(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ) .
اعلم أنه تعالى أمر بخمسة أشياء أولا ، ثم أتبعه بالنهي عن ثلاثة أشياء وهي النهي عن الزنا ، وعن القتل إلا بالحق ، وعن قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، ثم أتبعه بهذه الأوامر الثلاثة فالأول قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وأوفوا بالعهد ) .
واعلم أن كل عقد تقدم لأجل توثيق الأمر وتوكيده فهو عهد فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وأوفوا بالعهد ) نظير لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ المائدة : 1 ] فدخل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أوفوا بالعقود ) كل عقد من العقود كعقد البيع والشركة ، وعقد اليمين والنذر ، وعقد الصلح ، وعقد النكاح . وحاصل القول فيه : أن مقتضى هذه الآية أن
nindex.php?page=treesubj&link=18085كل عقد وعهد جرى بين إنسانين فإنه يجب عليهما الوفاء بمقتضى ذلك العقد والعهد ، إلا إذا دل دليل منفصل على أنه لا يجب الوفاء به فمقتضاه الحكم بصحة كل بيع وقع التراضي به وبصحة كل شركة وقع التراضي بها ، ويؤكد هذا النص بسائر الآيات الدالة على الوفاء بالعهود والعقود كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) [ البقرة : 177 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=8والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) [ المؤمنون : 8 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأحل الله البيع ) [ البقرة : 275 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) [ النساء : 29 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وأشهدوا إذا تبايعتم ) [ البقرة : 282 ] وقوله عليه السلام : "
لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيبة من نفسه " وقوله : " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يدا بيد " وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013089من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه " فجميع هذه الآيات والأخبار دالة على أن الأصل في البيوعات والعهود والعقود الصحة ووجوب الالتزام .
إذا ثبت هذا فنقول : إن وجدنا نصا أخص من هذه النصوص يدل على البطلان والفساد قضينا به تقديما للخاص على العام ، وإلا قضينا بالصحة في الكل ، وأما تخصيص النص بالقياس فقد أبطلناه ، وبهذا الطريق تصير أبواب المعاملات على طولها وإطنابها مضبوطة معلومة بهذه الآية الواحدة ، ويكون المكلف آمن القلب مطمئن النفس في العمل ، لأنه لما دلت هذه النصوص على صحتها فليس بعد بيان الله بيان ، وتصير الشريعة مضبوطة معلومة .
[ ص: 165 ]
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34إن العهد كان مسئولا ) وفيه وجوه :
أحدها : أن يراد صاحب العهد كان مسئولا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82واسأل القرية ) [ يوسف : 82 ] .
وثانيها : أن العهد كان مسئولا أي : مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به .
وثالثها : أن يكون هذا تخييلا كأنه يقال للعهد لم نكثت ؟ وهلا وفي بك تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت ) [ التكوير : 9 ] وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين ) [ المائدة : 116 ] الآية فالمخاطبة لعيسى عليه السلام والإنكار على غيره .
النوع الثاني : من الأوامر المذكورة في هذه الآية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وأوفوا الكيل إذا كلتم ) والمقصود منه
nindex.php?page=treesubj&link=18524إتمام الكيل وذكر الوعيد الشديد في نقصانه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1ويل للمطففين nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) [ المطففين : 1 : 3 ] .
النوع الثالث : من الأوامر المذكورة في هذه الآية قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وزنوا بالقسطاس المستقيم ) فالآية المتقدمة في إتمام الكيل ، وهذه الآية في إتمام الوزن ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=9وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) [ الرحمن : 9 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=85ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) [ هود : 85 ] .
واعلم أن التفاوت الحاصل بسبب نقصان الكيل والوزن قليل . والوعيد الحاصل عليه شديد عظيم ، فوجب على العاقل الاحتراز منه ، وإنما عظم الوعيد فيه لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات والبيع والشراء ، وقد يكون الإنسان غافلا لا يهتدي إلى حفظ ماله ، فالشارع بالغ في المنع من التطفيف والنقصان ، سعيا في إبقاء الأموال على الملاك ، ومنعا من تلطيخ النفس بسرقة ذلك المقدار الحقير ، والقسطاس في معنى الميزان إلا أنه في العرف أكبر منه ، ولهذا اشتهر في ألسنة العامة أنه القبان . وقيل أنه بلسان الروم أو السرياني . والأصح أنه لغة العرب وهو مأخوذ من القسط ، وهو الذي يحصل فيه الاستقامة والاعتدال ، وبالجملة فمعناه المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الجانبين ، وأجمعوا على جواز اللغتين فيه ، ضم القاف وكسرها ، فالكسر قراءة
حمزة والكسائي وحفص عن
عاصم والباقون بالضم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35ذلك خير ) أي الإيفاء بالتمام والكمال خير من التطفيف القليل من حيث أن الإنسان يتخلص بواسطته عن الذكر القبيح في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وأحسن تأويلا ) والتأويل ما يؤول إليه الأمر كما قال في موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=76وخير مردا ) [ مريم : 76 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=44وخير عقبا ) [ الكهف : 44 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=46وخير أملا ) [ الكهف : 44 ] وإنما حكم تعالى بأن عاقبة هذا الأمر أحسن العواقب ، لأنه في الدنيا إذا اشتهر بالاحتراز عن التطفيف عول الناس عليه ومالت القلوب إليه وحصل له الاستغناء في الزمان القليل ، وكم قد رأينا من الفقراء لما اشتهروا عند الناس بالأمانة والاحتراز عن الخيانة أقبلت القلوب عليهم وحصلت الأموال الكثيرة لهم في المدة القليلة . وأما في الآخرة فالفوز بالثواب العظيم والخلاص من العقاب الأليم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ أَوَّلًا ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِالنَّهْيِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ النَّهْيُ عَنِ الزِّنَا ، وَعَنِ الْقَتْلِ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَعَنْ قُرْبَانِ مَالِ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ الثَّلَاثَةِ فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ تَقَدَّمَ لِأَجْلِ تَوْثِيقِ الْأَمْرِ وَتَوْكِيدِهِ فَهُوَ عَهْدٌ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) نَظِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [ الْمَائِدَةِ : 1 ] فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) كُلُّ عَقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ ، وَعَقْدِ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ ، وَعَقْدِ الصُّلْحِ ، وَعَقْدِ النِّكَاحِ . وَحَاصِلُ الْقَوْلِ فِيهِ : أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18085كُلَّ عَقْدٍ وَعَهْدٍ جَرَى بَيْنَ إِنْسَانَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْعَقْدِ وَالْعَهْدِ ، إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فَمُقْتَضَاهُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ كُلِّ بَيْعٍ وَقَعَ التَّرَاضِي بِهِ وَبِصِحَّةِ كُلِّ شَرِكَةٍ وَقَعَ التَّرَاضِي بِهَا ، وَيُؤَكَّدُ هَذَا النَّصُّ بِسَائِرِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْعُقُودِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) [ الْبَقَرَةِ : 177 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=8وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 8 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) [ الْبَقَرَةِ : 275 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) [ النِّسَاءِ : 29 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 282 ] وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ " وَقَوْلِهِ : " إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ " وَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013089مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ " فَجَمِيعُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيُوعَاتِ وَالْعُهُودِ وَالْعُقُودِ الصِّحَّةُ وَوُجُوبُ الِالْتِزَامِ .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنْ وَجَدْنَا نَصًّا أَخَصَّ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ قَضَيْنَا بِهِ تَقْدِيمًا لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ، وَإِلَّا قَضَيْنَا بِالصِّحَّةِ فِي الْكُلِّ ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ فَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَصِيرُ أَبْوَابُ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى طُولِهَا وَإِطْنَابِهَا مَضْبُوطَةً مَعْلُومَةً بِهَذِهِ الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَيَكُونُ الْمُكَلَّفُ آمِنَ الْقَلْبِ مُطَمْئِنَّ النَّفْسِ فِي الْعَمَلِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى صِحَّتِهَا فَلَيْسَ بَعْدَ بَيَانِ اللَّهِ بَيَانٌ ، وَتَصِيرُ الشَّرِيعَةُ مَضْبُوطَةً مَعْلُومَةً .
[ ص: 165 ]
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) وَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنْ يُرَادَ صَاحِبُ الْعُهَدِ كَانَ مَسْئُولًا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ) [ يُوسُفَ : 82 ] .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا أَيْ : مَطْلُوبًا يُطْلَبُ مِنَ الْمَعَاهِدِ أَنْ لَا يُضَيِّعَهُ وَيَفِيَ بِهِ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ هَذَا تَخْيِيلًا كَأَنَّهُ يُقَالُ لِلْعَهْدِ لِمَ نُكِثْتَ ؟ وَهَلَّا وُفِّيَ بِكَ تَبْكِيتًا لِلنَّاكِثِ كَمَا يُقَالُ لِلْمَوْءُودَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) [ التَّكْوِيرِ : 9 ] وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ ) [ الْمَائِدَةِ : 116 ] الْآيَةَ فَالْمُخَاطَبَةُ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْإِنْكَارُ عَلَى غَيْرِهِ .
النَّوْعُ الثَّانِي : مِنَ الْأَوَامِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ ) وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=18524إِتْمَامُ الْكَيْلِ وَذِكْرُ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي نُقْصَانِهِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=1وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=2الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=3وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) [ الْمُطَفِّفِينَ : 1 : 3 ] .
النَّوْعُ الثَّالِثُ : مِنَ الْأَوَامِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ) فَالْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي إِتْمَامِ الْكَيْلِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي إِتْمَامِ الْوَزْنِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=9وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) [ الرَّحْمَنِ : 9 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=85وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) [ هُودٍ : 85 ] .
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفَاوُتَ الْحَاصِلَ بِسَبَبِ نُقْصَانِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَلِيلٌ . وَالْوَعِيدَ الْحَاصِلَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ عَظِيمٌ ، فَوَجَبَ عَلَى الْعَاقِلِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا عَظُمَ الْوَعِيدُ فِيهِ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ مُحْتَاجُونَ إِلَى الْمُعَاوَضَاتِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ غَافِلًا لَا يَهْتَدِي إِلَى حِفْظِ مَالِهِ ، فَالشَّارِعُ بَالَغَ فِي الْمَنْعِ مِنَ التَّطْفِيفِ وَالنُّقْصَانِ ، سَعْيًا فِي إِبْقَاءِ الْأَمْوَالِ عَلَى الْمُلَّاكِ ، وَمَنْعًا مِنْ تَلْطِيخِ النَّفْسِ بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْحَقِيرِ ، وَالْقِسْطَاسُ فِي مَعْنَى الْمِيزَانِ إِلَّا أَنَّهُ فِي الْعُرْفِ أَكْبَرُ مِنْهُ ، وَلِهَذَا اشْتُهِرَ فِي أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ أَنَّهُ الْقَبَّانُ . وَقِيلَ أَنَّهُ بِلِسَانِ الرُّومِ أَوِ السُّرْيَانِيِّ . وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لُغَةُ الْعَرَبِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِسْطِ ، وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الِاسْتِقَامَةُ وَالِاعْتِدَالُ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَعْنَاهُ الْمُعْتَدِلُ الَّذِي لَا يَمِيلُ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ اللُّغَتَيْنِ فِيهِ ، ضَمُّ الْقَافِ وَكَسْرُهَا ، فَالْكَسْرُ قِرَاءَةُ
حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَحَفْصٍ عَنْ
عَاصِمٍ وَالْبَاقُونَ بِالضَّمِّ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35ذَلِكَ خَيْرٌ ) أَيِ الْإِيفَاءُ بِالتَّمَامِ وَالْكَمَالِ خَيْرٌ مِنَ التَّطْفِيفِ الْقَلِيلِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَخَلَّصُ بِوَاسِطَتِهِ عَنِ الذِّكْرِ الْقَبِيحِ فِي الدُّنْيَا وَالْعِقَابِ الشَّدِيدِ فِي الْآخِرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) وَالتَّأْوِيلُ مَا يُؤَوَّلُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=76وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) [ مَرْيَمَ : 76 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=44وَخَيْرٌ عُقْبًا ) [ الْكَهْفِ : 44 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=46وَخَيْرٌ أَمَلًا ) [ الْكَهْفِ : 44 ] وَإِنَّمَا حَكَمَ تَعَالَى بِأَنَّ عَاقِبَةَ هَذَا الْأَمْرِ أَحْسَنُ الْعَوَاقِبِ ، لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا إِذَا اشْتُهِرَ بِالِاحْتِرَازِ عَنِ التَّطْفِيفِ عَوَّلَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَمَالَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ وَحَصَلَ لَهُ الِاسْتِغْنَاءُ فِي الزَّمَانِ الْقَلِيلِ ، وَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنَ الْفُقَرَاءِ لَمَّا اشْتُهِرُوا عِنْدَ النَّاسِ بِالْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْخِيَانَةِ أَقْبَلَتِ الْقُلُوبُ عَلَيْهِمْ وَحَصَلَتِ الْأَمْوَالُ الْكَثِيرَةُ لَهُمْ فِي الْمَدَّةِ الْقَلِيلَةِ . وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَالْفَوْزُ بِالثَّوَابِ الْعَظِيمِ وَالْخَلَاصُ مِنَ الْعِقَابِ الْأَلِيمِ .