(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين )
لما بين أن التكليف حسن واقع ، وأن عليه وعدا وإيعادا ليس لهما دافع ، بين أن طلب الله ذلك من المكلف ليس لنفع يعود إليه فإنه غني مطلقا ليس شيء غيره يتوقف كماله عليه، ومثل هذا كثير في القرآن كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46من عمل صالحا فلنفسه ) (فصلت : 46 ) وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) (الإسراء : 7 ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى: الآية السابقة مع هذه الآية يوجبان
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30503إكثار العبد من العمل الصالح وإتقانه له ؛ وذلك لأن من يفعل فعلا لأجل ملك ويعلم أن الملك يراه ويبصره يحسن العمل ويتقنه ، وإذا علم أن نفعه له ومقدر بقدر عمله يكثر منه ، فإذا قال الله : إنه سميع عليم فالعبد يتقن عمله ويخلصه له، وإذا قال بأن جهاده لنفسه يكثر منه .
المسألة الثانية : لقائل أن يقول : هذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29468الجزاء على العمل ؛ لأن الله تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) فهم منه أن من جاهد ربح بجهاده ما لولاه لما ربح ، فنقول هو كذلك ولكن بحكم الوعد لا بالاستحقاق ، وبيانه هو أن الله تعالى لما بين أن المكلف إذا جاهد يثيبه فإذا أتى به هو يكون جهادا نافعا له ولا نزاع فيه ، وإنما النزاع في أن الله يجب عليه أن يثيب على العمل لولا الوعد ، ولا يجوز أن يحسن إلى أحد إلا بالعمل ولا دلالة للآية عليه .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6فإنما ) يقتضي الحصر فينبغي أن يكون جهاد المرء لنفسه فحسب ، ولا ينتفع به غيره وليس كذلك فإن من جاهد ينتفع به ومن يريد هو نفعه ، حتى أن
nindex.php?page=treesubj&link=30503_30495_29711الوالد والولد ببركة المجاهد وجهاده ينتفعان فنقول ذلك نفع له، فإن انتفاع الولد انتفاع للأب والحصر ههنا معناه أن جهاده لا يصل إلى الله منه نفع ويدل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6إن الله لغني عن العالمين ) وفيه مسائل :
الأولى : تدل الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29711_28783رعاية الأصلح لا يجب على الله ؛ لأنه بالأصلح لا يستفيد فائدة ، وإلا لكان مستكملا بتلك الفائدة وهي غيره وهي من العالم فيكون مستكملا بغيره فيكون محتاجا إليه وهو غني عن العالمين ، وأيضا أفعاله غير معللة لما بينا .
المسألة الثانية : تدل الآية على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=29639ليس في مكان وليس على العرش على الخصوص، فإنه من العالم ، والله غني عنه والمستغني عن المكان لا يمكن دخوله في مكان ؛ لأن الداخل في المكان يشار إليه بأنه ههنا أو هناك على سبيل الاستقلال ، وما يشار إليه بأنه ههنا أو هناك يستحيل أن لا يوجد لا ههنا ولا هناك وإلا لجوز
[ ص: 30 ] العقل إدراك جسم لا في مكان ؛ وإنه محال .
المسألة الثالثة : لو قال قائل ليست قادريته بقدرة ولا عالميته بعلم وإلا لكان هو في قادريته محتاجا إلى قدرة هي غيره ، وكل ما هو غيره فهو من العالم فيكون محتاجا وهو غني ، نقول : لم قلتم : إن قدرته من العالم ، وهذا لأن العالم كل موجود سوى الله بصفاته أي : كل موجود هو خارج عن مفهوم الإله الحي القادر المريد العالم السميع البصير المتكلم ،
nindex.php?page=treesubj&link=33679والقدرة ليست خارجة عن مفهوم القادر ، والعلم ليس خارجا عن مفهوم العالم .
المسألة الرابعة : الآية فيها بشارة وفيها إنذار ، أما الإنذار فلأن
nindex.php?page=treesubj&link=29711الله إذا كان غنيا عن العالمين فلو أهلك عباده بعذابه فلا شيء عليه لغناه عنهم ، وهذا يوجب الخوف العظيم ، وأما البشارة فلأنه إذا كان غنيا ، فلو أعطى جميع ما خلقه لعبد من عباده لا شيء عليه لاستغنائه عنه ، وهذا يوجب الرجاء التام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ التَّكْلِيفَ حَسَنٌ وَاقِعٌ ، وَأَنَّ عَلَيْهِ وَعْدًا وَإِيعَادًا لَيْسَ لَهُمَا دَافِعٌ ، بَيَّنَ أَنَّ طَلَبَ اللَّهِ ذَلِكَ مِنَ الْمُكَلِّفِ لَيْسَ لِنَفْعٍ يَعُودُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ غَنِيٌّ مُطْلَقًا لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرُهُ يَتَوَقَّفُ كَمَالُهُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ) (فُصِّلَتْ : 46 ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ) (الْإِسْرَاءِ : 7 ) وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْآيَةُ السَّابِقَةُ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ يُوجِبَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30503إِكْثَارَ الْعَبْدِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِتْقَانَهُ لَهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلًا لِأَجْلِ مَلِكٍ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْمَلِكَ يَرَاهُ وَيُبْصِرُهُ يُحْسِنُ الْعَمَلَ وَيُتْقِنُهُ ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ نَفْعَهُ لَهُ وَمُقَدَّرٌ بِقَدْرِ عَمَلِهِ يُكْثِرُ مِنْهُ ، فَإِذَا قَالَ اللَّهُ : إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَالْعَبْدُ يُتْقِنُ عَمَلَهُ وَيُخَلِّصُهُ لَهُ، وَإِذَا قَالَ بِأَنَّ جِهَادَهُ لِنَفْسِهِ يُكْثِرُ مِنْهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29468الْجَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ) فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ جَاهَدَ رَبِحَ بِجِهَادِهِ مَا لَوْلَاهُ لَمَا رَبِحَ ، فَنَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ بِحُكْمِ الْوَعْدِ لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ ، وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا جَاهَدَ يُثِيبُهُ فَإِذَا أَتَى بِهِ هُوَ يَكُونُ جِهَادًا نَافِعًا لَهُ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُثِيبَ عَلَى الْعَمَلِ لَوْلَا الْوَعْدُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا دَلَالَةَ لِلْآيَةِ عَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6فَإِنَّمَا ) يَقْتَضِي الْحَصْرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جِهَادُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ فَحَسْبُ ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ جَاهَدَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَمَنْ يُرِيدُ هُوَ نَفْعَهُ ، حَتَّى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30503_30495_29711الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ بِبَرَكَةِ الْمُجَاهِدِ وَجِهَادِهِ يَنْتَفِعَانِ فَنَقُولُ ذَلِكَ نَفْعٌ لَهُ، فَإِنَّ انْتِفَاعَ الْوَلَدِ انْتِفَاعٌ لِلْأَبِ وَالْحَصْرُ هَهُنَا مَعْنَاهُ أَنَّ جِهَادَهُ لَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ نَفْعٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْأُولَى : تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29711_28783رِعَايَةَ الْأَصْلَحِ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَصْلَحِ لَا يَسْتَفِيدُ فَائِدَةً ، وَإِلَّا لَكَانَ مُسْتَكْمِلًا بِتِلْكَ الْفَائِدَةِ وَهِيَ غَيْرُهُ وَهِيَ مِنَ الْعَالَمِ فَيَكُونُ مُسْتَكْمِلًا بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ، وَأَيْضًا أَفْعَالُهُ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ لِمَا بَيَّنَّا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29639لَيْسَ فِي مَكَانٍ وَلَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْعَالَمِ ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ وَالْمُسْتَغْنِي عَنِ الْمَكَانِ لَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي مَكَانٍ ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ فِي الْمَكَانِ يُشَارُ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ هَهُنَا أَوْ هُنَاكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ ، وَمَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ هَهُنَا أَوْ هُنَاكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يُوجَدُ لَا هَهُنَا وَلَا هُنَاكَ وَإِلَّا لَجَوَّزَ
[ ص: 30 ] الْعَقْلُ إِدْرَاكَ جِسْمٍ لَا فِي مَكَانٍ ؛ وَإِنَّهُ مُحَالٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : لَوْ قَالَ قَائِلٌ لَيْسَتْ قَادِرِيَّتُهُ بِقُدْرَةٍ وَلَا عَالَمِيَّتُهُ بِعِلْمٍ وَإِلَّا لَكَانَ هُوَ فِي قَادِرِيَّتِهِ مُحْتَاجًا إِلَى قُدْرَةٍ هِيَ غَيْرُهُ ، وَكُلُّ مَا هُوَ غَيْرُهُ فَهُوَ مِنَ الْعَالَمِ فَيَكُونُ مُحْتَاجًا وَهُوَ غَنِيٌّ ، نَقُولُ : لِمَ قُلْتُمْ : إِنَّ قُدْرَتَهُ مِنَ الْعَالَمِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَالَمَ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ بِصِفَاتِهِ أَيْ : كُلُّ مَوْجُودٍ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ الْإِلَهِ الْحَيِّ الْقَادِرِ الْمُرِيدِ الْعَالِمِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ الْمُتَكَلِّمِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=33679وَالْقُدْرَةُ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ مَفْهُومِ الْقَادِرِ ، وَالْعِلْمُ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ مَفْهُومِ الْعَالِمِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الْآيَةُ فِيهَا بِشَارَةٌ وَفِيهَا إِنْذَارٌ ، أَمَّا الْإِنْذَارُ فَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29711اللَّهَ إِذَا كَانَ غَنِيًّا عَنِ الْعَالَمِينَ فَلَوْ أَهْلَكَ عِبَادَهُ بِعَذَابِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِغِنَاهُ عَنْهُمْ ، وَهَذَا يُوجِبُ الْخَوْفَ الْعَظِيمَ ، وَأَمَّا الْبِشَارَةُ فَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ غَنِيًّا ، فَلَوْ أَعْطَى جَمِيعَ مَا خَلَقَهُ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ ، وَهَذَا يُوجِبُ الرَّجَاءَ التَّامَّ .