المسألة الرابعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف ) فيه بحثان :
البحث الأول : أن هذه الآية تدل على أنه أثبت
nindex.php?page=treesubj&link=33486لولي الدم سلطانا ، فأما بيان أن هذه السلطنة تحصل في ماذا فليس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فقد جعلنا لوليه سلطانا ) دلالة عليه ثم ههنا طريقان :
الأول : أنه تعالى لما قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فلا يسرف في القتل ) عرف أن تلك السلطنة إنما حصلت في استيفاء القتل ، وهذا ضعيف لاحتمال أن يكون المراد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) فلا ينبغي أن يسرف الظالم في ذلك القتل ، لأن ذلك المقتول منصور بواسطة إثبات هذه السلطنة لوليه .
والثاني : أن تلك السلطنة مجملة ثم صارت مفسرة بالآية والخبر ، أما الآية فقوله تعالى في سورة البقرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ) [ البقرة : 178 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) [ البقرة : 178 ] وقد بينا في تفسير هذه الآية أنها تدل على أن الواجب هو كون المكلف مخيرا بين القصاص وبين الدية . وأما الخبر فهو قوله عليه السلام يوم الفتح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013087من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وعلى هذا الطريق فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فلا يسرف في القتل ) معناه : أنه لما حصلت له سلطنة استيفاء القصاص إن شاء ،
[ ص: 162 ] وسلطنة استيفاء الدية إن شاء . قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فلا يسرف في القتل ) معناه أن الأولى أن لا يقدم على استيفاء القتل وأن يكتفي بأخذ الدية أو يميل إلى العفو ، وبالجملة فلفظة " في " محمولة على الباء ، والمعنى : فلا يصير مسرفا بسبب إقدامه على القتل ويصير معناه الترغيب في العفو والاكتفاء بالدية كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وأن تعفوا أقرب للتقوى ) [ البقرة : 237 ] .
البحث الثاني : أن في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما ) ذكر كونه مظلوما بصيغة التنكير ، وصيغة التنكير على ما عرف تدل على الكمال ، فالإنسان المقتول ما لم يكن كاملا في وصف المظلومية لم يدخل تحت هذا النص . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : قد دللنا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=9153المسلم إذا قتل الذمي لم يدخل تحت هذه الآية ، بدليل أن الذمي مشرك والمشرك يحل دمه ، إنما قلنا : إنه مشرك لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] حكم بأن ما سوى الشرك مغفور في حق البعض ، فلو كان كفر اليهودي والنصراني شيئا مغايرا للشرك لوجب أن يصير مغفورا في حق بعض الناس بمقتضى هذه الآية ، فلما لم يصر مغفورا في حق أحد دل على أن كفرهم شرك ، ولأنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لق د كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) [ البقرة : 73 ] فهذا التثليث الذي قال به هؤلاء إما أن يكون تثليثا في الصفات وهو باطل ، لأن ذلك هو الحق وهو مذهب أهل السنة والجماعة فلا يمكن جعله تثليثا للكفر ، وإما أن يكون تثليثا في الذوات ، وذلك هو الحق ولا شك أن القائل به مشرك ، فثبت أن الذمي مشرك ، وإنما قلنا : إن المشرك يجب قتله لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وقاتلوا المشركين ) ومقتضى هذا الدليل إباحة دم الذمي فإن لم تثبت الإباحة فلا أقل من حصول شبهة الإباحة .
وإذا ثبت هذا فنقول : ثبت أنه ليس كاملا في المظلومية فلم يندرج تحت قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) وأما الحر إذا قتل عبدا فهو داخل تحت هذه الآية إلا أنا بينا أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد ) [ البقرة : 178 ] يدل على المنع من
nindex.php?page=treesubj&link=9162قتل الحر بالعبد من وجوه كثيرة ، وتلك الآية أخص من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) والخاص مقدم على العام ، فثبت أن هذه الآية لا يجوز التمسك بها في مسألة أن موجب العمد هو القصاص ولا في مسألة أنه يجب قتل المسلم بالذمي ، ولا في مسألة أنه يجب قتل الحر بالعبد ، والله أعلم .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فلا يسرف في القتل ) ففيه مباحث :
البحث الأول : فيه وجوه :
الأول : المراد هو أن يقتل القاتل وغير القاتل ، وذلك لأن الواحد منهم إذا قتل واحدا من قبيلة شريفة فأولياء ذلك المقتول كانوا يقتلون خلقا من القبيلة الدنيئة فنهى الله تعالى عنه وأمر بالاقتصار على
nindex.php?page=treesubj&link=9164قتل القاتل وحده .
الثاني : هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإن أهل الجاهلية كانوا يقصدون أشراف قبيلة القاتل ثم كانوا يقتلون منهم قوما معينين ويتركون القاتل .
والثالث : هو أن لا يكتفي بقتل القاتل بل يمثل به ويقطع أعضاءه . قال
القفال : ولا يبعد حمله على الكل ، لأن جملة هذه المعاني مشتركة في كونها إسرافا .
البحث الثاني : قرأ الأكثرون : " فلا يسرف " بالياء وفيه وجهان :
الأول : التقدير : فلا ينبغي أن يسرف الولي في القتل .
الثاني : أن الضمير للقاتل الظالم ابتداء ، أي : فلا ينبغي أن يسرف ذلك الظالم , وإسرافه عبارة
[ ص: 163 ] عن إقدامه على ذلك القتل الظلم ، وقرأ
حمزة والكسائي : " فلا تسرف " بالتاء على الخطاب ، وهذه القراءة تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الخطاب للمبتدئ القاتل ظلما كأنه قيل له : لا تسرف أيها الإنسان ، وذلك الإسراف هو إقدامه على ذلك القتل الذي هو ظلم محض ، والمعنى : لا تفعل فإنك إن قتلته مظلوما استوفى القصاص منك .
والآخر : أن يكون الخطاب للولي فيكون التقدير : لا تسرف في القتل أيها الولي ، أي اكتف باستيفاء القصاص ولا تطلب الزيادة .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إنه كان منصورا ) ففيه ثلاثة أوجه :
الأول : كأنه قيل للظالم المبتدئ بذلك القتل على سبيل الظلم لا تفعل ذلك ، فإن ذلك المقتول يكون منصورا في الدنيا والآخرة ، أما نصرته في الدنيا فبقتل قاتله ، وأما في الآخرة فبكثرة الثواب له وكثرة العقاب لقاتله .
والقول الثاني : أن هذا الولي يكون منصورا في قتل ذلك القاتل الظالم فليكتف بهذا القدر فإنه يكون منصورا فيه ولا ينبغي أن يطمع في الزيادة منه ، لأن من يكون منصورا من عند الله يحرم عليه طلب الزيادة .
والقول الثالث : أن هذا القاتل الظالم ينبغي أن يكتفي باستيفاء القصاص وأن لا يطلب الزيادة .
واعلم أن على القول الأول والثاني ظهر أن المقتول وولي دمه يكونان منصورين من عند الله تعالى وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي بن أبي طالب عليه السلام وايم الله ليظهرن عليكم
ابن أبي سفيان ، لأن الله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) وقال
الحسن : والله ما نصر
معاوية على
علي عليه السلام إلا بقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) والله أعلم .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ ) فِيهِ بَحْثَانِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَثْبَتَ
nindex.php?page=treesubj&link=33486لِوَلِيِّ الدَّمِ سُلْطَانًا ، فَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ السَّلْطَنَةَ تَحْصُلُ فِي مَاذَا فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ثُمَّ هَهُنَا طَرِيقَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) عُرِفَ أَنَّ تِلْكَ السَّلْطَنَةَ إِنَّمَا حَصَلَتْ فِي اسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْرِفَ الظَّالِمُ فِي ذَلِكَ الْقَتْلِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَقْتُولَ مَنْصُورٌ بِوَاسِطَةِ إِثْبَاتِ هَذِهِ السَّلْطَنَةِ لِوَلِيِّهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ تِلْكَ السَّلْطَنَةَ مُجْمَلَةٌ ثُمَّ صَارَتْ مُفَسَّرَةً بِالْآيَةِ وَالْخَبَرِ ، أَمَّا الْآيَةُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) [ الْبَقَرَةِ : 178 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) [ الْبَقَرَةِ : 178 ] وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ كَوْنُ الْمُكَلَّفِ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الدِّيَةِ . وَأَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْفَتْحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013087مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ " وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَتْ لَهُ سَلْطَنَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِنْ شَاءَ ،
[ ص: 162 ] وَسَلْطَنَةُ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ إِنْ شَاءَ . قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ وَأَنْ يَكْتَفِيَ بِأَخْذِ الدِّيَةِ أَوْ يَمِيلَ إِلَى الْعَفْوِ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَفْظَةُ " فِي " مَحْمُولَةٌ عَلَى الْبَاءِ ، وَالْمَعْنَى : فَلَا يَصِيرُ مُسْرِفًا بِسَبَبِ إِقْدَامِهِ عَلَى الْقَتْلِ وَيَصِيرُ مَعْنَاهُ التَّرْغِيبَ فِي الْعَفْوِ وَالِاكْتِفَاءِ بِالدِّيَةِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) [ الْبَقَرَةِ : 237 ] .
الْبَحْثُ الثَّانِي : أَنَّ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ) ذَكَرَ كَوْنَهُ مَظْلُومًا بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ ، وَصِيغَةُ التَّنْكِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ تَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ ، فَالْإِنْسَانُ الْمَقْتُولُ مَا لَمْ يَكُنْ كَامِلًا فِي وَصْفِ الْمَظْلُومِيَّةِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ هَذَا النَّصِّ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=9153الْمُسْلِمَ إِذَا قَتَلَ الذِّمِّيَّ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ مُشْرِكٌ وَالْمُشْرِكُ يَحِلُّ دَمُهُ ، إِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّهُ مُشْرِكٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [ النِّسَاءِ : 48 ] حَكَمَ بِأَنَّ مَا سِوَى الشِّرْكِ مَغْفُورٌ فِي حَقِّ الْبَعْضِ ، فَلَوْ كَانَ كُفْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ شَيْئًا مُغَايِرًا لِلشِّرْكِ لَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ مَغْفُورًا فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ ، فَلَمَّا لَمْ يَصِرْ مَغْفُورًا فِي حَقِّ أَحَدٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ شِرْكٌ ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لَقَ دْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ) [ الْبَقَرَةِ : 73 ] فَهَذَا التَّثْلِيثُ الَّذِي قَالَ بِهِ هَؤُلَاءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَثْلِيثًا فِي الصِّفَاتِ وَهُوَ بَاطِلٌ ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَثْلِيثًا لِلْكُفْرِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَثْلِيثًا فِي الذَّوَاتِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ مُشْرِكٌ ، فَثَبَتَ أَنَّ الذِّمِّيَّ مُشْرِكٌ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ الْمُشْرِكَ يَجِبُ قَتْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ ) وَمُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ إِبَاحَةُ دَمِ الذِّمِّيِّ فَإِنْ لَمْ تَثْبُتِ الْإِبَاحَةُ فَلَا أَقَلَّ مِنْ حُصُولِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ كَامِلًا فِي الْمَظْلُومِيَّةِ فَلَمْ يَنْدَرِجْ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) وَأَمَّا الْحُرُّ إِذَا قَتَلَ عَبْدًا فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) [ الْبَقَرَةِ : 178 ] يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=9162قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَتِلْكَ الْآيَةُ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ ، وَلَا فِي مَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) فَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ هُوَ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ وَغَيْرَ الْقَاتِلِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ إِذَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنْ قَبِيلَةٍ شَرِيفَةٍ فَأَوْلِيَاءُ ذَلِكَ الْمَقْتُولِ كَانُوا يَقْتُلُونَ خَلْقًا مِنَ الْقَبِيلَةِ الدَّنِيئَةِ فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَمَرَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=9164قَتْلِ الْقَاتِلِ وَحْدَهُ .
الثَّانِي : هُوَ أَنْ لَا يَرْضَى بِقَتْلِ الْقَاتِلِ فَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقْصِدُونَ أَشْرَافَ قَبِيلَةِ الْقَاتِلِ ثُمَّ كَانُوا يَقْتُلُونَ مِنْهُمْ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ وَيَتْرُكُونَ الْقَاتِلَ .
وَالثَّالِثُ : هُوَ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ بَلْ يُمَثِّلُ بِهِ وَيَقْطَعُ أَعْضَاءَهُ . قَالَ
الْقَفَّالُ : وَلَا يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى الْكُلِّ ، لِأَنَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الْمَعَانِي مُشْتَرِكَةٌ فِي كَوْنِهَا إِسْرَافًا .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَرَأَ الْأَكْثَرُونَ : " فَلَا يُسْرِفْ " بِالْيَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : التَّقْدِيرُ : فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْرِفَ الْوَلِيُّ فِي الْقَتْلِ .
الثَّانِي : أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْقَاتِلِ الظَّالِمِ ابْتِدَاءً ، أَيْ : فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْرِفَ ذَلِكَ الظَّالِمُ , وَإِسْرَافُهُ عِبَارَةٌ
[ ص: 163 ] عَنْ إِقْدَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْقَتْلِ الظُّلْمِ ، وَقَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : " فَلَا تُسْرِفْ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْمُبْتَدِئِ الْقَاتِلِ ظُلْمًا كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : لَا تُسْرِفْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ، وَذَلِكَ الْإِسْرَافُ هُوَ إِقْدَامُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ مَحْضٌ ، وَالْمَعْنَى : لَا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَهُ مَظْلُومًا اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ مِنْكَ .
وَالْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْوَلِيِّ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ : لَا تُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ أَيُّهَا الْوَلِيُّ ، أَيِ اكْتَفِ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلَا تَطْلُبِ الزِّيَادَةَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : كَأَنَّهُ قِيلَ لِلظَّالِمِ الْمُبْتَدِئِ بِذَلِكَ الْقَتْلِ عَلَى سَبِيلِ الظُّلْمِ لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَقْتُولَ يَكُونُ مَنْصُورًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، أَمَّا نُصْرَتُهُ فِي الدُّنْيَا فَبِقَتْلِ قَاتِلِهِ ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَبِكَثْرَةِ الثَّوَابِ لَهُ وَكَثْرَةِ الْعِقَابِ لِقَاتِلِهِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الْوَلِيَّ يَكُونُ مَنْصُورًا فِي قَتْلِ ذَلِكَ الْقَاتِلِ الظَّالِمِ فَلْيَكْتَفِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنْصُورًا فِيهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطْمَعَ فِي الزِّيَادَةِ مِنْهُ ، لِأَنَّ مَنْ يَكُونُ مَنْصُورًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَبُ الزِّيَادَةِ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا الْقَاتِلَ الظَّالِمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَأَنْ لَا يَطْلُبَ الزِّيَادَةَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ظَهَرَ أَنَّ الْمَقْتُولَ وَوَلِيَّ دَمِهِ يَكُوَنَانِ مَنْصُورَيْنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَايْمُ اللَّهِ لَيَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمُ
ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) وَقَالَ
الْحَسَنُ : وَاللَّهِ مَا نُصِرَ
مُعَاوِيَةُ عَلَى
عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ .