[ ص: 23 ] (
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة العنكبوت )
مكية، وقيل مدنية ، وقيل نزلت من أولها إلى رأس عشر
بمكة وباقيها
بالمدينة أو نزل إلى آخر العشر
بالمدينة وباقيها
بمكة وبالعكس ، وهي سبعون أو تسع وستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون )
المسألة الأولى : في تعلق أول هذه السورة بما قبلها وفيه وجوه :
الأول : لما قال الله تعالى قبل هذه السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=85إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) وكان المراد منه أن يرده إلى
مكة ظاهرا غالبا على الكفار ظافرا طالبا للثأر ، وكان فيه احتمال مشاق القتال صعب على البعض ذلك فقال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا ) ولا يؤمروا بالجهاد .
الوجه الثاني : هو أنه تعالى لما قال في أواخر السورة المتقدمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=87وادع إلى ربك ) وكان في الدعاء إليه الطعان والحراب والضراب ؛ لأن النبي عليه السلام وأصحابه كانوا مأمورين بالجهاد إن لم يؤمن الكفار بمجرد الدعاء فشق على البعض ذلك فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا ) .
الوجه الثالث : هو أنه تعالى لما قال في آخر السورة المتقدمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كل شيء هالك إلا وجهه ) ذكر بعده
nindex.php?page=treesubj&link=30347ما يبطل قول المنكرين للحشر فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88له الحكم وإليه ترجعون ) يعني ليس كل شيء هالكا من غير رجوع بل كل هالك وله رجوع إلى الله .
إذا تبين هذا ، فاعلم أن منكري الحشر يقولون : لا فائدة في التكاليف فإنها مشاق في الحال ولا فائدة لها في المآل ؛ إذ لا مآل ولا مرجع بعد الهلاك والزوال ، فلا فائدة فيها .
فلما بين الله أنهم إليه يرجعون بين أن الأمر ليس على ما حسبوه ، بل حسن التكليف ليثيب الشكور ويعذب الكفور ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا ) غير مكلفين من غير عمل يرجعون به إلى ربهم .
[ ص: 24 ] المسألة الثانية : في حكمة افتتاح هذه السورة بحروف من التهجي ، ولنقدم عليه كلاما كليا في
nindex.php?page=treesubj&link=32450افتتاح السور بالحروف فنقول : الحكيم إذا خاطب من يكون محل الغفلة أو من يكون مشغول البال بشغل من الأشغال يقدم على الكلام المقصود شيئا غيره ليلتفت المخاطب بسببه إليه ويقبل بقلبه عليه ، ثم يشرع في المقصود .
إذا ثبت هذا فنقول : ذلك المقدم على المقصود قد يكون كلاما له معنى مفهوم ، كقول القائل اسمع ، واجعل بالك إلي ، وكن لي ، وقد يكون شيئا هو في معنى الكلام المفهوم كقول القائل : أزيد ويا زيد ألا يا زيد ، وقد يكون ذلك المقدم على المقصود صوتا غير مفهوم كمن يصفر خلف إنسان ليلتفت إليه ، وقد يكون ذلك الصوت بغير الفم كما يصفق الإنسان بيديه ليقبل السامع عليه .
ثم إن موقع الغفلة كلما كان أتم والكلام المقصود كان أهم ، كان المقدم على المقصود أكثر . ولهذا ينادى القريب بالهمزة فيقال أزيد ، والبعيد بيا فيقال : يا زيد ، والغافل ينبه أولا فيقال : ألا يا زيد . إذا ثبت هذا فنقول : إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان يقظان الجنان لكنه إنسان يشغله شأن عن شأن، فكان يحسن من الحكيم أن يقدم على الكلام المقصود حروفا هي كالمنبهات ، ثم إن تلك الحروف إذا لم تكن بحيث يفهم معناها تكون أتم في إفادة المقصود الذي هو التنبيه من تقديم الحروف التي لها معنى ؛ لأن تقديم الحروف إذا كان لإقبال السامع على المتكلم لسماع ما بعد ذلك فإذا كان ذلك المقدم كلاما منظوما وقولا مفهوما فإذا سمعه السامع ربما يظن أنه كل المقصود ولا كلام له بعد ذلك فيقطع الالتفات عنه .
أما إذا سمع منه صوتا بلا معنى يقبل عليه ولا يقطع نظره عنه ما لم يسمع غيره لجزمه بأن ما سمعه ليس هو المقصود ، فإذن تقديم الحروف التي لا معنى لها في الوضع على الكلام المقصود فيه حكمة بالغة ، فإن قال قائل فما الحكمة في اختصاص بعض السور بهذه الحروف ؟
فنقول : عقل البشر عن إدراك الأشياء الجزئية على تفاصيلها عاجز ، والله أعلم بجميع الأشياء ، لكن نذكر ما يوفقنا الله له فنقول:
nindex.php?page=treesubj&link=32450كل سورة في أوائلها حروف التهجي فإن في أوائلها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ) (البقرة : 1 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2الله لا إله إلا هو الحي القيوم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=3نزل عليك الكتاب ) (آل عمران : 1) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1المص nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=2كتاب أنزل إليك ) (الأعراف : 1) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2والقرآن ) (يس : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص والقرآن ) (ص : 1) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق والقرآن ) (ق : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=2تنزيل الكتاب ) (السجدة : 1) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=2تنزيل الكتاب ) (الجاثية : 1) إلا ثلاث سور (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص ) (مريم : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس ) ( العنكبوت : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم ) (الروم : 1 )
nindex.php?page=treesubj&link=32450والحكمة في افتتاح السور التي فيها القرآن أو التنزيل أو الكتاب بالحروف هي أن القرآن عظيم ، والإنزال له ثقل ، والكتاب له عبء كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=5إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) ( المزمل : 5 ) وكل سورة في أولها ذكر القرآن والكتاب والتنزيل قدم عليها منبه يوجب ثبات المخاطب لاستماعه ، لا يقال كل سورة قرآن، واستماعه استماع القرآن ، سواء كان فيها ذكر القرآن لفظا أو لم يكن ، فكان الواجب أن يكون في أوائل كل سورة منبه ، وأيضا فقد وردت سورة فيها ذكر الإنزال والكتاب ولم يذكر قبلها حروف كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) (الكهف : 1 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سورة أنزلناها ) (النور : 1 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان ) (الفرقان : 1 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه في ليلة القدر ) (القدر : 1 ) لأنا نقول جوابا عن الأول : لا ريب في أن كل سورة من القرآن ؛ لكن السورة التي فيها ذكر القرآن والكتاب مع أنها من القرآن تنبه على كل القرآن؛ فإن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=2ما أنزلنا عليك القرآن ) (طه : 1) مع أنها بعض القرآن فيها ذكر جميع القرآن فيصير مثاله مثال كتاب يرد من ملك على مملوكه فيه شغل ما ، وكتاب آخر يرد منه عليه فيه : إنا كتبنا إليك كتابا فيه أوامرنا فامتثلها ، لا شك
[ ص: 25 ] أن عبء الكتاب الآخر أكثر من ثقل الأول وعن الثاني أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي ) تسبيحات مقصودة، وتسبيح الله لا يغفل عنه العبد فلا يحتاج إلى منبه بخلاف الأوامر والنواهي ، وأما ذكر الكتاب فيها فلبيان وصف عظمة من له التسبيح (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سورة أنزلناها ) قد بينا أنها من القرآن فيها ذكر إنزالها ، وفي السورة التي ذكرناها ذكر جميع القرآن فهو أعظم في النفس وأثقل .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه ) ( القدر : 1 ) فنقول : هذا ليس واردا على مشغول القلب بشيء غيره بدليل أنه ذكر الكناية فيها ، وهي ترجع إلى مذكور سابق أو معلوم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه ) الهاء راجع إلى معلوم عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان متنبها له فلم ينبه.
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=32450التنبيه قد حصل في القرآن بغير الحروف التي لا يفهم معناها كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) (الحج : 1 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1ياأيها النبي اتق الله ) ( الأحزاب : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1ياأيها النبي لم تحرم ) (التحريم : 1 ) لأنها أشياء هائلة عظيمة ، فإن تقوى الله حق تقاته أمر عظيم فقدم عليها النداء الذي يكون للبعيد الغافل عنها تنبيها ، وأما هذه السورة افتتحت بالحروف وليس فيها الابتداء بالكتاب والقرآن ، وذلك لأن القرآن ثقله وعبئه بما فيه من التكاليف والمعاني ، وهذه السورة فيها ذكر جميع التكاليف حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا ) يعني لا يتركون بمجرد ذلك بل يؤمرون بأنواع من التكاليف فوجد المعنى الذي في السور التي فيها ذكر القرآن المشتمل على الأوامر والنواهي ، فإن قيل : مثل هذا الكلام وفي معناه ورد في سورة التوبة وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) (التوبة : 16 ) ولم يقدم عليه حروف التهجي فنقول : الجواب عنه في غاية الظهور ، وهو أن هذا ابتداء كلام ، ولهذا وقع الاستفهام بالهمزة فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب ) وذلك وسط كلام بدليل وقوع الاستفهام بأم ، والتنبيه يكون في أول الكلام لا في أثنائه ، وأما (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم ) (الروم : 1 - 2) فسيجيء في موضعه إن شاء الله تعالى ، هذا تمام الكلام في الحروف .
[ ص: 23 ] (
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ )
مَكِّيَّةٌ، وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ ، وَقِيلَ نَزَلَتْ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى رَأْسِ عَشْرٍ
بِمَكَّةَ وَبَاقِيهَا
بِالْمَدِينَةِ أَوْ نَزَلَ إِلَى آخِرِ الْعَشْرِ
بِالْمَدِينَةِ وَبَاقِيهَا
بِمَكَّةَ وَبِالْعَكْسِ ، وَهِيَ سَبْعُونَ أَوْ تِسْعٌ وَسِتُّونَ آيَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي تَعَلُّقِ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=85إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) وَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى
مَكَّةَ ظَاهِرًا غَالِبًا عَلَى الْكُفَّارِ ظَافِرًا طَالِبًا لِلثَّأْرِ ، وَكَانَ فِيهِ احْتِمَالُ مَشَاقِّ الْقِتَالِ صَعُبَ عَلَى الْبَعْضِ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ) وَلَا يُؤْمَرُوا بِالْجِهَادِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ فِي أَوَاخِرِ السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=87وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ) وَكَانَ فِي الدُّعَاءِ إِلَيْهِ الطِّعَانُ وَالْحِرَابُ وَالضِّرَابُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالْجِهَادِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنِ الْكُفَّارُ بِمُجَرَّدِ الدُّعَاءِ فَشَقَّ عَلَى الْبَعْضِ ذَلِكَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ذَكَرَ بَعْدَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30347مَا يُبْطِلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِينَ لِلْحَشْرِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) يَعْنِي لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكًا مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ بَلْ كُلُّ هَالِكٍ وَلَهُ رُجُوعٌ إِلَى اللَّهِ .
إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا ، فَاعْلَمْ أَنَّ مُنْكِرِي الْحَشْرِ يَقُولُونَ : لَا فَائِدَةَ فِي التَّكَالِيفِ فَإِنَّهَا مَشَاقُّ فِي الْحَالِ وَلَا فَائِدَةَ لَهَا فِي الْمَآلِ ؛ إِذْ لَا مَآلَ وَلَا مَرْجِعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَالزَّوَالِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهَا .
فَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ بَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى مَا حَسِبُوهُ ، بَلْ حَسُنَ التَّكْلِيفُ لِيُثِيبَ الشَّكُورَ وَيُعَذِّبَ الْكَفُورَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ) غَيْرَ مُكَلَّفِينَ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ يَرْجِعُونَ بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ .
[ ص: 24 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي حِكْمَةِ افْتِتَاحِ هَذِهِ السُّورَةِ بِحُرُوفٍ مِنَ التَّهَجِّي ، وَلْنُقَدِّمْ عَلَيْهِ كَلَامًا كُلِّيًّا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32450افْتِتَاحِ السُّوَرِ بِالْحُرُوفِ فَنَقُولُ : الْحَكِيمُ إِذَا خَاطَبَ مَنْ يَكُونُ مَحَلَّ الْغَفْلَةِ أَوْ مَنْ يَكُونُ مَشْغُولَ الْبَالِ بِشُغْلٍ مِنَ الْأَشْغَالِ يُقَدِّمُ عَلَى الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ شَيْئًا غَيْرَهُ لِيَلْتَفِتَ الْمُخَاطَبُ بِسَبَبِهِ إِلَيْهِ وَيُقْبِلَ بِقَلْبِهِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الْمَقْصُودِ .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : ذَلِكَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْمَقْصُودِ قَدْ يَكُونُ كَلَامًا لَهُ مَعْنًى مَفْهُومٌ ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ اسْمَعْ ، وَاجْعَلْ بَالَكَ إِلَيَّ ، وَكُنْ لِي ، وَقَدْ يَكُونُ شَيْئًا هُوَ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ الْمَفْهُومِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : أَزَيْدُ وَيَا زَيْدُ أَلَا يَا زَيْدُ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْمَقْصُودِ صَوْتًا غَيْرَ مَفْهُومٍ كَمَنْ يُصَفِّرُ خَلْفَ إِنْسَانٍ لِيَلْتَفِتَ إِلَيْهِ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الصَّوْتُ بِغَيْرِ الْفَمِ كَمَا يُصَفِّقُ الْإِنْسَانُ بِيَدَيْهِ لِيُقْبِلَ السَّامِعُ عَلَيْهِ .
ثُمَّ إِنَّ مَوْقِعَ الْغَفْلَةِ كُلَّمَا كَانَ أَتَمَّ وَالْكَلَامَ الْمَقْصُودَ كَانَ أَهَمَّ ، كَانَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْمَقْصُودِ أَكْثَرَ . وَلِهَذَا يُنَادَى الْقَرِيبُ بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَزَيْدُ ، وَالْبَعِيدُ بِيَا فَيُقَالُ : يَا زَيْدُ ، وَالْغَافِلُ يُنَبَّهُ أَوَّلًا فَيُقَالُ : أَلَا يَا زَيْدُ . إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ كَانَ يَقْظَانَ الْجَنَانِ لَكِنَّهُ إِنْسَانٌ يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، فَكَانَ يَحْسُنُ مِنَ الْحَكِيمِ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ حُرُوفًا هِيَ كَالْمُنَبِّهَاتِ ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْحُرُوفَ إِذَا لَمْ تَكُنْ بِحَيْثُ يُفْهَمُ مَعْنَاهَا تَكُونُ أَتَمَّ فِي إِفَادَةِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ التَّنْبِيهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْحُرُوفِ الَّتِي لَهَا مَعْنًى ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْحُرُوفِ إِذَا كَانَ لِإِقْبَالِ السَّامِعِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ لِسَمَاعِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمُقَدَّمُ كَلَامًا مَنْظُومًا وَقَوْلًا مَفْهُومًا فَإِذَا سَمِعَهُ السَّامِعُ رُبَّمَا يَظُنُّ أَنَّهُ كُلُّ الْمَقْصُودِ وَلَا كَلَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ الِالْتِفَاتَ عَنْهُ .
أَمَّا إِذَا سَمِعَ مِنْهُ صَوْتًا بِلَا مَعْنًى يُقْبِلُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْطَعُ نَظَرَهُ عَنْهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ غَيْرَهُ لِجَزْمِهِ بِأَنَّ مَا سَمِعَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ ، فَإِذَنْ تَقْدِيمُ الْحُرُوفِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا فِي الْوَضْعِ عَلَى الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ فِيهِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ بَعْضِ السُّوَرِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ ؟
فَنَقُولُ : عَقْلُ الْبَشَرِ عَنْ إِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ الْجُزْئِيَّةِ عَلَى تَفَاصِيلِهَا عَاجِزٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، لَكِنْ نَذْكُرُ مَا يُوَفِّقُنَا اللَّهُ لَهُ فَنَقُولُ:
nindex.php?page=treesubj&link=32450كُلُّ سُورَةٍ فِي أَوَائِلَهَا حُرُوفُ التَّهَجِّي فَإِنَّ فِي أَوَائِلَهَا ذِكْرُ الْكِتَابِ أَوِ التَّنْزِيلِ أَوِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ) (الْبَقَرَةِ : 1 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=3نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) (آلِ عِمْرَانَ : 1) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1المص nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=2كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) (الْأَعْرَافِ : 1) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2وَالْقُرْآنِ ) (يس : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص وَالْقُرْآنِ ) (ص : 1) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=1ق وَالْقُرْآنِ ) (ق : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ) (السَّجْدَةِ : 1) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ) (الْجَاثِيَةِ : 1) إِلَّا ثَلَاثَ سُوَرٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص ) (مَرْيَمَ : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ ) ( الْعَنْكَبُوتِ : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ ) (الرُّومِ : 1 )
nindex.php?page=treesubj&link=32450وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ السُّوَرِ الَّتِي فِيهَا الْقُرْآنُ أَوِ التَّنْزِيلُ أَوِ الْكِتَابُ بِالْحُرُوفِ هِيَ أَنَّ الْقُرْآنَ عَظِيمٌ ، وَالْإِنْزَالَ لَهُ ثِقَلٌ ، وَالْكِتَابَ لَهُ عِبْءٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=5إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) ( الْمُزَّمِّلِ : 5 ) وَكُلُّ سُورَةٍ فِي أَوَّلِهَا ذِكْرُ الْقُرْآنِ وَالْكِتَابِ وَالتَّنْزِيلِ قُدِّمَ عَلَيْهَا مُنَبِّهٌ يُوجِبُ ثَبَاتَ الْمُخَاطَبِ لِاسْتِمَاعِهِ ، لَا يُقَالُ كُلُّ سُورَةٍ قُرْآنٌ، وَاسْتِمَاعُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الْقُرْآنِ لَفْظًا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَائِلِ كُلِّ سُورَةٍ مُنَبِّهٌ ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَتْ سُورَةٌ فِيهَا ذِكْرُ الْإِنْزَالِ وَالْكِتَابِ وَلَمْ يُذْكَرْ قَبْلَهَا حُرُوفٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ) (الْكَهْفِ : 1 ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ) (النُّورِ : 1 ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ) (الْفَرْقَانِ : 1 ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (الْقَدْرِ : 1 ) لِأَنَّا نَقُولُ جَوَابًا عَنِ الْأَوَّلِ : لَا رَيْبَ فِي أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ ؛ لَكِنَّ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْقُرْآنِ وَالْكِتَابِ مَعَ أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ تُنَبِّهُ عَلَى كُلِّ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=2مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ) (طه : 1) مَعَ أَنَّهَا بَعْضُ الْقُرْآنِ فِيهَا ذِكْرُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فَيَصِيرُ مِثَالُهُ مِثَالَ كِتَابٍ يَرِدُ مِنْ مَلِكٍ عَلَى مَمْلُوكِهِ فِيهِ شُغْلٌ مَا ، وَكِتَابٍ آخَرَ يَرِدُ مِنْهُ عَلَيْهِ فِيهِ : إِنَّا كَتَبْنَا إِلَيْكَ كِتَابًا فِيهِ أَوَامِرُنَا فَامْتَثِلْهَا ، لَا شَكَّ
[ ص: 25 ] أَنَّ عِبْءَ الْكِتَابِ الْآخَرِ أَكْثَرُ مِنْ ثِقَلِ الْأَوَّلِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي ) تَسْبِيحَاتٌ مَقْصُودَةٌ، وَتَسْبِيحُ اللَّهِ لَا يَغْفُلُ عَنْهُ الْعَبْدُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مُنَبِّهٍ بِخِلَافِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ، وَأَمَّا ذِكْرُ الْكِتَابِ فِيهَا فَلِبَيَانِ وَصْفِ عَظَمَةِ مَنْ لَهُ التَّسْبِيحُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِيهَا ذِكْرُ إِنْزَالِهَا ، وَفِي السُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ذِكْرُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فَهُوَ أَعْظَمُ فِي النَّفْسِ وَأَثْقَلُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ( الْقَدْرِ : 1 ) فَنَقُولُ : هَذَا لَيْسَ وَارِدًا عَلَى مَشْغُولِ الْقَلْبِ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ فِيهَا ، وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى مَذْكُورٍ سَابِقٍ أَوْ مَعْلُومٍ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) الْهَاءُ رَاجِعٌ إِلَى مَعْلُومٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ مُتَنَبِّهًا لَهُ فَلَمْ يُنَبَّهْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32450التَّنْبِيهَ قَدْ حَصَلَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْحُرُوفِ الَّتِي لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) (الْحَجِّ : 1 ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ) ( الْأَحْزَابِ : 1 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ) (التَّحْرِيمِ : 1 ) لِأَنَّهَا أَشْيَاءُ هَائِلَةٌ عَظِيمَةٌ ، فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَقَّ تُقَاتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ فَقُدِّمَ عَلَيْهَا النِّدَاءُ الَّذِي يَكُونُ لِلْبَعِيدِ الْغَافِلِ عَنْهَا تَنْبِيهًا ، وَأَمَّا هَذِهِ السُّورَةُ افْتُتِحَتْ بِالْحُرُوفِ وَلَيْسَ فِيهَا الِابْتِدَاءُ بِالْكِتَابِ وَالْقُرْآنِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ ثِقَلُهُ وَعِبْئُهُ بِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَالِيفِ وَالْمَعَانِي ، وَهَذِهِ السُّورَةُ فِيهَا ذِكْرُ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ) يَعْنِي لَا يُتْرَكُونَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بَلْ يُؤْمَرُونَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّكَالِيفِ فَوُجِدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي السُّوَرِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْقُرْآنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ، فَإِنْ قِيلَ : مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ وَفِي مَعْنَاهُ وَرَدَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ) (التَّوْبَةِ : 16 ) وَلَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ حُرُوفُ التَّهَجِّي فَنَقُولُ : الْجَوَابُ عَنْهُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ ، وَلِهَذَا وَقَعَ الِاسْتِفْهَامُ بِالْهَمْزَةِ فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ ) وَذَلِكَ وَسَطُ كَلَامٍ بِدَلِيلِ وُقُوعِ الِاسْتِفْهَامِ بِأَمْ ، وَالتَّنْبِيهُ يَكُونُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لَا فِي أَثْنَائِهِ ، وَأَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ ) (الرُّومِ : 1 - 2) فَسَيَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، هَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْحُرُوفِ .