(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=82فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=82فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون ) .
اعلم أن الإنسان إما أن يكون مقيما أو مسافرا ، والمسافر إما أن يكون غنيا يمكنه استصحاب الخيام والفساطيط ، أو لا يمكنه ذلك ، فهذه أقسام ثلاثة :
أما القسم الأول : فإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ) .
وأما القسم الثاني : فإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ) .
أما القسم الثالث : فإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81والله جعل لكم مما خلق ظلالا ) وذلك لأن المسافر إذا لم يكن له خيمة يستظل بها فإنه لا بد وأن يستظل بشيء آخر كالجدران والأشجار ، وقد يستظل بالغمام كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=57وظللنا عليكم الغمام ) [البقرة : 57] .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وجعل لكم من الجبال أكنانا ) واحد الكنان كن على قياس أحمال وحمل ، ولكن المراد كل شيء وقى شيئا ، ويقال : استكن وأكن إذا صار في كن .
واعلم أن بلاد العرب شديدة الحر ، وحاجتهم إلى الظل ودفع الحر شديدة ؛ فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه المعاني في معرض النعمة العظيمة ، وأيضا البلاد المعتدلة والأوقات المعتدلة نادرة جدا ، والغالب إما غلبة الحر أو غلبة البرد .
وعلى كل التقديرات
nindex.php?page=treesubj&link=32415_32412_29485فلا بد للإنسان من مسكن يأوي إليه ، فكان الإنعام بتحصيله عظيما . ولما ذكر تعالى أمر المسكن ذكر بعده أمر الملبوس فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم ) . السرابيل : القمص واحدها سربال ، قال
الزجاج : كل ما لبسته فهو سربال ؛ من قميص أو درع أو جوشن أو غيره ، والذي يدل على صحة هذا القول أنه جعل السرابيل على قسمين :
أحدهما : ما يكون واقيا من الحر والبرد .
والثاني : ما يتقى به عن البأس والحروب ، وذلك هو الجوشن وغيره ، وذلك يدل على أن كل واحد من القسمين من السرابيل .
فإن قيل : لم ذكر الحر ولم يذكر البرد ؟
[ ص: 76 ] أجابوا عنه من وجوه :
الوجه الأول : قال
عطاء الخراساني : المخاطبون بهذا الكلام هم العرب وبلادهم حارة ، فكانت حاجتهم إلى ما يدفع الحر فوق حاجتهم إلى ما يدفع البرد ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها ) وسائر أنواع الثياب أشرف ، إلا أنه تعالى ذكر ذلك النوع الأول ؛ لأنه كان إلفتهم بها أشد ، واعتيادهم للبسها أكثر ، ولذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) [النور : 43] ؛ لمعرفتهم بذلك ، وما أنزل من الثلج أعظم ، ولكنهم كانوا لا يعرفونه .
والوجه الثاني في الجواب : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : إن ذكر أحد الضدين تنبيه على الآخر .
قلت : ثبت في العلوم العقلية أن العلم بأحد الضدين يستلزم العلم بالضد الآخر ، فإن الإنسان متى خطر بباله الحر خطر بباله أيضا البرد ، وكذا القول في النور والظلمة والسواد والبياض ، فلما كان الشعور بأحدهما مستتبعا للشعور بالآخر ، كان ذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر .
والوجه الثالث : قال
الزجاج : ما وقى من الحر وقى من البرد ، فكان ذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر .
فإن قيل : هذا بالضد أولى ؛ لأن دفع الحر يكفي فيه السرابيل التي هي القمص من دون تكلف زيادة ، وأما البرد فإنه لا يندفع إلا بتكلف زائد .
قلنا : القميص الواحد لما كان دافعا للحر كان الاستكثار من القميص نافعا للبرد ، فصح ما ذكرناه . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وسرابيل تقيكم بأسكم ) يعني
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32412_32415دروع الحديد ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077ومعنى البأس الشدة ، ويريد ههنا شدة الطعن والضرب والرمي .
واعلم أنه تعالى لما عدد أقسام نعمة الدنيا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81كذلك يتم نعمته عليكم ) أي : مثل ما خلق هذه الأشياء لكم ، وأنعم بها عليكم فإنه يتم نعمة الدنيا والدين عليكم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81لعلكم تسلمون ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لعلكم يا
أهل مكة تخلصون لله الربوبية ، وتعلمون أنه لا يقدر على هذه الإنعامات أحد سواه ، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قرأ : " لعلكم تسلمون " بفتح التاء ، والمعنى : أنا أعطيناكم هذه السرابيلات ؛ لتسلموا عن بأس الحرب ، وقيل : أعطيتكم هذه النعم ؛ لتتفكروا فيها فتؤمنوا ، فتسلموا من عذاب الله .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=82فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين ) أي : فإن تولوا يا
محمد ، وأعرضوا وآثروا لذات الدنيا ومتابعة الآباء والمعاداة في الكفر فعلى أنفسهم جنوا ذلك ، وليس عليك إلا ما فعلت من التبليغ التام ، ثم إنه تعالى ذمهم بأنهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ، وذلك نهاية في
nindex.php?page=treesubj&link=32409_33147كفران النعمة .
فإن قيل : ما معنى "ثم" ؟
قلنا : الدلالة على أن إنكارهم أمر يستبعد بعد حصول المعرفة ؛ لأن حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر ، وفي المراد بهذه النعمة وجوه :
الأول : قال القاضي المراد بها جميع ما ذكره الله تعالى في الآيات المتقدمة من جميع أنواع النعم ؛ ومعنى أنهم أنكروه هو أنهم ما أفردوه تعالى بالشكر والعبادة ، بل شكروا على تلك النعم غير الله تعالى . ولأنهم قالوا : إنما حصلت هذه النعم بشفاعة هذه الأصنام .
والثاني : أن المراد أنهم عرفوا أن نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم حق ثم ينكرونها ، ونبوته نعمة عظيمة كما قال تعالى :
[ ص: 77 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [الأنبياء : 107] .
الثالث : يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ، أي : لا يستعملونها في طلب رضوان الله تعالى .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وأكثرهم الكافرون ) .
فإن قيل : ما معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وأكثرهم الكافرون ) مع أنه كان كلهم كافرين ؟
قلنا : الجواب من وجوه :
الأول : إنما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وأكثرهم ) ؛ لأنه كان فيهم من لم تقم عليه الحجة ممن لم يبلغ حد التكليف ، أو كان ناقص العقل معتوها ، فأراد بالأكثر البالغين الأصحاء .
الثاني : أن يكون المراد بالكافر الجاحد المعاند ، وحينئذ نقول إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وأكثرهم ) ؛ لأنه كان فيهم من لم يكن معاندا ، بل كان جاهلا بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وما ظهر له كونه نبيا حقا من عند الله .
الثالث : أنه ذكر الأكثر والمراد الجميع ؛ لأن أكثر الشيء يقوم مقام الكل ، فذكر الأكثر كذكر الجميع ، وهذا كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) [النحل : 75] . والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=82فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=82فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا ، وَالْمُسَافِرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا يُمْكِنُهُ اسْتِصْحَابُ الْخِيَامِ وَالْفَسَاطِيطِ ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ ، فَهَذِهِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ :
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : فَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ) .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : فَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا ) .
أَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : فَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَيْمَةٌ يَسْتَظِلُّ بِهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَسْتَظِلَّ بِشَيْءٍ آخَرَ كَالْجُدْرَانِ وَالْأَشْجَارِ ، وَقَدْ يَسْتَظِلُّ بِالْغَمَامِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=57وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ) [الْبَقَرَةِ : 57] .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا ) وَاحِدُ الْكِنَانِ كِنٌّ عَلَى قِيَاسِ أَحْمَالٍ وَحِمْلٍ ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ كُلُّ شَيْءٍ وَقَى شَيْئًا ، وَيُقَالُ : اسْتَكَنَ وَأَكَنَّ إِذَا صَارَ فِي كِنٍّ .
وَاعْلَمْ أَنَّ بِلَادَ الْعَرَبِ شَدِيدَةُ الْحَرِّ ، وَحَاجَتُهُمْ إِلَى الظِّلِّ وَدَفْعِ الْحَرِّ شَدِيدَةٌ ؛ فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي مَعْرِضِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَأَيْضًا الْبِلَادُ الْمُعْتَدِلَةُ وَالْأَوْقَاتُ الْمُعْتَدِلَةُ نَادِرَةٌ جِدًّا ، وَالْغَالِبُ إِمَّا غَلَبَةُ الْحَرِّ أَوْ غَلَبَةُ الْبَرْدِ .
وَعَلَى كُلِّ التَّقْدِيرَاتِ
nindex.php?page=treesubj&link=32415_32412_29485فَلَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَسْكَنٍ يَأْوِي إِلَيْهِ ، فَكَانَ الْإِنْعَامُ بِتَحْصِيلِهِ عَظِيمًا . وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَمْرَ الْمَسْكَنِ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَمْرَ الْمَلْبُوسِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ) . السَّرَابِيلُ : الْقُمُصُ وَاحِدُهَا سِرْبَالٌ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : كُلُّ مَا لَبِسْتَهُ فَهُوَ سِرْبَالٌ ؛ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ دِرْعٍ أَوْ جَوْشَنٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ جَعَلَ السَّرَابِيلَ عَلَى قِسْمَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مَا يَكُونُ وَاقِيًا مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ .
وَالثَّانِي : مَا يُتَّقَى بِهِ عَنِ الْبَأْسِ وَالْحُرُوبِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْجَوْشَنُ وَغَيْرُهُ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِسْمَيْنِ مِنَ السَّرَابِيلِ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ ذَكَرَ الْحَرَّ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَرْدَ ؟
[ ص: 76 ] أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الوجه الْأَوَّلُ : قَالَ
عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ : الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْكَلَامِ هُمُ الْعَرَبُ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ ، فَكَانَتْ حَاجَتُهُمْ إِلَى مَا يَدْفَعُ الْحَرَّ فَوْقَ حَاجَتِهِمْ إِلَى مَا يَدْفَعُ الْبَرْدَ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا ) وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ أَشْرَفُ ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ ذَلِكَ النوع الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِلْفَتُهُمْ بِهَا أَشَدَّ ، وَاعْتِيَادُهُمْ لِلُبْسِهَا أَكْثَرَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ) [النُّورِ : 43] ؛ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِذَلِكَ ، وَمَا أَنْزَلَ مِنَ الثَّلْجِ أَعْظَمُ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهُ .
وَالوجه الثَّانِي فِي الْجَوَابِ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : إِنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْآخَرِ .
قُلْتُ : ثَبَتَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْعِلْمَ بِأَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِالضِّدِّ الْآخَرِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى خَطَرَ بِبَالِهِ الْحَرُّ خَطَرَ بِبَالِهِ أَيْضًا الْبَرْدُ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ ، فَلَمَّا كَانَ الشُّعُورُ بِأَحَدِهِمَا مُسْتَتْبِعًا لِلشُّعُورِ بِالْآخَرِ ، كَانَ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ .
وَالوجه الثَّالِثُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : مَا وَقَى مِنَ الْحَرِّ وَقَى مِنَ الْبَرْدِ ، فَكَانَ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا بِالضِّدِّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْحَرِّ يَكْفِي فِيهِ السَّرَابِيلُ الَّتِي هِيَ الْقُمُصُ مِنْ دُونِ تَكَلُّفِ زِيَادَةٍ ، وَأَمَّا الْبَرْدُ فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إِلَّا بِتَكَلُّفٍ زَائِدٍ .
قُلْنَا : الْقَمِيصُ الْوَاحِدُ لَمَّا كَانَ دَافِعًا لِلْحَرِّ كَانَ الِاسْتِكْثَارُ مِنَ الْقَمِيصِ نَافِعًا لِلْبَرْدِ ، فَصَحَّ مَا ذَكَرْنَاهُ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ) يَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32412_32415دُرُوعَ الْحَدِيدِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077وَمَعْنَى الْبَأْسِ الشِّدَّةُ ، وَيُرِيدُ هَهُنَا شِدَّةَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ وَالرَّمْيِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَدَّدَ أَقْسَامَ نِعْمَةِ الدُّنْيَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) أَيْ : مِثْلَ مَا خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَكُمْ ، وَأَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ يُتِمُّ نِعْمَةَ الدُّنْيَا وَالدِّينِ عَلَيْكُمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَعَلَّكُمْ يَا
أَهْلَ مَكَّةَ تُخْلِصُونَ لِلَّهِ الرُّبُوبِيَّةَ ، وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذِهِ الْإِنْعَامَاتِ أَحَدٌ سِوَاهُ ، وَنُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ : " لَعَلَّكُمْ تَسْلَمُونَ " بِفَتْحِ التَّاءِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّا أَعْطَيْنَاكُمْ هَذِهِ السَّرَابِيلَاتِ ؛ لِتَسْلَمُوا عَنْ بَأْسِ الْحَرْبِ ، وَقِيلَ : أَعْطَيْتُكُمْ هَذِهِ النِّعَمَ ؛ لِتَتَفَكَّرُوا فِيهَا فَتُؤْمِنُوا ، فَتَسْلَمُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=82فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) أَيْ : فَإِنْ تَوَلَّوْا يَا
مُحَمَّدُ ، وَأَعْرَضُوا وَآثَرُوا لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَمُتَابَعَةَ الْآبَاءِ وَالْمُعَادَاةَ فِي الْكُفْرِ فَعَلَى أَنْفُسِهِمْ جَنَوْا ذَلِكَ ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا مَا فَعَلْتَ مِنَ التَّبْلِيغِ التَّامِّ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَمَّهُمْ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا ، وَذَلِكَ نِهَايَةٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32409_33147كُفْرَانِ النِّعْمَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا مَعْنَى "ثُمَّ" ؟
قُلْنَا : الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ إِنْكَارَهُمْ أَمْرٌ يُسْتَبْعَدُ بَعْدَ حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ مَنْ عَرَفَ النِّعْمَةَ أَنْ يَعْتَرِفَ لَا أَنْ يُنْكِرَ ، وَفِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِهَا جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ النِّعَمِ ؛ وَمَعْنَى أَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ هُوَ أَنَّهُمْ مَا أَفْرَدُوهُ تَعَالَى بِالشُّكْرِ وَالْعِبَادَةِ ، بَلْ شَكَرُوا عَلَى تِلْكَ النِّعَمِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى . وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّمَا حَصَلَتْ هَذِهِ النِّعِمُ بِشَفَاعَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ نُبُوَّةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا ، وَنُبُوَّتُهُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
[ ص: 77 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 107] .
الثَّالِثُ : يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا ، أَيْ : لَا يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي طَلَبِ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) .
فَإِنْ قِيلَ : مَا مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) مَعَ أَنَّهُ كَانَ كُلُّهُمْ كَافِرِينَ ؟
قُلْنَا : الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : إِنَّمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وَأَكْثَرُهُمُ ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّكْلِيفِ ، أَوْ كَانَ نَاقِصَ الْعَقْلِ مَعْتُوهًا ، فَأَرَادَ بِالْأَكْثَرِ الْبَالِغِينَ الْأَصِحَّاءَ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْجَاحِدَ الْمُعَانِدَ ، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وَأَكْثَرُهُمُ ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُعَانِدًا ، بَلْ كَانَ جَاهِلًا بِصِدْقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَمَا ظَهَرَ لَهُ كَوْنُهُ نَبِيًّا حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَكْثَرَ وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ ، فَذِكْرُ الْأَكْثَرِ كَذِكْرِ الْجَمِيعِ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) [النَّحْلِ : 75] . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .