(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28988_31931_30221وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) .
اعلم أنه تعالى لما ذكر إنعامه على
بني إسرائيل بإنزال التوراة عليهم ، وبأنه جعل التوراة هدى لهم - بين أنهم ما اهتدوا بهداه ، بل وقعوا في الفساد ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ) . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : القضاء في اللغة : عبارة عن قطع الأشياء عن إحكام ، ومنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات ) [فصلت : 12] ، وقول الشاعر :
وعليهما مسرودتان قضاهما داود . . . . . . . . . . . .
فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وقضينا ) أي : أعلمناهم وأخبرناهم بذلك وأوحينا إليهم . ولفظ " إلى " صلة للإيحاء ؛ لأن معنى " قضينا " أوحينا إليهم كذا . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4لتفسدن ) يريد المعاصي وخلاف أحكام التوراة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4في الأرض ) يعني : أرض مصر ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4ولتعلن علوا كبيرا ) يعني : أنه يكون استعلاؤكم على الناس بغير الحق استعلاء عظيما ؛ لأنه يقال لكل متجبر : قد علا وتعظم ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فإذا جاء وعد أولاهما ) يعني أولى المرتين (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ) والمعنى : أنه إذا جاء وعد الفساق في المرة الأولى أرسلنا عليكم قوما أولي بأس شديد ، ونجدة وشدة ، والبأس القتال ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وحين البأس ) [البقرة : 177] . ومعنى بعثنا عليكم : أرسلنا عليكم ، وخلينا بينكم وبينهم خاذلين إياكم ، واختلفوا في أن هؤلاء العباد من هم ؟ قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=31931إن بني إسرائيل تعظموا وتكبروا واستحلوا المحارم وقتلوا الأنبياء وسفكوا الدماء ، وذلك
nindex.php?page=treesubj&link=31931_34020أول الفسادين فسلط الله عليهم
بختنصر فقتل منهم أربعين ألفا ممن يقرأ التوراة ، وذهب بالبقية إلى أرض نفسه ، فبقوا هناك في الذل إلى أن قيض الله ملكا آخر غزا
أهل بابل ، واتفق أن تزوج بامرأة من
بني إسرائيل ، فطلبت تلك المرأة من ذلك الملك أن يرد
بني إسرائيل إلى
بيت المقدس ففعل ، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن ما كانوا ، فهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) .
[ ص: 125 ] والقول الثاني : إن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بعثنا عليكم عبادا لنا ) أن الله تعالى سلط عليهم
جالوت حتى أهلكهم وأبادهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثم رددنا لكم الكرة ) هو أنه تعالى قوى
طالوت حتى حارب
جالوت ، ونصر
داود حتى قتل
جالوت ، فذاك هو عود الكرة .
والقول الثالث : إن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بعثنا عليكم عبادا لنا ) هو أنه تعالى ألقى الرعب من
بني إسرائيل في قلوب
المجوس ، فلما كثرت المعاصي فيهم أزال ذلك الرعب عن قلوب
المجوس ، فقصدوهم وبالغوا في قتلهم وإفنائهم وإهلاكهم .
واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض في معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم ، بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصي سلط عليهم أقواما قتلوهم وأفنوهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فجاسوا خلال الديار ) قال
الليث : الجوس والجوسان التردد خلال الديار والبيوت في الفساد ، والخلال : هو الانفراج بين الشيئين ، والديار : ديار
بيت المقدس ، واختلفت عبارات المفسرين في تفسير "
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فجاسوا " ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فتشوا . وقال
أبو عبيدة : طلبوا من فيها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : عاثوا وأفسدوا ، وقال
الزجاج : طافوا خلال الديار هل بقي أحد لم يقتلوه . قال
الواحدي : الجوس هو التردد والطلب ، وذلك محتمل لكل ما قالوه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5وكان وعدا مفعولا ) أي : كان قضاء الله بذلك قضاء جزما حتما لا يقبل النقض والنسخ ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثم رددنا لكم الكرة ) أي : أهلكنا أعداءكم ورددنا الدولة والقوة عليكم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6وجعلناكم أكثر نفيرا ) . النفير : العدد من الرجال ، وأصله من نفر مع الرجل من عشيرته وقومه ، والنفير والنافر واحد ، كالقدير والقادر ، وذكرنا معنى " نفر " عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فلولا نفر من كل فرقة ) [التوبة : 122] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41انفروا خفافا ) [التوبة : 41] .
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على صحة قولهم في مسألة القضاء والقدر من وجوه :
الأول : أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ) وهذا القضاء أقل احتمالاته الحكم الجزم ، والخبر الحتم ، فثبت أنه تعالى أخبر عنهم أنهم سيقدمون على الفساد والمعاصي خبرا جزما لا يقبل النسخ ؛ لأن القضاء معناه الحكم الجزم على ما شرحناه . ثم إنه تعالى أكد ذلك القضاء مزيد تأكيد ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5وكان وعدا مفعولا ) .
إذا ثبت هذا فنقول : عدم وقوع ذلك الفساد عنهم يستلزم انقلاب خبر الله تعالى الصدق كذبا ، وانقلاب حكمه الجازم باطلا ، وانقلاب علمه الحق جهلا ، وكل ذلك محال ، فكان عدم إقدامهم على ذلك الفساد محالا ، فكان إقدامهم عليه واجبا ضروريا لا يقبل النسخ والرفع ، مع أنهم كلفوا بتركه ولعنوا على فعله ، وذلك يدل على قولنا : إن الله قد يأمر بشيء ويصد عنه ، وقد ينهى عن شيء ويقضي بتحصيله ، فهذا أحد وجوه الاستدلال بهذه الآية .
الوجه الثاني في الاستدلال بهذه الآية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ) والمراد أولئك الذين تسلطوا على
بني إسرائيل بالقتل والنهب والأسر ، فبين تعالى أنه هو الذي بعثهم على
بني [ ص: 126 ] إسرائيل ، ولا شك أن قتل
بني إسرائيل ، ونهب أموالهم ، وأسر أولادهم كان مشتملا على الظلم الكثير والمعاصي العظيمة . ثم إنه تعالى أضاف كل ذلك إلى نفسه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بعثنا عليكم ) وذلك يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30455_30452الخير والشر والطاعة والمعصية من الله تعالى .
أجاب
الجبائي عنه من وجهين :
الأول : المراد من (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بعثنا عليكم ) هو أنه تعالى أمر أولئك الأقوام بغزو
بني إسرائيل لما ظهر فيهم من الفساد ، فأضيف ذلك الفعل إلى الله تعالى من حيث الأمر .
والثاني : أن يكون المراد خلينا بينهم وبين
بني إسرائيل ، وما ألقينا الخوف من
بني إسرائيل في قلوبهم . وحاصل الكلام أن المراد من هذا البعث التخلية وعدم المنع .
واعلم أن الجواب الأول ضعيف ؛ لأن الذين قصدوا تخريب
بيت المقدس ، وإحراق التوراة ، وقتل حفاظ التوراة - لا يجوز أن يقال : إنهم فعلوا ذلك بأمر الله تعالى .
والجواب الثاني أيضا ضعيف ؛ لأن البعث على الفعل عبارة عن التقوية عليه وإلقاء الدواعي القوية في القلب ، وأما التخلية فعبارة عن عدم المنع ، والأول فعل ، والثاني ترك ، فتفسير البعث بالتخلية تفسير لأحد الضدين بالآخر ، وإنه لا يجوز ، فثبت صحة ما ذكرناه ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28988_31931_30221وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ إِنْعَامَهُ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِإِنْزَالِ التَّوْرَاةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِأَنَّهُ جَعَلَ التَّوْرَاةَ هُدًى لَهُمْ - بَيَّنَ أَنَّهُمْ مَا اهْتَدَوْا بِهُدَاهُ ، بَلْ وَقَعُوا فِي الْفَسَادِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) . وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ : عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْأَشْيَاءِ عَنْ إِحْكَامٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) [فُصِّلَتْ : 12] ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُدُ . . . . . . . . . . . .
فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وَقَضَيْنَا ) أَيْ : أَعْلَمْنَاهُمْ وَأَخْبَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ . وَلَفْظُ " إِلَى " صِلَةٌ لِلْإِيحَاءِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى " قَضَيْنَا " أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ كَذَا . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4لَتُفْسِدُنَّ ) يُرِيدُ الْمَعَاصِيَ وَخِلَافَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4فِي الْأَرْضِ ) يَعْنِي : أَرْضَ مِصْرَ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ) يَعْنِي : أَنَّهُ يَكُونُ اسْتِعْلَاؤُكُمْ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اسْتِعْلَاءً عَظِيمًا ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِكُلِّ مُتَجَبِّرٍ : قَدْ عَلَا وَتَعَظَّمَ ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا ) يَعْنِي أُولَى الْمَرَّتَيْنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ إِذَا جَاءَ وَعْدُ الْفُسَّاقِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَرْسَلْنَا عَلَيْكُمْ قَوْمًا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، وَنَجْدَةٍ وَشِدَّةٍ ، وَالْبَأْسُ الْقِتَالُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَحِينَ الْبَأْسِ ) [الْبَقَرَةِ : 177] . وَمَعْنَى بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ : أَرْسَلْنَا عَلَيْكُمْ ، وَخَلَّيْنَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ خَاذِلِينَ إِيَّاكُمْ ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْعِبَادِ مَنْ هُمْ ؟ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31931إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَعَظَّمُوا وَتَكَبَّرُوا وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ ، وَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=31931_34020أَوَّلُ الْفَسَادَيْنِ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
بُخْتَنَصَّرَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِمَّنْ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ ، وَذَهَبَ بِالْبَقِيَّةِ إِلَى أَرْضِ نَفْسِهِ ، فَبَقُوا هُنَاكَ فِي الذُّلِّ إِلَى أَنْ قَيَّضَ اللَّهُ مَلِكًا آخَرَ غَزَا
أَهْلَ بَابِلَ ، وَاتَّفَقَ أَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَطَلَبَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ أَنْ يَرُدَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَفَعَلَ ، وَبَعْدَ مُدَّةٍ قَامَتْ فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءُ وَرَجَعُوا إِلَى أَحْسَنِ مَا كَانُوا ، فَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) .
[ ص: 125 ] وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَّطَ عَلَيْهِمْ
جَالُوتَ حَتَّى أَهْلَكَهُمْ وَأَبَادَهُمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ ) هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَوَّى
طَالُوتَ حَتَّى حَارَبَ
جَالُوتَ ، وَنَصَرَ
دَاوُدَ حَتَّى قَتَلَ
جَالُوتَ ، فَذَاكَ هُوَ عَوْدُ الْكَرَّةِ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : إِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا ) هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَلْقَى الرُّعْبَ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قُلُوبِ
الْمَجُوسِ ، فَلَمَّا كَثُرَتِ الْمَعَاصِي فِيهِمْ أَزَالَ ذَلِكَ الرُّعْبَ عَنْ قُلُوبِ
الْمَجُوسِ ، فَقَصَدُوهُمْ وَبَالَغُوا فِي قَتْلِهِمْ وَإِفْنَائِهِمْ وَإِهْلَاكِهِمْ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ كَثِيرُ غَرَضٍ فِي مَعْرِفَةِ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ بِأَعْيَانِهِمْ ، بَلِ الْمَقْصُودُ هُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَكْثَرُوا مِنَ الْمَعَاصِي سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَقْوَامًا قَتَلُوهُمْ وَأَفْنَوْهُمْ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ) قَالَ
اللَّيْثُ : الْجَوْسُ وَالْجَوَسَانُ التَّرَدُّدُ خِلَالَ الدِّيَارِ وَالْبُيُوتِ فِي الْفَسَادِ ، وَالْخِلَالُ : هُوَ الِانْفِرَاجُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ ، وَالدِّيَارُ : دِيَارُ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5فَجَاسُوا " ، فَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : فَتَّشُوا . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : طَلَبُوا مَنْ فِيهَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ : عَاثُوا وَأَفْسَدُوا ، وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : طَافُوا خِلَالَ الدِّيَارِ هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَمْ يَقْتُلُوهُ . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الْجَوْسُ هُوَ التَّرَدُّدُ وَالطَّلَبُ ، وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ مَا قَالُوهُ .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ) أَيْ : كَانَ قَضَاءُ اللَّهِ بِذَلِكَ قَضَاءً جَزْمًا حَتْمًا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَالنَّسْخَ ، ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ ) أَيْ : أَهْلَكْنَا أَعْدَاءَكُمْ وَرَدَدْنَا الدَّوْلَةَ وَالْقُوَّةَ عَلَيْكُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) . النَّفِيرُ : الْعَدَدُ مِنَ الرِّجَالِ ، وَأَصْلُهُ مِنْ نَفَرَ مَعَ الرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ ، وَالنَّفِيرُ وَالنَّافِرُ وَاحِدٌ ، كَالْقَدِيرِ وَالْقَادِرِ ، وَذَكَرْنَا مَعْنَى " نَفَرَ " عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ) [التَّوْبَةِ : 122] ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41انْفِرُوا خِفَافًا ) [التَّوْبَةِ : 41] .
المسألة الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ) وَهَذَا الْقَضَاءُ أَقَلُّ احْتِمَالَاتِهِ الحكم الْجَزْمُ ، وَالْخَبَرُ الْحَتْمُ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ سَيُقْدِمُونَ عَلَى الْفَسَادِ وَالْمَعَاصِي خَبَرًا جَزْمًا لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَعْنَاهُ الحكم الْجَزْمُ عَلَى مَا شَرَحْنَاهُ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ ذَلِكَ الْقَضَاءَ مَزِيدَ تَأْكِيدٍ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ) .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : عَدَمُ وُقُوعِ ذَلِكَ الْفَسَادِ عَنْهُمْ يَسْتَلْزِمُ انْقِلَابَ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّدْقِ كَذِبًا ، وَانْقِلَابَ حُكْمِهِ الْجَازِمِ بَاطِلًا ، وَانْقِلَابَ عِلْمِهِ الْحَقِّ جَهْلًا ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ ، فَكَانَ عَدَمُ إِقْدَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْفَسَادِ مُحَالًا ، فَكَانَ إِقْدَامُهُمْ عَلَيْهِ وَاجِبًا ضَرُورِيًّا لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ وَالرَّفْعَ ، مَعَ أَنَّهُمْ كُلِّفُوا بِتَرْكِهِ وَلُعِنُوا عَلَى فِعْلِهِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا : إِنَّ اللَّهَ قَدْ يَأْمُرُ بِشَيْءٍ وَيَصُدُّ عَنْهُ ، وَقَدْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ وَيَقْضِي بِتَحْصِيلِهِ ، فَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ الِاسْتِدَلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ .
الوجه الثَّانِي فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) وَالْمُرَادُ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَسَلَّطُوا عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالْأَسْرِ ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَعَثَهُمْ عَلَى
بَنِي [ ص: 126 ] إِسْرَائِيلَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَنَهْبَ أَمْوَالِهِمْ ، وَأَسْرَ أَوْلَادِهِمْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الظُّلْمِ الْكَثِيرِ وَالْمَعَاصِي الْعَظِيمَةِ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ كُلَّ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30455_30452الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .
أَجَابَ
الْجُبَّائِيُّ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ ) هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ بِغَزْوِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا ظَهَرَ فِيهِمْ مِنَ الْفَسَادِ ، فَأُضِيفَ ذَلِكَ الْفَعْلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خَلَّيْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَمَا أَلْقَيْنَا الْخَوْفَ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قُلُوبِهِمْ . وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْبَعْثِ التَّخْلِيَةُ وَعَدَمُ الْمَنْعِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ قَصَدُوا تَخْرِيبَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَإِحْرَاقَ التَّوْرَاةِ ، وَقَتْلَ حُفَّاظِ التَّوْرَاةِ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَيْضًا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْبَعْثَ عَلَى الْفِعْلِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْوِيَةِ عَلَيْهِ وَإِلْقَاءِ الدَّوَاعِي الْقَوِيَّةِ فِي الْقَلْبِ ، وَأَمَّا التَّخْلِيَةُ فَعِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمَنْعِ ، وَالْأَوَّلُ فِعْلٌ ، وَالثَّانِي تَرْكٌ ، فَتَفْسِيرُ الْبَعْثِ بِالتَّخْلِيَةِ تَفْسِيرٌ لِأَحَدِ الضِّدَّيْنِ بِالْآخَرِ ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، فَثَبَتَ صِحَّةُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .