(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون )
ثم إنهم جاءوا من عند
إبراهيم إلى
لوط على صورة البشر فظنهم بشرا فخاف عليهم من قومه لأنهم كانوا على أحسن صورة خلق الله ، والقوم كما عرف حالهم ، فسيء بهم أي : جاءه ما ساءه وخاف ثم عجز عن تدبيرهم فحزن وضاق بهم ذرعا كناية عن العجز في تدبيرهم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يقال طال ذرعه وذراعه للقادر وضاق للعاجز ، وذلك لأن من طال ذراعه يصل إلى ما لا يصل إليه قصير الذراع والاستعمال يحتمل وجها معقولا غير ذلك ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=31825الخوف والحزن يوجبان انقباض الروح ويتبعه اشتمال القلب عليه فينقبض هو أيضا ، والقلب هو المعتبر من الإنسان ، فكأن الإنسان انقبض وانجمع وما يكون كذلك يقل ذرعه ومساحته فيضيق ، ويقال في الحزين ضاق ذرعه ،
nindex.php?page=treesubj&link=31825والغضب والفرح يوجبان انبساط الروح فينبسط مكانه وهو القلب ويتسع فيقال :
[ ص: 55 ] اتسع ذرعه ، ثم إن الملائكة لما رأوا خوفه في أول الأمر وحزنه بسبب تدبيرهم في ثاني الأمر قالوا لا تخف علينا ولا تحزن بسبب التفكر في أمرنا ثم ذكروا ما يوجب زوال خوفه وحزنه فإن مجرد قول القائل لا تخف لا يوجب زوال الخوف فقالوا معرضين بحالهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إنا منجوك وأهلك ) وإنا منزلون عليهم العذاب حتى يتبين له أنهم ملائكة فيطول ذرعه ويزول روعه وفي الآية مسائل :
إحداها : أنه تعالى قال من قبل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31ولما جاءت رسلنا إبراهيم ) وقال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33ولما أن جاءت رسلنا ) فما الحكمة فيه ؟ فنقول : حكمة بالغة وهي أن الواقع في وقت المجيء هناك قول الملائكة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31إنا مهلكو ) وهو لم يكن متصلا بمجيئهم لأنهم بشروا أولا ولبثوا ، ثم قالوا : إنا مهلكوا وأيضا فالتأني واللبث بعد المجيء ، ثم الإخبار بالإهلاك حسن فإن من جاء ومعه خبر هائل يحسن منه أن لا يفاجىء به ، والواقع ههنا هو
nindex.php?page=treesubj&link=31880_31881خوف لوط عليهم ،
nindex.php?page=treesubj&link=29674_18066_18080والمؤمن حين ما يشعر بمضرة تصل بريئا من الجناية ينبغي أن يحزن ويخاف عليه من غير تأخير ،إذا علم هذا فقوله ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33ولما أن جاءت رسلنا ) يفيد الاتصال يعني خاف حين المجيء ، فإن قلت : هذا باطل بما أن هذه الحكاية جاءت في سورة هود ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=77ولما جاءت رسلنا لوطا ) من غير ( أن ) ، فنقول هناك جاءت حكاية
إبراهيم بصيغة أخرى حيث قال هناك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) فقوله هنالك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69ولقد جاءت ) لا يدل على أن قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=32إنا أرسلنا ) كان في وقت المجيء . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=77ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم ) دل على أن حزنه كان وقت المجيء .
إذا علم هذا فنقول : هناك قد حصل ما ذكرنا من المقصود بقوله في حكاية
إبراهيم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) ثم جرى أمور من الكلام وتقديم الطعام ، ثم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33لا تخف ولا تحزن ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70إنا أرسلنا إلى قوم لوط ) فحصل تأخير الإنذار ، وبقوله في حكاية
لوط (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31ولما جاءت رسلنا ) حصل بيان تعجيل الحزن ، وأما هنا لما قال في قصة
إبراهيم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31ولما جاءت ) قال في حكاية
لوط (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33ولما أن جاءت ) لما ذكرنا من الفائدة .
المسألة الثانية : قال هنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إنا منجوك وأهلك ) وقال
لإبراهيم (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=32لننجينه ) بصيغة الفعل فهل فيه فائدة ؟ قلنا ما من حرف ولا حركة في القرآن إلا وفيه فائدة ، ثم إن العقول البشرية تدرك بعضها ولا تصل إلى أكثرها ، وما أوتي البشر من العلم إلا قليلا ، والذي يظهر لعقل الضعيف أن هناك لما قال لهم
إبراهيم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=32إن فيها لوطا ) وعدوه بالتنجية ووعد الكريم حتم ، وههنا لما قالوا
للوط وكان ذلك بعد سبق الوعد مرة أخرى قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إنا منجوك ) أي ذلك واقع منا كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إنك ميت ) (الزمر : 30 ) لضرورة وقوعه .
المسألة الثالثة :قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33لا تخف ولا تحزن ) لا يناسبه (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إنا منجوك ) لأن خوفه ما كان على نفسه ، نقول بينهما مناسبة في غاية الحسن ، وهي أن
لوطا لما خاف عليهم وحزن لأجلهم قالوا له : لا تخف علينا ولا تحزن لأجلنا فإنا ملائكة ، ثم قالوا له : يا
لوط خفت علينا وحزنت لأجلنا ، ففي مقابلة خوفك وقت الخوف نزيل خوفك وننجيك ، وفي مقابلة حزنك نزيل حزنك ولا نتركك تفجع في أهلك فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إنا منجوك وأهلك ) .
المسألة الرابعة : القوم عذبوا بسبب ما صدر منهم من الفاحشة وامرأته لم يصدر منها تلك فكيف كانت من الغابرين معهم ؟ فنقول الدال على الشر له نصيب كفاعل الشر ، كما أن الدال على الخير كفاعله وهي
nindex.php?page=treesubj&link=33955_30525كانت تدل القوم على ضيوف لوط حتى كانوا يقصدونهم ، فبالدلالة صارت واحدة منهم ، ثم إنهم بعد بشارة
[ ص: 56 ] لوط بالتنجية ذكروا أنهم منزلون على أهل هذه القرية العذاب فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء ) واختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : حجارة وقيل : نار ، وقيل : خسف ، وعلى هذا فلا يكون عينه من السماء وإنما يكون الأمر بالخسف من السماء أو القضاء به من السماء ، ثم اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29747كلام الملائكة مع لوط جرى على نمط كلامهم مع
إبراهيم قدموا البشارة على الإنذار حيث قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إنا منجوك ) ثم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إنا منزلون على أهل هذه القرية ) ولم يعللوا التنجية ، فما قالوا إنا منجوك لأنك نبي أو عابد ، وعللوا الإهلاك بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34بما كانوا يفسقون ) وقالوا : بما كانوا ، كما قالوا هناك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31إن أهلها كانوا ظالمين ) ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ) أي من القرية فإن القرية معلومة وفيها الماء الأسود وهي بين
القدس والكرك وفيها مسائل :
إحداها :
nindex.php?page=treesubj&link=33955_31855_31836جعل الله الآية في نوح وإبراهيم بالنجاة حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية ) (العنكبوت : 15 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=24فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات ) (العنكبوت : 24 ) وجعل ههنا الهلاك آية فهل عندك فيه شيء ؟ نقول نعم ، أما
إبراهيم فلأن الآية كانت في النجاة لأن في ذلك الوقت لم يكن إهلاك ، وأما في
نوح فلأن الإنجاء من الطوفان الذي علا الجبال بأسرها أمر عجيب إلهي ، وما به النجاة وهو السفينة كان باقيا ، والغرق لم يبق لمن بعده أثره فجعل الباقي آية ، وأما ههنا فنجاة
لوط لم يكن بأمر يبقى أثره للحس ، والهلاك أثره محسوس في البلاد فجعل الآية الأمر الباقي وهو ههنا البلاد وهناك السفينة ، وههنا لطيفة : وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=33679الله تعالى آية قدرته موجودة في الإنجاء والإهلاك فذكر من كل باب آية وقدم آيات الإنجاء لأنها أثر الرحمة وأخر آيات الإهلاك لأنها أثر الغضب ورحمته سابقة .
المسألة الثانية : قال في السفينة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وجعلناها آية ) ولم يقل : بينة وقال ههنا آية بينة نقول لأن الإنجاء بالسفينة أمر يتسع له كل عقل وقد يقع في وهم جاهل أن الإنجاء بالسفينة لا يفتقر إلى أمر آخر ، وأما الآية ههنا الخسف وجعل ديار معمورة عاليها سافلها وهو ليس بمعتاد ، وإنما ذلك بإرادة قادر يخصصه بمكان دون مكان وفي زمان دون زمان ، فهي بينة لا يمكن لجاهل أن يقول : هذا أمر يكون كذلك وكان له أن يقول في السفينة : النجاة بها أمر يكون كذلك إلى أن يقال له : فمن أين علم أنه يحتاج إليها ولو دام الماء حتى ينفد زادهم كيف كان يحصل لهم النجاة ؟ ولو سلط الله عليهم الريح العاصفة كيف يكون أحوالهم ؟ .
المسألة الثالثة : قال هناك للعالمين وقال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35لقوم يعقلون ) قلنا لأن السفينة موجودة في جميع أقطار العالم فعند كل قوم مثال لسفينة
نوح يتذكرون بها حاله ، وإذا ركبوها يطلبون من الله النجاة ولا يثق أحد بمجرد السفينة ، بل يكون دائما مرتجف القلب متضرعا إلى الله تعالى طلبا للنجاة ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=33955_29494أثر الهلاك في بلاد لوط ففي موضع مخصوص لا يطلع عليه إلا من يمر بها ويصل إليها ويكون له عقل يعلم أن ذلك من الله المريد ، بسبب اختصاصه بمكان دون مكان ووجوده في زمان بعد زمان .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )
ثُمَّ إِنَّهُمْ جَاءُوا مِنْ عِنْدِ
إِبْرَاهِيمَ إِلَى
لُوطٍ عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ فَظَنَّهُمْ بَشَرًا فَخَافَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى أَحْسَنِ صُورَةٍ خَلَقَ اللَّهُ ، وَالْقَوْمُ كَمَا عُرِفَ حَالُهُمْ ، فَسِيءَ بِهِمْ أَيْ : جَاءَهُ مَا سَاءَهُ وَخَافَ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ تَدْبِيرِهِمْ فَحَزِنَ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا كِنَايَةً عَنِ الْعَجْزِ فِي تَدْبِيرِهِمْ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يُقَالُ طَالَ ذَرْعُهُ وَذِرَاعُهُ لِلْقَادِرِ وَضَاقَ لِلْعَاجِزِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ طَالَ ذِرَاعُهُ يَصِلُ إِلَى مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ قَصِيرُ الذِّرَاعِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَحْتَمِلُ وَجْهًا مَعْقُولًا غَيْرَ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31825الْخَوْفَ وَالْحُزْنَ يُوجِبَانِ انْقِبَاضَ الرُّوحِ وَيَتْبَعُهُ اشْتِمَالُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ فَيَنْقَبِضُ هُوَ أَيْضًا ، وَالْقَلْبُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ مِنَ الْإِنْسَانِ ، فَكَأَنَّ الْإِنْسَانَ انْقَبَضَ وَانْجَمَعَ وَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ يَقِلُّ ذَرْعُهُ وَمِسَاحَتُهُ فَيَضِيقُ ، وَيُقَالُ فِي الْحَزِينِ ضَاقَ ذَرْعُهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31825وَالْغَضَبُ وَالْفَرَحُ يُوجِبَانِ انْبِسَاطَ الرُّوحِ فَيَنْبَسِطُ مَكَانَهُ وَهُوَ الْقَلْبُ وَيَتَّسِعُ فَيُقَالُ :
[ ص: 55 ] اتَّسَعَ ذَرْعُهَ ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا رَأَوْا خَوْفَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَحُزْنَهُ بِسَبَبِ تَدْبِيرِهِمْ فِي ثَانِي الْأَمْرِ قَالُوا لَا تَخَفْ عَلَيْنَا وَلَا تَحْزَنْ بِسَبَبِ التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِنَا ثُمَّ ذَكَرُوا مَا يُوجِبُ زَوَالَ خَوْفِهِ وَحُزْنِهِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْقَائِلِ لَا تَخَفْ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْخَوْفِ فَقَالُوا مُعَرِّضِينَ بِحَالِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ ) وَإِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ فَيَطُولُ ذَرْعُهُ وَيَزُولُ رَوْعُهُ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
إِحْدَاهَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ مِنْ قَبْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ ) وَقَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ) فَمَا الْحِكْمَةُ فِيهِ ؟ فَنَقُولُ : حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي وَقْتِ الْمَجِيءِ هُنَاكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31إِنَّا مُهْلِكُو ) وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِمَجِيئِهِمْ لِأَنَّهُمْ بَشَّرُوا أَوَّلًا وَلَبِثُوا ، ثُمَّ قَالُوا : إِنَّا مُهْلِكُوا وَأَيْضًا فَالتَّأَنِّي وَاللُّبْثُ بَعْدَ الْمَجِيءِ ، ثُمَّ الْإِخْبَارُ بِالْإِهْلَاكِ حَسَنٌ فَإِنَّ مَنْ جَاءَ وَمَعَهُ خَبَرٌ هَائِلٌ يَحْسُنُ مِنْهُ أَنْ لَا يُفَاجِىءَ بِهِ ، وَالْوَاقِعُ هَهُنَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=31880_31881خَوْفُ لُوطٍ عَلَيْهِمْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29674_18066_18080وَالْمُؤْمِنُ حِينَ مَا يَشْعُرُ بِمَضَرَّةٍ تَصِلُ بَرِيئًا مِنَ الْجِنَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْزَنَ وَيَخَافَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ ،إِذَا عُلِمَ هَذَا فَقَوْلُهُ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ) يُفِيدُ الِاتِّصَالَ يَعْنِي خَافَ حِينَ الْمَجِيءِ ، فَإِنْ قُلْتَ : هَذَا بَاطِلٌ بِمَا أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ جَاءَتْ فِي سُورَةِ هُودٍ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=77وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا ) مِنْ غَيْرِ ( أَنْ ) ، فَنَقُولُ هُنَاكَ جَاءَتْ حِكَايَةُ
إِبْرَاهِيمَ بِصِيغَةٍ أُخْرَى حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ) فَقَوْلُهُ هُنَالِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69وَلَقَدْ جَاءَتْ ) لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=32إِنَّا أُرْسِلْنَا ) كَانَ فِي وَقْتِ الْمَجِيءِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=77وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ ) دَلَّ عَلَى أَنَّ حُزْنَهُ كَانَ وَقْتَ الْمَجِيءِ .
إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ : هُنَاكَ قَدْ حَصَلَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَقْصُودِ بِقَوْلِهِ فِي حِكَايَةِ
إِبْرَاهِيمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ) ثُمَّ جَرَى أُمُورٌ مِنَ الْكَلَامِ وَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ ، ثُمَّ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=70إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ) فَحَصَلَ تَأْخِيرُ الْإِنْذَارِ ، وَبِقَوْلِهِ فِي حِكَايَةِ
لُوطٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا ) حَصَلَ بَيَانُ تَعْجِيلِ الْحُزْنِ ، وَأَمَّا هُنَا لَمَّا قَالَ فِي قِصَّةِ
إِبْرَاهِيمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31وَلَمَّا جَاءَتْ ) قَالَ فِي حِكَايَةِ
لُوطٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَائِدَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ هُنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ ) وَقَالَ
لِإِبْرَاهِيمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=32لَنُنَجِّيَنَّهُ ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَهَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ ؟ قُلْنَا مَا مِنْ حَرْفٍ وَلَا حَرَكَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا وَفِيهِ فَائِدَةٌ ، ثُمَّ إِنَّ الْعُقُولَ الْبَشَرِيَّةَ تُدْرِكُ بَعْضَهَا وَلَا تَصِلُ إِلَى أَكْثَرِهَا ، وَمَا أُوتِيَ الْبَشَرُ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِعَقْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ هُنَاكَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ
إِبْرَاهِيمُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=32إِنَّ فِيهَا لُوطًا ) وَعَدُوهُ بِالتَّنْجِيَةِ وَوَعْدُ الْكَرِيمِ حَتْمٌ ، وَهَهُنَا لَمَّا قَالُوا
لِلُوطٍ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ سَبْقِ الْوَعْدِ مَرَّةً أُخْرَى قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إِنَّا مُنَجُّوكَ ) أَيْ ذَلِكَ وَاقِعٌ مِنَّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30إِنَّكَ مَيِّتٌ ) (الزُّمَرِ : 30 ) لِضَرُورَةِ وُقُوعِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ) لَا يُنَاسِبُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إِنَّا مُنَجُّوكَ ) لِأَنَّ خَوْفَهُ مَا كَانَ عَلَى نَفْسِهِ ، نَقُولُ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ ، وَهِيَ أَنَّ
لُوطًا لَمَّا خَافَ عَلَيْهِمْ وَحَزِنَ لِأَجْلِهِمْ قَالُوا لَهُ : لَا تَخَفْ عَلَيْنَا وَلَا تَحْزَنْ لِأَجْلِنَا فَإِنَّا مَلَائِكَةٌ ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ : يَا
لُوطُ خِفْتَ عَلَيْنَا وَحَزِنْتَ لِأَجْلِنَا ، فَفِي مُقَابَلَةِ خَوْفِكَ وَقْتَ الْخَوْفِ نُزِيلُ خَوْفَكَ وَنُنْجِيكَ ، وَفِي مُقَابَلَةِ حُزْنِكَ نُزِيلُ حُزْنَكَ وَلَا نَتْرُكُكَ تُفْجَعُ فِي أَهْلِكَ فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الْقَوْمُ عُذِّبُوا بِسَبَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَامْرَأَتُهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا تِلْكَ فَكَيْفَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ مَعَهُمْ ؟ فَنَقُولُ الدَّالُّ عَلَى الشَّرِّ لَهُ نَصِيبٌ كَفَاعِلِ الشَّرِّ ، كَمَا أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=33955_30525كَانَتْ تَدُلُّ الْقَوْمَ عَلَى ضُيُوفِ لُوطٍ حَتَّى كَانُوا يَقْصِدُونَهُمْ ، فَبِالدَّلَالَةِ صَارَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمْ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعْدَ بِشَارَةِ
[ ص: 56 ] لُوطٍ بِالتَّنْجِيَةِ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْعَذَابَ فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ ) وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : حِجَارَةٌ وَقِيلَ : نَارٌ ، وَقِيلَ : خَسْفٌ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ عَيَّنَهُ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْخَسْفِ مِنَ السَّمَاءِ أَوِ الْقَضَاءُ بِهِ مِنَ السَّمَاءِ ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29747كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ لُوطٍ جَرَى عَلَى نَمَطِ كَلَامِهِمْ مَعَ
إِبْرَاهِيمَ قَدَّمُوا الْبِشَارَةَ عَلَى الْإِنْذَارِ حَيْثُ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إِنَّا مُنَجُّوكَ ) ثُمَّ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ) وَلَمْ يُعَلِّلُوا التَّنْجِيَةَ ، فَمَا قَالُوا إِنَّا مُنَجُّوكَ لِأَنَّكَ نَبِيٌّ أَوْ عَابِدٌ ، وَعَلَّلُوا الْإِهْلَاكَ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) وَقَالُوا : بِمَا كَانُوا ، كَمَا قَالُوا هُنَاكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) أَيْ مِنَ الْقَرْيَةِ فَإِنَّ الْقَرْيَةَ مَعْلُومَةٌ وَفِيهَا الْمَاءُ الْأَسْوَدُ وَهِيَ بَيْنَ
الْقُدْسِ وَالْكَرْكِ وَفِيهَا مَسَائِلُ :
إِحْدَاهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=33955_31855_31836جَعَلَ اللَّهُ الْآيَةَ فِي نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ بِالنَّجَاةِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً ) (الْعَنْكَبُوتِ : 15 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=24فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ) (الْعَنْكَبُوتِ : 24 ) وَجَعَلَ هَهُنَا الْهَلَاكَ آيَةً فَهَلْ عِنْدَكَ فِيهِ شَيْءٌ ؟ نَقُولُ نَعَمْ ، أَمَّا
إِبْرَاهِيمُ فَلِأَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ فِي النَّجَاةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ إِهْلَاكٌ ، وَأَمَّا فِي
نُوحٍ فَلِأَنَّ الْإِنْجَاءَ مِنَ الطُّوفَانِ الَّذِي عَلَا الْجِبَالَ بِأَسْرِهَا أَمْرٌ عَجِيبٌ إِلَهِيٌّ ، وَمَا بِهِ النَّجَاةُ وَهُوَ السَّفِينَةُ كَانَ بَاقِيًا ، وَالْغَرَقُ لَمْ يَبْقَ لِمَنْ بَعْدَهُ أَثَرُهُ فَجَعَلَ الْبَاقِيَ آيَةً ، وَأَمَّا هَهُنَا فَنَجَاةُ
لُوطٍ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرٍ يَبْقَى أَثَرُهُ لِلْحِسِّ ، وَالْهَلَاكُ أَثَرُهُ مَحْسُوسٌ فِي الْبِلَادِ فَجَعَلَ الْآيَةَ الْأَمْرَ الْبَاقِيَ وَهُوَ هَهُنَا الْبِلَادُ وَهُنَاكَ السَّفِينَةُ ، وَهَهُنَا لَطِيفَةٌ : وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33679اللَّهَ تَعَالَى آيَةُ قُدْرَتِهِ مَوْجُودَةٌ فِي الْإِنْجَاءِ وَالْإِهْلَاكِ فَذَكَرَ مِنْ كُلِّ بَابٍ آيَةً وَقَدَّمَ آيَاتِ الْإِنْجَاءِ لِأَنَّهَا أَثَرُ الرَّحْمَةِ وَأَخَّرَ آيَاتِ الْإِهْلَاكِ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْغَضَبِ وَرَحْمَتُهُ سَابِقَةٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ فِي السَّفِينَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وَجَعَلْنَاهَا آيَةً ) وَلَمْ يَقُلْ : بَيِّنَةً وَقَالَ هَهُنَا آيَةً بَيِّنَةً نَقُولُ لِأَنَّ الْإِنْجَاءَ بِالسَّفِينَةِ أَمْرٌ يَتَّسِعُ لَهُ كُلُّ عَقْلٍ وَقَدْ يَقَعُ فِي وَهْمِ جَاهِلٍ أَنَّ الْإِنْجَاءَ بِالسَّفِينَةِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ ، وَأَمَّا الْآيَةُ هَهُنَا الْخَسْفُ وَجَعْلُ دِيَارٍ مَعْمُورَةٍ عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِإِرَادَةِ قَادِرٍ يُخَصِّصُهُ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ وَفِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ ، فَهِيَ بَيِّنَةٌ لَا يُمْكِنُ لِجَاهِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا أَمْرٌ يَكُونُ كَذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي السَّفِينَةِ : النَّجَاةُ بِهَا أَمْرٌ يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يُقَالَ لَهُ : فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَلَوْ دَامَ الْمَاءُ حَتَّى يَنْفَدَ زَادُهُمْ كَيْفَ كَانَ يَحْصُلُ لَهُمُ النَّجَاةُ ؟ وَلَوْ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَاصِفَةَ كَيْفَ يَكُونُ أَحْوَالُهُمْ ؟ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ هُنَاكَ لِلْعَالَمِينَ وَقَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) قُلْنَا لِأَنَّ السَّفِينَةَ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْعَالَمِ فَعِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ مِثَالٌ لِسَفِينَةِ
نُوحٍ يَتَذَكَّرُونَ بِهَا حَالَهُ ، وَإِذَا رَكِبُوهَا يَطْلُبُونَ مِنَ اللَّهِ النَّجَاةَ وَلَا يَثِقُ أَحَدٌ بِمُجَرَّدِ السَّفِينَةِ ، بَلْ يَكُونُ دَائِمًا مُرْتَجِفَ الْقَلْبِ مُتَضَرِّعًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى طَلَبًا لِلنَّجَاةِ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=33955_29494أَثَرُ الْهَلَاكِ فِي بِلَادِ لُوطٍ فَفِي مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ يَمُرُّ بِهَا وَيَصِلُ إِلَيْهَا وَيَكُونُ لَهُ عَقْلٌ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ الْمُرِيدِ ، بِسَبَبِ اخْتِصَاصِهِ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ وَوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ بَعْدَ زَمَانٍ .