(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
الواحدي : هذه الآية فيها ثلاثة أقوال :
[ ص: 113 ] القول الأول : وهو الذي عليه العامة
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013069أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حمزة وقد مثلوا به قال : "والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك" فنزل جبريل - عليه السلام - بخواتيم سورة النحل فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أراد .
وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في رواية
عطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي . وعلى هذا قالوا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة النحل كلها مكية إلا هذه الآيات الثلاث .
والقول الثاني : أن هذا كان قبل الأمر بالسيف والجهاد ، حين كان المسلمون قد أمروا بالقتال مع من يقاتلهم ولا يبدءوا بالقتال وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) [البقرة : 190] . وفي هذه الآية أمر الله بأن يعاقبوا بمثل ما يصيبهم من العقوبة ولا يزيدوا .
والقول الثالث : أن المقصود من هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=19830نهي المظلوم عن استيفاء الزيادة من الظالم ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي وابن سيرين . قال
ابن سيرين : إن أخذ منك رجل شيئا فخذ منه مثله ، وأقول : إن حمل هذه الآية على قصة لا تعلق لها بما قبلها يوجب حصول سوء الترتيب في كلام الله تعالى ؛ وذلك يطرق الطعن إليه وهو في غاية البعد ، بل الأصوب عندي أن يقال : المراد أنه تعالى أمر
محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الدين الحق بأحد الطرق الثلاثة : وهي الحكمة ، والموعظة الحسنة ، والجدال بالطريق الأحسن ، ثم إن تلك الدعوة تتضمن أمرهم بالرجوع عن دين آبائهم وأسلافهم ، وبالإعراض عنه والحكم عليه بالكفر والضلالة ، وذلك مما يشوش القلوب ويوحش الصدور ، ويحمل أكثر المستمعين على قصد ذلك الداعي بالقتل تارة ، وبالضرب ثانيا ، وبالشتم ثالثا ، ثم إن ذلك المحق إذا شاهد تلك السفاهات ، وسمع تلك المشاغبات لا بد وأن يحمله طبعه على تأديب أولئك السفهاء تارة بالقتل وتارة بالضرب ، فعند هذا أمر المحقين في هذا المقام برعاية العدل والإنصاف وترك الزيادة ، فهذا هو الوجه الصحيح الذي يجب حمل الآية عليه .
فإن قيل : فهل تقدحون فيما روي
أنه - عليه السلام - ترك العزم على المثلة ، وكفر عن يمينه بسبب هذه الآية ؟
قلنا : لا حاجة إلى القدح في تلك الرواية ، لأنا نقول : تلك الواقعة داخلة في عموم هذه الآية ، فيمكن التمسك في تلك الواقعة بعموم هذه الآية ، إنما الذي ينازع فيه أنه لا يجوز قصر هذه الآية على هذه الواقعة ؛ لأن ذلك يوجب سوء الترتيب في كلام الله تعالى .
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى أمر برعاية العدل والإنصاف في هذه الآية ورتب ذلك على أربع مراتب :
المرتبة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) يعني :
nindex.php?page=treesubj&link=19817إن رغبتم في استيفاء القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه ، فإن استيفاء الزيادة ظلم ، والظلم ممنوع منه في عدل الله ورحمته ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) دليل على أن الأولى له أن لا يفعل ، كما أنك إذا قلت للمريض : إن كنت تأكل الفاكهة فكل التفاح ، كان معناه : أن الأولى بك أن لا تأكله ، فذكر تعالى بطريق الرمز والتعريض على أن الأولى تركه .
والمرتبة الثانية : الانتقال من التعريض إلى التصريح ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) . وهذا تصريح بأن الأولى ترك ذلك الانتقام ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19959الرحمة أفضل من القسوة ، والإنفاع أفضل من الإيلام .
[ ص: 114 ] المرتبة الثالثة : وهو ورود الأمر بالجزم بالترك ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127واصبر ) ؛ لأنه في المرتبة الثانية ذكر أن الترك خير وأولى ، وفي هذه المرتبة الثالثة صرح بالأمر بالصبر ، ولما كان الصبر في هذا المقام شاقا شديدا ذكر بعده ما يفيد سهولته ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وما صبرك إلا بالله ) أي : بتوفيقه ومعونته ، وهذا هو السبب الكلي الأصلي المفيد في حصول الصبر ، وفي حصول جميع أنواع الطاعات . ولما ذكر هذا السبب الكلي الأصلي ذكر بعده ما هو السبب الجزئي القريب ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ) وذلك لأن إقدام الإنسان على الانتقام ، وعلى إنزال الضرر بالغير لا يكون إلا عند هيجان الغضب ، وشدة الغضب لا تحصل إلا لأحد أمرين :
أحدهما : فوات نفع كان حاصلا في الماضي ، وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تحزن عليهم ) قيل : معناه : ولا تحزن على قتلى
أحد ، ومعناه : لا تحزن بسبب فوت أولئك الأصدقاء . ويرجع حاصله إلى فوت النفع .
والسبب الثاني : لشدة الغضب توقع ضرر في المستقبل ، وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127ولا تك في ضيق مما يمكرون ) ، ومن وقف على هذه اللطائف عرف أنه لا يمكن كلام أدخل في الحسن والضبط من هذا الكلام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=128إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) .
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
[ ص: 113 ] الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَامَّةُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013069أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى حَمْزَةَ وَقَدْ مَثَّلُوا بِهِ قَالَ : "وَاللَّهِ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ" فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِخَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحْلِ فَكَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ .
وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي رِوَايَةِ
عَطَاءٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ . وَعَلَى هَذَا قَالُوا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةَ النَّحْلِ كُلَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالسَّيْفِ وَالْجِهَادِ ، حِينَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ مَعَ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [الْبَقَرَةِ : 190] . وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَمَرَ اللَّهُ بِأَنْ يُعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَلَا يَزِيدُوا .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=19830نَهْيُ الْمَظْلُومِ عَنِ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ مِنَ الظَّالِمِ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ . قَالَ
ابْنُ سِيرِينَ : إِنْ أَخَذَ مِنْكَ رَجَلٌ شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ ، وَأَقُولُ : إِنَّ حَمْلَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قِصَّةٍ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا يُوجِبُ حُصُولَ سُوءِ التَّرْتِيبِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ وَذَلِكَ يُطْرِقُ الطَّعْنَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ، بَلِ الْأَصْوَبُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ الْخَلْقَ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ بِأَحَدِ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ : وَهِيَ الْحِكْمَةُ ، وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ ، وَالْجِدَالُ بِالطَّرِيقِ الْأَحْسَنِ ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الدَّعْوَةَ تَتَضَمَّنُ أَمْرَهُمْ بِالرُّجُوعِ عَنْ دِينِ آبَائِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ ، وَبِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَالحكم عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ ، وَذَلِكَ مِمَّا يُشَوِّشُ الْقُلُوبَ وَيُوحِشُ الصُّدُورَ ، وَيَحْمِلُ أَكْثَرَ الْمُسْتَمِعِينَ عَلَى قَصْدِ ذَلِكَ الدَّاعِي بِالْقَتْلِ تَارَةً ، وَبِالضَّرْبِ ثَانِيًا ، وَبِالشَّتْمِ ثَالِثًا ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْمُحِقَّ إِذَا شَاهَدَ تِلْكَ السَّفَاهَاتِ ، وَسَمِعَ تِلْكَ الْمُشَاغَبَاتِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَحْمِلَهُ طَبْعُهُ عَلَى تَأْدِيبِ أُولَئِكَ السُّفَهَاءِ تَارَةً بِالْقَتْلِ وَتَارَةً بِالضَّرْبِ ، فَعِنْدَ هَذَا أَمَرَ الْمُحِقِّينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِرِعَايَةِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَتَرْكِ الزِّيَادَةِ ، فَهَذَا هُوَ الوجه الصَّحِيحُ الَّذِي يَجِبُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ تَقْدَحُونَ فِيمَا رُوِيَ
أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرَكَ الْعَزْمَ عَلَى الْمُثْلَةِ ، وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآيَةِ ؟
قُلْنَا : لَا حَاجَةَ إِلَى الْقَدْحِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ ، لِأَنَّا نَقُولُ : تِلْكَ الْوَاقِعَةُ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ ، فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ ، إِنَّمَا الَّذِي يُنَازَعُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَصْرُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ سُوءَ التَّرْتِيبِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى .
المسألة الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِرِعَايَةِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَرَتَّبَ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ :
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) يَعْنِي :
nindex.php?page=treesubj&link=19817إِنْ رَغِبْتُمْ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَاقْنَعُوا بِالْمِثْلِ وَلَا تَزِيدُوا عَلَيْهِ ، فَإِنَّ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ ظُلْمٌ ، وَالظُّلْمُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي عَدْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ، كَمَا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ لِلْمَرِيضِ : إِنْ كُنْتَ تَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ فَكُلِ التُّفَّاحَ ، كَانَ مَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَوْلَى بِكَ أَنْ لَا تَأْكُلَهُ ، فَذَكَرَ تَعَالَى بِطَرِيقِ الرَّمْزِ وَالتَّعْرِيضِ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : الِانْتِقَالُ مِنَ التَّعْرِيضِ إِلَى التَّصْرِيحِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) . وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ ذَلِكَ الِانْتِقَامِ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19959الرَّحْمَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَسْوَةِ ، وَالْإِنْفَاعَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِيلَامِ .
[ ص: 114 ] الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ : وَهُوَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِالْجَزْمِ بِالتَّرْكِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَاصْبِرْ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ ذَكَرَ أَنَّ التَّرْكَ خَيْرٌ وَأَوْلَى ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ ، وَلَمَّا كَانَ الصَّبْرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ شَاقًّا شَدِيدًا ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يُفِيدُ سُهُولَتَهُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ) أَيْ : بِتَوْفِيقِهِ وَمَعُونَتِهِ ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الْكُلِّيُّ الْأَصْلِيُّ الْمُفِيدُ فِي حُصُولِ الصَّبْرِ ، وَفِي حُصُولِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ . وَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا السَّبَبَ الْكُلِّيَّ الْأَصْلِيَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا هُوَ السَّبَبُ الْجُزْئِيُّ الْقَرِيبُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ إِقْدَامَ الْإِنْسَانِ عَلَى الِانْتِقَامِ ، وَعَلَى إِنْزَالِ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ لَا يَكُونُ إِلَّا عِنْدَ هَيَجَانِ الْغَضَبِ ، وَشِدَّةُ الْغَضَبِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ :
أَحَدَهُمَا : فَوَاتُ نَفْعٍ كَانَ حَاصِلًا فِي الْمَاضِي ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) قِيلَ : مَعْنَاهُ : وَلَا تَحْزَنْ عَلَى قَتْلَى
أُحُدٍ ، وَمَعْنَاهُ : لَا تَحْزَنْ بِسَبَبِ فَوْتِ أُولَئِكَ الْأَصْدِقَاءِ . وَيَرْجِعُ حَاصِلُهُ إِلَى فَوْتِ النَّفْعِ .
وَالسَّبَبُ الثَّانِي : لِشِدَّةِ الْغَضَبِ تَوَقُّعُ ضَرَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ اللَّطَائِفِ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَلَامٌ أَدْخَلُ فِي الْحُسْنِ وَالضَّبْطِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ .