(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) .
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : في كيفية النظم وجوه :
الوجه الأول : أنه تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وكل شيء فصلناه تفصيلا ) كان معناه أن كل ما يحتاج إليه من دلائل التوحيد والنبوة والمعاد فقد صار مذكورا . وكل ما يحتاج إليه من شرح أحوال الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ، فقد صار مذكورا . وإذا كان الأمر كذلك فقد أزيحت الأعذار ، وأزيلت العلل فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة فقد ألزمناه طائره في عنقه ونقول له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) .
[ ص: 134 ]
الوجه الثاني : أنه تعالى لما بين أنه أوصل إلى الخلق أصناف الأشياء النافعة لهم في الدين والدنيا ، مثل آيتي الليل والنهار وغيرهما كان منعما عليهم بأعظم وجوه النعم . وذلك يقتضي وجوب اشتغالهم بخدمته وطاعته فلا جرم
nindex.php?page=treesubj&link=30355كل من ورد عرصة القيامة فإنه يكون مسئولا عن أعماله وأقواله .
الوجه الثالث : في تقرير النظم أنه تعالى لما بين أنه ما خلق الخلق إلا ليشتغلوا بعبادته كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] فلما شرح أحوال الشمس والقمر والليل والنهار ، كان المعنى : إني إنما خلقت هذه الأشياء لتنتفعوا بها فتصيروا متمكنين من الاشتغال بطاعتي وخدمتي ، وإذا كان كذلك فكل من ورد عرصة القيامة سألته أنه هل أتى بتلك الخدمة والطاعة ، أو تمرد وعصى وبغى ، فهذا هو الوجه في تقرير النظم .
المسألة الثانية : في
nindex.php?page=treesubj&link=28910تفسير لفظ الطائر قولان :
القول الأول : أن العرب إذا أرادوا الإقدام على عمل من الأعمال وأرادوا أن يعرفوا أن ذلك العمل يسوقهم إلى خير أو إلى شر اعتبروا أحوال الطير وهو أنه يطير بنفسه ، أو يحتاج إلى إزعاجه ، وإذا طار فهل يطير متيامنا أو متياسرا أو صاعدا إلى الجو إلى غير ذلك من الأحوال التي كانوا يعتبرونها ويستدلون بكل واحد منها على أحوال الخير والشر والسعادة والنحوسة ، فلما كثر ذلك منهم سمي الخير والشر بالطائر تسمية للشيء باسم لازمه ، ونظيره قوله تعالى في سورة يس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18قالوا إنا تطيرنا بكم ) [ يس : 18 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19قالوا طائركم معكم ) [ يس : 19 ] فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) أي : كل إنسان ألزمناه عمله في عنقه . وتدل على صحة هذا الوجه قراءة
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد : " ألزمناه طيره في عنقه " .
القول الثاني : قال
أبو عبيدة : الطائر عند العرب الحظ وهو الذي تسميه الفرس البخت ، وعلى هذا يجوز أن يكون معنى الطائر ما طار له من خير وشر ، والتحقيق في هذا الباب أنه تعالى خلق الخلق وخص كل واحد منهم بمقدار مخصوص من العقل والعلم ، والعمر والرزق ، والسعادة والشقاوة . والإنسان لا يمكنه أن يتجاوز ذلك القدر وأن ينحرف عنه ، بل لا بد وأن يصل إلى ذلك القدر بحسب الكمية والكيفية ، فتلك الأشياء المقدورة كأنها تطير إليه وتصير إليه ، فبهذا المعنى لا يبعد أن يعبر عن تلك الأحوال المقدرة بلفظ الطائر ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) كناية عن أن كل ما قدره الله تعالى ومضى في علمه حصوله فهو لازم له واصل إليه غير منحرف عنه .
واعلم أن هذا من أدل الدلائل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28783كل ما قدره الله تعالى للإنسان وحكم عليه به في سابق علمه فهو واجب الوقوع ممتنع العدم ، وتقريره من وجهين :
الوجه الأول : أن تقدير الآية : وكل إنسان ألزمناه عمله في عنقه ، فبين تعالى أن ذلك العمل لازم له ، وما كان لازما للشيء كان ممتنع الزوال عنه واجب الحصول له وهو المقصود .
والوجه الثاني : أنه تعالى أضاف ذلك الإلزام إلى نفسه ، لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13ألزمناه ) تصريح بأن ذلك الإلزام إنما صدر منه ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وألزمهم كلمة التقوى ) [ الفتح : 26 ] وهذه الآية دالة على أنه لا يظهر في الأبد إلا ما حكم الله به في الأزل ، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012627جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " والله أعلم .
[ ص: 135 ]
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=28914قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13في عنقه ) كناية عن اللزوم كما يقال : جعلت هذا في عنقك أي : قلدتك هذا العمل وألزمتك الاحتفاظ به ، ويقال : قلدتك كذا وطوقتك كذا ، أي : صرفته إليك وألزمته إياك ، ومنه قلده السلطان كذا . أي : صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة ومكان الطوق ، ومنه يقال : فلان يقلد فلانا أي : جعل ذلك الاعتقاد كالقلادة المربوطة على عنقه . قال أهل المعاني : وإنما خص العنق من بين سائر الأعضاء بهذا المعنى لأن الذي يكون عليه إما أن يكون خيرا يزينه أو شرا يشينه ، وما يزين يكون كالطوق والحلي ، والذي يشين فهو كالغل ، فههنا عمله إن كان من الخيرات كان زينة له ، وإن كان من المعاصي كان كالغل على رقبته .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=30356ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) قال
الحسن : يا ابن
آدم بسطنا لك صحيفة ووكل بك ملكان فهما عن يمينك وشمالك . فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت معك في قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة . قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13ونخرج له ) أي : من قبره يجوز أن يكون معناه : نخرج له ذلك لأنه لم ير كتابه في الدنيا فإذا بعث أظهر له ذلك وأخرج من الستر ، وقرأ
يعقوب : " ويخرج له يوم القيامة كتابا " أي : يخرج له الطائر أي : عمله كتابا منشورا ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=10وإذا الصحف نشرت ) [ التكوير : 10 ] وقرأ
ابن عمر : " يلقاه " من قولهم : لقيت فلانا الشيء أي استقبلته به . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=11ولقاهم نضرة وسرورا ) [ الإنسان : 11 ] وهو منقول بالتشديد من لقيت الشيء ولقانيه زيد .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك ) والتقدير يقال له : وهذا القائل هو الله تعالى على ألسنة الملائكة (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك ) قال
الحسن : يقرؤه أميا كان أو غير أمي ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله :
nindex.php?page=treesubj&link=30356يؤتى بالمؤمن يوم القيامة بصحيفته وهو يقرؤها وحسناته في ظهرها يغبطه الناس عليها ، وسيئاته في جوف صحيفته وهو يقرؤها ، حتى إذا ظن أنها أوبقته قال الله تعالى : " اذهب فقد غفرتها لك فيما بيني وبينك " فيعظم سروره ، ويصير من الذين قال في حقهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وجوه يومئذ مسفرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=39ضاحكة مستبشرة ) [ عبس : 38 - 39 ] ثم يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=19هاؤم اقرءوا كتابيه ) [ الحاقة : 19 ] .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=30356_30359_30364كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) أي : محاسبا . قال
الحسن : عدل والله في حقك من جعلك حسيب نفسك . قال
السدي : يقول الكافر يومئذ إنك قضيت أنك لست بظلام للعبيد ، فاجعلني أحاسب نفسي فيقال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) .
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهٌ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ) كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ فَقَدْ صَارَ مَذْكُورًا . وَكُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ شَرْحِ أَحْوَالِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ، فَقَدْ صَارَ مَذْكُورًا . وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ أُزِيحَتِ الْأَعْذَارُ ، وَأُزِيلَتِ الْعِلَلُ فَلَا جَرَمَ كُلُّ مَنْ وَرَدَ عَرْصَةَ الْقِيَامَةِ فَقَدْ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنَقُولُ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) .
[ ص: 134 ]
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ أَوْصَلَ إِلَى الْخَلْقِ أَصْنَافَ الْأَشْيَاءِ النَّافِعَةِ لَهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، مِثْلَ آيَتَيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَغَيْرِهِمَا كَانَ مُنْعِمًا عَلَيْهِمْ بِأَعْظَمِ وُجُوهِ النِّعَمِ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ اشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَتِهِ وَطَاعَتِهِ فَلَا جَرَمَ
nindex.php?page=treesubj&link=30355كُلُّ مَنْ وَرَدَ عَرْصَةَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَسْئُولًا عَنْ أَعْمَالِهِ وَأَقْوَالِهِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : فِي تَقْرِيرِ النَّظْمِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ إِلَّا لِيَشْتَغِلُوا بِعِبَادَتِهِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذَّارِيَاتِ : 56 ] فَلَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، كَانَ الْمَعْنَى : إِنِّي إِنَّمَا خَلَقْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِتَنْتَفِعُوا بِهَا فَتَصِيرُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِطَاعَتِي وَخِدْمَتِي ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ وَرَدَ عَرْصَةَ الْقِيَامَةِ سَأَلْتُهُ أَنَّهُ هَلْ أَتَى بِتِلْكَ الْخِدْمَةِ وَالطَّاعَةِ ، أَوْ تَمَرَّدَ وَعَصَى وَبَغَى ، فَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِ النَّظْمِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28910تَفْسِيرِ لَفْظِ الطَّائِرِ قَوْلَانِ :
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادُوا الْإِقْدَامَ عَلَى عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَأَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ يَسُوقُهُمْ إِلَى خَيْرٍ أَوْ إِلَى شَرٍّ اعْتَبَرُوا أَحْوَالَ الطَّيْرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَطِيرُ بِنَفْسِهِ ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى إِزْعَاجِهِ ، وَإِذَا طَارَ فَهَلْ يَطِيرُ مُتَيَامِنًا أَوْ مُتَيَاسِرًا أَوْ صَاعِدًا إِلَى الْجَوِّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي كَانُوا يَعْتَبِرُونَهَا وَيَسْتَدِلُّونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى أَحْوَالِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالسَّعَادَةِ وَالنُّحُوسَةِ ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ سُمِّي الْخَيْرُ وَالشَّرُّ بِالطَّائِرِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ لَازِمِهِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=18قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ) [ يس : 18 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=19قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ) [ يس : 19 ] فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) أَيْ : كُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ عَمَلَهُ فِي عُنُقِهِ . وَتَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ
الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ : " أَلْزَمْنَاهُ طَيْرَهُ فِي عُنُقِهِ " .
الْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : الطَّائِرُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْحَظُّ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُرْسُ الْبَخْتَ ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الطَّائِرِ مَا طَارَ لَهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ، وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ وَخَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ ، وَالْعُمْرِ وَالرِّزْقِ ، وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ . وَالْإِنْسَانُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَأَنْ يَنْحَرِفَ عَنْهُ ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَصِلَ إِلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ ، فَتِلْكَ الْأَشْيَاءُ الْمَقْدُورَةُ كَأَنَّهَا تَطِيرُ إِلَيْهِ وَتَصِيرُ إِلَيْهِ ، فَبِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَبْعُدُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُقَدَّرَةِ بِلَفْظِ الطَّائِرِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّ كُلَّ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَضَى فِي عِلْمِهِ حُصُولُهُ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ وَاصِلٌ إِلَيْهِ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28783كُلَّ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ فَهُوَ وَاجِبُ الْوُقُوعِ مُمْتَنِعُ الْعَدَمِ ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ : وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ عَمَلَهُ فِي عُنُقِهِ ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَازِمٌ لَهُ ، وَمَا كَانَ لَازِمًا لِلشَّيْءِ كَانَ مُمْتَنِعَ الزَّوَالِ عَنْهُ وَاجِبَ الْحُصُولِ لَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ ذَلِكَ الْإِلْزَامَ إِلَى نَفْسِهِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13أَلْزَمْنَاهُ ) تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الْإِلْزَامَ إِنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) [ الْفَتْحِ : 26 ] وَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي الْأَبَدِ إِلَّا مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَزَلِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012627جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 135 ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28914قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13فِي عُنُقِهِ ) كِنَايَةٌ عَنِ اللُّزُومِ كَمَا يُقَالُ : جَعَلْتُ هَذَا فِي عُنُقِكِ أَيْ : قَلَّدْتُكَ هَذَا الْعَمَلَ وَأَلْزَمْتُكَ الِاحْتِفَاظَ بِهِ ، وَيُقَالُ : قَلَّدْتُكَ كَذَا وَطَوَّقْتُكَ كَذَا ، أَيْ : صَرَفْتُهُ إِلَيْكَ وَأَلْزَمْتُهُ إِيَّاكَ ، وَمِنْهُ قَلَّدَهُ السُّلْطَانُ كَذَا . أَيْ : صَارَتِ الْوِلَايَةُ فِي لُزُومِهَا لَهُ فِي مَوْضِعِ الْقِلَادَةِ وَمَكَانِ الطَّوْقِ ، وَمِنْهُ يُقَالُ : فُلَانٌ يُقَلِّدُ فُلَانًا أَيْ : جَعَلَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ كَالْقِلَادَةِ الْمَرْبُوطَةِ عَلَى عُنُقِهِ . قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي : وَإِنَّمَا خَصَّ الْعُنُقَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا يَزِينُهُ أَوْ شَرًّا يَشِينُهُ ، وَمَا يَزِينُ يَكُونُ كَالطَّوْقِ وَالْحُلِيِّ ، وَالَّذِي يَشِينُ فَهُوَ كَالْغُلِّ ، فَهَهُنَا عَمَلُهُ إِنْ كَانَ مِنَ الْخَيْرَاتِ كَانَ زِينَةً لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَعَاصِي كَانَ كَالْغُلِّ عَلَى رَقَبَتِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=30356وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ) قَالَ
الْحَسَنُ : يَا ابْنَ
آدَمَ بَسَطْنَا لَكَ صَحِيفَةً وَوُكِّلَ بِكَ مَلَكَانِ فَهُمَا عَنْ يَمِينِكَ وَشِمَالِكَ . فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ ، وَأَمَّا الَّذِي عَنْ شِمَالِكَ فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ ، حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ وَجُعِلَتْ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ حَتَّى تَخْرُجَ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَنُخْرِجُ لَهُ ) أَيْ : مِنْ قَبْرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : نُخْرِجُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كِتَابَهُ فِي الدُّنْيَا فَإِذَا بُعِثَ أُظْهِرَ لَهُ ذَلِكَ وَأُخْرِجَ مِنَ السَّتْرِ ، وَقَرَأَ
يَعْقُوبُ : " وَيَخْرُجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا " أَيْ : يَخْرُجُ لَهُ الطَّائِرُ أَيْ : عَمَلُهُ كِتَابًا مَنْشُورًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=10وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) [ التَّكْوِيرِ : 10 ] وَقَرَأَ
ابْنُ عُمَرَ : " يُلَقَّاهُ " مِنْ قَوْلِهِمْ : لَقَّيْتُ فُلَانًا الشَّيْءَ أَيِ اسْتَقْبَلْتُهُ بِهِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=11وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ) [ الْإِنْسَانِ : 11 ] وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ لَقَّيْتُ الشَّيْءَ وَلَقَّانِيهِ زَيْدٌ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ ) وَالتَّقْدِيرُ يُقَالُ لَهُ : وَهَذَا الْقَائِلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ ) قَالَ
الْحَسَنُ : يَقْرَؤُهُ أُمِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أُمِّيٍّ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15558بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=30356يُؤْتَى بِالْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَحِيفَتِهِ وَهُوَ يَقْرَؤُهَا وَحَسَنَاتُهُ فِي ظَهْرِهَا يَغْبِطُهُ النَّاسُ عَلَيْهَا ، وَسَيِّئَاتُهُ فِي جَوْفِ صَحِيفَتِهِ وَهُوَ يَقْرَؤُهَا ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهَا أَوْبَقَتْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ " فَيَعْظُمُ سُرُورُهُ ، وَيَصِيرُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ فِي حَقِّهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=39ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) [ عَبَسَ : 38 - 39 ] ثُمَّ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=19هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) [ الْحَاقَّةِ : 19 ] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=30356_30359_30364كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) أَيْ : مُحَاسِبًا . قَالَ
الْحَسَنُ : عَدَلَ وَاللَّهِ فِي حَقِّكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ . قَالَ
السُّدِّيُّ : يَقُولُ الْكَافِرُ يَوْمَئِذٍ إِنَّكَ قَضَيْتَ أَنَّكَ لَسْتَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، فَاجْعَلْنِي أُحَاسِبُ نَفْسِي فَيُقَالُ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ .