ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ظاهر هذا الكلام يقتضي أن هذا الذكر مفتقر إلى بيان رسول الله والمفتقر إلى البيان مجمل ، فظاهر هذا النص يقتضي أن القرآن كله مجمل ، فلهذا المعنى قال بعضهم : متى
nindex.php?page=treesubj&link=22375_22398وقع التعارض بين القرآن وبين الخبر وجب تقديم الخبر ; لأن القرآن مجمل والدليل عليه هذه الآية ، والخبر مبين له بدلالة هذه الآية ، والمبين مقدم على المجمل .
والجواب : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28911القرآن منه محكم ، ومنه متشابه ، والمحكم يجب كونه مبينا ، فثبت أن القرآن ليس كله مجملا بل فيه ما يكون مجملا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم ) محمول على المجملات .
المسألة الثانية : ظاهر هذه الآية يقتضي أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=32028_30177_27862الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين لكل ما أنزله الله تعالى على المكلفين ، فعند هذا قال
nindex.php?page=treesubj&link=28368نفاة القياس : لو كان القياس حجة لما وجب على الرسول بيان كل ما أنزله الله تعالى على المكلفين من الأحكام ; لاحتمال أن يبين المكلف ذلك الحكم بطريقة القياس ، ولما دلت هذه الآية على أن المبين لكل التكاليف والأحكام هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، علمنا أن القياس ليس بحجة .
وأجيب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم لما بين أن القياس حجة ، فمن رجع في تبيين الأحكام والتكاليف إلى القياس ، كان ذلك في الحقيقة رجوعا إلى بيان الرسول صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=30539أفأمن الذين مكروا السيئات )
nindex.php?page=treesubj&link=34080المكر في اللغة عبارة عن السعي بالفساد على سبيل
[ ص: 32 ] الإخفاء ، ولا بد ههنا من إضمار ، والتقدير : المكرات السيئات ، والمراد
أهل مكة ومن حول
المدينة . قال
الكلبي : المراد بهذا المكر اشتغالهم بعبادة غير الله تعالى ، والأقرب أن المراد سعيهم في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه على سبيل الخفية ، ثم إنه تعالى ذكر في تهديدهم أمورا أربعة :
الأول : أن يخسف الله بهم الأرض كما خسف
بقارون .
الثاني : أن يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ، والمراد أن يأتيهم العذاب من السماء من حيث يفجؤهم فيهلكهم بغتة كما فعل
بقوم لوط .
والثالث : أن يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين ، وفي تفسير هذا التقلب وجوه :
الأول : أنه يأخذهم بالعقوبة في أسفارهم ، فإنه تعالى قادر على إهلاكهم في السفر ، كما أنه قادر على إهلاكهم في الحضر ، وهم لا يعجزون الله بسبب ضربهم في البلاد البعيدة ، بل يدركهم الله حيث كانوا ، وحمل لفظ التقلب على هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=196لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ) [ آل عمران : 196 ] .
وثانيهما : تفسير هذا اللفظ بأنه يأخذهم بالليل والنهار في أحوال إقبالهم وإدبارهم وذهابهم ومجيئهم وحقيقته في حال تصرفهم في الأمور التي يتصرف فيها أمثالهم .
وثالثها : أن يكون المعنى أو يأخذهم في حال ما ينقلبون في قضايا أفكارهم فيحول الله بينهم وبين إتمام تلك الحيل قسرا كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ) [ يس : 66 ] وحمل لفظ التقلب على هذا المعنى مأخوذ من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=48وقلبوا لك الأمور ) [ التوبة : 48 ] فإنهم إذا قلبوها فقد تقلبوا فيها .
والنوع الرابع من الأشياء التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية على سبيل التهديد قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=47أو يأخذهم على تخوف ) وفي تفسير التخوف قولان :
القول الأول : التخوف تفعل من الخوف ، يقال : خفت الشيء وتخوفته ، والمعنى : أنه تعالى لا يأخذهم بالعذاب أولا بل يخيفهم أولا ، ثم يعذبهم بعده ، وتلك الإخافة هو أنه تعالى يهلك فرقة فتخاف التي تليها ، فيكون هذا أخذا وردا عليهم بعد أن يمر بهم قبل ذلك زمانا طويلا في الخوف والوحشة .
