(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) .
[ ص: 166 ]
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما شرح الأوامر الثلاثة ، عاد بعده إلى ذكر النواهي فنهى عن ثلاثة أشياء :
أولها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36تقف ) مأخوذ من قولهم : قفوت أثر فلان أقفو قفوا وقفوا إذا اتبعت أثره ، وسميت قافية الشعر قافية لأنها تقفو البيت ، وسميت القبيلة المشهورة بالقافة ، لأنهم يتبعون آثار أقدام الناس ويستدلون بها على أحوال الإنسان ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27ثم قفينا على آثارهم برسلنا ) [ الحديد : 27 ] وسمي القفا قفا لأنه مؤخر بدن الإنسان كأنه شيء يتبعه ويقفوه فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ) أي :
nindex.php?page=treesubj&link=18989_18981ولا تتبع ولا تقتف ما لا علم لك به من قول أو فعل ، وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما لا يكون معلوما ، وهذه قضية كلية يندرج تحتها أنواع كثيرة ، وكل واحد من المفسرين حمله على واحد من تلك الأنواع وفيه وجوه :
الوجه الأول : المراد نهي المشركين عن المذاهب التي كانوا يعتقدونها في الإلهيات والنبوات بسبب تقليد أسلافهم ، لأنه تعالى نسبهم في تلك العقائد إلى اتباع الهوى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) [ النجم : 23 ] وقال في إنكارهم البعث : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ) [ النمل : 66 ] وحكي عنهم أنهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) [ الجاثية : 32 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) [ القصص : 50 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ) [ النحل : 116 ] الآية وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن ) [ الأنعام : 148 ] .
والقول الثاني : نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية أن المراد منه شهادة الزور ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=treesubj&link=20327لا تشهد إلا بما رأته عيناك وسمعته أذناك ووعاه قلبك .
والقول الثالث : المراد منه : النهي عن القذف ورمي المحصنين والمحصنات بالأكاذيب ، وكانت عادة العرب جارية بذلك يذكرونها في الهجاء ويبالغون فيه .
والقول الرابع : المراد منه النهي عن الكذب . قال
قتادة : لا تقل سمعت ولم تسمع ورأيت ولم تر وعلمت ولم تعلم .
والقول الخامس : أن القفو هو البهت وأصله من القفا ، كأنه قول يقال خلفه وهو في معنى الغيبة وهو ذكر الرجل في غيبته بما يسوءه . وفي بعض الأخبار من قفا مسلما بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال ، واعلم أن اللفظ عام يتناول الكل فلا معنى للتقليد . والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) .
[ ص: 166 ]
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ الْأَوَامِرَ الثَّلَاثَةَ ، عَادَ بَعْدَهُ إِلَى ذِكْرِ النَّوَاهِي فَنَهَى عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ :
أَوَّلُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36تَقْفُ ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : قَفَوْتُ أَثَرَ فُلَانٍ أَقْفُو قَفْوًا وَقُفُوًّا إِذَا اتَّبَعْتَ أَثَرَهُ ، وَسُمِّيَتْ قَافِيَةُ الشِّعْرِ قَافِيَةً لِأَنَّهَا تَقْفُو الْبَيْتَ ، وَسُمِّيَتِ الْقَبِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالْقَافَةِ ، لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَ آثَارَ أَقْدَامِ النَّاسِ وَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا ) [ الْحَدِيدِ : 27 ] وَسُمِّي الْقَفَا قَفًا لِأَنَّهُ مُؤَخَّرُ بَدَنِ الْإِنْسَانِ كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَتْبَعُهُ وَيَقْفُوهُ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ ) أَيْ :
nindex.php?page=treesubj&link=18989_18981وَلَا تَتْبَعْ وَلَا تَقْتَفِ مَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى النَّهْيِ عَنِ الْحُكْمِ بِمَا لَا يَكُونُ مَعْلُومًا ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ حَمَلَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ نَهْيُ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي كَانُوا يَعْتَقِدُونَهَا فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِ أَسْلَافِهِمْ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى نَسَبَهُمْ فِي تِلْكَ الْعَقَائِدِ إِلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) [ النَّجْمِ : 23 ] وَقَالَ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=66بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ) [ النَّمْلِ : 66 ] وَحُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ) [ الْجَاثِيَةِ : 32 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ) [ الْقَصَصِ : 50 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) [ النَّحْلِ : 116 ] الْآيَةَ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ) [ الْأَنْعَامِ : 148 ] .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : نُقِلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12691مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ شَهَادَةُ الزُّورِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=20327لَا تَشْهَدْ إِلَّا بِمَا رَأَتْهُ عَيْنَاكَ وَسَمِعَتْهُ أُذُنَاكَ وَوَعَاهُ قَلْبُكَ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : الْمُرَادُ مِنْهُ : النَّهْيُ عَنِ الْقَذْفِ وَرَمْيِ الْمُحْصَنِينَ وَالْمُحْصَنَاتِ بِالْأَكَاذِيبِ ، وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ جَارِيَةً بِذَلِكَ يَذْكُرُونَهَا فِي الْهِجَاءِ وَيُبَالِغُونَ فِيهِ .
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : الْمُرَادُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنِ الْكَذِبِ . قَالَ
قَتَادَةُ : لَا تَقُلْ سَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْ وَرَأَيْتُ وَلَمْ تَرَ وَعَلِمْتُ وَلَمْ تَعْلَمْ .
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ : أَنَّ الْقَفْوَ هُوَ الْبُهْتُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَفَا ، كَأَنَّهُ قَوْلٌ يُقَالُ خَلْفَهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْغِيبَةِ وَهُوَ ذِكْرُ الرَّجُلِ فِي غِيبَتِهِ بِمَا يَسُوءُهُ . وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مَنْ قَفَا مُسْلِمًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ اللَّهُ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْلِيدِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .