المسألة الخامسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38ذلك خير ) يمكن أن يكون معناه ذلك خير من غيره ، ويمكن أن يقال ذلك خير في نفسه ، وإن لم يقس إلى غيره لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=77وافعلوا الخير ) [ الحج : 77 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فاستبقوا الخيرات ) [ البقرة : 148 ] والثاني أولى لعدم احتياجه إلى إضمار ، ولكونه أكثر فائدة ; لأن الخير من الغير قد يكون نازل الدرجة ، عند نزول درجة ما يقاس إليه ، كما يقال : السكوت خير من الكذب ، وما هو خير في نفسه فهو حسن ينفع وفعل صالح يرفع .
المسألة السادسة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38للذين يريدون وجه الله ) إشارة إلى أن الاعتبار بالقصد لا بنفس الفعل ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=19263_18714_18710من أنفق جميع أمواله رياء الناس لا ينال درجة من يتصدق برغيف لله ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38وجه الله ) أي يكون عطاؤه لله لا غير ، فمن أعطى للجنة لم يرد به وجه الله ، وإنما أراد مخلوق الله .
المسألة السابعة : كيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38وأولئك هم المفلحون ) مع أن للإفلاح شرائط أخر ، وهي المذكورة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون ) [ المؤمنون : 1 ] فنقول : كل وصف مذكور هناك يفيد الإفلاح ، فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=4والذين هم للزكاة فاعلون ) [ المؤمنون : 4 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=8والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) [ المؤمنون : 8 ] إلى غير ذلك عطف على المفلح ، أي هذا مفلح ، وذاك مفلح ، وذاك الآخر مفلح ، لا يقال لا يحصل الإفلاح لمن يتصدق ولا يصلي ، فنقول : هذا كقول القائل : العالم مكرم ، أي نظرا إلى علمه ، ثم إذا حد في الزنا على سبيل النكال ، وقطعت يده في السرقة لا يبطل ذلك القول حتى يقول القائل : إنما ذلك ; لأنه أتى بالفسق ، فكذلك إيتاء المال لوجه الله يفيد الإفلاح ، اللهم إلا إذا وجد مانع من ارتكاب محظور أو ترك واجب .
المسألة الثامنة : لم لم يذكر غيره من الأفعال كالصلاة وغيرها ؟ فنقول : الصلاة مذكورة من قبل ; لأن الخطاب هاهنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38فآت ) مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره تبع ، وقد قال له من قبل (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم وجهك للدين حنيفا ) وقال :
[ ص: 111 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ) .
المسألة التاسعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38وأولئك هم المفلحون ) يفهم منه الحصر ، وقد قال في أول سورة البقرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38وأولئك هم المفلحون ) إشارة إلى من أقام الصلاة وآتى الزكاة ، وآمن بما أنزل على رسوله ، وبما أنزل من قبله وبالآخرة ، فلو كان المفلح منحصرا في أولئك المذكورين في سورة البقرة فهذا خارج عنهم ، فكيف يكون مفلحا ؟ فنقول : هذا هو ذاك ; لأنا بينا أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم وجهك للدين ) متصل بهذا الكلام فإذا أتى بالصلاة وآتى المال وأراد وجه الله ، فقد ثبت أنه مؤمن مقيم للصلاة مؤت للزكاة معترف بالآخرة فصار مثل المذكور في البقرة .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38ذَلِكَ خَيْرٌ ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُقَسْ إِلَى غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=77وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) [ الْحَجِّ : 77 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) [ الْبَقَرَةِ : 148 ] وَالثَّانِي أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى إِضْمَارٍ ، وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ فَائِدَةً ; لِأَنَّ الْخَيْرَ مِنَ الْغَيْرِ قَدْ يَكُونُ نَازِلَ الدَّرَجَةِ ، عِنْدَ نُزُولِ دَرَجَةٍ مَا يُقَاسُ إِلَيْهِ ، كَمَا يُقَالُ : السُّكُوتُ خَيْرٌ مِنَ الْكَذِبِ ، وَمَا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ حَسَنٌ يَنْفَعُ وَفِعْلٌ صَالِحٌ يَرْفَعُ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقَصْدِ لَا بِنَفْسِ الْفِعْلِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19263_18714_18710مَنْ أَنْفَقَ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ رِيَاءَ النَّاسِ لَا يَنَالُ دَرَجَةَ مَنْ يَتَصَدَّقُ بِرَغِيفٍ لِلَّهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38وَجْهَ اللَّهِ ) أَيْ يَكُونُ عَطَاؤُهُ لِلَّهِ لَا غَيْرَ ، فَمَنْ أَعْطَى لِلْجَنَّةِ لَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَخْلُوقَ اللَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : كَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) مَعَ أَنَّ لِلْإِفْلَاحِ شَرَائِطَ أُخَرَ ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 1 ] فَنَقُولُ : كُلُّ وَصْفٍ مَذْكُورٍ هُنَاكَ يُفِيدُ الْإِفْلَاحَ ، فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=4وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 4 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=8وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 8 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَطْفٌ عَلَى الْمُفْلِحِ ، أَيْ هَذَا مُفْلِحٌ ، وَذَاكَ مُفْلِحٌ ، وَذَاكَ الْآخَرُ مُفْلِحٌ ، لَا يُقَالُ لَا يَحْصُلُ الْإِفْلَاحُ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ وَلَا يُصَلِّي ، فَنَقُولُ : هَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ : الْعَالِمُ مُكَرَّمٌ ، أَيْ نَظَرًا إِلَى عِلْمِهِ ، ثُمَّ إِذَا حُدَّ فِي الزِّنَا عَلَى سَبِيلِ النَّكَالِ ، وَقُطِعَتْ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْقَوْلُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ : إِنَّمَا ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَتَى بِالْفِسْقِ ، فَكَذَلِكَ إِيتَاءُ الْمَالِ لِوَجْهِ اللَّهِ يُفِيدُ الْإِفْلَاحَ ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا وُجِدَ مَانِعٌ مِنَ ارْتِكَابٍ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : لِمَ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ؟ فَنَقُولُ : الصَّلَاةُ مَذْكُورَةٌ مِنْ قَبْلُ ; لِأَنَّ الْخِطَابَ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38فَآتِ ) مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُ تَبَعٌ ، وَقَدْ قَالَ لَهُ مِنْ قَبْلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) وَقَالَ :
[ ص: 111 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=31مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) يُفْهَمُ مِنْهُ الْحَصْرُ ، وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=38وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ، وَآمَنَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِهِ ، وَبِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِهِ وَبِالْآخِرَةِ ، فَلَوْ كَانَ الْمُفْلِحُ مُنْحَصِرًا فِي أُولَئِكَ الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَهَذَا خَارِجٌ عَنْهُمْ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُفْلِحًا ؟ فَنَقُولُ : هَذَا هُوَ ذَاكَ ; لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ) مُتَّصِلٌ بِهَذَا الْكَلَامِ فَإِذَا أَتَى بِالصَّلَاةِ وَآتَى الْمَالَ وَأَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُقِيمٌ لِلصَّلَاةِ مُؤْتٍ لِلزَّكَاةِ مُعْتَرِفٌ بِالْآخِرَةِ فَصَارَ مِثْلَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَقَرَةِ .