(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ) لما بين الأصل الأول وهو التوحيد ، وأشار إلى الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=18وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) شرع في بيان الأصل الثالث وهو الحشر ، وقد ذكرنا مرارا أن الأصول الثلاثة لا يكاد ينفصل بعضها عن بعض في الذكر الإلهي ، فأينما يذكر الله تعالى منها اثنين يذكر الثالث .
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=32438_30340_32688_31744الإنسان متى رأى بدء الخلق حتى يقال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ) ؟ فنقول المراد : العلم الواضح الذي كالرؤية والعاقل يعلم أن البدء من الله لأن الخلق الأول لا يكون من مخلوق وإلا لما كان الخلق الأول خلقا أول فهو من الله ، هذا إن قلنا : أن المراد إثبات نفس الخلق ، وإن قلنا إن المراد بالبدء خلق الآدمي أولا ، وبالإعادة خلقه ثانيا ، فنقول : العاقل لا يخفى عليه أن خالق نفسه ليس إلا قادر حكيم يصور الأولاد في الأرحام ، ويخلقه من نطفة في غاية الإتقان والإحكام ، فذلك الذي خلق أولا معلوم ظاهر فأطلق على ذلك العلم لفظ الرؤية ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أولم يروا ) أي ألم يعلموا علما ظاهرا واضحا (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19كيف يبدئ الله الخلق ) يخلقه من تراب يجمعه فكذلك يجمع أجزاءه من التراب ينفخ فيه روحه ، بل هو أسهل بالنسبة إليكم ، فإن من نحت حجارات ووضع شيئا بجنب شيء ففرقه أمر ما فإنه يقول : وضعه شيئا بجنب شيء في هذه النوبة أسهل علي لأن الحجارات منحوتة ، ومعلوم أن آية واحدة منها تصلح لأن تكون بجنب الأخرى ، وعلى هذا المخرج خرج كلام الله في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وهو أهون ) (الروم : 27 ) وإليه الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19إن ذلك على الله يسير ) .
المسألة الثانية : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ) علق الرؤية بالكيفية لا بالخلق وما قال : أولم يروا أن الله خلق ، أو بدأ الخلق ، والكيفية غير معلومة ؟ فنقول هذا القدر من الكيفية معلوم ، وهو أنه خلقه ولم يكن شيئا مذكورا ، وأنه خلقه من نطفة هي من غذاء هو من ماء وتراب ، وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة فإن الإعادة مثله .
[ ص: 42 ] المسألة الثالثة : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ) فأبرز اسمه مرة أخرى ، ولم يقل إن ذلك عليه يسير كما قال : ثم يعيده من غير إبراز ؟ نقول مع إقامة البرهان على أنه يسير فأكده بإظهار اسمه فإنه يوجب المعرفة أيضا بكون ذلك يسيرا ، فإن الإنسان إذا سمع لفظ الله وفهم معناه أنه الحي القادر بقدرة كاملة ، لا يعجزه شيء ، العالم بعلم محيط بذرات كل جسم ، نافذ الإرادة لا راد لما أراده ، يقطع بجواز الإعادة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) لَمَّا بَيَّنَ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ التَّوْحِيدُ ، وَأَشَارَ إِلَى الْأَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ الرِّسَالَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=18وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَصْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْحَشْرُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ الْأُصُولَ الثَّلَاثَةَ لَا يَكَادُ يَنْفَصِلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي الذِّكْرِ الْإِلَهِيِّ ، فَأَيْنَمَا يَذْكُرُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا اثْنَيْنِ يَذْكُرُ الثَّالِثَ .
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=32438_30340_32688_31744الْإِنْسَانُ مَتَى رَأَى بَدْءَ الْخَلْقِ حَتَّى يُقَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ) ؟ فَنَقُولُ الْمُرَادُ : الْعِلْمُ الْوَاضِحُ الَّذِي كَالرُّؤْيَةِ وَالْعَاقِلُ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَدْءَ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّ الْخَلْقَ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ مِنْ مَخْلُوقٍ وَإِلَّا لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ الْأَوَّلُ خَلْقًا أَوَّلَ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ ، هَذَا إِنْ قُلْنَا : أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ نَفْسِ الْخَلْقِ ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَدْءِ خَلْقُ الْآدَمِيِّ أَوَّلًا ، وَبِالْإِعَادَةِ خَلْقُهُ ثَانِيًا ، فَنَقُولُ : الْعَاقِلُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ خَالِقَ نَفْسِهِ لَيْسَ إِلَّا قَادِرٌ حَكِيمٌ يُصَوِّرُ الْأَوْلَادَ فِي الْأَرْحَامِ ، وَيَخْلُقُهُ مِنْ نُطْفَةٍ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ ، فَذَلِكَ الَّذِي خُلِقَ أَوَّلًا مَعْلُومٌ ظَاهِرٌ فَأُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ الْعِلْمِ لَفْظُ الرُّؤْيَةِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أَوَلَمْ يَرَوْا ) أَيْ أَلَمْ يَعْلَمُوا عِلْمًا ظَاهِرًا وَاضِحًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ) يَخْلُقُهُ مِنْ تُرَابٍ يَجْمَعُهُ فَكَذَلِكَ يَجْمَعُ أَجْزَاءَهُ مِنَ التُّرَابِ يَنْفُخُ فِيهِ رُوحَهُ ، بَلْ هُوَ أَسْهَلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكُمْ ، فَإِنَّ مَنْ نَحَتَ حِجَارَاتٍ وَوَضَعَ شَيْئًا بِجَنْبِ شَيْءٍ فَفَرَّقَهُ أَمْرٌ مَا فَإِنَّهُ يَقُولُ : وَضْعُهُ شَيْئًا بِجَنْبِ شَيْءٍ فِي هَذِهِ النَّوْبَةِ أَسْهَلُ عَلَيَّ لِأَنَّ الْحِجَارَاتِ مَنْحُوتَةٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ آيَةً وَاحِدَةً مِنْهَا تَصْلُحُ لِأَنْ تَكُونَ بِجَنْبِ الْأُخْرَى ، وَعَلَى هَذَا الْمَخْرَجِ خَرَجَ كَلَامُ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَهُوَ أَهْوَنُ ) (الرُّومِ : 27 ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ) عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ بِالْكَيْفِيَّةِ لَا بِالْخَلْقِ وَمَا قَالَ : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ ، أَوْ بَدَأَ الْخَلْقَ ، وَالْكَيْفِيَّةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ ؟ فَنَقُولُ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ مَعْلُومٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ خَلَقَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ، وَأَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ هِيَ مِنْ غِذَاءٍ هُوَ مِنْ مَاءٍ وَتُرَابٍ ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِإِمْكَانِ الْإِعَادَةِ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ مِثْلُهُ .
[ ص: 42 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=19ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) فَأَبْرَزَ اسْمَهُ مَرَّةً أُخْرَى ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ يَسِيرٌ كَمَا قَالَ : ثُمَّ يُعِيدُهُ مِنْ غَيْرِ إِبْرَازٍ ؟ نَقُولُ مَعَ إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُ يَسِيرٌ فَأَكَّدَهُ بِإِظْهَارِ اسْمِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَعْرِفَةَ أَيْضًا بِكَوْنِ ذَلِكَ يَسِيرًا ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا سَمِعَ لَفْظَ اللَّهِ وَفَهِمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَادِرُ بِقُدْرَةٍ كَامِلَةٍ ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، الْعَالِمُ بِعِلْمٍ مُحِيطٍ بِذَرَّاتِ كُلِّ جِسْمٍ ، نَافِذُ الْإِرَادَةِ لَا رَادَّ لِمَا أَرَادَهُ ، يَقْطَعُ بِجَوَازِ الْإِعَادَةِ .