(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30531أنه تعالى لما هدد الكفار بالوعيد الشديد في الآخرة هددهم أيضا بآفات الدنيا وهو الوقوع في الجوع والخوف ، كما ذكره في هذه الآية .
المسألة الثانية : المثل قد يضرب بشيء موصوف بصفة معينة ، سواء كان ذلك الشيء موجودا أو لم يكن موجودا . وقد يضرب بشيء موجود معين ، فهذه القرية التي ضرب الله بها هذا المثل يحتمل أن تكون شيئا مفروضا ، ويحتمل أن تكون قرية معينة ، وعلى هذا التقدير الثاني : فتلك القرية يحتمل أن تكون
مكة أو غيرها ، والأكثرون من المفسرين على أنها
مكة ، والأقرب أنها غير
مكة ؛ لأنها ضربت مثلا
لمكة ، ومثل
مكة يكون غير
مكة .
المسألة الثالثة : ذكر الله تعالى لهذه القرية صفات :
الصفة الأولى : كونها آمنة ، أي : ذات أمن لا يغار عليهم كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) [العنكبوت : 67] . والأمر في
مكة كان كذلك ؛ لأن العرب كان يغير بعضهم على بعض . أما
أهل مكة ، فإنهم كانوا أهل حرم الله ، والعرب كانوا يحترمونهم ويخصونهم بالتعظيم والتكريم .
واعلم أنه يجوز وصف القرية بالأمن ، وإن كان ذلك لأهلها لأجل أنها مكان الأمن وظرف له ، والظروف من الأزمنة ، والأمكنة توصف بما حلها ، كما يقال : طيب وحار وبارد .
والصفة الثانية : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112مطمئنة ) ، قال
الواحدي : معناه أنها قارة ساكنة ، فأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق . أقول : إن كان المراد من كونها مطمئنة - أنهم لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بسبب الخوف ، فهذا هو معنى كونها آمنة ، وإن كان المراد أنهم لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بسبب الضيق ، فهذا هو معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ) . وعلى كلا التقديرين فإنه يلزم التكرار .
[ ص: 103 ] والجواب : أن العقلاء قالوا :
ثلاثة ليس لها نهاية الأمن والصحة والكفاية
قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112آمنة ) إشارة إلى الأمن ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112مطمئنة ) إشارة إلى الصحة ؛ لأن هواء ذلك البلد لما كان ملائما لأمزجتهم اطمأنوا إليه واستقروا فيه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ) إشارة إلى الكفاية . قال المفسرون : وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112من كل مكان ) السبب فيه إجابة دعوة
إبراهيم - عليه السلام - وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات ) [إبراهيم : 37] . ثم إنه تعالى لما وصف القرية بهذه الصفات الثلاثة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112فكفرت بأنعم الله ) . الأنعم : جمع نعمة ، مثل أشد وشدة ؛ أقول ههنا سؤال : وهو أن الأنعم جمع قلة ، فكان المعنى : أن أهل تلك القرية كفرت بأنواع قليلة من النعم فعذبها الله ، وكان اللائق أن يقال : إنهم كفروا بنعم عظيمة لله فاستوجبوا العذاب ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077فما السبب في ذكر جمع القلة ؟
والجواب : المقصود التنبيه بالأدنى على الأعلى يعني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32409كفران النعم القليلة لما أوجب العذاب فكفران النعم الكثيرة أولى بإيجاب العذاب ، وهذا مثل
أهل مكة ؛ لأنهم كانوا في الأمن والطمأنينة والخصب ، ثم أنعم الله عليهم بالنعمة العظيمة ، وهو
محمد صلى الله عليه وسلم ، فكفروا به وبالغوا في إيذائه ، فلا جرم سلط الله عليهم البلاء . قال المفسرون : عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام والعلهز والقد ، أما الخوف فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم . ونقل أن
ابن الراوندي قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585لابن الأعرابي الأديب : هل يذاق اللباس ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : لا باس ولا لباس يا أيها النسناس ، هب أنك تشك أن
محمدا ما كان نبيا أما كان عربيا ؟ وكان مقصود
ابن الراوندي الطعن في هذه الآية ، وهو أن اللباس لا يذاق ، بل يلبس ، فكان الواجب أن يقال : فكساهم الله لباس الجوع ، أو يقال : فأذاقهم الله طعم الجوع . وأقول جوابه من وجوه :
الوجه الأول : أن الأحوال التي حصلت لهم عند الجوع نوعان :
أحدهما : أن المذوق هو الطعام ، فلما فقدوا الطعام صاروا كأنهم يذوقون الجوع .
والثاني : أن ذلك الجوع كان شديدا كاملا فصار كأنه أحاط بهم من كل الجهات ، فأشبه اللباس . فالحاصل أنه حصل في ذلك الجوع حالة تشبه المذوق ، وحالة تشبه الملبوس ؛ فاعتبر الله تعالى كلا الاعتبارين ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ) .
والوجه الثاني : أن التقدير أن الله عرفها لباس الجوع والخوف إلا أنه تعالى عبر عن التعريف بلفظ الإذاقة ، وأصل الذوق بالفم ، ثم قد يستعار فيوضع موضع التعرف ، وهو الاختبار ، تقول : ناظر فلانا وذق ما عنده . قال الشاعر :
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها وسيق إلينا عذبها وعذابها
ولباس الجوع والخوف هو ما ظهر عليهم من الضمور وشحوب اللون ، ونهكة البدن ، وتغير الحال ، وكسوف البال ، فكما تقول : تعرفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان ، كذلك يجوز أن تقول : ذقت لباس الجوع والخوف على فلان .
والوجه الثالث : أن يحمل لفظ اللبس على المماسة ، فصار التقدير : فأذاقها الله مساس الجوع والخوف .
[ ص: 104 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112بما كانوا يصنعون ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد : بفعلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم حين كذبوه ، وأخرجوه من
مكة وهموا بقتله . قال
الفراء : ولم يقل بما صنعت ، ومثله في القرآن كثير ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ) [الأعراف : 4] . ولم يقل قائلة ، وتحقيق الكلام أنه تعالى وصف القرية بأنها مطمئنة يأتيها رزقها رغدا فكفرت بأنعم الله ، فكل هذه الصفات ، وإن أجريت بحسب اللفظ على القرية ، إلا أن المراد في الحقيقة أهلها ؛ فلا جرم قال في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112بما كانوا يصنعون ) ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) .
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : اعْلَمْ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30531أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا هَدَّدَ الْكُفَّارَ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي الْآخِرَةِ هَدَّدَهُمْ أَيْضًا بِآفَاتِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : الْمَثَلُ قَدْ يُضْرَبُ بِشَيْءٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا . وَقَدْ يُضْرَبُ بِشَيْءٍ مَوْجُودٍ مُعَيَّنٍ ، فَهَذِهِ الْقَرْيَةُ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ بِهَا هَذَا الْمَثَلَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شَيْئًا مَفْرُوضًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَرْيَةً مُعَيَّنَةً ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الثَّانِي : فَتِلْكَ الْقَرْيَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ
مَكَّةَ أَوْ غَيْرَهَا ، وَالْأَكْثَرُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا
مَكَّةُ ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا غَيْرُ
مَكَّةَ ؛ لِأَنَّهَا ضُرِبَتْ مَثَلًا
لِمَكَّةَ ، وَمَثَلُ
مَكَّةَ يَكُونُ غَيْرَ
مَكَّةَ .
المسألة الثَّالِثَةُ : ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْقَرْيَةِ صِفَاتٍ :
الصِّفَةُ الْأُولَى : كَوْنُهَا آمِنَةً ، أَيْ : ذَاتَ أَمْنٍ لَا يُغَارُ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) [الْعَنْكَبُوتِ : 67] . وَالْأَمْرُ فِي
مَكَّةَ كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ . أَمَّا
أَهْلُ مَكَّةَ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ حَرَمِ اللَّهِ ، وَالْعَرَبُ كَانُوا يَحْتَرِمُونَهُمْ وَيَخُصُّونَهُمْ بِالتَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ وَصْفُ الْقَرْيَةِ بِالْأَمْنِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَهْلِهَا لِأَجْلِ أَنَّهَا مَكَانُ الْأَمْنِ وَظَرْفٌ لَهُ ، وَالظُّرُوفُ مِنَ الْأَزْمِنَةِ ، وَالْأَمْكِنَةِ تُوصَفُ بِمَا حَلَّهَا ، كَمَا يُقَالُ : طَيَّبٌ وَحَارٌّ وَبَارِدٌ .
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112مُطْمَئِنَّةً ) ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : مَعْنَاهُ أَنَّهَا قَارَّةٌ سَاكِنَةٌ ، فَأَهْلُهَا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الِانْتِقَالِ عَنْهَا لِخَوْفٍ أَوْ ضِيقٍ . أَقُولُ : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا مُطْمَئِنَّةً - أَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الِانْتِقَالِ عَنْهَا بِسَبَبِ الْخَوْفِ ، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا آمِنَةً ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الِانْتِقَالِ عَنْهَا بِسَبَبِ الضِّيقِ ، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) . وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ .
[ ص: 103 ] وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْعُقَلَاءَ قَالُوا :
ثَلَاثَةٌ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ وَالْكِفَايَةُ
قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112آمِنَةً ) إِشَارَةٌ إِلَى الْأَمْنِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112مُطْمَئِنَّةً ) إِشَارَةٌ إِلَى الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ هَوَاءَ ذَلِكَ الْبَلَدِ لَمَّا كَانَ مُلَائِمًا لِأَمْزِجَتِهِمُ اطْمَأَنُّوا إِلَيْهِ وَاسْتَقَرُّوا فِيهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْكِفَايَةِ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) السَّبَبُ فِيهِ إِجَابَةُ دَعْوَةِ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ ) [إِبْرَاهِيمَ : 37] . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْقَرْيَةَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ) . الْأَنْعُمُ : جَمْعُ نِعْمَةٍ ، مِثْلَ أَشَدَّ وَشِدَّةٍ ؛ أَقُولُ هَهُنَا سُؤَالٌ : وَهُوَ أَنَّ الْأَنْعُمَ جَمْعُ قِلَّةٍ ، فَكَانَ الْمَعْنَى : أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ كَفَرَتْ بِأَنْوَاعٍ قَلِيلَةٍ مِنَ النِّعَمِ فَعَذَبَّهَا اللَّهُ ، وَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِنِعَمٍ عَظِيمَةٍ لِلَّهِ فَاسْتَوْجَبُوا الْعَذَابَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077فَمَا السَّبَبُ فِي ذِكْرِ جَمْعِ الْقِلَّةِ ؟
وَالْجَوَابُ : الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى يَعْنِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32409كُفْرَانَ النِّعَمِ الْقَلِيلَةِ لَمَّا أَوْجَبَ الْعَذَابَ فَكُفْرَانُ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ أَوْلَى بِإِيجَابِ الْعَذَابِ ، وَهَذَا مِثْلُ
أَهْلِ مَكَّةَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْأَمْنِ وَالطُّمْأَنِينَةِ وَالْخِصْبِ ، ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالنِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَهُوَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَفَرُوا بِهِ وَبَالَغُوا فِي إِيذَائِهِ ، فَلَا جَرَمَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءَ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِالْجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ وَالْعِظَامَ وَالْعِلْهِزَ وَالْقَدَّ ، أَمَّا الْخَوْفُ فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمُ السَّرَايَا فَيُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ . وَنُقِلَ أَنَّ
ابْنَ الرَّاوَنْدِيِّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585لِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ الْأَدِيبِ : هَلْ يُذَاقُ اللِّبَاسُ ؟ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : لَا بَاسَ وَلَا لِبَاسَ يَا أَيُّهَا النِّسْنَاسُ ، هَبْ أَنَّكَ تَشُكُّ أَنَّ
مُحَمَّدًا مَا كَانَ نَبِيًّا أَمَا كَانَ عَرَبِيًّا ؟ وَكَانَ مَقْصُودُ
ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ الطَّعْنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَهُوَ أَنَّ اللِّبَاسَ لَا يُذَاقُ ، بَلْ يُلْبَسُ ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ : فَكَسَاهُمُ اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ ، أَوْ يُقَالَ : فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ طَعْمَ الْجُوعِ . وَأَقُولُ جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الوجه الْأَوَّلُ : أَنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُمْ عِنْدَ الْجُوعِ نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَذُوقَ هُوَ الطَّعَامُ ، فَلَمَّا فَقَدُوا الطَّعَامَ صَارُوا كَأَنَّهُمْ يَذُوقُونَ الْجُوعَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ الْجُوعَ كَانَ شَدِيدًا كَامِلًا فَصَارَ كَأَنَّهُ أَحَاطَ بِهِمْ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ ، فَأَشْبَهَ اللِّبَاسَ . فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْجُوعِ حَالَةٌ تُشْبِهُ الْمَذُوقَ ، وَحَالَةٌ تُشْبِهُ الْمَلْبُوسَ ؛ فَاعْتَبَرَ اللَّهُ تَعَالَى كِلَا الِاعْتِبَارَيْنِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ) .
وَالوجه الثَّانِي : أَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهَا لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى عَبَّرَ عَنِ التَّعْرِيفِ بِلَفْظِ الْإِذَاقَةِ ، وَأَصْلُ الذَّوْقِ بِالْفَمِ ، ثُمَّ قَدْ يُسْتَعَارُ فَيُوضَعُ مَوْضِعَ التَّعَرُّفِ ، وَهُوَ الِاخْتِبَارُ ، تَقُولُ : نَاظِرْ فُلَانًا وَذُقْ مَا عِنْدَهُ . قَالَ الشَّاعِرُ :
وَمَنْ يَذُقِ الدُّنْيَا فَإِنِّي طَعِمْتُهَا وَسِيقَ إِلَيْنَا عَذْبُهَا وَعَذَابُهَا
وَلِبَاسُ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ هُوَ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ مِنَ الضُّمُورِ وَشُحُوبِ اللَّوْنِ ، وَنَهْكَةِ الْبَدَنِ ، وَتَغَيُّرِ الْحَالِ ، وَكُسُوفِ الْبَالِ ، فَكَمَا تَقُولُ : تَعَرَّفْتُ سُوءَ أَثَرِ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ عَلَى فُلَانٍ ، كَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ : ذُقْتُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ عَلَى فُلَانٍ .
وَالوجه الثَّالِثُ : أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ اللُّبْسِ عَلَى الْمُمَاسَّةِ ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ : فَأَذَاقَهَا اللَّهُ مَسَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ .
[ ص: 104 ] ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ : بِفِعْلِهِمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَذَّبُوهُ ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ
مَكَّةَ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَلَمْ يَقُلْ بِمَا صَنَعَتْ ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=4فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ) [الْأَعْرَافِ : 4] . وَلَمْ يَقُلْ قَائِلَةٌ ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْقَرْيَةَ بِأَنَّهَا مُطْمَئِنَّةٌ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ، فَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، وَإِنْ أُجْرِيَتْ بِحَسْبِ اللَّفْظِ عَلَى الْقَرْيَةِ ، إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَقِيقَةِ أَهْلُهَا ؛ فَلَا جَرَمَ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .