الشجر ترعون مواشيكم يقال : أسمت الماشية إذا خليتها ترعى ، وسامت هي تسوم سوما إذا رعت حيث شاءت فهي سوام وسائمة قال
الزجاج : أخذ ذلك من السومة وهي العلامة ، وتأويلها أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات ، وقال غيره : لأنها تعلم للإرسال في المرعى ،
[ ص: 187 ] وتمام الكلام في هذا اللفظ قد ذكرناه في سورة آل عمران في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14والخيل المسومة ) [آل عمران : 14] .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28987ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ) ففيه مباحث :
البحث الأول : هو أن النبات الذي ينبته الله من ماء السماء قسمان :
أحدهما : معد لرعي الأنعام وإسامة الحيوانات ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10فيه تسيمون ) .
والثاني : ما كان مخلوقا لأكل الإنسان وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11ينبت لكم به الزرع والزيتون ) .
فإن قيل : إنه تعالى بدأ في هذه الآية بذكر ما يكون مرعى للحيوانات ، وأتبعه بذكر ما يكون غذاء للإنسان ، وفي آية أخرى عكس هذا الترتيب فبدأ بذكر مأكول الإنسان ، ثم بما يرعاه سائر الحيوانات فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54كلوا وارعوا أنعامكم ) [طه : 54] فما الفائدة فيه ؟
قلنا : أما الترتيب المذكور في هذه الآية فينبه على مكارم الأخلاق وهو أن يكون اهتمام الإنسان بمن يكون تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه ، وأما الترتيب المذكور في الآية الأخرى ، فالمقصود منه ما هو المذكور في قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013037ابدأ بنفسك ، ثم بمن تعول " .
البحث الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=28932قرأ عاصم في رواية أبي بكر : ( ننبت ) بالنون على التفخيم والباقون بالياء ، قال
الواحدي : والياء أشبه بما تقدم .
البحث الثالث : اعلم أن الإنسان خلق محتاجا إلى الغذاء ، والغذاء إما أن يكون من الحيوان أو من النبات . والغذاء الحيواني أشرف من الغذاء النباتي ; لأن تولد أعضاء الإنسان عند أكل أعضاء الحيوان أسهل من تولدها عند أكل النبات ; لأن المشابهة هناك أكمل وأتم والغذاء الحيواني إنما يحصل من إسامة الحيوانات والسعي في تنميتها بواسطة الرعي ، وهذا هو الذي ذكره الله تعالى في الإسامة ، وأما الغذاء النباتي فقسمان : حبوب ، وفواكه ، أما الحبوب فإليها الإشارة بلفظ الزرع وأما الفواكه فأشرفها الزيتون ، والنخيل ، والأعناب ، أما الزيتون فلأنه فاكهة من وجه وإدام من وجه آخر لكثرة ما فيه من الدهن ومنافع الأدهان كثيرة في الأكل والطلي واشتعال السرج ، وأما امتياز النخيل والأعناب من سائر الفواكه ، فظاهر معلوم ، وكما أنه تعالى لما ذكر الحيوانات التي ينتفع الناس بها على التفصيل ، ثم قال في صفة البقية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8ويخلق ما لا تعلمون ) فكذلك ههنا لما ذكر الأنواع المنتفع بها من النبات ، قال في صفة البقية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11ومن كل الثمرات ) تنبيها على أن تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها لا يمكن ذكره في مجلدات ، فالأولى الاقتصار فيه على الكلام المجمل .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) وههنا بحثان :
البحث الأول : في شرح كون هذه الأشياء
nindex.php?page=treesubj&link=29426آيات دالة على وجود الله تعالى فنقول : إن الحبة الواحدة تقع في الطين فإذا مضت على هذه الحالة مقادير معينة من الوقت نفذت في داخل تلك الحبة أجزاء من رطوبة الأرض ونداوتها فتنتفخ الحبة فينشق أعلاها وأسفلها ، فيخرج من أعلى تلك الحبة شجرة صاعدة من داخل الأرض إلى الهواء ، ومن أسفلها شجرة أخرى غائصة في قعر الأرض وهذه الغائصة هي المسماة بعروق
[ ص: 188 ] الشجرة ، ثم إن تلك الشجرة لا تزال تزداد وتنمو وتقوى ، ثم يخرج منها الأوراق والأزهار والأكمام والثمار ، ثم إن تلك الثمرة تشتمل على أجسام مختلفة الطبائع مثل العنب ، فإن قشره وعجمه باردان يابسان كثيفان ، ولحمه وماؤه حاران رطبان لطيفان .
إذا عرفت هذا فنقول : نسبة الطبائع السفلية إلى هذا الجسم متشابهة ونسبة التأثيرات الفلكية والتحريكات الكوكبية إلى الكل متشابهة ، ومع تشابه نسب هذه الأشياء ترى هذه الأجسام مختلفة في الطبع والطعم واللون والرائحة والصفة ، فدل صريح العقل على أن ذلك ليس إلا لأجل فاعل قادر حكيم رحيم ، فهذا تقدير هذه الدلالة .
البحث الثاني : أنه تعالى ختم هذه الآية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11لقوم يتفكرون ) والسبب فيه أنه تعالى ذكر أنه : " أنزل من السماء ماء فأنبت به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب " .
ولقائل أن يقول : لا نسلم أنه تعالى هو الذي أنبتها ، ولم لا يجوز أن يقال : إن هذه الأشياء إنما حدثت ، وتولدت بسبب تعاقب الفصول الأربعة ، وتأثيرات الشمس والقمر والكواكب ؟ وإذا عرفت هذا السؤال فما لم يقم الدليل على فساد هذا الاحتمال لا يكون هذا الدليل تاما وافيا بإفادة هذا المطلوب ، بل يكون مقام الفكر والتأمل باقيا ، فلهذا السبب ختم هذه الآية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11لقوم يتفكرون ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ أَشْرَفَ أَجْسَامِ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بَعْدَ الْحَيَوَانِ النَّبَاتُ ، فَلَمَّا قَرَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِدْلَالَ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ بِعَجَائِبَ أَحْوَالِ الْحَيَوَانَاتِ ، أَتْبَعَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِذِكْرِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ بِعَجَائِبَ أَحْوَالِ النَّبَاتِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُنَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ هُوَ الْمَطَرُ ، وَأَمَّا أَنَّ الْمَطَرَ نَازِلٌ مِنَ السَّحَابِ أَوْ مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِرَارًا ، وَالْحَاصِلُ : أَنَّ مَاءَ الْمَطَرِ قِسْمَانِ :
أَحَدُهُمَا : هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرَابًا لَنَا وَلِكُلِّ
[ ص: 186 ] حَيٍّ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ ) وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ جَلِيلَةٌ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 30] .
فَإِنْ قِيلَ : أَفَتَقُولُونَ إِنَّ شُرْبَ الْخَلْقِ لَيْسَ إِلَّا مِنَ الْمَطَرِ ، أَوْ تَقُولُونَ : قَدْ يَكُونُ مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ فِي قَعْرِ الْأَرْضِ ؟
أَجَابَ الْقَاضِي : بِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْمَطَرَ شَرَابُنَا ، وَلَمْ يَنْفِ أَنْ نَشْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ ) يُفِيدُ الْحَصْرَ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الْعَذْبُ تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ جُمْلَةِ مَاءِ الْمَطَرِ يَسْكُنُ هُنَاكَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ) [الْمُؤْمِنُونَ : 18] وَلَا يَمْتَنِعُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْعَذْبِ وَهُوَ الْبَحْرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ مَاءِ الْمَطَرِ ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْمِيَاهِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ سَبَبًا لِتَكْوِينِ النَّبَاتِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
البحث الْأَوَّلُ : ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ إِسَامَةَ الشَّجَرِ مُمْكِنَةٌ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الشَّجَرِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ ، وَهَهُنَا قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : كُلُّ مَا ثَبَتَ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ شَجَرٌ وَأَنْشَدَ :
يُطْعِمُهَا اللَّحْمَ إِذَا عَزَّ الشَّجَرُ
يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَسْقُونَ الْخَيْلَ اللَّبَنَ إِذَا أَجْدَبَتِ الْأَرْضُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : الْمُرَادُ مِنَ الشَّجَرِ الْكَلَأُ ، وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ لَا تَأْكُلُوا ثَمَنَ الشَّجَرِ فَإِنَّهُ سُحْتٌ يَعْنِي : الْكَلَأَ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=6وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ) [الرَّحْمَنِ : 6] وَالْمُرَادُ مِنَ النَّجْمِ مَا يَنْجُمُ مِنَ الْأَرْضِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ سَاقٌ ، وَمِنَ الشَّجَرِ مَا لَهُ سَاقٌ ، هَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمَّا عَطَفَ الشَّجَرَ عَلَى النَّجْمِ دَلَّ عَلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَطْفَ الْجِنْسِ عَلَى النوع وَبِالضِّدِّ مَشْهُورٌ وَأَيْضًا فَلَفَظُ الشَّجَرِ مُشْعِرٌ بِالِاخْتِلَاطِ ، يُقَالُ : تَشَاجَرَ الْقَوْمُ إِذَا اخْتَلَطَ أَصْوَاتُ بَعْضِهِمْ بِالْبَعْضِ ، وَتَشَاجَرَتِ الرِّمَاحُ إِذَا اخْتَلَطَتْ وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) [النِّسَاءِ : 65] وَمَعْنَى الِاخْتِلَاطِ حَاصِلٌ فِي الْعُشْبِ وَالْكَلَأِ ، فَوَجَبَ جَوَازُ إِطْلَاقِ لَفْظِ الشَّجَرِ عَلَيْهِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْإِبِلَ تَقْدِرُ عَلَى رَعْيِ وَرَقِ الْأَشْجَارِ الْكِبَارِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ .
البحث الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10فِيهِ تُسِيمُونَ ) أَيْ : فِي الشَّجَرِ تَرْعُونَ مَوَاشِيَكُمْ يُقَالُ : أَسَمْتُ الْمَاشِيَةَ إِذَا خَلَّيْتُهَا تَرْعَى ، وَسَامَتْ هِيَ تَسُومُ سَوْمًا إِذَا رَعَتْ حَيْثُ شَاءَتْ فَهِيَ سَوَامٌ وَسَائِمَةٌ قَالَ
الزَّجَّاجُ : أَخَذَ ذَلِكَ مِنَ السَّوْمَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ ، وَتَأْوِيلُهَا أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الْأَرْضِ بِرَعْيِهَا عَلَامَاتٍ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : لِأَنَّهَا تُعَلَّمُ لِلْإِرْسَالِ فِي الْمَرْعَى ،
[ ص: 187 ] وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا اللَّفْظِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ) [آلِ عِمْرَانَ : 14] .
أما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28987يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ ) فَفِيهِ مَبَاحِثُ :
البحث الْأَوَّلُ : هُوَ أَنَّ النَّبَاتَ الَّذِي يُنْبِتُهُ اللَّهُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ قِسْمَانِ :
أَحَدُهُمَا : مُعَدٌّ لِرَعْيِ الْأَنْعَامِ وَإِسَامَةِ الْحَيَوَانَاتِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10فِيهِ تُسِيمُونَ ) .
وَالثَّانِي : مَا كَانَ مَخْلُوقًا لِأَكْلِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ ) .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِذِكْرِ مَا يَكُونُ مَرْعًى لِلْحَيَوَانَاتِ ، وَأَتْبَعَهُ بِذِكْرِ مَا يَكُونُ غِذَاءً لِلْإِنْسَانِ ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى عَكَسَ هَذَا التَّرْتِيبَ فَبَدَأَ بِذِكْرِ مَأْكُولِ الْإِنْسَانِ ، ثُمَّ بِمَا يَرْعَاهُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ) [طه : 54] فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهِ ؟
قُلْنَا : أَمَّا التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَيُنَبِّهُ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُ الْإِنْسَانِ بِمَنْ يَكُونُ تَحْتَ يَدِهِ أَكْمَلَ مِنَ اهْتِمَامِهِ بِحَالِ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ، فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013037ابْدَأْ بِنَفْسِكِ ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ " .
البحث الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=28932قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ : ( نُنْبِتُ ) بِالنُّونِ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَالْيَاءُ أَشْبَهُ بِمَا تَقَدَّمَ .
البحث الثَّالِثُ : اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ مُحْتَاجًا إِلَى الْغِذَاءِ ، وَالْغِذَاءُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوْ مِنَ النَّبَاتِ . وَالْغِذَاءُ الْحَيَوَانِيُّ أَشْرَفُ مِنَ الْغِذَاءِ النَّبَاتِيِّ ; لِأَنَّ تَوَلُّدَ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ أَكْلِ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ أَسْهَلُ مِنْ تَوَلُّدِهَا عِنْدَ أَكْلِ النَّبَاتِ ; لِأَنَّ الْمُشَابَهَةَ هُنَاكَ أَكْمَلُ وَأَتَمُّ وَالْغِذَاءُ الْحَيَوَانِيُّ إِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ إِسَامَةِ الْحَيَوَانَاتِ وَالسَّعْيِ فِي تَنْمِيَتِهَا بِوَاسِطَةِ الرَّعْيِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِسَامَةِ ، وَأَمَّا الْغِذَاءُ النَّبَاتِيُّ فَقِسْمَانِ : حُبُوبٌ ، وَفَوَاكِهٌ ، أَمَّا الْحُبُوبُ فَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِلَفْظِ الزَّرْعِ وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ فَأَشْرَفُهَا الزَّيْتُونُ ، وَالنَّخِيلُ ، وَالْأَعْنَابُ ، أَمَّا الزَّيْتُونُ فَلِأَنَّهُ فَاكِهَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِدَامٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الدُّهْنِ وَمَنَافِعُ الْأَدْهَانِ كَثِيرَةٌ فِي الْأَكْلِ وَالطَّلْيِ وَاشْتِعَالِ السُّرُجِ ، وَأَمَّا امْتِيَازُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ مِنْ سَائِرِ الْفَوَاكِهِ ، فَظَاهِرٌ مَعْلُومٌ ، وَكَمَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ ، ثم قال فِي صِفَةِ الْبَقِيَّةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) فَكَذَلِكَ هَهُنَا لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الْمُنْتَفَعَ بِهَا مِنَ النَّبَاتِ ، قَالَ فِي صِفَةِ الْبَقِيَّةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ تَفْصِيلَ الْقَوْلِ فِي أَجْنَاسِهَا وَأَنْوَاعِهَا وَصِفَاتِهَا وَمَنَافِعِهَا لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ فِي مُجَلَّدَاتٍ ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى الْكَلَامِ الْمُجْمَلِ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) وَهَهُنَا بَحْثَانِ :
البحث الْأَوَّلُ : فِي شَرْحِ كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=29426آيَاتٍ دَالَّةً عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَقُولُ : إِنَّ الْحَبَّةَ الْوَاحِدَةَ تَقَعُ فِي الطِّينِ فَإِذَا مَضَتْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَقَادِيرُ مُعَيَّنَةٌ مِنَ الْوَقْتِ نَفَذَتْ فِي دَاخِلِ تِلْكَ الْحَبَّةِ أَجْزَاءٌ مِنْ رُطُوبَةِ الْأَرْضِ وَنَدَاوَتِهَا فَتَنْتَفِخُ الْحَبَّةُ فَيَنْشَقُّ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلُهَا ، فَيَخْرُجُ مِنْ أَعْلَى تِلْكَ الْحَبَّةِ شَجَرَةٌ صَاعِدَةٌ مِنْ دَاخِلِ الْأَرْضِ إِلَى الْهَوَاءِ ، وَمِنْ أَسْفَلِهَا شَجَرَةٌ أُخْرَى غَائِصَةٌ فِي قَعْرِ الْأَرْضِ وَهَذِهِ الْغَائِصَةُ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِعُرُوقِ
[ ص: 188 ] الشَّجَرَةِ ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الشَّجَرَةَ لَا تَزَالُ تَزْدَادُ وَتَنْمُو وَتَقْوَى ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا الْأَوْرَاقُ وَالْأَزْهَارُ وَالْأَكْمَامُ وَالثِّمَارُ ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الثَّمَرَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَجْسَامٍ مُخْتَلِفَةِ الطَّبَائِعِ مِثْلَ الْعِنَبِ ، فَإِنَّ قِشْرَهُ وَعَجَمَهُ بَارِدَانِ يَابِسَانِ كَثِيفَانِ ، وَلَحْمَهُ وَمَاؤَهُ حَارَّانِ رَطْبَانِ لَطِيفَانِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : نِسْبَةُ الطَّبَائِعِ السُّفْلِيَّةِ إِلَى هَذَا الْجِسْمِ مُتَشَابِهَةٌ وَنِسْبَةُ التَّأْثِيرَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَالتَّحْرِيكَاتِ الْكَوْكَبِيَّةِ إِلَى الْكُلِّ مُتَشَابِهَةٌ ، وَمَعَ تَشَابُهِ نِسَبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَرَى هَذِهِ الْأَجْسَامَ مُخْتَلِفَةً فِي الطَّبْعِ وَالطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالصِّفَةِ ، فَدَلَّ صَرِيحُ الْعَقْلِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا لِأَجْلِ فَاعِلٍ قَادِرٍ حَكِيمٍ رَحِيمٍ ، فَهَذَا تَقْدِيرُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ .
البحث الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّهُ : " أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتَ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ " .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْبَتَهَا ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِنَّمَا حَدَثَتْ ، وَتَوَلَّدَتْ بِسَبَبِ تَعَاقُبِ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ ، وَتَأْثِيرَاتِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ ؟ وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا السُّؤَالَ فَمَا لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يَكُونُ هَذَا الدَّلِيلُ تَامًّا وَافِيًا بِإِفَادَةِ هَذَا الْمَطْلُوبِ ، بَلْ يَكُونُ مَقَامُ الْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ بَاقِيًا ، فَلِهَذَا السَّبَبِ خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .