(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى حكى عنهم أنهم لما عصوا سلط عليهم أقواما قصدوهم بالقتل والنهب والسبي ، ولما تابوا أزال عنهم تلك المحنة وأعاد عليهم الدولة ، فعند ذلك ظهر أنهم إن أطاعوا فقد أحسنوا إلى أنفسهم ، وإن أصروا على المعصية فقد أساءوا إلى أنفسهم ، وقد تقرر في العقول أن
nindex.php?page=treesubj&link=19805الإحسان إلى النفس حسن مطلوب ، وأن الإساءة إليها قبيحة ؛ فلهذا المعنى قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ) .
المسألة الثانية ؛ قال
الواحدي : لا بد ههنا من إضمار ، والتقدير : وقلنا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ، والمعنى : إن أحسنتم بفعل الطاعات فقد أحسنتم إلى أنفسكم من حيث إن ببركة تلك الطاعات يفتح الله عليكم أبواب الخيرات والبركات ، وإن أسأتم بفعل المحرمات أسأتم إلى أنفسكم من حيث إن بشؤم تلك المعاصي يفتح الله عليكم أبواب العقوبات .
[ ص: 127 ]
المسألة الثالثة : قال النحويون : إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وإن أسأتم فلها ) للتقابل ، والمعنى : فإليها أو فعليها مع أن حروف الإضافة يقوم بعضها مقام بعض ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يومئذ تحدث أخبارها nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها ) [ الزلزلة : 4 - 5 ] أي : إليها .
المسألة الرابعة : قال أهل الإشارات : هذه الآية تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=32491رحمة الله تعالى غالبة على غضبه بدليل أنه لما حكى عنهم الإحسان أعاده مرتين فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) ولما حكى عنهم الإساءة اقتصر على ذكرها مرة واحدة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وإن أسأتم فلها ) ولولا أن جانب الرحمة غالب وإلا لما كان كذلك .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فإذا جاء وعد الآخرة ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال المفسرون : معناه وعد المرة الأخيرة ، وهذه المرة الأخيرة هي إقدامهم على قتل
زكريا ويحيى عليهما الصلاة والسلام .
قال
الواحدي : فبعث الله تعالى عليهم
بختنصر البابلي المجوسي أبغض خلقه إليه فسبى
بني إسرائيل وقتل وخرب
بيت المقدس .
أقول : التواريخ تشهد بأن
بختنصر كان قبل وقت
عيسى عليه الصلاة والسلام
ويحيى وزكريا عليهما الصلاة والسلام بسنين متطاولة ، ومعلوم أن الملك الذي انتقم من
اليهود بسبب هؤلاء ملك من
الروم يقال له :
قسطنطين الملك ، والله أعلم بأحوالهم ، ولا يتعلق غرض من أغراض تفسير القرآن بمعرفة أعيان هؤلاء الأقوام .
المسألة الثانية : جواب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فإذا جاء ) محذوف تقديره : فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوءوا وجوهكم وإنما حسن هذا الحذف لدلالة ما تقدم عليه من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بعثنا عليكم عبادا لنا ) [ الإسراء : 5 ] ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7ليسوءوا وجوهكم ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : يقال : ساءه يسوءه أي : أحزنه ، وإنما عزا الإساءة إلى الوجوه ؛ لأن آثار الأعراض النفسانية الحاصلة في القلب إنما تظهر على الوجه ، فإن حصل الفرح في القلب ظهرت النضرة والإشراق والإسفار في الوجه . وإن حصل الحزن والخوف في القلب ظهر الكلوح والغبرة والسواد في الوجه ، فلهذا السبب عزيت الإساءة إلى الوجوه في هذه الآية ، ونظير هذا المعنى كثير في القرآن .
المسألة الثانية : قرأ العامة : ليسوءوا على صيغة المغايبة ، قال
الواحدي : وهي موافقة للمعنى وللفظ . أما المعنى فهو أن المبعوثين هم الذين يسوءونهم في الحقيقة ، لأنهم هم الذين يقتلون ويأسرون وأما اللفظ فلأنه يوافق قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وليدخلوا المسجد ) وقرأ
ابن عامر وأبو بكر عن
عاصم وحمزة : " ليسوء " على إسناد الفعل إلى الواحد ، وذلك الواحد يحتمل أن يكون أحد أشياء ثلاثة : إما اسم الله سبحانه لأن الذي تقدم هو قوله : ثم رددنا وأمددنا ، وكل ذلك ضمير عائد إلى الله تعالى ، وإما أن يكون ذلك الواحد هو البعث ودل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بعثنا ) والفعل المتقدم يدل على المصدر كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=180ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ) [ آل عمران : 180 ] وقال
الزجاج : ليسوء الوعد وجوهكم ، وقرأ
الكسائي بالنون وهذا على إسناد الفعل إلى الله تعالى كقوله : بعثنا عليكم وأمددنا .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وليتبروا ما علوا تتبيرا ) يقال : تبر الشيء تبرا إذا هلك وتبره أهلكه . قال
الزجاج : كل شيء جعلته مكسرا ومفتتا فقد تبرته ، ومنه قيل : تبر
الزجاج وتبر الذهب لمكسره ، ومنه قوله تعالى :
[ ص: 128 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=139إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ) [ الأعراف : 139 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) [ نوح : 28 ] . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7ما علوا ) يحتمل ما غلبوا عليه وظفروا به ، ويحتمل ويتبروا ما داموا غالبين ، أي : ما دام سلطانهم جاريا على
بني إسرائيل ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7تتبيرا ) ذكر للمصدر على معنى تحقيق الخبر وإزالة الشك في صدقه كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وكلم الله موسى تكليما ) [ النساء : 164 ] أي : حقا ، والمعنى : وليدمروا ويخربوا ما غلبوا عليه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) .
وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمَّا عَصَوْا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَقْوَامًا قَصَدُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالسَّبْيِ ، وَلَمَّا تَابُوا أَزَالَ عَنْهُمْ تِلْكَ الْمِحْنَةَ وَأَعَادَ عَلَيْهِمُ الدَّوْلَةَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّهُمْ إِنْ أَطَاعُوا فَقَدْ أَحْسَنُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَقَدْ أَسَاءُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعُقُولِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19805الْإِحْسَانَ إِلَى النَّفْسِ حَسَنٌ مَطْلُوبٌ ، وَأَنَّ الْإِسَاءَةَ إِلَيْهَا قَبِيحَةٌ ؛ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) .
المسألة الثَّانِيَةُ ؛ قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : لَا بُدَّ هَهُنَا مِنْ إِضْمَارٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَقُلْنَا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ، وَالْمَعْنَى : إِنْ أَحْسَنْتُمْ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ فَقَدْ أَحْسَنْتُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّ بِبَرَكَةِ تِلْكَ الطَّاعَاتِ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَبْوَابَ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ بِفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَسَأْتُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّ بِشُؤْمِ تِلْكَ الْمَعَاصِي يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَبْوَابَ الْعُقُوبَاتِ .
[ ص: 127 ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ النَّحْوِيُّونَ : إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) لِلتَّقَابُلِ ، وَالْمَعْنَى : فَإِلَيْهَا أَوْ فَعَلَيْهَا مَعَ أَنَّ حُرُوفَ الْإِضَافَةِ يَقُومُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=4يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) [ الزَّلْزَلَةِ : 4 - 5 ] أَيْ : إِلَيْهَا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ أَهْلُ الْإِشَارَاتِ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32491رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبَةٌ عَلَى غَضَبِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا حَكَى عَنْهُمُ الْإِحْسَانَ أَعَادَهُ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ) وَلَمَّا حَكَى عَنْهُمُ الْإِسَاءَةَ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) وَلَوْلَا أَنَّ جَانِبَ الرَّحْمَةِ غَالِبٌ وَإِلَّا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : مَعْنَاهُ وَعْدُ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ ، وَهَذِهِ الْمَرَّةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ إِقْدَامُهُمْ عَلَى قَتْلِ
زَكَرِيَّا وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ
بُخْتُنَصَّرَ الْبَابِلِيَّ الْمَجُوسِيَّ أَبْغَضَ خَلْقِهِ إِلَيْهِ فَسَبَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَتَلَ وَخَرَّبَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ .
أَقُولُ : التَّوَارِيخُ تَشْهَدُ بِأَنَّ
بُخْتُنَصَّرَ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ
عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسِنِينَ مُتَطَاوِلَةٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَلِكَ الَّذِي انْتَقَمَ مِنَ
الْيَهُودِ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ مَلِكٌ مِنَ
الرُّومِ يُقَالُ لَهُ :
قُسْطَنْطِينُ الْمَلِكُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِهِمْ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ غَرَضٌ مِنْ أَغْرَاضِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمَعْرِفَةِ أَعْيَانِ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : جَوَابُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7فَإِذَا جَاءَ ) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثْنَاهُمْ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْحَذْفُ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا ) [ الْإِسْرَاءِ : 5 ] ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : يُقَالُ : سَاءَهُ يَسُوءُهُ أَيْ : أَحْزَنَهُ ، وَإِنَّمَا عَزَا الْإِسَاءَةَ إِلَى الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّ آثَارَ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْقَلْبِ إِنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى الْوَجْهِ ، فَإِنْ حَصَلَ الْفَرَحُ فِي الْقَلْبِ ظَهَرَتِ النَّضْرَةُ وَالْإِشْرَاقُ وَالْإِسْفَارُ فِي الْوَجْهِ . وَإِنْ حَصَلَ الْحُزْنُ وَالْخَوْفُ فِي الْقَلْبِ ظَهَرَ الْكُلُوحُ وَالْغَبَرَةُ وَالسَّوَادُ فِي الْوَجْهِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ عُزِيَتِ الْإِسَاءَةُ إِلَى الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَنَظِيرُ هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ الْعَامَّةُ : لِيَسُوءُوا عَلَى صِيغَةِ الْمُغَايَبَةِ ، قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلْمَعْنَى وَلِلَّفْظِ . أَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ الْمَبْعُوثِينَ هُمُ الَّذِينَ يَسُوءُونَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَأَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّهُ يُوَافِقُ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ ) وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ : " لِيَسُوءَ " عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى الْوَاحِدِ ، وَذَلِكَ الْوَاحِدُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةٍ : إِمَّا اسْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ قَوْلُهُ : ثُمَّ رَدَدْنَا وَأَمْدَدْنَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ هُوَ الْبَعْثَ وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=5بَعَثْنَا ) وَالْفِعْلُ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=180وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 180 ] وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : لِيَسُوءَ الْوَعْدُ وُجُوهَكُمْ ، وَقَرَأَ
الْكِسَائِيُّ بِالنُّونِ وَهَذَا عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ وَأَمْدَدْنَا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) يُقَالُ : تَبِرَ الشَّيْءُ تَبْرًا إِذَا هَلَكَ وَتَبَّرَهُ أَهْلَكَهُ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : كُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ مُكَسَّرًا وَمُفَتَّتًا فَقَدْ تَبَّرْتَهُ ، وَمِنْهُ قِيلَ : تِبْرُ
الزُّجَاجِ وَتِبْرُ الذَّهَبِ لِمُكَسَّرِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 128 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=139إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ الْأَعْرَافِ : 139 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ) [ نُوحٍ : 28 ] . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7مَا عَلَوْا ) يَحْتَمِلُ مَا غَلَبُوا عَلَيْهِ وَظَفِرُوا بِهِ ، وَيَحْتَمِلُ وَيُتَبِّرُوا مَا دَامُوا غَالِبِينَ ، أَيْ : مَا دَامَ سُلْطَانُهُمْ جَارِيًا عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7تَتْبِيرًا ) ذِكْرٌ لِلْمَصْدَرِ عَلَى مَعْنَى تَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَإِزَالَةِ الشَّكِّ فِي صِدْقِهِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) [ النِّسَاءِ : 164 ] أَيْ : حَقًّا ، وَالْمَعْنَى : وَلِيُدَمِّرُوا وَيُخَرِّبُوا مَا غَلَبُوا عَلَيْهِ .