(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=67فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=69وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=67فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=69وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون )
اعلم أنه تعالى لما بين حال المعذبين من الكفار وما يجري عليهم من التوبيخ أتبعه بذكر من يتوب منهم في الدنيا
nindex.php?page=treesubj&link=19705_30531ترغيبا في التوبة وزجرا عن الثبات على الكفر فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=67فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين ) وفي عسى وجوه :
أحدها : أنه من الكرام تحقيق والله أكرم الأكرمين .
وثانيها : أن يراد ترجي التائب وطمعه كأنه قال : فليطمع في الفلاح .
وثالثها : عسى أن يكونوا كذلك إن داموا على التوبة والإيمان لجواز أن لا يدوموا ، واعلم أن القوم كانوا يذكرون شبهة أخرى ويقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) (الزخرف : 31) يعنون
الوليد بن المغيرة ، أو
أبا مسعود الثقفي ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=28999_28783وربك يخلق ما يشاء ويختار ) والمراد أنه المالك المطلق وهو منزه عن النفع والضر فله أن يخص من شاء بما شاء لا اعتراض عليه ألبتة ، وعلى طريقة
المعتزلة لما ثبت أنه حكيم مطلق علم أنه كل ما فعله كان حكمة وصوابا فليس لأحد أن يعترض عليه وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68ما كان لهم الخيرة ) والخيرة اسم من الاختيار قام مقام المصدر والخيرة أيضا اسم للمختار ، يقال
محمد خيرة الله في خلقه . إذا عرفت هذا فنقول في الآية وجهان :
الأول : وهو الأحسن أن يكون تمام الوقف على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68ويختار ) ويكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68ما ) نفيا ، والمعنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وربك يخلق ما يشاء ويختار ) ليس لهم الخيرة ؛ إذ ليس لهم أن يختاروا على الله أن يفعل .
والثاني : أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68ما ) بمعنى الذي فيكون الوقف عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وربك يخلق ما يشاء ) ثم يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68ويختار ) ما كان لهم الخيرة ، قال
[ ص: 10 ] nindex.php?page=showalam&ids=11898أبو القاسم الأنصاري : وهذا
nindex.php?page=treesubj&link=28834_29687_28787_28783متعلق المعتزلة في إيجاب الصلاح والأصلح عليه ، وأي صلاح في تكليف من علم أنه لا يؤمن ولو لم يكلفه لاستحق الجنة والنعيم من فضل الله ؟ فإن قيل : لما كلفه استوجب على الله ما هو الأفضل ؛ لأن المستحق أفضل من المتفضل به ، قلنا : إذا علم قطعا أنه لا يحصل ذلك الأفضل فتوريطه في العقاب الأبدي لا يكون رعاية للمصلحة ، ثم قولهم : المستحق خير من المتفضل به جهل ؛ لأن ذلك التفاوت إنما يحصل في حق من يستنكف من تفضله ، أما الذي ما حصل الذات والصفات إلا بخلقه وبفضله وإحسانه فكيف يستنكف من تفضله ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68سبحان الله وتعالى عما يشركون ) والمقصود أن يعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29687_32501الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال مفوض إليه ليس لأحد فيه شركة ومنازعة ، ثم أكد ذلك بأنه يعلم ما تكن صدورهم من عداوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما يعلنون من مطاعنهم فيه ، وقولهم هلا اختير غيره في النبوة ، ولما بين علمه بما هم عليه من الغل والحسد والسفاهة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وهو الله لا إله إلا هو ) وفيه تنبيه على
nindex.php?page=treesubj&link=29687_28783_28781كونه قادرا على كل الممكنات ، وعالما بكل المعلومات ، منزها عن النقائص والآفات ، يجازي المحسنين على طاعتهم ، ويعاقب العصاة على عصيانهم ، وفيه نهاية الزجر والردع للعصاة ونهاية تقوية القلب للمطيعين ، ويحتمل أيضا أنه لما بين فساد طريق المشركين من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=62ويوم يناديهم ) فيقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=62أين شركائي ) ختم الكلام في ذلك بإظهار هذا التوحيد وبيان أن الحمد والثناء لا يليق إلا به .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70nindex.php?page=treesubj&link=33144_32501_30337_29687له الحمد في الأولى والآخرة ) فهو ظاهر على قولنا ؛ لأن الثواب غير واجب عليه ، بل هو سبحانه يعطيه فضلا وإحسانا ، فله الحمد في الأولى والآخرة ، ويؤكد ذلك قول أهل الجنة (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) (فاطر : 34 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74الحمد لله الذي صدقنا وعده ) (الزمر : 74 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) (يونس : 10) أما
المعتزلة فعندهم الثواب مستحق فلا يستحق الحمد بفعله من أهل الجنة ، وأما أهل النار فما أنعم عليهم حتى يستحق الحمد منهم ، قال القاضي : إنه يستحق الحمد والشكر من أهل النار أيضا بما فعله بهم في الدنيا من التمكين والتيسير والألطاف وسائر النعم ؛ لأنهم بإساءتهم لا يخرج ما أنعم الله عليهم من أن يوجب الشكر ، وهذا فيه نظر ؛ لأن أهل الآخرة مضطرون إلى معرفة الحق ، فإذا علموا بالضرورة أن التوبة عن القبائح يجب على الله قبولها ، وعلموا بالضرورة أن الاشتغال بالشكر الواجب عليهم يوجب على الله الثواب ، وهم قادرون على ذلك وعالمون بأن ذلك مما يخلصهم عن العذاب ، ويدخلهم في استحقاق الثواب ، أفترى أن الإنسان مع العلم بذلك والقدرة عليه يترك هذه التوبة ؟
كلا ، بل لا بد أن يتوبوا وأن يشتغلوا بالشكر ، ومتى فعلوا ذلك فقد بطل العقاب .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وله الحكم ) فهو إما في الدنيا أو في الآخرة ، فأما في الدنيا فحكم كل أحد سواه إنما نفذ بحكمه ، فلولا حكمه لما نفذ على العبد حكم سيده ، ولا على الزوجة حكم زوجها ، ولا على الابن حكم أبيه ، ولا على الرعية حكم سلطانهم ، ولا على الأمة حكم الرسول ، فهو الحاكم في الحقيقة ، وأما في الآخرة فلا شك أنه هو الحاكم ، لأنه الذي يتولى الحكم بين العباد في الآخرة ، فينتصف للمظلومين من الظالمين .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وإليه ترجعون ) فالمعنى : وإلى محل حكمه وقضائه ترجعون ، فإن كلمة ( إلى ) لانتهاء الغاية ، وهو تعالى منزه عن المكان والجهة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=67فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=69وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=67فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=69وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْمُعَذَّبِينَ مِنَ الْكُفَّارِ وَمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنَ التَّوْبِيخِ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ مَنْ يَتُوبُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا
nindex.php?page=treesubj&link=19705_30531تَرْغِيبًا فِي التَّوْبَةِ وَزَجْرًا عَنِ الثَّبَاتِ عَلَى الْكُفْرِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=67فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ) وَفِي عَسَى وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مِنَ الْكِرَامِ تَحْقِيقٌ وَاللَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يُرَادَ تَرَجِّي التَّائِبِ وَطَمَعُهُ كَأَنَّهُ قَالَ : فَلْيَطْمَعْ فِي الْفَلَاحِ .
وَثَالِثُهَا : عَسَى أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ إِنْ دَامُوا عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِيمَانِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَدُومُوا ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَذْكُرُونَ شُبْهَةً أُخْرَى وَيَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (الزُّخْرُفِ : 31) يَعْنُونَ
الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ ، أَوْ
أَبَا مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=28999_28783وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ) وَالْمُرَادُ أَنَّهُ الْمَالِكُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّفْعِ وَالضُّرِّ فَلَهُ أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ ، وَعَلَى طَرِيقَةِ
الْمُعْتَزِلَةِ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ حَكِيمٌ مُطْلَقٌ عُلِمَ أَنَّهُ كُلَّ مَا فَعَلَهُ كَانَ حِكْمَةً وَصَوَابًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) وَالْخِيَرَةُ اسْمٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ قَامَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ وَالْخِيَرَةُ أَيْضًا اسْمٌ لِلْمُخْتَارِ ، يُقَالُ
مُحَمَّدٌ خِيَرَةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ . إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ تَمَامُ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وَيَخْتَارُ ) وَيَكُونُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68مَا ) نَفْيًا ، وَالْمَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ) لَيْسَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخْتَارُوا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَفْعَلَ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68مَا ) بِمَعْنَى الَّذِي فَيَكُونُ الْوَقْفُ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) ثُمَّ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68وَيَخْتَارُ ) مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ، قَالَ
[ ص: 10 ] nindex.php?page=showalam&ids=11898أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ : وَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28834_29687_28787_28783مُتَعَلَّقُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي إِيجَابِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ عَلَيْهِ ، وَأَيُّ صَلَاحٍ فِي تَكْلِيفِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَوْ لَمْ يُكَلِّفْهُ لَاسْتَحَقَّ الْجَنَّةَ وَالنَّعِيمَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ؟ فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا كَلَّفَهُ اسْتَوْجَبَ عَلَى اللَّهِ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَفْضَلُ مِنَ الْمُتَفَضِّلِ بِهِ ، قُلْنَا : إِذَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْأَفْضَلُ فَتَوْرِيطُهُ فِي الْعِقَابِ الْأَبَدِيِّ لَا يَكُونُ رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ ، ثُمَّ قَوْلُهُمُ : الْمُسْتَحِقُّ خَيْرٌ مِنَ الْمُتَفَضِّلِ بِهِ جَهْلٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّفَاوُتَ إِنَّمَا يَحْصُلُ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَنْكِفُ مِنْ تُفَضُّلِهِ ، أَمَّا الَّذِي مَا حَصَّلَ الذَّاتَ وَالصِّفَاتِ إِلَّا بِخَلْقِهِ وَبِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ فَكَيْفَ يَسْتَنْكِفُ مِنْ تَفَضُّلِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=68سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29687_32501الْخَلْقَ وَالِاخْتِيَارَ وَالْإِعْزَازَ وَالْإِذْلَالَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَرِكَةٌ وَمُنَازَعَةٌ ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا يُعْلِنُونَ مِنْ مَطَاعِنِهِمْ فِيهِ ، وَقَوْلِهِمْ هَلَّا اخْتِيرَ غَيْرُهُ فِي النُّبُوَّةِ ، وَلَمَّا بَيَّنَ عِلْمَهُ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ وَالسَّفَاهَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29687_28783_28781كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ ، وَعَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ ، مُنَزَّهًا عَنِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ ، يُجَازِي الْمُحْسِنِينَ عَلَى طَاعَتِهِمْ ، وَيُعَاقِبُ الْعُصَاةَ عَلَى عِصْيَانِهِمْ ، وَفِيهِ نِهَايَةُ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ لِلْعُصَاةِ وَنِهَايَةُ تَقْوِيَةِ الْقَلْبِ لِلْمُطِيعِينَ ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ فَسَادَ طَرِيقِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=62وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ) فَيَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=62أَيْنَ شُرَكَائِيَ ) خَتَمَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ بِإِظْهَارِ هَذَا التَّوْحِيدِ وَبَيَانِ أَنَّ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70nindex.php?page=treesubj&link=33144_32501_30337_29687لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ) فَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِنَا ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يُعْطِيهِ فَضْلًا وَإِحْسَانًا ، فَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) (فَاطِرٍ : 34 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) (الزُّمَرِ : 74 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (يُونُسَ : 10) أَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَعِنْدَهُمُ الثَّوَابُ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ بِفِعْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْحَمْدَ مِنْهُمْ ، قَالَ الْقَاضِي : إِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَالشُّكْرَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَيْضًا بِمَا فَعَلَهُ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ التَّمْكِينِ وَالتَّيْسِيرِ وَالْأَلْطَافِ وَسَائِرِ النِّعَمِ ؛ لِأَنَّهُمْ بِإِسَاءَتِهِمْ لَا يَخْرُجُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُوجِبَ الشُّكْرَ ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْآخِرَةِ مُضْطَرُّونَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ ، فَإِذَا عَلِمُوا بِالضَّرُورَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ عَنِ الْقَبَائِحِ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ قَبُولُهَا ، وَعَلِمُوا بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالشُّكْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ يُوجِبُ عَلَى اللَّهِ الثَّوَابَ ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَعَالِمُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُخَلِّصُهُمْ عَنِ الْعَذَابِ ، وَيُدْخِلُهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ ، أَفَتَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَتْرُكُ هَذِهِ التَّوْبَةَ ؟
كَلَّا ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتُوبُوا وَأَنْ يَشْتَغِلُوا بِالشُّكْرِ ، وَمَتَى فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَ الْعِقَابُ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وَلَهُ الْحُكْمُ ) فَهُوَ إِمَّا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَحُكْمُ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ إِنَّمَا نُفِّذَ بِحُكْمِهِ ، فَلَوْلَا حُكْمُهُ لَمَا نُفِّذَ عَلَى الْعَبْدِ حُكْمُ سَيِّدِهِ ، وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ حُكْمُ زَوْجِهَا ، وَلَا عَلَى الِابْنِ حُكْمُ أَبِيهِ ، وَلَا عَلَى الرَّعِيَّةِ حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ ، وَلَا عَلَى الْأُمَّةِ حُكْمُ الرَّسُولِ ، فَهُوَ الْحَاكِمُ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ هُوَ الْحَاكِمُ ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَوَلَّى الْحُكْمَ بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الْآخِرَةِ ، فَيَنْتَصِفُ لِلْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=70وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) فَالْمَعْنَى : وَإِلَى مَحَلِّ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ تُرْجَعُونَ ، فَإِنَّ كَلِمَةَ ( إِلَى ) لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ ، وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ .