(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ) .
[ فقال تعالى : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ) ] .
فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) يعني إن كان إنزال الآية شرطا فلا يشترط إلا إنزال آية ، وقد أنزل وهو القرآن فإنه معجزة ظاهرة باقية وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم ) عبارة تنبئ عن
nindex.php?page=treesubj&link=28899_31011_29568كون القرآن آية فوق الكفاية ; وذلك لأن القائل إذا قال أما يكفي للمسيء أن لا يضرب حتى يتوقع الإكرام ينبئ عن أن ترك الضرب في حقه كثير فكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب ) وهذا لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28899_31011_29568القرآن [ ص: 70 ] معجزة أتم من كل معجزة تقدمتها لوجوه :
أحدها : أن تلك المعجزات وجدت وما دامت فإن قلب العصا ثعبانا وإحياء الميت لم يبق لنا منه أثر ، فلو لم يكن واحد يؤمن بكتب الله ويكذب بوجود هذه الأشياء لا يمكن إثباتها معه بدون الكتاب ، وأما القرآن فهو باق لو أنكره واحد فنقول له فأت بآية من مثله .
الثاني : هو أن قلب العصا ثعبانا كان في مكان واحد ولم يره من لم يكن في ذلك المكان ، وأما القرآن فقد وصل إلى المشرق والمغرب وسمعه كل أحد ، وههنا لطيفة وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=25027_29568آيات النبي - عليه السلام - كانت أشياء لا تختص بمكان دون مكان ; لأن من جملتها انشقاق القمر وهو يعم الأرض ; لأن الخسوف إذا وقع عم ; وذلك لأن نبوته كانت عامة لا تختص بقطر دون قطر وغاضت
بحيرة ساوة في قطر وسقط إيوان كسرى في قطر ، وانهدت الكنيسة
بالروم في قطر آخر إعلاما بأنه يكون أمر عام .
الثالث : هو أن -غير هذه المعجزة- الكافر المعاند يقول إنه سحر عمل بدواء ، والقرآن لا يمكن هذا القول فيه .
ثم إنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51إن في ذلك لرحمة ) إشارة إلى أنا جعلناه معجزة رحمة على العباد ليعلموا بها الصادق ، وهذا لأنا بينا أن
nindex.php?page=treesubj&link=30173_31782_19495إظهار المعجزة على يد الصادق رحمة من الله ، وكان له أن لا يظهر فيبقى الخلق في ورطة تكذيب الصادق أو تصديق الكاذب ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28752_31775النبي لا يتميز عن المتنبي لولا المعجزة ، لكن الله له ذلك يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51وذكرى ) إشارة إلى أنه معجزة باقية يتذكر بها كل من يكون ما بقي الزمان .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51لقوم يؤمنون ) يعني هذه الرحمة مختصة بالمؤمنين ; لأن المعجزة كانت غضبا على الكافرين ; لأنها قطعت أعذارهم وعطلت إنكارهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ) لما ظهرت رسالته وبهرت دلالته ولم يؤمن به المعاندون من
أهل الكتاب قال كما يقول الصادق إذا كذب ، وأتى بكل ما يدل على صدقه ولم يصدق : الله يعلم صدقي وتكذيبك أيها المعاند وهو على ما أقول شهيد يحكم بيني وبينكم ، كل ذلك إنذار وتهديد يفيده تقريرا وتأكيدا ، ثم بين كونه كافيا بكونه عالما بجميع الأشياء . فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52يعلم ما في السماوات والأرض ) وههنا مسألة : وهي أن الله تعالى قال في آخر الرعد (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) [ الرعد : 43 ] فأخر شهادة
أهل الكتاب ، وفي هذه السورة قدمها حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=47فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ) [ العنكبوت : 47 ] ومن هؤلاء من يؤمن به أي من
أهل الكتاب ، فنقول : الكلام هناك مع المشركين ، فاستدل عليهم بشهادة غيرهم ، ثم إن شهادة الله أقوى في إلزامهم من شهادة غير الله ، وههنا الكلام مع
أهل الكتاب ، وشهادة المرء على نفسه هو إقراره وهو أقوى الحجج عليه فقدم ما هو ألزم عليهم .
ثم إنه تعالى لما بين الطريقين في إرشاد الفريقين المشركين
وأهل الكتاب عاد إلى الكلام الشامل لهما والإنذار العام فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ) أي الذين آمنوا بما سوى الله ; لأن ما سوى الله باطل ; لأنه هالك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] وكل ما هلك فقد بطل فكل هالك باطل
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29428وكل ما سوى الله باطل ، فمن آمن بما سوى الله فقد آمن بالباطل ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52أولئك هم الخاسرون ) يقتضي الحصر أي
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30558_30539من أتى بالإيمان بالباطل والكفر بالله [ ص: 71 ] فهو خاسر ، فمن يأتي بأحدهما دون الآخر ينبغي أن لا يكون خاسرا فنقول : يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتيا بالآخر ، أما الآتي بالإيمان بما سوى الله فلأنه أشرك بالله ، فجعل غير الله مثل غيره ، لكن غيره عاجز جاهل ممكن باطل فيكون الله كذلك ، فيكون إنكارا لله وكفرا به ، وأما من كفر به وأنكره فيكون قائلا بأن العالم ليس له إله موجد ، فوجود العالم من نفسه ، فيكون قائلا بأن العالم واجب والواجب إله ، فيكون قائلا بأن غير الله إله ، فيكون إثباتا لغير الله وإيمانا به .
المسألة الثانية : إذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=28676الإيمان بما سوى الله كفرا به ، فيكون كل من آمن بالباطل فقد كفر بالله ، فهل لهذا العطف فائدة غير التأكيد الذي هو في قول القائل قم ولا تقعد واقرب مني ولا تبعد ؟ نقول : نعم فيه فائدة غيرها ، وهو أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأول كقول القائل : أتقول بالباطل وتترك الحق لبيان أن القول باطل قبيح .
المسألة الثالثة : هل يتناول هذا
أهل الكتاب ، أي هل هم آمنوا بالباطل وكفروا بالله ؟ نقول نعم ; لأنهم لما صح عندهم أن معجزة النبي من عند الله وقطعوا بها وعاندوا وقالوا إنها من عند غير الله ، يكون كمن رأى شخصا يرمي حجارة ، فقال إن رامي الحجارة زيد يقطع بأنه قائل بأن هذا الشخص زيد حتى لو سئل عن عين ذلك الشخص وقيل له من هذا الرجل ، يقول زيد ، فكذلك هم لما قطعوا بأن مظهر المعجزة هو الله ، وقالوا بأن محمدا مظهر هذا ، يلزمهم أن يقولوا
محمد هو الله تعالى ، فيكون إيمانا بالباطل ، وإذا قالوا بأن من أظهر المعجزة ليس بإله مع أنهم قطعوا بخصوص مظهر المعجزة يكونون قائلين بأن ذلك المخصوص الذي هو الله ليس بإله ، فيكون كفرا به ، وهذا لا يرد علينا فيمن يقول : فلعل العبد مخلوق الله تعالى ، أو مخلوق العبد ، فإنه أيضا ينسب فعل الله إلى الغير ، كما أن المعجزة فعل الله ، وهم نسبوها إلى غيره ; لأن هذا القائل جهل النسبة ، كمن يرى حجارة رميت ولم ير عين راميها ، فيظن أن راميها زيد فيقول : زيد هو رامي هذه الحجارة ، ثم إذا رأى راميها بعينه ، ويكون غير زيد لا يقطع بأن يقول هو زيد ، وأما إذا رأى عينه ورميه للحجارة وقال رامي الحجارة زيد ، يقطع بأنه يقول هذا الرجل زيد ، فظهر الفرق من حيث إنهم كانوا معاندين عالمين بأن الله مظهر تلك المعجزة ، ويقولون بأنها من عند غير الله .
ثم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52هم الخاسرون ) كذلك بأتم وجوه الخسران ، وهذا لأن من يخسر رأس المال ولا تركبه ديون يطالب بها دون من يخسر رأس المال وتركبه تلك الديون ، فهم لما عبدوا غير الله أفنوا العمر ولم يحصل لهم في مقابلته شيء ما أصلا من المنافع ، واجتمع عليهم ديون ترك الواجبات يطالبون بها حيث لا طاقة لهم بها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) .
[ فَقَالَ تَعَالَى : ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) ] .
فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ) يَعْنِي إِنْ كَانَ إِنْزَالُ الْآيَةِ شَرْطًا فَلَا يُشْتَرَطُ إِلَّا إِنْزَالُ آيَةٍ ، وَقَدْ أُنْزِلَ وَهُوَ الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ بَاقِيَةٌ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ) عِبَارَةٌ تُنْبِئُ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28899_31011_29568كَوْنِ الْقُرْآنِ آيَةً فَوْقَ الْكِفَايَةِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ أَمَا يَكْفِي لِلْمُسِيءِ أَنْ لَا يُضْرَبَ حَتَّى يَتَوَقَّعَ الْإِكْرَامَ يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ تَرْكَ الضَّرْبِ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) وَهَذَا لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28899_31011_29568الْقُرْآنَ [ ص: 70 ] مُعْجِزَةٌ أَتَمُّ مِنْ كُلِّ مُعْجِزَةٍ تَقَدَّمَتْهَا لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ وُجِدَتْ وَمَا دَامَتْ فَإِنَّ قَلْبَ الْعَصَا ثُعْبَانًا وَإِحْيَاءَ الْمَيِّتِ لَمْ يَبْقَ لَنَا مِنْهُ أَثَرٌ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ يُؤْمِنُ بِكُتُبِ اللَّهِ وَيُكَذِّبُ بِوُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهَا مَعَهُ بِدُونِ الْكِتَابِ ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ بَاقٍ لَوْ أَنْكَرَهُ وَاحِدٌ فَنَقُولُ لَهُ فَأْتِ بِآيَةٍ مِنْ مِثْلِهِ .
الثَّانِي : هُوَ أَنَّ قَلْبَ الْعَصَا ثُعْبَانًا كَانَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَرَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَقَدْ وَصَلَ إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَسَمِعَهُ كُلُّ أَحَدٍ ، وَهَهُنَا لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25027_29568آيَاتِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ أَشْيَاءَ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ ; لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَهُوَ يَعُمُّ الْأَرْضَ ; لِأَنَّ الْخُسُوفَ إِذَا وَقَعَ عَمَّ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ نُبُوَّتَهُ كَانَتْ عَامَّةً لَا تَخْتَصُّ بِقُطْرٍ دُونَ قُطْرٍ وَغَاضَتْ
بُحَيْرَةُ سَاوَةَ فِي قُطْرٍ وَسَقَطَ إِيوَانُ كِسْرَى فِي قُطْرٍ ، وَانْهَدَّتِ الْكَنِيسَةُ
بِالرُّومِ فِي قُطْرٍ آخَرَ إِعْلَامًا بِأَنَّهُ يَكُونُ أَمْرٌ عَامٌّ .
الثَّالِثُ : هُوَ أَنَّ -غَيْرَ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ- الْكَافِرَ الْمُعَانِدَ يَقُولُ إِنَّهُ سِحْرٌ عُمِلَ بِدَوَاءٍ ، وَالْقُرْآنُ لَا يُمْكِنُ هَذَا الْقَوْلُ فِيهِ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّا جَعَلْنَاهُ مُعْجِزَةً رَحْمَةً عَلَى الْعِبَادِ لِيَعْلَمُوا بِهَا الصَّادِقَ ، وَهَذَا لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30173_31782_19495إِظْهَارَ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الصَّادِقِ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ ، وَكَانَ لَهُ أَنْ لَا يُظْهِرَ فَيَبْقَى الْخَلْقُ فِي وَرْطَةِ تَكْذِيبِ الصَّادِقِ أَوْ تَصْدِيقِ الْكَاذِبِ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28752_31775النَّبِيَّ لَا يَتَمَيَّزُ عَنِ الْمُتَنَبِّي لَوْلَا الْمُعْجِزَةُ ، لَكِنَّ اللَّهَ لَهُ ذَلِكَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51وَذِكْرَى ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مُعْجِزَةٌ بَاقِيَةٌ يَتَذَكَّرُ بِهَا كُلُّ مَنْ يَكُونُ مَا بَقِيَ الزَّمَانُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يَعْنِي هَذِهِ الرَّحْمَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ كَانَتْ غَضَبًا عَلَى الْكَافِرِينَ ; لِأَنَّهَا قَطَعَتْ أَعْذَارَهُمْ وَعَطَّلَتْ إِنْكَارَهُمْ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ) لَمَّا ظَهَرَتْ رِسَالَتُهُ وَبَهَرَتْ دَلَالَتُهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ الْمُعَانِدُونَ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ كَمَا يَقُولُ الصَّادِقُ إِذَا كُذِّبَ ، وَأَتَى بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ : اللَّهُ يَعْلَمُ صِدْقِي وَتَكْذِيبَكَ أَيُّهَا الْمُعَانِدُ وَهُوَ عَلَى مَا أَقُولُ شَهِيدٌ يَحْكُمُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، كُلُّ ذَلِكَ إِنْذَارٌ وَتَهْدِيدٌ يُفِيدُهُ تَقْرِيرًا وَتَأْكِيدًا ، ثُمَّ بَيَّنَ كَوْنَهُ كَافِيًا بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ . فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وَهَهُنَا مَسْأَلَةٌ : وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي آخِرِ الرَّعْدِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) [ الرَّعْدِ : 43 ] فَأَخَّرَ شَهَادَةَ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ قَدَّمَهَا حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=47فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 47 ] وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ أَيْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَنَقُولُ : الْكَلَامُ هُنَاكَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ، فَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ ، ثُمَّ إِنَّ شَهَادَةَ اللَّهِ أَقْوَى فِي إِلْزَامِهِمْ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ ، وَهَهُنَا الْكَلَامُ مَعَ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ إِقْرَارُهُ وَهُوَ أَقْوَى الْحُجَجِ عَلَيْهِ فَقَدَّمَ مَا هُوَ أَلْزَمُ عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ الطَّرِيقَيْنِ فِي إِرْشَادِ الْفَرِيقَيْنِ الْمُشْرِكِينَ
وَأَهْلِ الْكِتَابِ عَادَ إِلَى الْكَلَامِ الشَّامِلِ لَهُمَا وَالْإِنْذَارِ الْعَامِّ فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) أَيِ الَّذِينَ آمَنُوا بِمَا سِوَى اللَّهِ ; لِأَنَّ مَا سِوَى اللَّهِ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ هَالِكٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) [ الْقَصَصِ : 88 ] وَكُلُّ مَا هَلَكَ فَقَدْ بَطَلَ فَكُلُّ هَالِكٍ بَاطِلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29428وَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ بَاطِلٌ ، فَمَنْ آمَنَ بِمَا سِوَى اللَّهِ فَقَدْ آمَنَ بِالْبَاطِلِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) يَقْتَضِي الْحَصْرَ أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30558_30539مَنْ أَتَى بِالْإِيمَانِ بِالْبَاطِلِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ [ ص: 71 ] فَهُوَ خَاسِرٌ ، فَمَنْ يَأْتِي بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ خَاسِرًا فَنَقُولُ : يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْآتِي بِأَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ آتِيًا بِالْآخَرِ ، أَمَّا الْآتِي بِالْإِيمَانِ بِمَا سِوَى اللَّهِ فَلِأَنَّهُ أَشْرَكَ بِاللَّهِ ، فَجَعَلَ غَيْرَ اللَّهِ مِثْلَ غَيْرِهِ ، لَكِنَّ غَيْرَهُ عَاجِزٌ جَاهِلٌ مُمْكِنٌ بَاطِلٌ فَيَكُونُ اللَّهُ كَذَلِكَ ، فَيَكُونُ إِنْكَارًا لِلَّهِ وَكُفْرًا بِهِ ، وَأَمَّا مَنْ كَفَرَ بِهِ وَأَنْكَرَهُ فَيَكُونُ قَائِلًا بِأَنَّ الْعَالَمَ لَيْسَ لَهُ إِلَهٌ مُوجِدٌ ، فَوُجُودُ الْعَالَمِ مِنْ نَفْسِهِ ، فَيَكُونُ قَائِلًا بِأَنَّ الْعَالَمَ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ إِلَهٌ ، فَيَكُونُ قَائِلًا بِأَنَّ غَيْرَ اللَّهِ إِلَهٌ ، فَيَكُونُ إِثْبَاتًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَإِيمَانًا بِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28676الْإِيمَانُ بِمَا سِوَى اللَّهِ كُفْرًا بِهِ ، فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِالْبَاطِلِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، فَهَلْ لِهَذَا الْعَطْفِ فَائِدَةٌ غَيْرُ التَّأْكِيدِ الَّذِي هُوَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ قُمْ وَلَا تَقْعُدْ وَاقْرُبْ مِنِّي وَلَا تَبْعُدْ ؟ نَقُولُ : نَعَمْ فِيهِ فَائِدَةٌ غَيْرُهَا ، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ الثَّانِيَ لِبَيَانِ قُبْحِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : أَتَقُولُ بِالْبَاطِلِ وَتَتْرُكُ الْحَقَّ لِبَيَانِ أَنَّ الْقَوْلَ بَاطِلٌ قَبِيحٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَلْ يَتَنَاوَلُ هَذَا
أَهْلَ الْكِتَابِ ، أَيْ هَلْ هُمْ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ ؟ نَقُولُ نَعَمْ ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا صَحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ مُعْجِزَةَ النَّبِيِّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَقَطَعُوا بِهَا وَعَانَدُوا وَقَالُوا إِنَّهَا مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ، يَكُونُ كَمَنْ رَأَى شَخْصًا يَرْمِي حِجَارَةً ، فَقَالَ إِنَّ رَامِيَ الْحِجَارَةِ زِيدٌ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ زِيدٌ حَتَّى لَوْ سُئِلَ عَنْ عَيْنِ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَقِيلَ لَهُ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ ، يَقُولُ زَيْدٌ ، فَكَذَلِكَ هُمْ لَمَّا قَطَعُوا بِأَنَّ مُظْهِرَ الْمُعْجِزَةِ هُوَ اللَّهُ ، وَقَالُوا بِأَنَّ مُحَمَّدًا مُظْهِرُ هَذَا ، يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا
مُحَمَّدٌ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَيَكُونُ إِيمَانًا بِالْبَاطِلِ ، وَإِذَا قَالُوا بِأَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ لَيْسَ بِإِلَهٍ مَعَ أَنَّهُمْ قَطَعُوا بِخُصُوصِ مُظْهِرِ الْمُعْجِزَةِ يَكُونُونَ قَائِلِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَخْصُوصَ الَّذِي هُوَ اللَّهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ ، فَيَكُونُ كُفْرًا بِهِ ، وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا فِيمَنْ يَقُولُ : فَلَعَلَّ الْعَبْدَ مَخْلُوقُ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ مَخْلُوقُ الْعَبْدِ ، فَإِنَّهُ أَيْضًا يَنْسُبُ فِعْلَ اللَّهِ إِلَى الْغَيْرِ ، كَمَا أَنَّ الْمُعْجِزَةَ فِعْلُ اللَّهِ ، وَهُمْ نَسَبُوهَا إِلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ جَهِلَ النِّسْبَةَ ، كَمَنْ يَرَى حِجَارَةً رُمِيَتْ وَلَمْ يَرَ عَيْنَ رَامِيهَا ، فَيَظُنُّ أَنَّ رَامِيَهَا زَيْدٌ فَيَقُولُ : زَيْدٌ هُوَ رَامِي هَذِهِ الْحِجَارَةِ ، ثُمَّ إِذَا رَأَى رَامِيَهَا بِعَيْنِهِ ، وَيَكُونُ غَيْرَ زَيْدٍ لَا يَقْطَعُ بِأَنْ يَقُولَ هُوَ زَيْدٌ ، وَأَمَّا إِذَا رَأَى عَيْنَهُ وَرَمْيَهُ لِلْحِجَارَةِ وَقَالَ رَامِي الْحِجَارَةِ زَيْدٌ ، يَقْطَعُ بِأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ زَيْدٌ ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ كَانُوا مُعَانِدِينَ عَالِمِينَ بِأَنَّ اللَّهَ مُظْهِرُ تِلْكَ الْمُعْجِزَةِ ، وَيَقُولُونَ بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ .
ثُمَّ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=52هُمُ الْخَاسِرُونَ ) كَذَلِكَ بِأَتَمِّ وُجُوهِ الْخُسْرَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ يَخْسَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَلَا تَرْكَبُهُ دُيُونٌ يُطَالَبُ بِهَا دُونَ مَنْ يَخْسَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَتَرْكَبُهُ تِلْكَ الدُّيُونُ ، فَهُمْ لَمَّا عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ أَفْنَوُا الْعُمْرَ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مَا أَصْلًا مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ دُيُونُ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ يُطَالَبُونَ بِهَا حَيْثُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهَا .