(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) .
اعلم أنه تعالى لما زيف في هذه السورة مذاهب المشركين في أشياء ، منها قولهم : بإثبات الشركاء والأنداد لله تعالى ، ومنها طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وقولهم : لو أرسل الله رسولا لكان ذلك الرسول من الملائكة . ومنها قولهم بتحليل أشياء حرمها الله ، وتحريم أشياء أباحها الله تعالى ، فلما بالغ في إبطال مذاهبهم في هذه الأقوال ، وكان
إبراهيم - عليه السلام - رئيس الموحدين وقدوة الأصوليين ، وهو الذي دعا الناس إلى التوحيد وإبطال الشرك وإلى الشرائع . والمشركون كانوا مفتخرين به معترفين بحسن طريقته ، مقرين بوجوب الاقتداء به ، لا جرم ذكره الله تعالى في آخر هذه السورة ، وحكى عنه طريقته في التوحيد ليصير ذلك حاملا لهؤلاء المشركين على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك . واعلم أنه تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=31850وصف إبراهيم - عليه السلام - بصفات :
الصفة الأولى : أنه كان أمة ، وفي تفسيره وجوه :
الأول : أنه كان وحده أمة من الأمم ؛ لكماله في صفات الخير كقوله :
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
[ ص: 108 ] الثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : كان مؤمنا وحده ، والناس كلهم كانوا كفارا ؛ فلهذا المعنى كان وحده أمة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013067وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زيد بن عمرو بن نفيل : "يبعثه الله أمة وحده" .
الثالث : أن يكون أمة فعلة بمعنى مفعول ، كالرحلة والبغية ، فالأمة هو الذي يؤتم به ؛ ودليله قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124إني جاعلك للناس إماما ) [البقرة : 124] .
الرابع : أنه عليه السلام هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ممتازين عمن سواهم بالتوحيد والدين الحق ، ولما جرى مجرى السبب لحصول تلك الأمة سماه الله تعالى بالأمة ؛ إطلاقا لاسم المسبب على السبب ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب لم تبق أرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض إلا زمن
إبراهيم - عليه السلام - فإنه كان وحده .
الصفة الثانية : كونه قانتا لله ، والقانت : هو القائم بما أمره الله تعالى به ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - : معناه كونه مطيعا لله .
الصفة الثالثة : كونه حنيفا ، والحنيف : المائل إلى ملة الإسلام ميلا لا يزول عنه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - : إنه
nindex.php?page=treesubj&link=34020_31872_31874_31858أول من اختتن وأقام مناسك الحج وضحى ، وهذه صفة الحنيفية .
الصفة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120ولم يك من المشركين ) معناه : أنه كان من الموحدين في الصغر والكبر والذي يقرر كونه كذلك أن أكثر همته - عليه السلام - كان في تقرير علم الأصول ، فذكر دليل إثبات الصانع مع ملك زمانه وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258ربي الذي يحيي ويميت ) [البقرة : 258] . ثم أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76لا أحب الآفلين ) [الأنعام : 76] . ثم كسر تلك الأصنام حتى آل الأمر إلى أن ألقوه في النار ، ثم طلب من الله أن يريه كيفية إحياء الموتى ؛ ليحصل له مزيد الطمأنينة ، ومن وقف على علم القرآن علم أن
إبراهيم - عليه السلام - كان غارقا في بحر التوحيد .
الصفة الخامسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شاكرا لأنعمه ) روي أنه عليه السلام
nindex.php?page=treesubj&link=31853كان لا يتغدى إلا مع ضيف ، فلم يجد ذات يوم ضيفا فأخر غداءه فإذا هو بقوم من الملائكة في صورة البشر ، فدعاهم إلى الطعام فأظهروا أن بهم علة الجذام ، فقال : الآن يجب علي مؤاكلتكم ، فلولا عزتكم على الله تعالى لما ابتلاكم بهذا البلاء ! .
فإن قيل : لفظ الأنعم جمع قلة ، ونعم الله تعالى على
إبراهيم - عليه السلام - كانت كثيرة . فلم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شاكرا لأنعمه ) ؟
قلنا : المراد أنه كان شاكرا لجميع نعم الله إن كانت قليلة ، فكيف الكثيرة !
الصفة السادسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121اجتباه ) أي : اصطفاه للنبوة . والاجتباء : هو أن تأخذ الشيء بالكلية ، وهو افتعال من جبيت ، وأصله جمع الماء في الحوض ، والجابية : هي الحوض .
الصفة السابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121وهداه إلى صراط مستقيم ) أي : في الدعوة إلى الله ، والترغيب في الدين الحق ، والتنفير عن الدين الباطل ، نظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) [الأنعام : 153] .
الصفة الثامنة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وآتيناه في الدنيا حسنة ) قال
قتادة : إن الله حببه إلى كل الخلق ، فكل أهل الأديان يقرون به ، أما المسلمون
واليهود والنصارى فظاهر ، وأما كفار
قريش وسائر العرب فلا فخر لهم إلا به ، وتحقيق الكلام : أن الله أجاب دعاءه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) [الشعراء : 84] . وقال
[ ص: 109 ] آخرون : هو قول المصلي منا : كما صليت على
إبراهيم وعلى
آل إبراهيم ، وقيل : الصدق ، والوفاء والعبادة .
الصفة التاسعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) .
فإن قيل : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) ولم يقل : وإنه في الآخرة في أعلى مقامات الصالحين ؟
قلنا : لأنه تعالى حكى عنه أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ) [الشعراء : 83] . فقال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) ؛ تنبيها على أنه تعالى أجاب دعاءه ثم إن كونه من الصالحين لا ينفي أن يكون في أعلى مقامات الصالحين ، فإن الله تعالى بين ذلك في آية أخرى وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ) [الأنعام : 83] .
واعلم أنه تعالى لما وصف
إبراهيم - عليه السلام - بهذه الصفات العالية الشريفة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) وفيه مباحث :
البحث الأول : قال قوم : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على شريعة
إبراهيم - عليه السلام - ، وليس له شرع هو به منفرد ، بل المقصود من بعثته - عليه السلام - إحياء شرع
إبراهيم - عليه السلام - وعول في إثبات مذهبه على هذه الآية ، وهذا القول ضعيف ؛ لأنه تعالى وصف
إبراهيم - عليه السلام - في هذه الآية بأنه ما كان من المشركين ، فلما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123اتبع ملة إبراهيم ) كان المراد ذلك .
فإن قيل : النبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الشرك وأثبت التوحيد بناء على الدلائل القطعية ، وإذا كان كذلك لم يكن متابعا له ، فيمتنع حمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123أن اتبع ) على هذا المعنى ، فوجب حمله على الشرائع التي يصح حصول المتابعة فيها .
قلنا : يحتمل أن يكون المراد الأمر بمتابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد ؛ وهو أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن .
البحث الثاني : قال صاحب الكشاف : لفظة "ثم" في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك ) تدل على
nindex.php?page=treesubj&link=28753تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة ، وأجل ما أوتي من النعمة - اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته من قبل ، فإن هذه اللفظة دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة عن سائر المدائح التي مدحه الله بها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا زَيَّفَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَذَاهِبَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَشْيَاءَ ، مِنْهَا قَوْلُهُمْ : بِإِثْبَاتِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَمِنْهَا طَعْنُهُمْ فِي نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَقَوْلُهُمْ : لَوْ أَرْسَلَ اللَّهُ رَسُولًا لَكَانَ ذَلِكَ الرَّسُولُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ . وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ بِتَحْلِيلِ أَشْيَاءَ حَرَّمَهَا اللَّهُ ، وَتَحْرِيمِ أَشْيَاءَ أَبَاحَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، فَلَمَّا بَالَغَ فِي إِبْطَالِ مَذَاهِبِهِمْ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ ، وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَئِيسَ الْمُوَحِّدِينَ وَقُدْوَةَ الْأُصُولِيِّينَ ، وَهُوَ الَّذِي دَعَا النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِبْطَالِ الشِّرْكِ وَإِلَى الشَّرَائِعِ . وَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا مُفْتَخِرِينَ بِهِ مُعْتَرِفِينَ بِحُسْنِ طَرِيقَتِهِ ، مُقِرِّينَ بِوُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ ، لَا جَرَمَ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَحَكَى عَنْهُ طَرِيقَتَهُ فِي التَّوْحِيدِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ حَامِلًا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الشِّرْكِ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=31850وَصَفَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِصِفَاتٍ :
الصِّفَةُ الْأُولَى : أَنَّهُ كَانَ أُمَّةً ، وَفِي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ ؛ لِكَمَالِهِ فِي صِفَاتِ الْخَيْرِ كَقَوْلِهِ :
لَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِي وَاحِدٍ
[ ص: 108 ] الثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : كَانَ مُؤْمِنًا وَحْدَهُ ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا ؛ فَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ وَحْدَهُ أُمَّةً ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013067وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ : "يَبْعَثُهُ اللَّهُ أُمَّةً وَحْدَهُ" .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أُمَّةٌ فُعْلَةً بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، كَالرُّحْلَةِ وَالْبُغْيَةِ ، فَالْأُمَّةُ هُوَ الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ ؛ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) [الْبَقَرَةِ : 124] .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ جُعِلَتْ أُمَّتُهُ مُمْتَازِينَ عَمَّنْ سِوَاهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالدِّينِ الْحَقِّ ، وَلَمَّا جَرَى مَجْرَى السَّبَبِ لِحُصُولِ تِلْكَ الْأُمَّةِ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأُمَّةِ ؛ إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ لَمْ تَبْقَ أَرْضٌ إِلَّا وَفِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا زَمَنَ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ .
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : كَوْنُهُ قَانِتًا لِلَّهِ ، وَالْقَانِتُ : هُوَ الْقَائِمُ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : مَعْنَاهُ كَوْنُهُ مُطِيعًا لِلَّهِ .
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ : كَوْنُهُ حَنِيفًا ، وَالْحَنِيفُ : الْمَائِلُ إِلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مَيْلًا لَا يَزُولُ عَنْهُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : إِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=34020_31872_31874_31858أَوَّلُ مَنِ اخْتَتَنَ وَأَقَامَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَضَحَّى ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْحَنِيفِيَّةِ .
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) مَعْنَاهُ : أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَالَّذِي يُقَرِّرُ كَوْنَهُ كَذِلَكَ أَنَّ أَكْثَرَ هِمَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ فِي تَقْرِيرِ عِلْمِ الْأُصُولِ ، فَذَكَرَ دَلِيلَ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ مَعَ مَلِكِ زَمَانِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) [الْبَقَرَةِ : 258] . ثُمَّ أَبْطَلَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَالْكَوَاكِبِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) [الْأَنْعَامِ : 76] . ثُمَّ كَسَرَ تِلْكَ الْأَصْنَامَ حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ أَلْقَوْهُ فِي النَّارِ ، ثُمَّ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفِيَّةَ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى ؛ لِيَحْصُلَ لَهُ مَزِيدُ الطُّمَأْنِينَةِ ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى عِلْمِ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ غَارِقًا فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ .
الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ) رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=treesubj&link=31853كَانَ لَا يَتَغَدَّى إِلَّا مَعَ ضَيْفٍ ، فَلَمْ يَجِدْ ذَاتَ يَوْمٍ ضَيْفًا فَأَخَّرَ غَدَاءَهُ فَإِذَا هُوَ بِقَوْمٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الطَّعَامِ فَأَظْهَرُوا أَنَّ بِهِمْ عِلَّةَ الْجُذَامِ ، فَقَالَ : الْآنَ يَجِبُ عَلَيَّ مُؤَاكَلَتُكُمْ ، فَلَوْلَا عِزَّتُكُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمَا ابْتَلَاكُمْ بِهَذَا الْبَلَاءِ ! .
فَإِنْ قِيلَ : لَفْظُ الْأَنْعُمِ جَمْعُ قِلَّةٍ ، وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ كَثِيرَةً . فَلِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ) ؟
قُلْنَا : الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ شَاكِرًا لِجَمِيعِ نِعَمِ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً ، فَكَيْفَ الْكَثِيرَةُ !
الصِّفَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121اجْتَبَاهُ ) أَيِ : اصْطَفَاهُ لِلنُّبُوَّةِ . وَالِاجْتِبَاءُ : هُوَ أَنْ تَأْخُذَ الشَّيْءَ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ جَبَيْتُ ، وَأَصْلُهُ جَمْعُ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ ، وَالْجَابِيَةُ : هِيَ الْحَوْضُ .
الصِّفَةُ السَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أَيْ : فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ ، وَالتَّرْغِيبِ فِي الدِّينِ الْحَقِّ ، وَالتَّنْفِيرِ عَنِ الدِّينِ الْبَاطِلِ ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ) [الْأَنْعَامِ : 153] .
الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) قَالَ
قَتَادَةُ : إِنَّ اللَّهَ حَبَّبَهُ إِلَى كُلِّ الْخَلْقِ ، فَكُلُّ أَهْلِ الْأَدْيَانِ يُقِرُّونَ بِهِ ، أَمَّا الْمُسْلِمُونَ
وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا كُفَّارُ
قُرَيْشٍ وَسَائِرُ الْعَرَبِ فَلَا فَخْرَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ : أَنَّ اللَّهَ أَجَابَ دُعَاءَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) [الشُّعَرَاءِ : 84] . وَقَالَ
[ ص: 109 ] آخَرُونَ : هُوَ قَوْلُ الْمُصَلِّي مِنَّا : كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى
آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَقِيلَ : الصِّدْقُ ، وَالْوَفَاءُ وَالْعِبَادَةُ .
الصِّفَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) وَلَمْ يَقُلْ : وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ فِي أَعْلَى مَقَامَاتِ الصَّالِحِينَ ؟
قُلْنَا : لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) [الشُّعَرَاءِ : 83] . فَقَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=122وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) ؛ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَجَابَ دُعَاءَهُ ثُمَّ إِنَّ كَوْنَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ فِي أَعْلَى مَقَامَاتِ الصَّالِحِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ) [الْأَنْعَامِ : 83] .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْعَالِيَةِ الشَّرِيفَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
البحث الْأَوَّلُ : قَالَ قَوْمٌ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَلَيْسَ لَهُ شَرْعٌ هُوَ بِهِ مُنْفَرِدٌ ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْ بَعْثَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِحْيَاءُ شَرْعِ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَوَّلَ فِي إِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ) كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَفَى الشِّرْكَ وَأَثْبَتَ التَّوْحِيدَ بِنَاءً عَلَى الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَابِعًا لَهُ ، فَيَمْتَنِعُ حَمْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123أَنِ اتَّبِعْ ) عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الشَّرَائِعِ الَّتِي يَصِحُّ حُصُولُ الْمُتَابَعَةِ فِيهَا .
قُلْنَا : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَمْرَ بِمُتَابَعَتِهِ فِي كَيْفِيَّةِ الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ ؛ وَهُوَ أَنْ يَدْعُوَ إِلَيْهِ بِطَرِيقِ الرِّفْقِ وَالسَّهُولَةِ وَإِيرَادِ الدَّلَائِلِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِأَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ عَلَى مَا هُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَأْلُوفَةُ فِي الْقُرْآنِ .
البحث الثَّانِي : قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : لَفْظَةُ "ثُمَّ" فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) تَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28753تَعْظِيمِ مَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْلَالِ مَحَلِّهِ وَالْإِيذَانِ بِأَنَّ أَشْرَفَ مَا أُوتِيَ خَلِيلُ اللَّهِ مِنَ الْكَرَامَةِ ، وَأَجَلَّ مَا أُوتِيَ مِنَ النِّعْمَةِ - اتِّبَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلَّتَهُ مِنْ قَبْلُ ، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ دَلَّتْ عَلَى تَبَاعُدِ هَذَا النَّعْتِ فِي الْمَرْتَبَةِ عَنْ سَائِرِ الْمَدَائِحِ الَّتِي مَدَحَهُ اللَّهُ بِهَا .