[ ص: 17 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون )
اعلم أن المقصود من الآية المبالغة في
nindex.php?page=treesubj&link=30532وصف وعيد أولئك الكفار ، وفي المراد بالذين من قبلهم قولان :
القول الأول : وهو قول الأكثر من المفسرين : أن المراد منه
نمروذ بن كنعان بنى صرحا عظيما
ببابل طوله خمسة آلاف ذراع . وقيل فرسخان ، ورام منه الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها ، فالمراد بالمكر ههنا بناء الصرح لمقاتلة أهل السماء .
والقول الثاني : وهو الأصح ، أن هذا عام في جميع المبطلين الذين يحاولون إلحاق الضرر والمكر بالمحقين .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28721_29624_29442الإتيان والحركة على الله محال ، فالمراد أنهم لما كفروا أتاهم الله بزلازل قلع بها بنيانهم من القواعد والأساس .
المسألة الثانية : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد ) قولان :
القول الأول : أن هذا محض التمثيل ، والمعنى أنهم رتبوا منصوبات ليمكروا بها أنبياء الله تعالى ، فجعل الله تعالى حالهم في تلك المنصوبات مثل حال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين ، فانهدم ذلك البناء ، وضعفت تلك الأساطين ، فسقط السقف عليهم . ونظيره قولهم : من حفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيه .
والقول الثاني : أن المراد منه ما دل عليه الظاهر ، وهو أنه تعالى أسقط عليهم السقف وأماتهم تحته ، والأول أقرب إلى المعنى .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فخر عليهم السقف من فوقهم ) ففيه سؤال : وهو أن السقف لا يخر إلا من فوقهم ، فما معنى هذا الكلام ؟
[ ص: 18 ] وجوابه من وجهين :
الأول : أن يكون المقصود التأكيد .
والثاني : ربما خر السقف ، ولا يكون تحته أحد ، فلما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فخر عليهم السقف من فوقهم ) دل هذا الكلام على أنهم كانوا تحته ، وحينئذ يفيد هذا الكلام أن الأبنية قد تهدمت وهم ماتوا تحتها . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) إن حملنا هذا الكلام على محض التمثيل فالأمر ظاهر . والمعنى : أنهم اعتمدوا على منصوباتهم . ثم تولد البلاء منها بأعيانها ، وإن حملناه على الظاهر فالمعنى : أنه نزل ذلك السقف عليهم بغتة ، لأنه إذا كان كذلك كان أعظم في الزجر لمن سلك مثل سبيلهم ، ثم بين تعالى أن عذابهم لا يكون مقصورا على هذا القدر ، بل الله تعالى يخزيهم يوم القيامة ، والخزي هو العذاب مع الهوان ، وفسر تعالى ذلك الهوان بأنه تعالى يقول لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ) وفيه أبحاث :
البحث الأول : قال
الزجاج : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27أين شركائي ) معناه : أين شركائي في زعمكم واعتقادكم . ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=22أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) [ الأنعام : 22 ] وقال أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=28وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ) [ يونس : 28 ] وإنما حسنت هذه الإضافة لأنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب ، وهذا كما يقال لمن يحمل خشبة : خذ طرفك وآخذ طرفي ، فأضيف الطرف إليه .
البحث الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27تشاقون فيهم ) أي : تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم ، وقيل : المشاقة عبارة عن كون أحد الخصمين في شق ، وكون الآخر في الشق الآخر .
البحث الثالث : قرأ
نافع : ( تشاقون ) بكسر النون على الإضافة ، والباقون بفتح النون على الجمع .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) وفيه بحثان :
البحث الأول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27قال الذين أوتوا العلم ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد الملائكة ، وقال آخرون : هم المؤمنون يقولون حين يرون
nindex.php?page=treesubj&link=30539خزي الكفار يوم القيامة : إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ، والفائدة فيه أن الكفار كانوا ينكرون على المؤمنين في الدنيا ، فإذا ذكر المؤمن هذا الكلام يوم القيامة في معرض إهانة الكافر كان وقع هذا الكلام على الكافر وتأثيره في إيذائه أكمل ، وحصول الشماتة به أقوى .
البحث الثاني :
المرجئة احتجوا بهذه الآية على أن العذاب مختص بالكافر قالوا : لأن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) يدل على أن ماهية الخزي والسوء في يوم القيامة مختصة بالكافر ، وذلك ينفي حصول هذه الماهية في حق غيرهم ، وتأكد هذا بقول
موسى عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=48إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) [ طه : 48 ] ثم إنه تعالى وصف عذاب هؤلاء الكفار من وجه آخر فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) قرأ
حمزة : ( يتوفاهم الملائكة ) بالياء ; لأن الملائكة ذكور ، والباقون بالتاء للفظ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء ) وفيه قولان :
القول الأول : أنه تعالى حكى عنهم
nindex.php?page=treesubj&link=19722_19727إلقاء السلم عند القرب من الموت ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أسلموا وأقروا لله بالعبودية عند الموت .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28ما كنا نعمل من سوء ) أي قالوا : ما كنا نعمل من سوء ، والمراد من هذا السوء الشرك ، فقالت الملائكة ردا عليهم وتكذيبا : بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون من التكذيب والشرك ، ومعنى بلى ردا لقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28ما كنا نعمل من سوء ) وفيه قولان :
[ ص: 19 ] القول الأول : أنه تعالى حكى عنهم إلقاء السلم عند القرب من الموت .
