(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19والله يعلم ما تسرون وما تعلنون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19والله يعلم ما تسرون وما تعلنون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون )
[ ص: 11 ]
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل الدالة على وجود القادر الحكيم على الترتيب الأحسن والنظم الأكمل ، وكانت تلك الدلائل - كما أنها كانت دلائل - ، فكذلك أيضا كانت شرحا وتفصيلا لأنواع نعم الله تعالى وأقسام إحسانه ، أتبعه بذكر إبطال عبادة غير الله تعالى ، والمقصود أنه لما دلت هذه الدلائل الباهرة ، والبينات الزاهرة القاهرة على وجود إله قادر حكيم ، وثبت أنه هو المولى لجميع هذه النعم والمعطي لكل هذه الخيرات ، فكيف يحسن في العقول الاشتغال بعبادة موجود سواه ، لا سيما إذا كان الموجود جمادا لا يفهم ولا يقدر ، فلهذا الوجه قال بعد تلك الآيات : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) والمعنى : أفمن يخلق هذه الأشياء التي ذكرناها كمن لا يخلق ، بل لا يقدر البتة على شيء ؟ أفلا تذكرون ، فإن هذا القدر لا يحتاج إلى تدبر وتفكر ونظر . ويكفي فيه أن تتنبهوا على ما في عقولكم من أن
nindex.php?page=treesubj&link=30489_29429العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم ، وأنتم ترون في الشاهد إنسانا عاقلا فاهما ينعم بالنعمة العظيمة ، ومع ذلك فتعلمون أنه يقبح عبادته ، فهذه الأصنام جمادات محضة ، وليس لها فهم ولا قدرة ولا اختيار ، فكيف تقدمون على عبادتها ؟ ! وكيف تجوزون الاشتغال بخدمتها وطاعتها ؟ !
المسألة الثانية : المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17كمن لا يخلق ) الأصنام ، وأنها جمادات ، فلا يليق بها لفظة " من " لأنها لأولي العلم . وأجيب عنه من وجوه :
الوجه الأول : أن الكفار لما سموها آلهة وعبدوها ، لا جرم أجريت مجرى أولي العلم ، ألا ترى إلى قوله على أثره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) .
والوجه الثاني في الجواب : أن السبب فيه المشاكلة بينه وبين من يخلق .
والوجه الثالث : أن يكون المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم ، فكيف من لا علم عنده كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=195ألهم أرجل يمشون بها ) يعني : أن الآلهة التي تدعونها حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل وأيد وآذان وقلوب ، لأن هؤلاء أحياء وهم أموات ، فكيف يصح منهم عبادتها ، وليس المراد أنه لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا .
فإن قيل : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق ) المقصود منه إلزام عبدة الأوثان ، حيث جعلوا غير الخالق مثل الخالق في التسمية بالإله ، وفي الاشتغال بعبادتها ، فكان حق الإلزام أن يقال : أفمن لا يخلق كمن يخلق .
والجواب : المراد منه أن من يخلق هذه الأشياء العظيمة ويعطي هذه المنافع الجليلة كيف يسوى بينه وبين هذه الجمادات الخسيسة في التسمية باسم الإله ، وفي الاشتغال بعبادتها والإقدام على غاية تعظيمها ، فوقع التعبير عن هذا المعنى بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=19وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=21أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )
[ ص: 11 ]
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى وُجُودِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْأَحْسَنِ وَالنَّظْمِ الْأَكْمَلِ ، وَكَانَتْ تِلْكَ الدَّلَائِلُ - كَمَا أَنَّهَا كَانَتْ دَلَائِلَ - ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا كَانَتْ شَرْحًا وَتَفْصِيلًا لِأَنْوَاعِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقْسَامِ إِحْسَانِهِ ، أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ إِبْطَالِ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا دَلَّتْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ الْبَاهِرَةُ ، وَالْبَيِّنَاتُ الزَّاهِرَةُ الْقَاهِرَةُ عَلَى وُجُودِ إِلَهٍ قَادِرٍ حَكِيمٍ ، وَثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ الْمَوْلَى لِجَمِيعِ هَذِهِ النِّعَمِ وَالْمُعْطِي لِكُلِّ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ ، فَكَيْفَ يَحْسُنُ فِي الْعُقُولِ الِاشْتِغَالُ بِعِبَادَةِ مَوْجُودٍ سِوَاهُ ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمَوْجُودُ جَمَادًا لَا يَفْهَمُ وَلَا يَقْدِرُ ، فَلِهَذَا الوجه قَالَ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَاتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) وَالْمَعْنَى : أَفَمَنْ يَخْلُقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ، بَلْ لَا يَقْدِرُ الْبَتَّةَ عَلَى شَيْءٍ ؟ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ، فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ وَنَظَرٍ . وَيَكْفِي فِيهِ أَنْ تَتَنَبَّهُوا عَلَى مَا فِي عُقُولِكُمْ مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30489_29429الْعِبَادَةَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْمُنْعِمِ الْأَعْظَمِ ، وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ فِي الشَّاهِدِ إِنْسَانًا عَاقِلًا فَاهِمًا يُنْعِمُ بِالنِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَقْبُحُ عِبَادَتُهُ ، فَهَذِهِ الْأَصْنَامُ جَمَادَاتٌ مَحْضَةٌ ، وَلَيْسَ لَهَا فَهْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا اخْتِيَارٌ ، فَكَيْفَ تُقْدِمُونَ عَلَى عِبَادَتِهَا ؟ ! وَكَيْفَ تُجَوِّزُونَ الِاشْتِغَالَ بِخِدْمَتِهَا وَطَاعَتِهَا ؟ !
المسألة الثَّانِيَةُ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ) الْأَصْنَامُ ، وَأَنَّهَا جَمَادَاتٌ ، فَلَا يَلِيقُ بِهَا لَفْظَةُ " مَنْ " لِأَنَّهَا لِأُولِي الْعِلْمِ . وَأُجِيبَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الوجه الْأَوَّلُ : أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمَّوْهَا آلِهَةً وَعَبَدُوهَا ، لَا جَرَمَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى أُولِي الْعِلْمِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَلَى أَثَرِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=20وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) .
وَالوجه الثَّانِي فِي الْجَوَابِ : أَنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْمُشَاكَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَخْلُقُ .
وَالوجه الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَخْلُقُ لَيْسَ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ ، فَكَيْفَ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=195أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ) يَعْنِي : أَنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي تَدْعُونَهَا حَالُهُمْ مُنْحَطَّةٌ عَنْ حَالِ مَنْ لَهُمْ أَرْجُلٌ وَأَيْدٍ وَآذَانٌ وَقُلُوبٌ ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَحْيَاءٌ وَهُمْ أَمْوَاتٌ ، فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُمْ عِبَادَتُهَا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ لَصَحَّ أَنْ يُعْبَدُوا .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ) الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِلْزَامُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، حَيْثُ جَعَلُوا غَيْرَ الْخَالِقِ مِثْلَ الْخَالِقِ فِي التَّسْمِيَةِ بِالْإِلَهِ ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَتِهَا ، فَكَانَ حَقُّ الْإِلْزَامِ أَنْ يُقَالَ : أَفَمَنْ لَا يَخْلُقُ كَمَنْ يَخْلُقُ .
وَالْجَوَابُ : الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ يَخْلُقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْعَظِيمَةَ وَيُعْطِي هَذِهِ الْمَنَافِعَ الْجَلِيلَةَ كَيْفَ يُسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ الْخَسِيسَةِ فِي التَّسْمِيَةِ بِاسْمِ الْإِلَهِ ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَتِهَا وَالْإِقْدَامِ عَلَى غَايَةِ تَعْظِيمِهَا ، فَوَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ) .