وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31جنات عدن ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنها إن كانت موصولة بما قبلها ، فقد ذكرنا وجه ارتفاعها ، وأما إن كانت مقطوعة ، فقال
الزجاج : جنات عدن مرفوعة بإضمار " هي " كأنك لما قلت : ولنعم دار المتقين ، قيل : أي دار هي هذه الممدوحة ؟ فقلت : هي جنات عدن ، وإن شئت قلت : " جنات عدن " رفع بالابتداء ، و " يدخلونها " خبره ، وإن شئت قلت : " نعم دار المتقين " خبره ، والتقدير : جنات عدن نعم دار المتقين .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31جنات ) يدل على القصور والبساتين ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31عدن ) يدل على الدوام ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31تجري من تحتها الأنهار ) يدل على أنه حصل هناك أبنية يرتفعون عليها ، وتكون الأنهار جارية من تحتهم ، ثم إنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31لهم فيها ما يشاءون ) وفيه بحثان :
الأول : أن هذه الكلمة تدل على
nindex.php?page=treesubj&link=30387حصول كل الخيرات والسعادات ، وهذا أبلغ من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=71وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) [ الزخرف : 71 ] لأن هذين القسمين داخلان في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31لهم فيها ما يشاءون ) مع أقسام أخرى .
الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31لهم فيها ما يشاءون ) يعني : هذه الحالة لا تحصل إلا في الجنة ; لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31لهم فيها ما يشاءون ) يفيد الحصر ، وذلك يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497الإنسان لا يجد كل ما يريده في الدنيا .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31كذلك يجزي الله المتقين ) أي : هكذا
nindex.php?page=treesubj&link=19863_19886جزاء التقوى ، ثم إنه تعالى عاد إلى وصف المتقين فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ) وهذا مذكور في مقابلة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الذين تتوفاهم الملائكة ) صفة للمتقين في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31كذلك يجزي الله المتقين ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32طيبين ) كلمة مختصرة جامعة للمعاني الكثيرة ، وذلك لأنه يدخل فيه إتيانهم بكل ما أمروا به ، واجتنابهم عن كل ما نهوا عنه ويدخل فيه
nindex.php?page=treesubj&link=19862_19867كونهم موصوفين بالأخلاق الفاضلة مبرئين عن الأخلاق المذمومة ، ويدخل فيه كونهم مبرئين عن العلائق الجسمانية متوجهين إلى حضرة القدس والطهارة ، ويدخل فيه أنه طاب لهم قبض الأرواح وأنها لم تقبض إلا مع البشارة بالجنة حتى صاروا كأنهم مشاهدون لها ، ومن هذا حاله لا يتألم بالموت ، وأكثر المفسرين على أن هذا التوفي هو قبض الأرواح ، وإن كان
الحسن يقول : إنه وفاة الحشر ، ثم
[ ص: 22 ] بين تعالى أنه يقال لهم عند هذه الحالة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32ادخلوا الجنة ) فاحتج
الحسن بهذا على أن المراد بذلك التوفي وفاة الحشر ; لأنه لا يقال عند قبض الأرواح في الدنيا ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ، ومن ذهب إلى القول الأول وهم الأكثرون يقولون : إن الملائكة لما بشروهم بالجنة صارت الجنة كأنها دارهم وكأنهم فيها ، فيكون المراد بقولهم : ادخلوا الجنة أي : هي خاصة لكم كأنكم فيها .
وَأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31جَنَّاتُ عَدْنٍ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً بِمَا قَبْلَهَا ، فَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ ارْتِفَاعِهَا ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً ، فَقَالَ
الزَّجَّاجُ : جَنَّاتُ عَدْنٍ مَرْفُوعَةٌ بِإِضْمَارِ " هِيَ " كَأَنَّكَ لَمَّا قُلْتَ : وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ، قِيلَ : أَيُّ دَارٍ هِيَ هَذِهِ الْمَمْدُوحَةُ ؟ فَقُلْتَ : هِيَ جَنَّاتُ عَدْنٍ ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : " جَنَّاتُ عَدْنٍ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ ، وَ " يَدْخُلُونَهَا " خَبَرُهُ ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : " نِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ " خَبَرُهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : جَنَّاتُ عَدْنٍ نِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31جَنَّاتُ ) يَدُلُّ عَلَى الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31عَدْنٍ ) يَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ هُنَاكَ أَبْنِيَةٌ يَرْتَفِعُونَ عَلَيْهَا ، وَتَكُونُ الْأَنْهَارُ جَارِيَةً مِنْ تَحْتِهِمْ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30387حُصُولِ كُلِّ الْخَيْرَاتِ وَالسَّعَادَاتِ ، وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=71وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) [ الزُّخْرُفِ : 71 ] لِأَنَّ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ دَاخِلَانِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ) مَعَ أَقْسَامٍ أُخْرَى .
الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ) يَعْنِي : هَذِهِ الْحَالَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا فِي الْجَنَّةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ) يُفِيدُ الْحَصْرَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497الْإِنْسَانَ لَا يَجِدُ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ فِي الدُّنْيَا .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ) أَيْ : هَكَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19863_19886جَزَاءُ التَّقْوَى ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَادَ إِلَى وَصْفِ الْمُتَّقِينَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ) وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ) صِفَةٌ لِلْمُتَّقِينَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=31كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32طَيِّبِينَ ) كَلِمَةٌ مُخْتَصَرَةٌ جَامِعَةٌ لِلْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ إِتْيَانُهُمْ بِكُلِّ مَا أُمِرُوا بِهِ ، وَاجْتِنَابُهُمْ عَنْ كُلِّ مَا نُهُوا عَنْهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=19862_19867كَوْنُهُمْ مَوْصُوفِينَ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ مُبَرَّئِينَ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ كَوْنُهُمْ مُبَرَّئِينَ عَنِ الْعَلَائِقِ الْجُسْمَانِيَّةِ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى حَضْرَةِ الْقُدْسِ وَالطَّهَارَةِ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَنَّهُ طَابَ لَهُمْ قَبْضُ الْأَرْوَاحِ وَأَنَّهَا لَمْ تُقْبَضْ إِلَّا مَعَ الْبِشَارَةِ بِالْجَنَّةِ حَتَّى صَارُوا كَأَنَّهُمْ مُشَاهِدُونَ لَهَا ، وَمَنْ هَذَا حَالُهُ لَا يَتَأَلَّمُ بِالْمَوْتِ ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّوَفِّيَ هُوَ قَبْضُ الْأَرْوَاحِ ، وَإِنْ كَانَ
الْحَسَنُ يَقُولُ : إِنَّهُ وَفَاةُ الْحَشْرِ ، ثُمَّ
[ ص: 22 ] بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ عِنْدَ هَذِهِ الْحَالَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ) فَاحْتَجَّ
الْحَسَنُ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ التَّوَفِّي وَفَاةُ الْحَشْرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عِنْدَ قَبْضِ الْأَرْوَاحِ فِي الدُّنْيَا ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا بَشَّرُوهُمْ بِالْجَنَّةِ صَارَتِ الْجَنَّةُ كَأَنَّهَا دَارُهُمْ وَكَأَنَّهُمْ فِيهَا ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمُ : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَيْ : هِيَ خَاصَّةٌ لَكُمْ كَأَنَّكُمْ فِيهَا .