( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين    ) 
ثم قال تعالى : ( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين    ) 
ذكر زيادة تفصيل لما يمهده المؤمن لفعله الخير وعمله الصالح ، وهو الجزاء الذي يجازيه به الله ، والملك إذا كان كبيرا كريما ، ووعد عبدا من عباده بأني أجازيك يصل إليه منه أكثر مما يتوقعه ثم أكده بقوله : ( من فضله    ) يعني أنا المجازي فكيف يكون الجزاء ، ثم إني لا أجازيك من العدل وإنما أجازيك من الفضل فيزداد الرجاء ، ثم قال تعالى : ( إنه لا يحب الكافرين    ) أوعدهم بوعيد ولم يفصله لما بينا ، وإن كان عند المحقق هذا الإجمال فيه كالتفصيل ، فإن عدم المحبة من الله غاية العذاب  ، وافهم ذلك ممن يكون له معشوق فإنه إذا أخبر العاشق بأنه وعدك بالدراهم والدنانير كيف تكون مسرته ، وإذا قيل له إنه قال : إني أحب فلانا كيف يكون سروره . 
وفيه لطيفة وهي أن الله عندما أسند الكفر والإيمان إلى العبد قدم الكافر  فقال : ( من كفر فعليه كفره    ) وعندما أسند الجزاء إلى نفسه قدم المؤمن فقال : ( ليجزي الذين آمنوا    ) ثم قال تعالى : ( إنه لا يحب الكافرين    ) ; لأن قوله ( من كفر    ) في الحقيقة لمنع الكافر عن الكفر بالوعيد ونهيه عن فعله بالتهديد ، وقوله : ( ومن عمل صالحا    ) لتحريض المؤمن ، فالنهي كالإيعاد والتحريض للتقرير ، والإيعاد مقدم عند الحكيم الرحيم ، وأما عندما ذكر الجزاء بدأ بالإحسان إظهارا للكرم والرحمة ، فإن قال قائل : هذا إنما يصح أن لو كان الذكر في كل موضع كذلك ، وليس كذلك ، فإن الله في كثير من المواضع قدم إيمان المؤمن على كفر الكافر ، وقدم التعذيب على الإثابة ، فنقول إن كان الله يوفقنا لبيان ذلك نبين ما اقتضى تقديمه ، ونحن نقول بأن كل كلمة وردت في القرآن فهي لمعنى ، وكل ترتيب وجد فهو لحكمة  ، وما ذكر على خلافه لا يكون في درجة ما ورد به القرآن ، فلنبين من جملته مثالا وهو قوله تعالى : ( يومئذ يتفرقون    ) [ الروم : 14] ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة    ) [ الروم : 15] قدم المؤمن على الكافر ، وهاهنا ذكر مثل ذلك المعنى في قوله : ( يومئذ يصدعون    ) أي يتفرقون ، فقدم الكافر على المؤمن ، فنقول هناك أيضا قدم الكافر في الذكر ; لأنه قال من قبل : ( ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون    ) [ الروم : 12 ] فذكر الكافر وإبلاسه ، ثم قال تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون    ) فكان ذكر المؤمن وحده لا بد منه ليبين كيفية التفرق بمجموع قوله : ( يبلس المجرمون    ) ، وقوله في حق المؤمن : ( في روضة يحبرون    ) [ الروم : 15] لكن الله تعالى أعاد ذكر المجرمين مرة أخرى للتفصيل فقال : ( وأما الذين كفروا    ) . 
				
						
						