والقول الثاني : أن التخوف هو التنقص ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : يقال تخوفت الشيء وتخيفته إذا تنقصته ، وعن
عمر أنه قال على المنبر : ما تقولون في هذه الآية ؟ فسكتوا ، فقام شيخ من
هذيل فقال : هذه لغتنا التخوف التنقص ، فقال
عمر : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم . قال شاعرنا وأنشد :
تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن
فقال
عمر : أيها الناس عليكم بديوانكم لا تضلوا ، قالوا : وما ديواننا ؟ قال
nindex.php?page=treesubj&link=24659شعر الجاهلية فيه تفسير كتابكم .
إذا عرفت هذا فنقول : هذا التنقص يحتمل أن يكون المراد منه ما يقع في أطراف بلادهم كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=44أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) [ الأنبياء : 44 ] والمعنى : أنه تعالى لا يعاجلهم بالعذاب ، ولكن ينقص من أطراف بلادهم إلى القرى التي تجاورهم حتى يخلص الأمر إليهم فحينئذ يهلكهم ، ويحتمل أن يكون المراد : أنه ينقص أموالهم وأنفسهم قليلا قليلا حتى يأتي الفناء على الكل فهذا تفسير هذه الأمور الأربعة ، والحاصل أنه تعالى خوفهم بخسف يحصل في الأرض أو بعذاب ينزل من السماء أو بآفات تحدث دفعة واحدة ، حال ما لا يكونون عالمين بعلاماتها ودلائلها ، أو بآفات تحدث قليلا قليلا إلى أن يأتي الهلاك على آخرهم ثم ختم الآية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=47فإن ربكم لرءوف رحيم ) والمعنى
nindex.php?page=treesubj&link=30550_19961أنه يمهل في أكثر الأمور لأنه رءوف رحيم فلا يعاجل بالعذاب .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ مُفْتَقِرٌ إِلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى الْبَيَانِ مُجْمَلٌ ، فَظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مُجْمَلٌ ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ بَعْضُهُمْ : مَتَى
nindex.php?page=treesubj&link=22375_22398وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُجْمَلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَالْخَبَرُ مُبَيِّنٌ لَهُ بِدَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَالْمُبَيِّنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُجْمَلِ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28911الْقُرْآنَ مِنْهُ مُحْكَمٌ ، وَمِنْهُ مُتَشَابِهٌ ، وَالْمُحْكَمُ يَجِبُ كَوْنُهُ مُبَيِّنًا ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كُلُّهُ مُجْمَلًا بَلْ فِيهِ مَا يَكُونُ مُجْمَلًا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) مَحْمُولٌ عَلَى الْمُجْمَلَاتِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=32028_30177_27862الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِكُلِّ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِينَ ، فَعِنْدَ هَذَا قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=28368نُفَاةُ الْقِيَاسِ : لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً لَمَا وَجَبَ عَلَى الرَّسُولِ بَيَانُ كُلِّ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْأَحْكَامِ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُكَلِّفُ ذَلِكَ الحكم بِطَرِيقَةِ الْقِيَاسِ ، وَلَمَّا دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُبَيِّنَ لِكُلِّ التَّكَالِيفِ وَالْأَحْكَامِ هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلِمْنَا أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ، فَمَنْ رَجَعَ فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ وَالتَّكَالِيفِ إِلَى الْقِيَاسِ ، كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعًا إِلَى بَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=30539أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ )
nindex.php?page=treesubj&link=34080الْمَكْرُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ السَّعْيِ بِالْفَسَادِ عَلَى سَبِيلِ
[ ص: 32 ] الْإِخْفَاءِ ، وَلَا بُدَّ هَهُنَا مِنْ إِضْمَارٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : الْمَكَرَاتِ السَّيِّئَاتِ ، وَالْمُرَادُ
أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَ
الْمَدِينَةِ . قَالَ
الْكَلْبِيُّ : الْمُرَادُ بِهَذَا الْمَكْرِ اشْتِغَالُهُمْ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ سَعْيُهُمْ فِي إِيذَاءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي تَهْدِيدِهِمْ أُمُورًا أَرْبَعَةً :
الْأَوَّلَ : أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ كَمَا خَسَفَ
بِقَارُونَ .
الثَّانِيَ : أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ حَيْثُ يَفْجَؤُهُمْ فَيُهْلِكُهُمْ بَغْتَةً كَمَا فَعَلَ
بِقَوْمِ لُوطٍ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ، وَفِي تَفْسِيرِ هَذَا التَّقَلُّبِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ يَأْخُذُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ فِي أَسْفَارِهِمْ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ فِي السَّفَرِ ، كَمَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ فِي الْحَضَرِ ، وَهُمْ لَا يُعْجِزُونَ اللَّهَ بِسَبَبِ ضَرْبِهِمْ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ ، بَلْ يُدْرِكُهُمُ اللَّهُ حَيْثُ كَانُوا ، وَحَمْلُ لَفْظِ التَّقَلُّبِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=196لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 196 ] .
وَثَانِيهِمَا : تَفْسِيرُ هَذَا اللَّفْظِ بِأَنَّهُ يَأْخُذُهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي أَحْوَالِ إِقْبَالِهِمْ وَإِدْبَارِهِمْ وَذَهَابِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ وَحَقِيقَتُهُ فِي حَالِ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُهُمْ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي حَالِ مَا يَنْقَلِبُونَ فِي قَضَايَا أَفْكَارِهِمْ فَيَحُولُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِتْمَامِ تِلْكَ الْحِيَلِ قَسْرًا كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=66وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ) [ يس : 66 ] وَحَمْلُ لَفْظِ التَّقَلُّبِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=48وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ) [ التَّوْبَةِ : 48 ] فَإِنَّهُمْ إِذَا قَلَّبُوهَا فَقَدْ تَقَلَّبُوا فِيهَا .
وَالنوع الرَّابِعُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=47أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) وَفِي تَفْسِيرِ التَّخَوُّفِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : التَّخَوُّفُ تَفَعُّلٌ مِنَ الْخَوْفِ ، يُقَالُ : خِفْتُ الشَّيْءَ وَتَخَوَّفْتُهُ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَأْخُذُهُمْ بِالْعَذَابِ أَوَّلًا بَلْ يُخِيفُهُمْ أَوَّلًا ، ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ بَعْدَهُ ، وَتِلْكَ الْإِخَافَةُ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى يُهْلِكُ فِرْقَةً فَتَخَافُ الَّتِي تَلِيهَا ، فَيَكُونُ هَذَا أَخْذًا وَرَدًا عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَمُرَّ بِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ زَمَانًا طَوِيلًا فِي الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ التَّخَوُّفَ هُوَ التَّنَقُّصُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : يُقَالُ تَخَوَّفْتُ الشَّيْءَ وَتَخَيَّفْتُهُ إِذَا تَنَقَّصْتَهُ ، وَعَنْ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ فَسَكَتُوا ، فَقَامَ شَيْخٌ مِنْ
هُذَيْلٍ فَقَالَ : هَذِهِ لُغَتُنَا التَّخَوُّفُ التَّنَقُّصُ ، فَقَالَ
عُمَرُ : هَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ شَاعِرُنَا وَأَنْشَدَ :
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ
فَقَالَ
عُمَرُ : أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِدِيوَانِكُمْ لَا تَضِلُّوا ، قَالُوا : وَمَا دِيوَانُنَا ؟ قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=24659شِعْرُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيهِ تَفْسِيرُ كِتَابِكُمْ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : هَذَا التَّنَقُّصُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَقَعُ فِي أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=44أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 44 ] وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ ، وَلَكِنْ يَنْقُصُ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ إِلَى الْقُرَى الَّتِي تُجَاوِرُهُمْ حَتَّى يَخْلُصَ الْأَمْرُ إِلَيْهِمْ فَحِينَئِذٍ يُهْلِكُهُمْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : أَنَّهُ يَنْقُصُ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَأْتِيَ الْفَنَاءُ عَلَى الْكُلِّ فَهَذَا تَفْسِيرُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى خَوَّفَهُمْ بِخَسْفٍ يَحْصُلُ فِي الْأَرْضِ أَوْ بِعَذَابٍ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ بِآفَاتٍ تَحْدُثُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، حَالَ مَا لَا يَكُونُونَ عَالِمِينَ بِعَلَامَاتِهَا وَدَلَائِلِهَا ، أَوْ بِآفَاتٍ تَحْدُثُ قَلِيلًا قَلِيلًا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ الْهَلَاكُ عَلَى آخِرِهِمْ ثُمَّ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=47فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) وَالْمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=30550_19961أَنَّهُ يُمْهِلُ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ لِأَنَّهُ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَلَا يُعَاجِلُ بِالْعَذَابِ .