والقول الثاني : أنه تم الكلام عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28ظالمي أنفسهم ) ثم عاد الكلام إلى حكاية
nindex.php?page=treesubj&link=30440كلام المشركين يوم القيامة ، والمعنى : أنهم يوم القيامة ألقوا السلم وقالوا : ما كنا نعمل في الدنيا من سوء ، ثم ههنا اختلفوا ، فالذين جوزوا الكذب على أهل القيامة قالوا : هذا القول منهم على سبيل الكذب ، وإنما أقدموا على هذا الكذب لغاية الخوف ، والذين قالوا : إن الكذب لا يجوز عليهم قالوا : معنى الآية ما كنا نعمل من سوء عند أنفسنا أو في اعتقادنا ، وأما بيان أن الكذب على أهل القيامة هل يجوز أم لا ؟ فقد ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم قالوا : ما كنا نعمل من سوء ، قال : بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ، ولا يبعد أن يكون قائل هذا القول هو الله تعالى أو بعض الملائكة ردا عليهم وتكذيبا لهم ، ومعنى "
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28بلى " الرد لقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28ما كنا نعمل من سوء ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28إن الله عليم بما كنتم تعملون ) يعني : أنه عالم بما كنتم عليه في الدنيا ، فلا ينفعكم هذا الكذب ، فإنه يجازيكم على الكفر الذي علمه منكم .
[ ص: 17 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ الْمُبَالِغَةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30532وَصْفِ وَعِيدِ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ ، وَفِي الْمُرَادِ بِالَّذِينِ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ
نُمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ بَنَى صَرْحًا عَظِيمًا
بِبَابِلَ طُولُهُ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ . وَقِيلَ فَرْسَخَانِ ، وَرَامَ مِنْهُ الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ لِيُقَاتِلَ أَهْلَهَا ، فَالْمُرَادُ بِالْمَكْرِ هَهُنَا بِنَاءُ الصَّرْحِ لِمُقَاتَلَةِ أَهْلِ السَّمَاءِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ الْأَصَحُّ ، أَنَّ هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُبْطِلِينَ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ وَالْمَكْرِ بِالْمُحِقِّينَ .
أما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28721_29624_29442الْإِتْيَانَ وَالْحَرَكَةَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمَّا كَفَرُوا أَتَاهُمُ اللَّهُ بِزَلَازِلَ قَلَعَ بِهَا بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأَسَاسِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ) قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا مَحْضُ التَّمْثِيلِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ رَتَّبُوا مَنْصُوبَاتٍ لِيَمْكُرُوا بِهَا أَنْبِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَهُمْ فِي تِلْكَ الْمَنْصُوبَاتِ مِثْلَ حَالِ قَوْمٍ بَنَوْا بُنْيَانًا وَعَمَّدُوهُ بِالْأَسَاطِينِ ، فَانْهَدَمَ ذَلِكَ الْبِنَاءُ ، وَضَعُفَتْ تِلْكَ الْأَسَاطِينُ ، فَسَقَطَ السَّقْفُ عَلَيْهِمْ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ : مَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِأَخِيهِ أَوْقَعَهُ اللَّهُ فِيهِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَسْقَطَ عَلَيْهِمُ السَّقْفَ وَأَمَاتَهُمْ تَحْتَهُ ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْنَى .
أما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) فَفِيهِ سُؤَالٌ : وَهُوَ أَنَّ السَّقْفَ لَا يَخِرُّ إِلَّا مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَمَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ ؟
[ ص: 18 ] وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ التَّأْكِيدَ .
وَالثَّانِي : رُبَّمَا خَرَّ السَّقْفُ ، وَلَا يَكُونُ تَحْتَهُ أَحَدٌ ، فَلَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) دَلَّ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا تَحْتَهُ ، وَحِينَئِذٍ يُفِيدُ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ الْأَبْنِيَةَ قَدْ تَهَدَّمَتْ وَهُمْ مَاتُوا تَحْتَهَا . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ) إِنْ حَمَلْنَا هَذَا الْكَلَامَ عَلَى مَحْضِ التَّمْثِيلِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ . وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمُ اعْتَمَدُوا عَلَى مَنْصُوبَاتِهِمْ . ثُمَّ تَوَلَّدَ الْبَلَاءُ مِنْهَا بِأَعْيَانِهَا ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ فَالْمَعْنَى : أَنَّهُ نَزَلَ ذَلِكَ السَّقْفُ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَعْظَمَ فِي الزَّجْرِ لِمَنْ سَلَكَ مِثْلَ سَبِيلِهِمْ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ عَذَابَهُمْ لَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ ، بَلِ اللَّهُ تَعَالَى يُخْزِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَالْخِزْيُ هُوَ الْعَذَابُ مَعَ الْهَوَانِ ، وَفَسَّرَ تَعَالَى ذَلِكَ الْهَوَانَ بِأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ) وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
البحث الْأَوَّلُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27أَيْنَ شُرَكَائِيَ ) مَعْنَاهُ : أَيْنَ شُرَكَائِيَ فِي زَعْمِكُمْ وَاعْتِقَادِكُمْ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=22أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) [ الْأَنْعَامِ : 22 ] وَقَالَ أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=28وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ) [ يُونُسَ : 28 ] وَإِنَّمَا حَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي حُسْنِ الْإِضَافَةِ أَدْنَى سَبَبٍ ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يَحْمِلُ خَشَبَةً : خُذْ طَرَفَكَ وَآخُذُ طَرَفِي ، فَأُضِيفَ الطَّرَفُ إِلَيْهِ .
البحث الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ) أَيْ : تُعَادُونَ وَتُخَاصِمُونَ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِهِمْ ، وَقِيلَ : الْمُشَاقَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فِي شِقٍّ ، وَكَوْنِ الْآخَرِ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ .
البحث الثَّالِثُ : قَرَأَ
نَافِعٌ : ( تُشَاقُّونِ ) بِكَسْرِ النُّونِ عَلَى الْإِضَافَةِ ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْعِ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
البحث الْأَوَّلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ الْمَلَائِكَةَ ، وَقَالَ آخَرُونَ : هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ حِينَ يَرَوْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=30539خِزْيَ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ، وَالْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يُنْكِرُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا ، فَإِذَا ذَكَرَ الْمُؤْمِنُ هَذَا الْكَلَامَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَعْرِضِ إِهَانَةِ الْكَافِرِ كَانَ وَقْعُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى الْكَافِرِ وَتَأْثِيرُهُ فِي إِيذَائِهِ أَكْمَلَ ، وَحُصُولُ الشَّمَاتَةِ بِهِ أَقْوَى .
البحث الثَّانِي :
الْمُرْجِئَةُ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ مُخْتَصٌّ بِالْكَافِرِ قَالُوا : لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَاهِيَّةَ الْخِزْيِ وَالسُّوءِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالْكَافِرِ ، وَذَلِكَ يَنْفِي حُصُولَ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ ، وَتَأَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=48إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) [ طه : 48 ] ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ عَذَابَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) قَرَأَ
حَمْزَةُ : ( يَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ) بِالْيَاءِ ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ ذُكُورٌ ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لِلَّفْظِ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=19722_19727إِلْقَاءَ السَّلَمِ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ الْمَوْتِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَسْلَمُوا وَأَقَرُّوا لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) أَيْ قَالُوا : مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا السُّوءِ الشِّرْكُ ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ رَدًّا عَلَيْهِمْ وَتَكْذِيبًا : بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالشِّرْكِ ، وَمَعْنَى بَلَى رَدًّا لِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) وَفِيهِ قَوْلَانِ :
[ ص: 19 ] الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ إِلْقَاءَ السَّلَمِ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ الْمَوْتِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) ثُمَّ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى حِكَايَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=30440كَلَامِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلْقَوُا السَّلَمَ وَقَالُوا : مَا كُنَّا نَعْمَلُ فِي الدُّنْيَا مِنْ سُوءٍ ، ثُمَّ هَهُنَا اخْتَلَفُوا ، فَالَّذِينَ جَوَّزُوا الْكَذِبَ عَلَى أَهْلِ الْقِيَامَةِ قَالُوا : هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْكَذِبِ ، وَإِنَّمَا أَقْدَمُوا عَلَى هَذَا الْكَذِبِ لِغَايَةِ الْخَوْفِ ، وَالَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ الْكَذِبَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ قَالُوا : مَعْنَى الْآيَةِ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ عِنْدَ أَنْفُسِنَا أَوْ فِي اعْتِقَادِنَا ، وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى أَهْلِ الْقِيَامَةِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا ؟ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) [ الْأَنْعَامِ : 23 ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ، قَالَ : بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ رَدًّا عَلَيْهِمْ وَتَكْذِيبًا لَهُمْ ، وَمَعْنَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28بَلَى " الرَّدُّ لِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يَعْنِي : أَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، فَلَا يَنْفَعُكُمْ هَذَا الْكَذِبُ ، فَإِنَّهُ يُجَازِيكُمْ عَلَى الْكُفْرِ الَّذِي عَلِمَهُ مِنْكُمْ .