(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
القفال رحمه الله : هذه الآية داخلة في معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) ومعناه : أن الكمال في الدنيا قسمان : فمنهم من يريد بالذي يعمله الدنيا ومنافعها والرياسة فيها ، فهذا يأنف من الانقياد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والدخول في طاعتهم والإجابة لدعوتهم ؛ إشفاقا من زوال الرياسة عنه ، فهذا قد جعل طائر نفسه شؤما لأنه في قبضة الله تعالى فيؤتيه الله في الدنيا منها قدرا لا كما يشاء ذلك الإنسان ، بل كما يشاء الله إلا أن عاقبته جهنم يدخلها فيصلاها بحرها مذموما ملوما مدحورا منفيا
[ ص: 143 ] مطرودا من رحمة الله تعالى . وفي لفظ هذه الآية فوائد .
الفائدة الأولى : أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28910العقاب عبارة عن مضرة مقرونة بالإهانة والذم بشرط أن تكون دائمة وخالية عن شوب المنفعة ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18ثم جعلنا له جهنم يصلاها ) إشارة إلى المضرة العظيمة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مذموما ) إشارة إلى الإهانة والذم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مدحورا ) إشارة إلى البعد والطرد عن رحمة الله ، وهي تفيد كون تلك المضرة خالية عن شوب النفع والرحمة وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدل بالراحة والخلاص .
الفائدة الثانية : أن من الجهال من إذا ساعدته الدنيا اغتر بها وظن أن ذلك لأجل كرامته على الله تعالى ، وأنه تعالى بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=30550مساعدة الدنيا لا ينبغي أن يستدل بها على رضا الله تعالى ، لأن الدنيا قد تحصل مع أن عاقبتها هي المصير إلى عذاب الله وإهانته ، فهذا الإنسان أعماله تشبه طائر السوء في لزومها له وكونها سائقة له إلى أشد العذاب .
الفائدة الثالثة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18لمن نريد ) يدل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=30550_30200_29497لا يحصل الفوز بالدنيا لكل أحد ، بل كثير من الكفار والضلال يعرضون عن الدين في طلب الدنيا ، ثم يبقون محرومين عن الدنيا وعن الدين ، وهذا أيضا فيه زجر عظيم لهؤلاء الكفار الضلال الذين يتركون الدين لطلب الدنيا ، فإنه ربما فاتتهم الدنيا فهم الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
وأما القسم الثاني : وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن ) فشرط تعالى فيه شروطا ثلاثة :
الشرط الأول : أن يريد بعمله الآخرة أي : ثواب الآخرة ، فإنه إن لم تحصل هذه الإرادة وهذه النية لم ينتفع بذلك العمل لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) [ النجم : 37 ] ولقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011565إنما الأعمال بالنيات " ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=30513_19696المقصود من الأعمال استنارة القلب بمعرفة الله تعالى ومحبته ، وهذا لا يحصل إلا إن نوى بعمله عبودية الله تعالى وطلب طاعته .
والشرط الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وسعى لها سعيها ) وذلك هو أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=19696_30488العمل الذي يتوصل به إلى الفوز بثواب الآخرة من الأعمال التي بها ينال ثواب الآخرة ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان من باب القرب والطاعات ، وكثير من الناس يتقربون إلى الله تعالى بأعمال باطلة ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=30554الكفار يتقربون إلى الله تعالى بعبادة الأوثان ، ولهم فيه تأويلان :
التأويل الأول : يقولون : إله العالم أجل وأعظم من أن يقدر الواحد منا على إظهار عبوديته وخدمته فليس لنا هذا القدر والدرجة ولكن غاية قدرنا أن نشتغل بعبودية بعض المقربين من عباد الله تعالى ، مثل أن نشتغل بعبادة كوكب أو عبادة ملك من الملائكة ، ثم إن الملك والكوكب يشتغلون بعبادة الله تعالى ، فهؤلاء يتقربون إلى الله تعالى بهذا الطريق ، إلا أنه لما كان فاسدا في نفسه لا جرم لم يحصل الانتفاع به .
والتأويل الثاني لهم : أنهم قالوا : نحن اتخذنا هذه التماثيل على صور الأنبياء والأولياء ، ومرادنا من عبادتها أن تصير أولئك الأنبياء والأولياء شفعاء لنا عند الله تعالى . وهذا الطريق أيضا فاسد ، وأيضا نقل عن
الهند : أنهم يتقربون إلى الله تعالى بقتل أنفسهم تارة وبإحراق أنفسهم أخرى ويبالغون في تعظيم الله تعالى ،
[ ص: 144 ] إلا أنه لما كان الطريق فاسدا لا جرم لم ينتفع به ، وكذلك القول في جميع فرق المبطلين الذين يتقربون إلى الله تعالى بمذاهبهم الباطلة وأقوالهم الفاسدة وأعمالهم المنحرفة عن قانون الصدق والصواب .
والشرط الثالث : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وهو مؤمن ) وهذا الشرط معتبر ، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29680_29674الشرط في كون أعمال البر موجبة للثواب تقدم الإيمان ، فإذا لم يوجد الشرط لم يحصل المشروط ، ثم إنه تعالى أخبر أن عند حصول هذه الشرائط يصير السعي مشكورا والعمل مبرورا .
واعلم أن الشكر عبارة عن مجموع أمور ثلاثة : اعتقاد كونه محسنا في تلك الأعمال ، والثناء عليه بالقول ، والإتيان بأفعال تدل على كونه معظما عند ذلك الشاكر ، والله تعالى يعامل المطيعين بهذه الأمور الثلاثة ، فإنه تعالى عالم بكونهم محسنين في تلك الأعمال ، وأنه تعالى يثني عليهم بكلامه وأنه تعالى يعاملهم بمعاملات دالة على كونهم معظمين عند الله تعالى ، وإذا كان مجموع هذه الثلاثة حاصلا كانوا مشكورين على طاعاتهم من قبل الله تعالى ، ورأيت في كتب
المعتزلة أن
nindex.php?page=showalam&ids=11897جعفر بن حرب حضر عنده واحد من أهل السنة وقال : الدليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28785الإيمان حصل بخلق الله تعالى أنا نشكر الله على الإيمان ، ولو لم يكن الإيمان حاصلا بإيجاده لامتنع أن نشكره عليه ، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32500مدح الإنسان وشكره على ما ليس من عمله قبيح ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) [ آل عمران : 188 ] فعجز الحاضرون عن الجواب ، فدخل
ثمامة بن الأشرس وقال : إنما نمدح الله تعالى ونشكره على ما أعطانا من القدرة والعقل ، وإنزال الكتب وإيضاح الدلائل ، والله تعالى يشكرنا على فعل الإيمان ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19فأولئك كان سعيهم مشكورا ) قال فضحك
nindex.php?page=showalam&ids=11897جعفر بن حرب وقال : صعب المسألة فسهلت .
واعلم أن قولنا : " مجموع القدرة مع الداعي يوجب الفعل " كلام واضح ، لأنه تعالى هو الذي أعطى الموجب التام لحصول الإيمان فكان هو المستحق للشكر ، ولما حصل الإيمان للعبد وكان
nindex.php?page=treesubj&link=29680_29468_29674الإيمان موجبا للسعادة التامة صار العبد أيضا مشكورا ولا منافاة بين الأمرين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ) .
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذِهِ الْآيَةُ دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) وَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْكَمَالَ فِي الدُّنْيَا قِسْمَانِ : فَمِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ بِالَّذِي يَعْمَلُهُ الدُّنْيَا وَمَنَافِعَهَا وَالرِّيَاسَةَ فِيهَا ، فَهَذَا يَأْنَفُ مِنَ الِانْقِيَادِ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَالدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِمْ وَالْإِجَابَةِ لِدَعْوَتِهِمْ ؛ إِشْفَاقًا مِنْ زَوَالِ الرِّيَاسَةِ عَنْهُ ، فَهَذَا قَدْ جُعِلَ طَائِرُ نَفْسِهِ شُؤْمًا لِأَنَّهُ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُؤْتِيهِ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا مِنْهَا قَدْرًا لَا كَمَا يَشَاءُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ ، بَلْ كَمَا يَشَاءُ اللَّهُ إِلَّا أَنَّ عَاقِبَتَهُ جَهَنَّمُ يَدْخُلُهَا فَيَصْلَاهَا بِحَرِّهَا مَذْمُومًا مَلُومًا مَدْحُورًا مَنْفِيًّا
[ ص: 143 ] مَطْرُودًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَفِي لَفْظِ هَذِهِ الْآيَةِ فَوَائِدُ .
الْفَائِدَةُ الْأُولَى : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28910الْعِقَابَ عِبَارَةٌ عَنْ مَضَرَّةٍ مَقْرُونَةٍ بِالْإِهَانَةِ وَالذَّمِّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ دَائِمَةً وَخَالِيَةً عَنْ شَوْبِ الْمَنْفَعَةِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا ) إِشَارَةٌ إِلَى الْمَضَرَّةِ الْعَظِيمَةِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَذْمُومًا ) إِشَارَةٌ إِلَى الْإِهَانَةِ وَالذَّمِّ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَدْحُورًا ) إِشَارَةٌ إِلَى الْبُعْدِ وَالطَّرْدِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَهِيَ تُفِيدُ كَوْنَ تِلْكَ الْمَضَرَّةِ خَالِيَةً عَنْ شَوْبِ النَّفْعِ وَالرَّحْمَةِ وَتُفِيدُ كَوْنَهَا دَائِمَةً وَخَالِيَةً عَنِ التَّبَدُّلِ بِالرَّاحَةِ وَالْخَلَاصِ .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ مِنَ الْجُهَّالِ مَنْ إِذَا سَاعَدَتْهُ الدُّنْيَا اغْتَرَّ بِهَا وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ كَرَامَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30550مُسَاعَدَةَ الدُّنْيَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى ، لِأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَحْصُلُ مَعَ أَنَّ عَاقِبَتَهَا هِيَ الْمَصِيرُ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ وَإِهَانَتِهِ ، فَهَذَا الْإِنْسَانُ أَعْمَالُهُ تُشْبِهُ طَائِرَ السَّوْءِ فِي لُزُومِهَا لَهُ وَكَوْنِهَا سَائِقَةً لَهُ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18لِمَنْ نُرِيدُ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30550_30200_29497لَا يَحْصُلُ الْفَوْزُ بِالدُّنْيَا لِكُلِّ أَحَدٍ ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْكُفَّارِ وَالضُّلَّالِ يُعْرِضُونَ عَنِ الدِّينِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَبْقُونَ مَحْرُومِينَ عَنِ الدُّنْيَا وَعَنِ الدِّينِ ، وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ زَجْرٌ عَظِيمٌ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الضُّلَّالِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ الدِّينَ لِطَلَبِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا فَاتَتْهُمُ الدُّنْيَا فَهُمُ الْأَخْسَرُونَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) فَشَرَطَ تَعَالَى فِيهِ شُرُوطًا ثَلَاثَةً :
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ : أَنْ يُرِيدَ بِعَمَلِهِ الْآخِرَةَ أَيْ : ثَوَابَ الْآخِرَةِ ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ وَهَذِهِ النِّيَّةُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ الْعَمَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) [ النَّجْمِ : 37 ] وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011565إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30513_19696الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَعْمَالِ اسْتِنَارَةُ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِنْ نَوَى بِعَمَلِهِ عُبُودِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبَ طَاعَتِهِ .
وَالشَّرْطُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ) وَذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=19696_30488الْعَمَلُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْفَوْزِ بِثَوَابِ الْآخِرَةِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي بِهَا يُنَالُ ثَوَابُ الْآخِرَةِ ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنْ بَابِ الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَعْمَالٍ بَاطِلَةٍ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30554الْكُفَّارَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَلَهُمْ فِيهِ تَأْوِيلَانِ :
التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ : يَقُولُونَ : إِلَهُ الْعَالَمِ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقْدِرَ الْوَاحِدُ مِنَّا عَلَى إِظْهَارِ عُبُودِيَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ لَنَا هَذَا الْقَدْرُ وَالدَّرَجَةُ وَلَكِنْ غَايَةُ قَدْرِنَا أَنْ نَشْتَغِلَ بِعُبُودِيَّةِ بَعْضِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى ، مِثْلَ أَنْ نَشْتَغِلَ بِعِبَادَةِ كَوْكَبٍ أَوْ عِبَادَةِ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَكَ وَالْكَوْكَبَ يَشْتَغِلُونَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهَؤُلَاءِ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الطَّرِيقِ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فَاسِدًا فِي نَفْسِهِ لَا جَرَمَ لَمْ يَحْصُلِ الِانْتِفَاعُ بِهِ .
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي لَهُمْ : أَنَّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ اتَّخَذْنَا هَذِهِ التَّمَاثِيلَ عَلَى صُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ ، وَمُرَادُنَا مِنْ عِبَادَتِهَا أَنْ تَصِيرَ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ شُفَعَاءَ لَنَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَهَذَا الطَّرِيقُ أَيْضًا فَاسِدٌ ، وَأَيْضًا نُقِلَ عَنِ
الْهِنْدِ : أَنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ تَارَةً وَبِإِحْرَاقِ أَنْفُسِهِمْ أُخْرَى وَيُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى ،
[ ص: 144 ] إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الطَّرِيقُ فَاسِدًا لَا جَرَمَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ فِرَقِ الْمُبْطِلِينَ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَذَاهِبِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَأَقْوَالِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَأَعْمَالِهِمُ الْمُنْحَرِفَةِ عَنْ قَانُونِ الصِّدْقِ وَالصَّوَابِ .
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) وَهَذَا الشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29680_29674الشَّرْطَ فِي كَوْنِ أَعْمَالِ الْبِرِّ مُوجِبَةً لِلثَّوَابِ تَقَدُّمُ الْإِيمَانِ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ لَمْ يَحْصُلِ الْمَشْرُوطُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ عِنْدَ حُصُولِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ يَصِيرُ السَّعْيُ مَشْكُورًا وَالْعَمَلُ مَبْرُورًا .
وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّكْرَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ : اعْتِقَادُ كَوْنِهِ مُحْسِنًا فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ ، وَالْإِتْيَانُ بِأَفْعَالٍ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَظَّمًا عِنْدَ ذَلِكَ الشَّاكِرِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُعَامِلُ الْمُطِيعِينَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكَوْنِهِمْ مُحْسِنِينَ فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يُثْنِي عَلَيْهِمْ بِكَلَامِهِ وَأَنَّهُ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ بِمُعَامَلَاتٍ دَالَّةٍ عَلَى كَوْنِهِمْ مُعَظَّمِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِذَا كَانَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ حَاصِلًا كَانُوا مَشْكُورِينَ عَلَى طَاعَاتِهِمْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَرَأَيْتُ فِي كُتُبِ
الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11897جَعْفَرَ بْنَ حَرْبٍ حَضَرَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَ : الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28785الْإِيمَانَ حَصَلَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّا نَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ حَاصِلًا بِإِيجَادِهِ لَامْتَنَعَ أَنْ نَشْكُرَهُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32500مَدْحَ الْإِنْسَانِ وَشُكْرَهُ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ قَبِيحٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ) [ آلِ عِمْرَانَ : 188 ] فَعَجَزَ الْحَاضِرُونَ عَنِ الْجَوَابِ ، فَدَخَلَ
ثُمَامَةُ بْنُ الْأَشْرَسِ وَقَالَ : إِنَّمَا نَمْدَحُ اللَّهَ تَعَالَى وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا مِنَ الْقُدْرَةِ وَالْعَقْلِ ، وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَإِيضَاحِ الدَّلَائِلِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَشْكُرُنَا عَلَى فِعْلِ الْإِيمَانِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) قَالَ فَضَحِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=11897جَعْفَرُ بْنُ حَرْبٍ وَقَالَ : صَعَّبَ الْمَسْأَلَةَ فَسَهُلَتْ .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا : " مَجْمُوعُ الْقُدْرَةِ مَعَ الدَّاعِي يُوجِبُ الْفِعْلَ " كَلَامٌ وَاضِحٌ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَعْطَى الْمُوجِبَ التَّامَّ لِحُصُولِ الْإِيمَانِ فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلشُّكْرِ ، وَلَمَّا حَصَلَ الْإِيمَانُ لِلْعَبْدِ وَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=29680_29468_29674الْإِيمَانُ مُوجِبًا لِلسَّعَادَةِ التَّامَّةِ صَارَ الْعَبْدُ أَيْضًا مَشْكُورًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ .