[ ص: 97 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
لما بين الله خلق الإنسان بين أنه لما خلق الإنسان ، ولم يكن من الأشياء التي تبقى وتدوم سنين متطاولة أبقى نوعه بالأشخاص وجعله بحيث يتوالد ، فإذا مات الأب يقوم الابن مقامه لئلا يوجب فقد الواحد ثلمة في العمارة لا تنسد ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21خلق لكم ) دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خلق لكم ما في الأرض ) [ البقرة : 29 ] وهذا يقتضي أن لا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف ، فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32412_10800خلق النساء من النعم علينا وخلقهن لنا وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى ، أما النقل فهذا وغيره ، وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها ، وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة فشابهت الصبي ، لكن الصبي لم يكلف فكان يناسب أن لا تؤهل المرأة للتكليف ، لكن النعمة علينا ما كانت تتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم ، ولولا ذلك لظهر الفساد .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21من أنفسكم ) بعضهم قال : المراد منه أن
حواء خلقت من جسم
آدم ، والصحيح أن المراد منه من جنسكم كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) [ التوبة : 128 ] ويدل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21لتسكنوا إليها ) يعني أن الجنسين الحيين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر أي لا تثبت نفسه معه ولا يميل قلبه إليه .
المسألة الثالثة : يقال سكن إليه للسكون القلبي ، ويقال سكن عنده للسكون الجسماني ; لأن كلمة عند جاءت لظرف المكان ، وذلك للأجسام وإلى للغاية وهي للقلوب .
المسألة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وجعل بينكم مودة ورحمة ) فيه أقوال ، قال بعضهم : مودة بالمجامعة ورحمة بالولد تمسكا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذكر رحمة ربك عبده زكريا ) [ مريم : 2 ] وقال بعضهم : محبة حالة حاجة نفسه ، ورحمة حالة حاجة صاحبه إليه ، وهذا لأن الإنسان يحب مثلا ولده ، فإذا رأى عدوه في شدة من جوع وألم قد يأخذ من ولده ويصلح به حال ذلك ، وما ذلك لسبب المحبة ، وإنما هو لسبب الرحمة ، ويمكن أن يقال ذكر من قبل أمرين :
أحدهما : كون الزوج من جنسه .
والثاني : ما تفضي إليه الجنسية وهو السكون إليه ، فالجنسية توجب السكون ، وذكر هاهنا أمرين :
أحدهما : يفضي إلى الآخر ، فالمودة تكون أولا ثم إنها تفضي إلى الرحمة ، ولهذا فإن الزوجة قد تخرج عن محل الشهوة بكبر أو مرض ويبقى قيام الزوج بها وبالعكس ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21إن في ذلك ) يحتمل أن يقال : المراد إن في خلق الأزواج لآيات ، ويحتمل أن يقال في جعل المودة بينهم آيات .
أما الأول : فلا بد له من فكر ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19791_28783خلق الإنسان من الوالدين يدل على كمال القدرة ونفوذ الإرادة وشمول العلم لمن
[ ص: 98 ] يتفكر ولو في خروج الولد من بطن الأم ، فإن دون ذلك لو كان من غير الله لأفضى إلى هلاك الأم وهلاك الولد أيضا ; لأن الولد لو سل من موضع ضيق بغير إعانة الله لمات .
وأما الثاني : فكذلك ; لأن الإنسان يجد بين القرينين من التراحم ما لا يجده بين ذوي الأرحام ، وليس ذلك بمجرد الشهوة فإنها قد تنتفي وتبقى الرحمة ، فهو من الله ولو كان بينهما مجرد الشهوة , والغضب كثير الوقوع وهو مبطل للشهوة ، والشهوة غير دائمة في نفسها لكان كل ساعة بينهما فراق وطلاق ، فالرحمة التي بها يدفع الإنسان المكاره عن حريم حرمه هي من عند الله ولا يعلم ذلك إلا بفكر .
[ ص: 97 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ خَلْقَ الْإِنْسَانِ بَيَّنَ أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ الْإِنْسَانَ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَبْقَى وَتَدُومُ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةً أَبْقَى نَوْعَهُ بِالْأَشْخَاصِ وَجَعَلَهُ بِحَيْثُ يَتَوَالَدُ ، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ يَقُومُ الِابْنُ مَقَامَهُ لِئَلَّا يُوجِبَ فَقْدُ الْوَاحِدِ ثُلْمَةً فِي الْعِمَارَةِ لَا تَنْسَدُّ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21خَلَقَ لَكُمْ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ خُلِقْنَ كَخَلْقِ الدَّوَابِّ وَالنَّبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ) [ الْبَقَرَةِ : 29 ] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِلْعِبَادَةِ وَالتَّكْلِيفِ ، فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32412_10800خَلْقُ النِّسَاءِ مِنَ النِّعَمِ عَلَيْنَا وَخَلْقُهُنَّ لَنَا وَتَكْلِيفُهُنَّ لِإِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيْنَا لَا لِتَوْجِيهِ التَّكْلِيفِ نَحْوَهُنَّ مِثْلُ تَوْجِيهِهِ إِلَيْنَا وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ وَالْحُكْمِ وَالْمَعْنَى ، أَمَّا النَّقْلُ فَهَذَا وَغَيْرُهُ ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُكَلَّفْ بِتَكَالِيفٍ كَثِيرَةٍ كَمَا كُلِّفَ الرَّجُلُ بِهَا ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ ضَعِيفَةُ الْخَلْقِ سَخِيفَةٌ فَشَابَهَتِ الصَّبِيَّ ، لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَمْ يُكَلَّفْ فَكَانَ يُنَاسِبُ أَنْ لَا تُؤَهَّلَ الْمَرْأَةُ لِلتَّكْلِيفِ ، لَكِنَّ النِّعْمَةَ عَلَيْنَا مَا كَانَتْ تَتِمُّ إِلَّا بِتَكْلِيفِهِنَّ لِتَخَافَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ الْعَذَابَ فَتَنْقَادُ لِلزَّوْجِ وَتَمْتَنِعُ عَنِ الْمُحَرَّمِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) بَعْضُهُمْ قَالَ : الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ
حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ جِسْمِ
آدَمَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِكُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) [ التَّوْبَةِ : 128 ] وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ) يَعْنِي أَنَّ الْجِنْسَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ لَا يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ أَيْ لَا تَثْبُتُ نَفْسُهُ مَعَهُ وَلَا يَمِيلُ قَلْبُهُ إِلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : يُقَالُ سَكَنَ إِلَيْهِ لِلسُّكُونِ الْقَلْبِيِّ ، وَيُقَالُ سَكَنَ عِنْدَهُ لِلسُّكُونِ الْجُسْمَانِيِّ ; لِأَنَّ كَلِمَةَ عِنْدَ جَاءَتْ لِظَرْفِ الْمَكَانِ ، وَذَلِكَ لِلْأَجْسَامِ وَإِلَى لِلْغَايَةِ وَهِيَ لِلْقُلُوبِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) فِيهِ أَقْوَالٌ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : مَوَدَّةٌ بِالْمُجَامَعَةِ وَرَحْمَةٌ بِالْوَلَدِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ) [ مَرْيَمَ : 2 ] وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَحَبَّةً حَالَةَ حَاجَةِ نَفْسِهِ ، وَرَحْمَةً حَالَةَ حَاجَةِ صَاحِبِهِ إِلَيْهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحِبُّ مَثَلًا وَلَدَهُ ، فَإِذَا رَأَى عَدُوَّهُ فِي شِدَّةِ مِنْ جُوعٍ وَأَلَمٍ قَدْ يَأْخُذُ مِنْ وَلَدِهِ وَيُصْلِحُ بِهِ حَالَ ذَلِكَ ، وَمَا ذَلِكَ لِسَبَبِ الْمَحَبَّةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِسَبَبِ الرَّحْمَةِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : كَوْنُ الزَّوْجُ مِنْ جِنْسِهِ .
وَالثَّانِي : مَا تُفْضِي إِلَيْهِ الْجِنْسِيَّةُ وَهُوَ السُّكُونُ إِلَيْهِ ، فَالْجِنْسِيَّةُ تُوجِبُ السُّكُونَ ، وَذَكَرَ هَاهُنَا أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : يُفْضِي إِلَى الْآخَرِ ، فَالْمَوَدَّةُ تَكُونُ أَوَّلًا ثُمَّ إِنَّهَا تُفْضِي إِلَى الرَّحْمَةِ ، وَلِهَذَا فَإِنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ تَخْرُجُ عَنْ مَحَلِّ الشَّهْوَةِ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَيَبْقَى قِيَامُ الزَّوْجِ بِهَا وَبِالْعَكْسِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21إِنَّ فِي ذَلِكَ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ إِنَّ فِي خَلْقِ الْأَزْوَاجِ لَآيَاتٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي جَعْلِ الْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمْ آيَاتٌ .
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِكْرٍ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19791_28783خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنَ الْوَالِدَيْنِ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَنُفُوذِ الْإِرَادَةِ وَشُمُولِ الْعِلْمِ لِمَنْ
[ ص: 98 ] يَتَفَكَّرُ وَلَوْ فِي خُرُوجِ الْوَلَدِ مِنْ بَطْنِ الْأُمِّ ، فَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ لَأَفْضَى إِلَى هَلَاكِ الْأُمِّ وَهَلَاكِ الْوَلَدِ أَيْضًا ; لَأَنَّ الْوَلَدَ لَوْ سُلَّ مِنْ مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ بِغَيْرِ إِعَانَةِ اللَّهِ لَمَاتَ .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِدُ بَيْنَ الْقَرِينَيْنِ مِنَ التَّرَاحُمِ مَا لَا يَجِدُهُ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الشَّهْوَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَنْتَفِي وَتَبْقَى الرَّحْمَةُ ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُجَرَّدُ الشَّهْوَةِ , وَالْغَضَبُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلشَّهْوَةِ ، وَالشَّهْوَةُ غَيْرُ دَائِمَةٍ فِي نَفْسِهَا لَكَانَ كُلَّ سَاعَةٍ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ وَطَلَاقٌ ، فَالرَّحْمَةُ الَّتِي بِهَا يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ الْمَكَارِهَ عَنْ حَرِيمِ حَرَمِهِ هِيَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا بِفِكْرٍ .