(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ) .
اعلم أن هذا اعتبار حال أخرى من أحوال الإنسان ، وذلك أنا نرى
nindex.php?page=treesubj&link=29497_24626_19630أكيس الناس وأكثرهم عقلا وفهما يفني عمره في طلب القدر القليل من الدنيا ولا يتيسر له ذلك ، ونرى أجهل الخلق وأقلهم عقلا وفهما تنفتح عليه أبواب الدنيا ، وكل شيء خطر بباله ودار في خياله فإنه يحصل له في الحال ، ولو كان السبب جهد
[ ص: 64 ] الإنسان وعقله ، لوجب أن يكون الأعقل أفضل في هذه الأحوال ، فلما رأينا أن الأعقل أقل نصيبا ، وأن الأجهل الأخس أوفر نصيبا ، علمنا أن ذلك بسبب قسمة القسام ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) [الزخرف : 32] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله تعالى - :
ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
واعلم أن هذا التفاوت غير مختص بالمال ، بل هو حاصل في الذكاء والبلادة والحسن والقبح والعقل والحمق والصحة والسقم ، والاسم الحسن ، والاسم القبيح ، وهذا بحر لا ساحل له . وقد كنت مصاحبا لبعض الملوك في بعض الأسفار ، وكان ذلك الملك كثير المال والجاه ، وكانت الجنائب الكثيرة تقاد بين يديه ، وما كان يمكنه ركوب واحد منها ، وربما حضرت الأطعمة الشهية والفواكه العطرة عنده ، وما كان يمكنه تناول شيء منها ، وكان الواحد منا صحيح المزاج قوي البنية كامل القوة ، وما كان يجد ملء بطنه طعاما ، فذلك الملك وإن كان يفضل على هذا الفقير في المال ، إلا أن هذا الفقير كان يفضل على ذلك الملك في الصحة والقوة ، وهذا باب واسع إذا اعتبره الإنسان عظم تعجبه منه .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم ) ففيه قولان :
القول الأول : أن المراد من هذا الكلام تقرير ما سبق في الآية المتقدمة من أن
nindex.php?page=treesubj&link=28786_33679السعادة والنحوسة لا يحصلان إلا من الله تعالى ، والمعنى : أن الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا ، فهم في رزقي سواء ، فلا يحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق ، وإنما رزقي أجريته إليهم على أيديهم . وحاصل القول فيه أن المقصود منه بيان أن الرازق هو الله تعالى ، وأن المالك لا يرزق العبد ، بل الرازق للعبد والمولى هو الله تعالى ، وتحقيق القول أنه ربما كان العبد أكمل عقلا وأقوى جسما وأكثر وقوفا على المصالح والمفاسد من المولى ، وذلك يدل على أن ذلة ذلك العبد وعزة ذلك المولى من الله تعالى كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) [آل عمران : 26] .
والقول الثاني : أن المراد من هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=29705الرد على من أثبت شريكا لله تعالى ، ثم على هذا القول ففيه وجهان :
الأول : أن يكون هذا ردا على عبدة الأوثان والأصنام ، كأنه قيل : إنه تعالى فضل الملوك على مماليكهم ، فجعل المملوك لا يقدر على ملك مع مولاه ، فلما لم تجعلوا عبيدكم معكم سواء في الملك ، فكيف تجعلون هذه الجمادات معي سواء في المعبودية .
والثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - : نزلت هذه الآية في
نصارى نجران حين قالوا : إن
عيسى ابن مريم ابن الله ، فالمعنى أنكم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونوا سواء ، فكيف جعلتم عبدي ولدا لي وشريكا في الإلهية ؟
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71فهم فيه سواء ) معنى الفاء في قوله " فهم " حتى ، والمعنى : فما الذين فضلوا بجاعلي رزقهم لعبيدهم ، حتى تكون عبيدهم فيه معهم سواء في الملك .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أفبنعمة الله يجحدون ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ
عاصم في رواية
أبي بكر : " تجحدون " بالتاء على الخطاب لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=70خلقكم ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71فضل بعضكم ) والباقون بالياء لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71فهم فيه سواء ) واختاره
أبو عبيدة وأبو حاتم لقرب الخبر عنه ، وأيضا فظاهر
[ ص: 65 ] الخطاب أن يكون مع المسلمين ، والمسلمون لا يخاطبون بجحد نعمة الله تعالى .
المسألة الثانية : لا شبهة في أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أفبنعمة الله يجحدون ) الإنكار على المشركين الذين أورد الله تعالى هذه الحجة عليهم .
فإن قيل : كيف يصيرون جاحدين بنعمة الله عليهم بسبب عبادة الأصنام ؟
قلنا : فيه وجهان :
الوجه الأول : أنه لما كان
nindex.php?page=treesubj&link=20698المعطي لكل الخيرات هو الله تعالى ، فمن أثبت لله شريكا فقد أضاف إليه بعض تلك الخيرات ، فكان جاحدا لكونها من عند الله تعالى ، وأيضا فإن أهل الطبائع وأهل النجوم يضيفون أكثر هذه النعم إلى الطبائع وإلى النجوم ، وذلك يوجب كونهم جاحدين لكونها من الله تعالى .
والوجه الثاني : قال
الزجاج : المراد أنه تعالى لما قرر هذه الدلائل وبينها وأظهرها بحيث يفهمها كل عاقل ، كان ذلك إنعاما عظيما منه على الخلق ، فعند هذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أفبنعمة الله ) في تقريره هذه البيانات وإيضاح هذه البينات " يجحدون " .
المسألة الثالثة : الباء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أفبنعمة الله ) يجوز أن تكون زائدة ؛ لأن الجحود لا يعدى بالباء ؛ كما تقول : خذ الخطام وبالخطام ، وتعلقت زيدا وبزيد ، ويجوز أن يراد بالجحود الكفر ، فعدي بالباء ؛ لكونه بمعنى الكفر ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا اعْتِبَارُ حَالٍ أُخْرَى مِنْ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ ، وَذَلِكَ أَنَّا نَرَى
nindex.php?page=treesubj&link=29497_24626_19630أَكْيَسَ النَّاسِ وَأَكْثَرَهُمْ عَقْلًا وَفَهْمًا يُفْنِي عُمُرَهُ فِي طَلَبِ الْقَدْرِ الْقَلِيلِ مِنَ الدُّنْيَا وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ ذَلِكَ ، وَنَرَى أَجْهَلَ الْخَلْقِ وَأَقَلَّهُمْ عَقْلًا وَفَهْمًا تَنْفَتِحُ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الدُّنْيَا ، وَكُلُّ شَيْءٍ خَطَرَ بِبَالِهِ وَدَارَ فِي خَيَالِهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ جَهْدَ
[ ص: 64 ] الْإِنْسَانِ وَعَقْلَهُ ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَعْقَلُ أَفْضَلَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ، فَلَمَّا رَأَيْنَا أَنَّ الْأَعْقَلَ أَقَلُّ نَصِيبًا ، وَأَنَّ الْأَجْهَلَ الْأَخَسَّ أَوْفَرُ نَصِيبًا ، عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ قِسْمَةِ الْقَسَّامِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) [الزُّخْرُفِ : 32] .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - :
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى الْقَضَاءِ وَكَوْنِهِ بُؤْسُ اللَّبِيبِ وَطِيبُ عَيْشِ الْأَحْمَقِ
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفَاوُتَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْمَالِ ، بَلْ هُوَ حَاصِلٌ فِي الذَّكَاءِ وَالْبَلَادَةِ وَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْعَقْلِ وَالْحُمْقِ وَالصِّحَّةِ وَالسُّقْمِ ، وَالِاسْمِ الْحَسَنِ ، وَالِاسْمِ الْقَبِيحِ ، وَهَذَا بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ . وَقَدْ كُنْتُ مُصَاحِبًا لِبَعْضِ الْمُلُوكِ فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَلِكُ كَثِيرَ الْمَالِ وَالْجَاهِ ، وَكَانَتِ الْجَنَائِبُ الْكَثِيرَةُ تُقَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ رُكُوبُ وَاحِدٍ مِنْهَا ، وَرُبَّمَا حَضَرَتِ الْأَطْعِمَةُ الشَّهِيَّةُ وَالْفَوَاكِهُ الْعَطِرَةُ عِنْدَهُ ، وَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهَا ، وَكَانَ الْوَاحِدُ مِنَّا صَحِيحَ الْمِزَاجِ قَوِيَّ الْبِنْيَةِ كَامِلَ الْقُوَّةِ ، وَمَا كَانَ يَجِدُ مِلْءَ بَطْنِهِ طَعَامًا ، فَذَلِكَ الْمَلِكُ وَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فِي الْمَالِ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الْفَقِيرَ كَانَ يَفْضُلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَلِكِ فِي الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ إِذَا اعْتَبَرَهُ الْإِنْسَانُ عَظُمَ تَعَجُّبُهُ مِنْهُ .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) فَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَقْرِيرُ مَا سَبَقَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28786_33679السَّعَادَةَ وَالنُّحُوسَةَ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْمَوَالِيَ وَالْمَمَالِيكَ أَنَا رَازِقُهُمْ جَمِيعًا ، فَهُمْ فِي رِزْقِي سَوَاءٌ ، فَلَا يَحْسَبَنَّ الْمَوَالِي أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ عَلَى مَمَالِيكِهِمْ مِنْ عِنْدِهِمْ شَيْئًا مِنَ الرِّزْقِ ، وَإِنَّمَا رِزْقِي أَجْرَيْتُهُ إِلَيْهِمْ عَلَى أَيْدِيهِمْ . وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ الرَّازِقَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَرْزُقُ الْعَبْدَ ، بَلِ الرَّازِقُ لِلْعَبْدِ وَالْمَوْلَى هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَكْمَلَ عَقْلًا وَأَقْوَى جِسْمًا وَأَكْثَرَ وُقُوفًا عَلَى الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مِنَ الْمَوْلَى ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِلَّةَ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَعِزَّةَ ذَلِكَ الْمَوْلَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ) [آلِ عِمْرَانَ : 26] .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=29705الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ شَرِيكًا لِلَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ هَذَا رَدًّا عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّهُ تَعَالَى فَضَّلَ الْمُلُوكَ عَلَى مَمَالِيكِهِمْ ، فَجَعَلَ الْمَمْلُوكَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُلْكٍ مَعَ مَوْلَاهُ ، فَلَمَّا لَمْ تَجْعَلُوا عَبِيدَكُمْ مَعَكُمْ سَوَاءً فِي الْمُلْكِ ، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ مَعِي سَوَاءً فِي الْمَعْبُودِيَّةِ .
وَالثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
نَصَارَى نَجْرَانَ حِينَ قَالُوا : إِنَّ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ابْنُ اللَّهِ ، فَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ لَا تُشْرِكُونَ عَبِيدَكُمْ فِيمَا مَلَكْتُمْ فَتَكُونُوا سَوَاءً ، فَكَيْفَ جَعَلْتُمْ عَبْدِي وَلَدًا لِي وَشَرِيكًا فِي الْإِلَهِيَّةِ ؟
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ) مَعْنَى الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ " فَهُمْ " حَتَّى ، وَالْمَعْنَى : فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِجَاعِلِي رِزْقِهِمْ لِعَبِيدِهِمْ ، حَتَّى تَكُونَ عَبِيدُهُمْ فِيهِ مَعَهُمْ سَوَاءً فِي الْمُلْكِ .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قَرَأَ
عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ
أَبِي بَكْرٍ : " تَجْحَدُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=70خَلَقَكُمْ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71فَضَّلَ بَعْضَكُمْ ) وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ) وَاخْتَارَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ لِقُرْبِ الْخَبَرِ عَنْهُ ، وَأَيْضًا فَظَاهِرُ
[ ص: 65 ] الْخِطَابِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُسْلِمُونَ لَا يُخَاطَبُونَ بِجَحْدِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
المسألة الثَّانِيَةُ : لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَوْرَدَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَصِيرُونَ جَاحِدِينَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ؟
قُلْنَا : فِيهِ وَجْهَانِ :
الوجه الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=20698الْمُعْطِي لِكُلِّ الْخَيْرَاتِ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى ، فَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ شَرِيكًا فَقَدْ أَضَافَ إِلَيْهِ بَعْضَ تِلْكَ الْخَيْرَاتِ ، فَكَانَ جَاحِدًا لِكَوْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَهْلَ الطَّبَائِعِ وَأَهْلَ النُّجُومِ يُضِيفُونَ أَكْثَرَ هَذِهِ النِّعَمِ إِلَى الطَّبَائِعِ وَإِلَى النُّجُومِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُمْ جَاحِدِينَ لِكَوْنِهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالوجه الثَّانِي : قَالَ
الزَّجَّاجُ : الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَرَّرَ هَذِهِ الدَّلَائِلَ وَبَيَّنَهَا وَأَظْهَرَهَا بِحَيْثُ يَفْهَمُهَا كُلُّ عَاقِلٍ ، كَانَ ذَلِكَ إِنْعَامًا عَظِيمًا مِنْهُ عَلَى الْخَلْقِ ، فَعِنْدَ هَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ ) فِي تَقْرِيرِهِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ وَإِيضَاحِ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ " يَجْحَدُونَ " .
المسألة الثَّالِثَةُ : الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ لَا يُعَدَّى بِالْبَاءِ ؛ كَمَا تَقُولُ : خُذِ الْخِطَامَ وَبِالْخِطَامِ ، وَتَعَلَّقْتُ زَيْدًا وَبِزَيْدٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْجُحُودِ الْكُفْرُ ، فَعُدِّيَ بِالْبَاءِ ؛ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى الْكُفْرِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .