(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون )
[ ص: 99 ] لما ذكر بعض العرضيات اللازمة وهو اختلاف ذكر الأعراض المفارقة ومن جملتها النوم بالليل , والحركة طلبا للرزق بالنهار ، فذكر من اللوازم أمرين ، ومن المفارقة أمرين ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23منامكم بالليل والنهار ) قيل أراد به النوم بالليل والنوم بالنهار وهي القيلولة : ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23وابتغاؤكم ) أي فيهما فإن كثيرا ما يكتسب الإنسان بالليل ، وقيل أراد : منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار ، فلف البعض بالبعض ، ويدل عليه آيات أخر . منها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا ) [ الإسراء : 12 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=10وجعلنا الليل لباسا nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=11وجعلنا النهار معاشا ) [ النبأ : 10 - 11] ويكون التقدير هكذا :
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32412ومن آياته منامكم وابتغاؤكم بالليل والنهار من فضله ، فأخر الابتغاء وقرنه في اللفظ بالفعل إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من كسبه وبحذقه ، بل يرى كل ذلك من فضل ربه ، ولهذا قرن الابتغاء بالفضل في كثير من المواضع ، منها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) [ الجمعة : 10 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14ولتبتغوا من فضله ) [ النحل : 14 ] .
المسألة الثالثة : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23لآيات لقوم يسمعون ) وقال من قبل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21لقوم يتفكرون ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=22للعالمين ) فنقول : المنام بالليل والابتغاء من فضله يظن الجاهل أو الغافل أنهما مما يقتضيه طبع الحيوان ، فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله ، فلم يقل : آيات للعالمين ، ولأن الأمرين الأولين وهو اختلاف الألسنة والألوان من اللوازم ، والمنام والابتغاء من الأمور المفارقة ، فالنظر إليهما لا يدوم لزوالهما في بعض الأوقات ولا كذلك اختلاف الألسنة والألوان ; فإنهما يدومان بدوام الإنسان ، فجعلهما آيات عامة ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21لقوم يتفكرون ) فاعلم أن من الأشياء ما يعلم من غير تفكر ، ومنها ما يكفي فيه مجرد الفكرة ، ومنها ما لا يخرج بالفكر بل يحتاج إلى موقف يوقف عليه ومرشد يرشد إليه ، فيفهمه إذا سمعه من ذلك المرشد ، ومنها ما يحتاج إلى بعض الناس في تفهمه إلى أمثلة حسية كالأشكال الهندسية ، لكن خلق الأزواج لا يقع لأحد أنه بالطبع ، إلا إذا كان جامد الفكر ، خامد الذكر ، فإذا تفكر علم كون ذلك الخلق آية ، وأما المنام والابتغاء فقد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد ، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23لقوم يسمعون ) ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ )
[ ص: 99 ] لَمَّا ذَكَرَ بَعْضَ الْعَرَضِيَّاتِ اللَّازِمَةِ وَهُوَ اخْتِلَافُ ذِكْرِ الْأَعْرَاضِ الْمُفَارِقَةِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا النَّوْمُ بِاللَّيْلِ , وَالْحَرَكَةُ طَلَبًا لِلرِّزْقِ بِالنَّهَارِ ، فَذَكَرَ مِنَ اللَّوَازِمِ أَمْرَيْنِ ، وَمِنَ الْمُفَارَقَةِ أَمْرَيْنِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّوْمَ بِالنَّهَارِ وَهِيَ الْقَيْلُولَةُ : ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23وَابْتِغَاؤُكُمْ ) أَيْ فِيهِمَا فَإِنَّ كَثِيرًا مَا يَكْتَسِبُ الْإِنْسَانُ بِاللَّيْلِ ، وَقِيلَ أَرَادَ : مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَابْتِغَاؤُكُمْ بِالنَّهَارِ ، فَلَفَّ الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ . مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 12 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=10وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=11وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ) [ النَّبَأِ : 10 - 11] وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هَكَذَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32412وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ وَابْتِغَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ فَضْلِهِ ، فَأَخَّرَ الِابْتِغَاءَ وَقَرَنَهُ فِي اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرَى الرِّزْقَ مِنْ كَسْبِهِ وَبِحِذْقِهِ ، بَلْ يَرَى كُلَّ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ رَبِّهِ ، وَلِهَذَا قَرَنَ الِابْتِغَاءَ بِالْفَضْلِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=10فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) [ الْجُمُعَةِ : 10 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ) [ النَّحْلِ : 14 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) وَقَالَ مِنْ قَبْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=22لِلْعَالِمِينَ ) فَنَقُولُ : الْمَنَامُ بِاللَّيْلِ وَالِابْتِغَاءُ مِنْ فَضْلِهِ يَظُنُّ الْجَاهِلُ أَوِ الْغَافِلُ أَنَّهُمَا مِمَّا يَقْتَضِيهِ طَبْعُ الْحَيَوَانِ ، فَلَا يَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ كَوْنُهُمَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ ، فَلَمْ يَقُلْ : آيَاتٌ لِلْعَالَمِينَ ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ مِنَ اللَّوَازِمِ ، وَالْمَنَامُ وَالِابْتِغَاءُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُفَارِقَةِ ، فَالنَّظَرُ إِلَيْهِمَا لَا يَدُومُ لِزَوَالِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَلَا كَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ ; فَإِنَّهُمَا يَدُومَانِ بِدَوَامِ الْإِنْسَانِ ، فَجَعَلَهُمَا آيَاتٍ عَامَّةً ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) فَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ ، وَمِنْهَا مَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْفِكْرَةِ ، وَمِنْهَا مَا لَا يَخْرُجُ بِالْفِكْرِ بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى مَوْقِفٍ يُوقَفُ عَلَيْهِ وَمُرْشِدٍ يُرْشِدُ إِلَيْهِ ، فَيُفْهِمُهُ إِذَا سَمِعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمُرْشِدِ ، وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى بَعْضِ النَّاسِ فِي تَفَهُّمِهِ إِلَى أَمْثِلَةٍ حِسِّيَّةٍ كَالْأَشْكَالِ الْهَنْدَسِيَّةِ ، لَكِنَّ خَلْقَ الْأَزْوَاجِ لَا يَقَعُ لِأَحَدٍ أَنَّهُ بِالطَّبْعِ ، إِلَّا إِذَا كَانَ جَامِدَ الْفِكْرِ ، خَامِدَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا تَفَكَّرَ عَلِمَ كَوْنَ ذَلِكَ الْخَلْقِ آيَةً ، وَأَمَّا الْمَنَامُ وَالِابْتِغَاءُ فَقَدْ يَقَعُ لِكَثِيرٍ أَنَّهُمَا مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إِلَى مُرْشِدٍ بِغَيْرِ فِكْرَةٍ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=23لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) وَيَجْعَلُونَ بَالَهُمْ إِلَى كَلَامِ الْمُرْشِدِ .