(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=59يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=59يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم )
اعلم أنه تعالى لما بين بالدلائل القاهرة فساد أقوال أهل الشرك والتشبيه ، شرح في هذه الآية تفاصيل أقوالهم وبين فسادها وسخافتها .
فالنوع الأول من كلماتهم الفاسدة : أنهم يجعلون لما لا يعلمون نصيبا وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : الضمير في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56لما لا يعلمون ) إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان :
الأول : أنه عائد إلى المشركين المذكورين في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54إذا فريق منكم بربهم يشركون ) والمعنى أن المشركين لا يعلمون .
والثاني : أنه عائد إلى الأصنام أي : لا يعلم الأصنام ما يفعل عبادها .
قال بعضهم : الأول أولى لوجوه :
أحدها : أن نفي العلم عن الحي حقيقة وعن الجماد مجاز .
وثانيها : أن الضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56ويجعلون ) عائد إلى المشركين ، فكذلك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56لما لا يعلمون ) يجب أن يكون عائدا إليهم .
وثالثها : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56لما لا يعلمون ) جمع بالواو والنون ، وهو بالعقلاء أليق منه بالأصنام التي هي جمادات .
ومنهم من قال : بل القول الثاني أولى لوجوه .
الأول : أنا إذا قلنا إنه عائد إلى المشركين افتقرنا إلى إضمار ، فإن التقدير : ويجعلون لما لا يعلمون إلها ، أو لما لا يعلمون كونه نافعا ضارا ، وإذا قلنا : إنه عائد إلى الأصنام ، لم نفتقر إلى الإضمار لأن التقدير : ويجعلون
[ ص: 44 ] لما لا علم لها ولا فهم .
والثاني : أنه لو كان العلم مضافا إلى المشركين لفسد المعنى ; لأن من المحال أن يجعلوا نصيبا من رزقهم لما لا يعلمونه ، فهذا ما قيل في ترجيح أحد هذين القولين على الآخر .
واعلم أنا إذا قلنا بالقول الأول افتقرنا فيه إلى الإضمار ، وذلك يحتمل وجوها :
أحدها : ويجعلون لما لا يعلمون له حقا ، ولا يعلمون في طاعته نفعا ولا في الإعراض عنه ضررا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم ، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه ينفعهم ويضرهم نصيبا .
وثانيها : ويجعلون لما لا يعلمون إلهيتها .
وثالثها : ويجعلون لما لا يعلمون السبب في صيرورتها معبودة .
ورابعها : المراد استحقار الأصنام حتى كأنها لقلتها لا تعلم .
المسألة الثانية : في تفسير ذلك النصيب احتمالات :
الأول : المراد منه أنهم جعلوا لله نصيبا من الحرث والأنعام يتقربون إلى الله تعالى به ، ونصيبا إلى الأصنام يتقربون به إليها ، وقد شرحنا ذلك في آخر سورة الأنعام .
والثاني : أن المراد من هذا النصيب : البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وهي قول
الحسن .
والثالث : ربما اعتقدوا في بعض الأشياء أنه إنما حصل بإعانة بعض تلك الأصنام ، كما أن المنجمين يوزعون موجودات هذا العالم على الكواكب السبعة ، فيقولون لزحل كذا من المعادن والنبات والحيوانات ، وللمشتري أشياء أخرى فكذا ههنا .
واعلم أنه تعالى لما حكى عن المشركين هذا المذهب قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56تالله لتسألن ) وهذا في هؤلاء الأقوام خاصة بمنزلة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عما كانوا يعملون ) [ الحجر : 92 ] وعلى التقديرين فأقسم الله تعالى بنفسه أنه يسألهم ، وهذا تهديد منه شديد ; لأن المراد أنه يسألهم سؤال توبيخ وتهديد .
وفي وقت هذا السؤال احتمالان :
الأول : أنه يقع ذلك السؤال عند القرب من الموت ومعاينة ملائكة العذاب ، وقيل : عند عذاب القبر .
والثاني : أنه يقع ذلك في الآخرة ، وهذا أولى لأنه تعالى قد أخبر بما يجري هناك من ضروب التوبيخ عند المسألة ، فهو إلى الوعيد أقرب .
النوع الثاني من كلماتهم الفاسدة : أنهم
nindex.php?page=treesubj&link=29705يجعلون لله البنات ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ) [ الزخرف : 19 ] كانت
خزاعة وكنانة تقول : الملائكة بنات الله . أقول : أظن أن العرب إنما أطلقوا لفظ البنات لأن الملائكة لما كانوا مستترين عن العيون أشبهوا النساء في الاستتار ، فأطلقوا عليهم لفظ البنات . وأيضا قرص الشمس يجري مجرى المستتر عن العيون بسبب ضوئه الباهر ونوره القاهر فأطلقوا عليه لفظ التأنيث ، فهذا ما يغلب على الظن في سبب إقدامهم على هذا القول الفاسد والمذهب الباطل .
ولما حكى الله تعالى عنهم هذا القول قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57سبحانه ) وفيه وجوه .
الأول : أن يكون المراد تنزيه ذاته عن نسبة الولد إليه .
والثاني : تعجيب الخلق من هذا الجهل القبيح ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=30554_28734وصف الملائكة بالأنوثة ، ثم نسبتها بالولدية إلى الله تعالى .
والثالث : قيل في التفسير : معناه معاذ الله ، وذلك مقارب للوجه الأول .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ولهم ما يشتهون ) أجاز
الفراء في " ما " وجهين :
الأول : أن يكون في محل النصب على معنى : ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون .
والثاني : أن يكون رفعا على الابتداء كأنه تم الكلام عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57سبحانه ) ثم ابتدأ فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ولهم ما يشتهون ) يعني : البنين ، وهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=39أم له البنات ولكم البنون ) [ الطور : 39 ] ثم اختار الوجه الثاني وقال : لو كان نصيبا لقال : ولأنفسهم ما يشتهون ، لأنك تقول : جعلت لنفسك كذا
[ ص: 45 ] وكذا ، ولا تقول : جعلت لك ، وأبى
الزجاج إجازة الوجه الأول ، وقال : " ما " في موضع رفع لا غير ، والتقدير : ولهم الشيء الذي يشتهونه ، ولا يجوز النصب ; لأن العرب تقول : جعل لنفسه ما تشتهي ، ولا تقول : جعل له ما يشتهي وهو يعني نفسه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=59يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هَوْنٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60لِلَّذِينِ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=59يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ بِالدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ فَسَادَ أَقْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالتَّشْبِيهِ ، شَرَحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَفَاصِيلَ أَقْوَالِهِمْ وَبَيَّنَ فَسَادَهَا وَسَخَافَتَهَا .
فَالنوع الْأَوَّلُ مِنْ كَلِمَاتِهِمُ الْفَاسِدَةِ : أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56لِمَا لَا يَعْلَمُونَ ) إِلَى مَاذَا يَعُودُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْأَصْنَامِ أَيْ : لَا يَعْلَمُ الْأَصْنَامُ مَا يَفْعَلُ عُبَّادُهَا .
قَالَ بَعْضُهُمْ : الْأَوَّلُ أَوْلَى لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ نَفْيَ الْعِلْمِ عَنِ الْحَيِّ حَقِيقَةٌ وَعَنِ الْجَمَادِ مَجَازٌ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56وَيَجْعَلُونَ ) عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56لِمَا لَا يَعْلَمُونَ ) يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَيْهِمْ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56لِمَا لَا يَعْلَمُونَ ) جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ ، وَهُوَ بِالْعُقَلَاءِ أَلْيَقُ مِنْهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي هِيَ جَمَادَاتٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلِ الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى لِوُجُوهٍ .
الْأَوَّلُ : أَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ افْتَقَرْنَا إِلَى إِضْمَارٍ ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ : وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ إِلَهًا ، أَوْ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ كَوْنَهُ نَافِعًا ضَارًّا ، وَإِذَا قُلْنَا : إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْأَصْنَامِ ، لَمْ نَفْتَقِرْ إِلَى الْإِضْمَارِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ : وَيَجْعَلُونَ
[ ص: 44 ] لِمَا لَا عِلْمَ لَهَا وَلَا فَهْمَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ مُضَافًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ لَفَسَدَ الْمَعْنَى ; لَأَنَّ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَجْعَلُوا نَصِيبًا مِنْ رِزْقِهِمْ لِمَا لَا يَعْلَمُونَهُ ، فَهَذَا مَا قِيلَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ .
وَاعْلَمْ أَنَّا إِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ افْتَقَرْنَا فِيهِ إِلَى الْإِضْمَارِ ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ حَقًّا ، وَلَا يَعْلَمُونَ فِي طَاعَتِهِ نَفْعًا وَلَا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْهُ ضَرَرًا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ وَيَضُرُّهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَنْفَعُهُمْ وَيَضُرُّهُمْ نَصِيبًا .
وَثَانِيهَا : وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ إِلَهِيَّتَهَا .
وَثَالِثُهَا : وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ السَّبَبَ فِي صَيْرُورَتِهَا مَعْبُودَةً .
وَرَابِعُهَا : الْمُرَادُ اسْتِحْقَارُ الْأَصْنَامِ حَتَّى كَأَنَّهَا لِقِلَّتِهَا لَا تَعْلَمُ .
المسألة الثَّانِيَةُ : فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ النَّصِيبِ احْتِمَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ ، وَنَصِيبًا إِلَى الْأَصْنَامِ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَيْهَا ، وَقَدْ شَرَحْنَا ذَلِكَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا النَّصِيبِ : الْبَحِيرَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ ، وَهِيَ قَوْلُ
الْحَسَنِ .
وَالثَّالِثُ : رُبَّمَا اعْتَقَدُوا فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ أَنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ بِإِعَانَةِ بَعْضِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ ، كَمَا أَنَّ الْمُنَجِّمِينَ يُوَزِّعُونَ مَوْجُودَاتِ هَذَا الْعَالَمِ عَلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ ، فَيَقُولُونَ لِزُحَلَ كَذَا مِنَ الْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ ، وَلِلْمُشْتَرِي أَشْيَاءُ أُخْرَى فَكَذَا هَهُنَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ هَذَا الْمَذْهَبَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ ) وَهَذَا فِي هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ خَاصَّةً بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ الْحِجْرِ : 92 ] وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَأَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ أَنَّهُ يَسْأَلُهُمْ ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ مِنْهُ شَدِيدٌ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَسْأَلُهُمْ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَتَهْدِيدٍ .
وَفِي وَقْتِ هَذَا السُّؤَالِ احْتِمَالَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ يَقَعُ ذَلِكَ السُّؤَالُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ الْمَوْتِ وَمُعَايَنَةِ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ ، وَقِيلَ : عِنْدَ عَذَابِ الْقَبْرِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَقَعُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ، وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِمَا يَجْرِي هُنَاكَ مِنْ ضُرُوبِ التَّوْبِيخِ عِنْدَ المسألة ، فَهُوَ إِلَى الْوَعِيدِ أَقْرَبُ .
النوع الثَّانِي مِنْ كَلِمَاتِهِمُ الْفَاسِدَةِ : أَنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=29705يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ) [ الزُّخْرُفِ : 19 ] كَانَتْ
خُزَاعَةُ وَكِنَانَةُ تَقُولُ : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ . أَقُولُ : أَظُنُّ أَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا أَطْلَقُوا لَفْظَ الْبَنَاتِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا كَانُوا مُسْتَتِرِينَ عَنِ الْعُيُونِ أَشْبَهُوا النِّسَاءَ فِي الِاسْتِتَارِ ، فَأَطْلَقُوا عَلَيْهِمْ لَفْظَ الْبَنَاتِ . وَأَيْضًا قُرْصُ الشَّمْسِ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْتَتِرِ عَنِ الْعُيُونِ بِسَبَبِ ضَوْئِهِ الْبَاهِرِ وَنُورِهِ الْقَاهِرِ فَأَطْلَقُوا عَلَيْهِ لَفْظَ التَّأْنِيثِ ، فَهَذَا مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي سَبَبِ إِقْدَامِهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ وَالْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ .
وَلَمَّا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57سُبْحَانَهُ ) وَفِيهِ وُجُوهٌ .
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَنْزِيهَ ذَاتِهِ عَنْ نِسْبَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ .
وَالثَّانِي : تَعْجِيبُ الْخَلْقِ مِنْ هَذَا الْجَهْلِ الْقَبِيحِ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30554_28734وَصْفُ الْمَلَائِكَةِ بِالْأُنُوثَةِ ، ثُمَّ نِسْبَتُهَا بِالْوَلَدِيَّةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَالثَّالِثُ : قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ : مَعْنَاهُ مَعَاذَ اللَّهِ ، وَذَلِكَ مُقَارِبٌ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ ) أَجَازَ
الْفَرَّاءُ فِي " مَا " وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلَ : أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى مَعْنَى : وَيَجْعَلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَهُونَ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ كَأَنَّهُ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57سُبْحَانَهُ ) ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ ) يَعْنِي : الْبَنِينَ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=39أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ) [ الطُّورِ : 39 ] ثُمَّ اخْتَارَ الوجه الثَّانِيَ وَقَالَ : لَوْ كَانَ نَصِيبًا لَقَالَ : وَلِأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَهُونَ ، لِأَنَّكَ تَقُولُ : جَعَلْتَ لِنَفْسِكَ كَذَا
[ ص: 45 ] وَكَذَا ، وَلَا تَقُولُ : جَعَلْتَ لَكَ ، وَأَبَى
الزَّجَّاجُ إِجَازَةَ الوجه الْأَوَّلِ ، وَقَالَ : " مَا " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لَا غَيْرُ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَلَهُمُ الشَّيْءُ الَّذِي يَشْتَهُونَهُ ، وَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ : جَعَلَ لِنَفْسِهِ مَا تَشْتَهِي ، وَلَا تَقُولُ : جَعَلَ لَهُ مَا يَشْتَهِي وَهُوَ يَعْنِي نَفْسَهُ .