ثم قال تعالى : ( ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم    ) يعني : دأب المنافق  أنه إن رأى اليد للكافر أظهر ما أضمر ، وأظهر المعية وادعى التبعية ، وفيه فوائد نذكرها في مسائل : 
المسألة الأولى : قال : ( ولئن جاء نصر من ربك    ) ولم يقل من الله ، مع أن ما تقدم كان كله بذكر الله كقوله : ( أوذي في الله    ) وقوله : ( كعذاب الله    ) وذلك لأن الرب اسم مدلوله الخاص به الشفقة والرحمة ، والله اسم مدلوله الهيبة والعظمة ، فعند النصر ذكر اللفظ الدال على الرحمة والعاطفة ، وعند العذاب ذكر اللفظ الدال على العظمة . 
المسألة الثانية : لم يقل ولئن جاءكم أو جاءك بل قال : ( ولئن جاء نصر من ربك    ) والنصر لو جاءهم ما كانوا يقولون : ( إنا كنا معكم    ) وهذا يقتضي أن يكونوا قائلين : إنا معكم إذا جاء نصر سواء جاءهم أو جاء المؤمنين ، فنقول هذا الكلام يقتضي أن يكونوا قائلين إنا معكم إذا جاء النصر ، لكن النصر لا يجيء إلا للمؤمن ، كما قال تعالى : ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين    ) (الروم : 47 ) ولأن غلبة الكافر على المسلم ليس بنصر  ؛ لأن النصر ما يكون عاقبته سليمة ، بدليل أن أحد الجيشين إن انهزم في الحال ثم كر المنهزم كرة أخرى وهزموا الغالبين ، لا يطلق اسم المنصور إلا على من كان له العاقبة ، فكذلك المسلم وإن كسر في   [ ص: 36 ] الحال فالعاقبة للمتقين ، فالنصر لهم في الحقيقة . 
المسألة الثالثة : في ( ليقولن ) قراءتان : 
إحداهما : الفتح حملا على قوله : ( من يقول آمنا    ) يعني من يقول آمنا إذا أوذي يترك ذلك القول ، وإذا جاء النصر يقول : إنا كنا معكم . 
وثانيتهما : الضم على الجمع إسنادا للقول إلى الجميع الذين دل عليهم المفهوم ، فإن المنافقين كانوا جماعة ، ثم بين الله تعالى أنهم أرادوا التلبيس ، ولا يصح ذلك لهم ؛ لأن التلبيس إنما يكون عندما يخالف القول القلب ، فالسامع يبني الأمر على قوله ولا يدري ما في قلبه ، فيلتبس الأمر عليه ، وأما الله تعالى فهو عليم بذات الصدور  ، وهو أعلم بما في صدر الإنسان من الإنسان ، فلا يلتبس عليه الأمر ، وهذا إشارة إلى أن الاعتبار بما في القلب ، فالمنافق الذي يظهر الإيمان ويضمر الكفر كافر  ، والمؤمن المكره الذي يظهر الكفر ويضمر الإيمان مؤمن  والله أعلم بما في صدور العالمين ، ولما بين أنه أعلم بما في قلوب العالمين ، بين أنه يعلم المؤمن المحق وإن لم يتكلم ، والمنافق وإن تكلم فقال : ( وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين    ) وقد سبق تفسيره ، لكن فيه مسألة واحدة وهي أن الله قال هناك : ( فليعلمن الله الذين صدقوا    ) وقال ههنا : ( وليعلمن الله الذين آمنوا    ) فنقول لما كان الذكر هناك للمؤمن والكافر ، والكافر في قوله كاذب ، فإنه يقول : الله أكثر من واحد ، والمؤمن في قوله صادق ، فإنه كان يقول الله واحد ، ولم يكن هناك ذكر من يضمر خلاف ما يظهر ، فكان الحاصل هناك قسمين صادقا وكاذبا ، وكان ههنا المنافق صادقا في قوله فإنه كان يقول الله واحد ، فاعتبر أمر القلب في المنافق فقال : ( وليعلمن المنافقين    ) واعتبر أمر القلب في المؤمن وهو التصديق فقال : ( وليعلمن الله الذين آمنوا    ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					