أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ
ابن عامر وحمزة والكسائي " ألم تروا " بالتاء ، والباقون : بالياء على الحكاية لمن تقدم ذكره من الكفار .
المسألة الثانية : هذا دليل آخر على
nindex.php?page=treesubj&link=33679_28783كمال قدرة الله تعالى وحكمته ، فإنه لولا
nindex.php?page=treesubj&link=33679_31747أنه تعالى خلق الطير خلقة معها يمكنه الطيران وخلق الجو خلقة معها يمكن الطيران فيه لما أمكن ذلك . فإنه تعالى أعطى الطير جناحا يبسطه مرة ويكسره أخرى ، مثل ما يعمله السابح في الماء ، وخلق الهواء خلقة لطيفة رقيقة يسهل بسببها خرقه والنفاذ فيه ، ولولا ذلك لما كان الطيران ممكنا .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ما يمسكهن إلا الله ) فالمعنى : أن جسد الطير جسم ثقيل ، والجسم الثقيل يمتنع بقاؤه في الجو معلقا من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه ، فوجب أن يكون الممسك له في ذلك الجوهر - الله تعالى . ثم من الظاهر أن بقاءه في الجو معلقا فعله ، وحاصل باختياره ، فثبت أن خالق فعل العبد هو الله تعالى . قال القاضي : إنما أضاف الله تعالى هذا الإمساك إلى نفسه ؛ لأنه تعالى هو الذي أعطى الآلات التي لأجلها يمكن الطير من تلك الأفعال ، فلما كان تعالى هو المسبب لذلك لا جرم صحت هذه الإضافة إلى الله تعالى .
والجواب : أن هذا ترك للظاهر بغير دليل وأنه لا يجوز ، لا سيما والدلائل العقلية دلت على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28785أفعال العباد مخلوقة لله تعالى .
[ ص: 74 ] ثم قال تعالى في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) وخص هذه الآيات بالمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون بها وإن كانت هذه الآيات لكل العقلاء ، والله أعلم .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " أَلَمْ تَرَوْا " بِالتَّاءِ ، وَالْبَاقُونَ : بِالْيَاءِ عَلَى الْحِكَايَةِ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْكُفَّارِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33679_28783كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْلَا
nindex.php?page=treesubj&link=33679_31747أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الطَّيْرَ خِلْقَةً مَعَهَا يُمْكِنُهُ الطَّيَرَانُ وَخَلَقَ الْجَوَّ خِلْقَةً مَعَهَا يُمْكِنُ الطَّيَرَانُ فِيهِ لَمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ . فَإِنَّهُ تَعَالَى أَعْطَى الطَّيْرَ جَنَاحًا يَبْسُطُهُ مَرَّةً وَيَكْسِرُهُ أُخْرَى ، مِثْلَ مَا يَعْمَلُهُ السَّابِحُ فِي الْمَاءِ ، وَخَلَقَ الْهَوَاءَ خِلْقَةً لَطِيفَةً رَقِيقَةً يَسْهُلُ بِسَبَبِهَا خَرْقُهُ وَالنَّفَاذُ فِيهِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ الطَّيَرَانُ مُمْكِنًا .
وَأما قوله تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ) فَالْمَعْنَى : أَنَّ جَسَدَ الطَّيْرِ جِسْمٌ ثَقِيلٌ ، وَالْجِسْمُ الثَّقِيلُ يَمْتَنِعُ بَقَاؤُهُ فِي الْجَوِّ مُعَلَّقًا مِنْ غَيْرِ دِعَامَةٍ تَحْتَهُ وَلَا عَلَاقَةَ فَوْقَهُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُمْسِكُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْجَوْهَرِ - اللَّهَ تَعَالَى . ثُمَّ مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ بَقَاءَهُ فِي الْجَوِّ مُعَلَّقًا فِعْلُهُ ، وَحَاصِلٌ بِاخْتِيَارِهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ خَالِقَ فِعْلِ الْعَبْدِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ الْقَاضِي : إِنَّمَا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِمْسَاكَ إِلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَعْطَى الْآلَاتِ الَّتِي لِأَجْلِهَا يُمَكِّنُ الطَّيْرَ مِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ ، فَلَمَّا كَانَ تَعَالَى هُوَ الْمُسَبِّبُ لِذَلِكَ لَا جَرَمَ صَحَّتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، لَا سِيَّمَا وَالدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28785أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى .
[ ص: 74 ] ثم قال تَعَالَى فِي آخَرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) وَخَصَّ هَذِهِ الْآيَاتِ بِالْمُؤْمِنِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ لِكُلِّ الْعُقَلَاءِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .