ثم قال : ( وما بكم من نعمة فمن الله    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : أنه لما بين بالآية أن الواجب على العاقل أن لا يتقي غير الله ، بين في هذه الآية أنه يجب عليه أن لا يشكر أحدا إلا الله تعالى ، لأن الشكر إنما يلزم على النعمة ، وكل نعمة حصلت للإنسان فهي من الله تعالى  لقوله : ( وما بكم من نعمة فمن الله    ) فثبت بهذا أن العاقل يجب عليه أن لا يخاف وأن لا يتقي أحدا إلا الله وأن لا يشكر أحدا إلا الله تعالى . 
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الإيمان حصل بخلق الله تعالى فقالوا : الإيمان نعمة ، وكل نعمة فهي من الله تعالى لقوله : ( وما بكم من نعمة فمن الله    ) ينتج أن الإيمان من الله وإنما قلنا : إن الإيمان نعمة ; لأن المسلمين مطبقون على قولهم : الحمد لله على نعمة الإيمان ، وأيضا فالنعمة عبارة عن كل ما يكون منتفعا به ، وأعظم الأشياء في النفع هو الإيمان ، فثبت أن الإيمان نعمة    . 
وإذا ثبت هذا فنقول : وكل نعمة فهي من الله تعالى لقوله تعالى : ( وما بكم من نعمة فمن الله    ) وهذه   [ ص: 42 ] اللفظة تفيد العموم ، وأيضا مما يدل على أن كل نعمة فهي من الله ، لأن كل ما كان موجودا فهو إما واجب لذاته ، وإما ممكن لذاته ، والواجب لذاته ليس إلا الله تعالى ، والممكن لذاته لا يوجد إلا لمرجح ، وذلك المرجح إن كان واجبا لذاته كان حصول ذلك الممكن بإيجاد الله تعالى ، وإن كان ممكنا لذاته عاد التقسيم الأول فيه ، ولا يذهب إلى التسلسل ، بل ينتهي إلى إيجاد الواجب لذاته ، فثبت بهذا البيان أن كل نعمة فهي من الله تعالى . 
المسألة الثالثة : النعم إما دينية ، وإما دنيوية ، أما النعم الدينية  فهي إما معرفة الحق لذاته ، وإما معرفة الخير لأجل العمل به ، وأما النعم الدنيوية  فهي إما نفسانية ، وإما بدنية ، وإما خارجية ، وكل واحد من هذه الثلاثة جنس تحته أنواع خارجة عن الحصر والتحديد كما قال : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها    ) [ إبراهيم : 34 ] والإشارة إلى تفصيل تلك الأنواع قد ذكرناها مرارا فلا نعيدها . 
المسألة الرابعة : إنما دخلت الفاء في قوله ( فمن الله    ) لأن الباء في قوله ( بكم    ) متصلة بفعل مضمر ، والمعنى : ما يكن بكم أو ما حل بكم من نعمة فمن الله . 
				
						
						
