الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المقام الثاني : في البحث عن وقوع المعراج . قال أهل التحقيق : الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد صلى الله عليه وسلم وجسده من مكة إلى المسجد الأقصى - القرآن والخبر ، أما القرآن فهو هذه الآية ، وتقرير الدليل أن العبد اسم لمجموع الجسد والروح ، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا لمجموع الجسد والروح .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذا الاستدلال موقوف على أن الإنسان هو الروح وحده أو الجسد وحده أو مجموع الجسد والروح ، أما القائلون بأن الإنسان هو الروح وحده ، فقد احتجوا عليه بوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن الإنسان شيء واحد باق من أول عمره إلى آخره ، والأجزاء البدنية في التبدل والتغير والانتقال ، والباقي غير متبدل ، فالإنسان مغاير لهذا البدن .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن الإنسان قد يكون عارفا بذاته المخصوصة حال ما يكون غافلا عن جميع أجزائه البدنية ، والمعلوم مغاير للمغفول عنه ، فالإنسان مغاير لهذا البدن .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن الإنسان يقول بمقتضى فطرته السليمة : يدي ، ورجلي ، ودماغي ، وقلبي ، وكذا القول في سائر الأعضاء ، فيضيف كلها إلى ذاته المخصوصة . والمضاف غير المضاف إليه ، فذاته المخصوصة وجب أن تكون مغايرة لكل هذه الأعضاء .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قالوا : أليس أنه يضيف ذاته إلى نفسه ، فيقول : ذاتي ونفسي ، فيلزمكم أن تكون نفسه مغايرة لذاته ، وهذا محال .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : نحن لا نتمسك بمجرد اللفظ حتى يلزمنا ما ذكرتموه ، بل إنما نتمسك بمحض العقل ، فإن صريح العقل يدل على أن الإنسان موجود واحد . وذلك الشيء الواحد يأخذ بآلة اليد ، ويبصر بآلة العين ، ويسمع بآلة الأذن . فالإنسان شيء واحد ، وهذه الأعضاء آلات له في هذه الأفعال ، وذلك يدل على أن الإنسان شيء مغاير لهذه الأعضاء والآلات ، فثبت بهذه الوجوه أن الإنسان شيء مغاير لهذه البنية ، ولهذا الجسد .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا ثبت هذا فنقول : ( سبحان الذي أسرى بعبده ) المراد من العبد جوهر الروح ، وعلى هذا التقرير فلم

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية