(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون )
لما بين أنهم عند توقف الخير يكونون مبلسين آيسين ، وعند ظهوره يكونون مستبشرين ، بين أن تلك الحالة أيضا لا يدومون عليها ، بل لو أصاب زرعهم ريح مصفر لكفروا فهم منقلبون غير ثابتين لنظرهم إلى الحال لا إلى المآل ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال في الآية الأولى (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48يرسل الرياح ) على طريقة الإخبار عن الإرسال ، وقال هاهنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51ولئن أرسلنا ) لا على طريقة الإخبار عن الإرسال ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=31758الرياح من رحمته وهي متواترة ،
nindex.php?page=treesubj&link=31758والريح من عذابه [ ص: 118 ] وهو تعالى رءوف بالعباد يمسكها ، ولذلك نرى الرياح النافعة تهب في الليالي والأيام في البراري والآكام ، وريح السموم لا تهب إلا في بعض الأزمنة وفي بعض الأمكنة .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=31758سمى النافعة رياحا والضارة ريحا لوجوه .
أحدها : النافعة كثيرة الأنواع كثيرة الأفراد فجمعها ، فإن كل يوم وليلة تهب نفحات من الرياح النافعة ، ولا تهب الريح الضارة في أعوام ، بل الضارة في الغالب لا تهب في الدهور .
الثاني : هو أن النافعة لا تكون إلا رياحا ، فإن ما يهب مرة واحدة لا يصلح الهواء ولا ينشئ السحاب ولا يجري السفن ، وأما الضارة بنفحة واحدة تقتل كريح السموم .
الثالث : هو أن
nindex.php?page=treesubj&link=31758_33930الريح المضرة إما أن تضر بكيفيتها أو بكميتها ، أما الكيفية فهي إذا كانت حارة أو متكيفة بكيفية سم ، وهذا لا يكون للريح في هبوبها وإنما يكون بسبب أن الهواء الساكن في بقعة فيها حشائش رديئة أو في موضع غائر وهو حار جدا ، أو تكون متكونة في أول تكونها كذلك ، وكيفما كان فتكون واحدة ; لأن ذلك الهواء الساكن إذا سخن ثم ورد عليه ريح تحركه وتخرجه من ذلك المكان فتهب على مواضع كاللهيب ، ثم ما يخرج بعد ذلك من ذلك المكان لا يكون حارا ولا متكيفا ; لأن المكث الطويل شرط التكيف ، ألا ترى أنك لو أدخلت إصبعك في نار ، وأخرجتها بسرعة لا تتأثر ، والحديد إذا مكث فيها يذوب ، فإذا تحرك ذلك الساكن وتفرق لا يوجد في ذلك الوقت غيره من جنسه ، وأما المتولدة كذلك فنادرة ، وموضع ندرتها واحد . وأما الكمية فالرياح إذا اجتمعت وصارت واحدة صارت كالخلجان ، ومياه العيون إذا اجتمعت تصير نهرا عظيما لا تسده السدود ، ولا يرده الجلمود ، ولا شك أن في ذلك تكون واحدة مجتمعة من كثير ، فلهذا قال في المضرة ريح وفي النافعة رياح .
ثم إنه تعالى لما
nindex.php?page=treesubj&link=31033_31042_29761علم رسوله أنواع الأدلة وأصناف الأمثلة ووعد وأوعد ولم يزدهم دعاؤه إلا فرارا ، وإنباؤه إلا كفرا وإصرارا ، قال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في الترتيب ، فنقول : إرشاد الميت محال ، والمحال أبعد من الممكن ، ثم إرشاد الأصم صعب ؛ فإنه لا يسمع الكلام وإنما يفهم ما يفهمه بالإشارة لا غير ، والإفهام بالإشارة صعب ، ثم إرشاد الأعمى أيضا صعب ، فإنك إذا قلت له الطريق على يمينك يدور إلى يمينه ، لكنه لا يبقى عليه بل يحيد عن قريب ، وإرشاد الأصم أصعب ، فلهذا تكون المعاشرة مع الأعمى أسهل من المعاشرة مع الأصم الذي لا يسمع شيئا ; لأن غاية الإفهام بالكلام ، فإن ما لا يفهم بالإشارة يفهم بالكلام وليس كل ما يفهم بالكلام يفهم بالإشارة ، فإن المعدوم والغائب لا إشارة إليهما ، فقال أولا لا تسمع الموتى ، ثم قال ولا الأصم ولا تهدي الأعمى الذي دون الأصم .
المسألة الثانية : قال في الصم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52إذا ولوا مدبرين ) ليكون أدخل في الامتناع ، وذلك لأن الأصم وإن كان يفهم فإنما يفهم بالإشارة ، فإذا ولى ولا يكون نظره إلى المشير فإنه يسمع ولا يفهم .
المسألة الثالثة : قال في الأصم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52ولا تسمع الصم الدعاء ) ولم يقل في الموتى ذلك ; لأن الأصم قد يسمع الصوت الهائل كصوت الرعد القوي ، ولكن صوت الداعي لا يبلغ ذلك الحد فقال إنك داع لست بملجئ إلى الإيمان والداعي لا يسمع الأصم الدعاء .
المسألة الرابعة : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وما أنت بهادي العمي ) أي ليس شغلك هداية العميان كما يقول القائل : فلان ليس بشاعر وإنما ينظم بيتا وبيتين ، أي ليس شغله ذلك ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=80إنك لا تسمع الموتى ) نفي ذلك عنه ، وقوله :
[ ص: 119 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وما أنت بهادي العمي ) يعني ليس شغلك ذلك ، وما أرسلت له .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) لما نفى إسماع الميت والأصم ، وأثبت إسماع المؤمن بآياته ، لزم أن يكون المؤمن حيا سميعا وهو كذلك ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29680_29674المؤمن ترد على قلبه أمطار البراهين ، فتنبت في قلبه العقائد الحقة ، ويسمع زواجر الوعظ فتظهر منه الأفعال الحسنة ، وهذا يدل على خلاف مذهب
المعتزلة ، فإنهم قالوا : الله يريد من الكل الإيمان ، غير أن بعضهم يخالف إرادة الله ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53إن تسمع إلا من يؤمن ) دليل على أنه يؤمن فيسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يجب أن يفعل ، فهم مسلمون مطيعون كما قال تعالى عنهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=46قالوا سمعنا وأطعنا ) [ البقرة : 285 ] .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ )
لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُمْ عِنْدَ تَوَقُّفِ الْخَيْرِ يَكُونُونَ مُبْلِسِينَ آيِسِينَ ، وَعِنْدَ ظُهُورِهِ يَكُونُونَ مُسْتَبْشِرِينَ ، بَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ أَيْضًا لَا يَدُومُونَ عَلَيْهَا ، بَلْ لَوْ أَصَابَ زَرْعَهُمْ رِيحٌ مُصْفَرٌّ لَكَفَرُوا فَهُمْ مُنْقَلِبُونَ غَيْرُ ثَابِتِينَ لِنَظَرِهِمْ إِلَى الْحَالِ لَا إِلَى الْمَآلِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=48يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ) عَلَى طَرِيقَةِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْإِرْسَالِ ، وَقَالَ هَاهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=51وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا ) لَا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْإِرْسَالِ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31758الرِّيَاحَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31758وَالرِّيحُ مِنْ عَذَابِهِ [ ص: 118 ] وَهُوَ تَعَالَى رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ يُمْسِكُهَا ، وَلِذَلِكَ نَرَى الرِّيَاحَ النَّافِعَةَ تَهُبُّ فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ فِي الْبَرَارِي وَالْآكَامِ ، وَرِيحُ السَّمُومِ لَا تَهُبُّ إِلَّا فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَفِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31758سَمَّى النَّافِعَةَ رِيَاحًا وَالضَّارَّةَ رِيحًا لِوُجُوهٍ .
أَحَدُهَا : النَّافِعَةُ كَثِيرَةُ الْأَنْوَاعِ كَثِيرَةُ الْأَفْرَادِ فَجَمَعَهَا ، فَإِنَّ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَهُبُّ نَفَحَاتٌ مِنَ الرِّيَاحِ النَّافِعَةِ ، وَلَا تَهُبُّ الرِّيحُ الضَّارَّةُ فِي أَعْوَامٍ ، بَلِ الضَّارَّةُ فِي الْغَالِبِ لَا تَهُبُّ فِي الدُّهُورِ .
الثَّانِي : هُوَ أَنَّ النَّافِعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا رِيَاحًا ، فَإِنَّ مَا يَهُبُّ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يُصْلِحُ الْهَوَاءَ وَلَا يُنْشِئُ السَّحَابَ وَلَا يُجْرِيَ السُّفُنَ ، وَأَمَّا الضَّارَّةُ بِنَفْحَةٍ وَاحِدَةٍ تَقْتُلُ كَرِيحِ السَّمُومِ .
الثَّالِثُ : هُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31758_33930الرِّيحَ الْمُضِرَّةَ إِمَّا أَنْ تَضُرَّ بِكَيْفِيَّتِهَا أَوْ بِكَمِّيَّتِهَا ، أَمَّا الْكَيْفِيَّةُ فَهِيَ إِذَا كَانَتْ حَارَّةً أَوْ مُتَكَيِّفَةً بِكَيْفِيَّةِ سُمٍّ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ لِلرِّيحِ فِي هُبُوبِهَا وَإِنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ أَنَّ الْهَوَاءَ السَّاكِنَ فِي بُقْعَةٍ فِيهَا حَشَائِشُ رَدِيئَةٌ أَوْ فِي مَوْضِعٍ غَائِرٍ وَهُوَ حَارٌّ جِدًّا ، أَوْ تَكُونُ مُتَكَوِّنَةً فِي أَوَّلِ تَكَوُّنِهَا كَذَلِكَ ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَتَكُونُ وَاحِدَةً ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْهَوَاءَ السَّاكِنَ إِذَا سُخِّنَ ثُمَّ وَرَدَ عَلَيْهِ رِيحٌ تُحَرِّكُهُ وَتُخْرِجُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَتَهُبُّ عَلَى مَوَاضِعَ كَاللَّهِيبِ ، ثُمَّ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَا يَكُونُ حَارًّا وَلَا مُتَكَيِّفًا ; لِأَنَّ الْمُكْثَ الطَّوِيلَ شَرْطُ التَّكَيُّفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ أَدْخَلْتَ إِصْبَعَكَ فِي نَارٍ ، وَأَخْرَجْتَهَا بِسُرْعَةٍ لَا تَتَأَثَّرُ ، وَالْحَدِيدُ إِذَا مَكَثَ فِيهَا يَذُوبُ ، فَإِذَا تَحَرَّكَ ذَلِكَ السَّاكِنُ وَتَفَرَّقَ لَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدَةُ كَذَلِكَ فَنَادِرَةٌ ، وَمَوْضِعُ نُدْرَتِهَا وَاحِدٌ . وَأَمَّا الْكَمِّيَّةُ فَالرِّيَاحُ إِذَا اجْتَمَعَتْ وَصَارَتْ وَاحِدَةً صَارَتْ كَالْخُلْجَانِ ، وَمِيَاهُ الْعُيُونِ إِذَا اجْتَمَعَتْ تَصِيرُ نَهْرًا عَظِيمًا لَا تَسُدُّهُ السُّدُودُ ، وَلَا يُرُدُّهُ الْجُلْمُودُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَكُونُ وَاحِدَةً مُجْتَمِعَةً مِنْ كَثِيرٍ ، فَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُضِرَّةِ رِيحٌ وَفِي النَّافِعَةِ رِيَاحٌ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31033_31042_29761عَلَّمَ رَسُولَهُ أَنْوَاعَ الْأَدِلَّةِ وَأَصْنَافَ الْأَمْثِلَةِ وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ وَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاؤُهُ إِلَّا فِرَارًا ، وَإِنْبَاؤُهُ إِلَّا كُفْرًا وَإِصْرَارًا ، قَالَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي التَّرْتِيبِ ، فَنَقُولُ : إِرْشَادُ الْمَيِّتِ مُحَالٌ ، وَالْمُحَالُ أَبْعَدُ مِنَ الْمُمْكِنِ ، ثُمَّ إِرْشَادُ الْأَصَمِّ صَعْبٌ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ الْكَلَامَ وَإِنَّمَا يَفْهَمُ مَا يَفْهَمُهُ بِالْإِشَارَةِ لَا غَيْرَ ، وَالْإِفْهَامُ بِالْإِشَارَةِ صَعْبٌ ، ثُمَّ إِرْشَادُ الْأَعْمَى أَيْضًا صَعْبٌ ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ لَهُ الطَّرِيقُ عَلَى يَمِينِكَ يَدُورُ إِلَى يَمِينِهِ ، لَكِنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ بَلْ يَحِيدُ عَنْ قَرِيبٍ ، وَإِرْشَادُ الْأَصَمِّ أَصْعَبُ ، فَلِهَذَا تَكُونُ الْمُعَاشَرَةُ مَعَ الْأَعْمَى أَسْهَلَ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا ; لِأَنَّ غَايَةَ الْإِفْهَامِ بِالْكَلَامِ ، فَإِنَّ مَا لَا يُفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ يُفْهَمُ بِالْكَلَامِ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْهَمُ بِالْكَلَامِ يُفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ ، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ وَالْغَائِبَ لَا إِشَارَةَ إِلَيْهِمَا ، فَقَالَ أَوَّلًا لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ، ثُمَّ قَالَ وَلَا الْأَصَمَّ وَلَا تَهْدِي الْأَعْمَى الَّذِي دُونَ الْأَصَمِّ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ فِي الصُّمِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) لِيَكُونَ أَدْخَلَ فِي الِامْتِنَاعِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصَمَّ وَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ فَإِنَّمَا يَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ ، فَإِذَا وَلَّى وَلَا يَكُونُ نَظَرُهُ إِلَى الْمُشِيرِ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ وَلَا يَفْهَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ فِي الْأَصَمِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=52وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ) وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمَوْتَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَصَمَّ قَدْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ الْهَائِلَ كَصَوْتِ الرَّعْدِ الْقَوِيِّ ، وَلَكِنَّ صَوْتَ الدَّاعِي لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ الْحَدَّ فَقَالَ إِنَّكَ دَاعٍ لَسْتَ بِمُلْجِئٍ إِلَى الْإِيمَانِ وَالدَّاعِي لَا يُسْمِعُ الْأَصَمَّ الدُّعَاءَ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ ) أَيْ لَيْسَ شُغْلُكَ هِدَايَةَ الْعُمْيَانِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : فُلَانٌ لَيْسَ بِشَاعِرٍ وَإِنَّمَا يَنْظِمُ بَيْتًا وَبَيْتَيْنِ ، أَيْ لَيْسَ شُغْلُهُ ذَلِكَ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=80إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ) نَفْيُ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَقَوْلُهُ :
[ ص: 119 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ ) يَعْنِي لَيْسَ شُغْلُكَ ذَلِكَ ، وَمَا أُرْسِلْتَ لَهُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) لَمَّا نَفَى إِسْمَاعَ الْمَيِّتِ وَالْأَصَمِّ ، وَأَثْبَتَ إِسْمَاعَ الْمُؤْمِنِ بِآيَاتِهِ ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ حَيًّا سَمِيعًا وَهُوَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29680_29674الْمُؤْمِنَ تَرِدُ عَلَى قَلْبِهِ أَمْطَارُ الْبَرَاهِينِ ، فَتُنْبِتُ فِي قَلْبِهِ الْعَقَائِدَ الْحَقَّةَ ، وَيَسْمَعُ زَوَاجِرَ الْوَعْظِ فَتَظْهَرُ مِنْهُ الْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : اللَّهُ يُرِيدُ مِنَ الْكُلِّ الْإِيمَانَ ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُخَالِفُ إِرَادَةَ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=53إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُؤْمِنُ فَيُسْمِعُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَجِبُ أَنْ يَفْعَلَ ، فَهُمْ مُسْلِمُونَ مُطِيعُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=46قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) [ الْبَقَرَةِ : 285 ] .