(
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير )
لما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=26لله ما في السماوات والأرض ) وكان ذلك موهما لتناهي ملكه لانحصار ما في السماوات وما في الأرض فيهما ، وحكم العقل الصريح بتناهيهما بين أن في قدرته وعلمه عجائب لا نهاية لها ؛ فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) ويكتب بها ، والأبحر مداد لا تفنى
nindex.php?page=treesubj&link=33679_19784عجائب صنع الله ، وعلى هذا فالكلمة مفسرة بالعجيبة ، ووجهها أن العجائب بقوله : “ كن “ و“ كن “ كلمة ، وإطلاق اسم السبب على المسبب جائز . يقول الشجاع : لمن يبارزه أنا موتك ، ويقال للدواء في حق المريض هذا شفاؤك ، ودليل صحة هذا هو أن الله تعالى سمى
المسيح كلمة ; لأنه كان أمرا عجيبا وصنعا غريبا لوجوده من غير أب ، فإن قال قائل : الآية واردة في
اليهود حيث قالوا : الله ذكر كل شيء في التوراة ولم يبق شيء لم يذكره ، فقال : الذي في التوراة بالنسبة إلى كلام الله تعالى ليس إلا قطرة من بحار ، وأنزل هذه الآية .
وقيل أيضا : إنها نزلت في واحد قال للنبي عليه السلام إنك تقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) [ الإسراء : 85 ] وتقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) [ البقرة : 269 ] فنزلت الآية دالة على أنه خير كثير بالنسبة إلى العباد ، وبالنسبة إلى الله وعلومه قليل ، وقيل أيضا : إنها نزلت ردا على الكفار حيث قالوا بأن ما يورده
محمد سينفد ، فقال : إنه كلام الله وهو لا ينفد .
وما ذكر من أسباب النزول ينافي ما ذكرتم من التفسير ; لأنها تدل على أن المراد الكلام . فنقول : ما ذكرتم من اختلاف الأقوال فيه يدل على جواز ما ذكرنا ; لأنه إذا صلح جوابا لهذه الأشياء التي ذكرتموها ، وهي متباينة ، علم أنها عامة ، وما ذكرنا لا ينافي هذا ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=18626_29568كلام الله عجيب معجز لا يقدر أحد على الإتيان بمثله ، وإذا قلنا بأن عجائب الله لا نهاية لها دخل فيها كلامه ، لا يقال : إنك جعلت الكلام مخلوقا ؛ لأنا نقول : المخلوق هو الحرف والتركيب ، وهو عجيب ، وأما الكلمات فهي من صفات الله تعالى .
واعلم أن الآية ، وإن كانت نازلة على ترتيب غير الذي هو مكتوب ، ولكن الترتيب المكتوب عليه القرآن بأمر الله ، فإنه بأمر الرسول كتب كذلك ، وأمر الرسول من أمر الله ، وذلك محقق متيقن من سنن الترتيب الذي فيه . ثم إن الآية فيها لطائف .
الأولى : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) وحد الشجرة ، وجمع الأقلام ، ولم يقل ولو أن ما في الأرض من الأشجار أقلام ، ولا قال : ولو أن ما في الأرض من شجرة قلم ، إشارة إلى التكثير ، يعني ولو أن بعدد كل شجرة أقلاما .
الثانية : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27والبحر يمده ) تعريف البحر باللام لاستغراق الجنس ،
[ ص: 138 ] وكل بحر مداد ، ثم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27يمده من بعده سبعة أبحر ) إشارة إلى بحار غير موجودة ، يعني لو مدت البحار الموجودة بسبعة أبحر أخر ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27سبعة ) ليس لانحصارها في سبعة ، وإنما الإشارة إلى المدد والكثرة ولو بألف بحر ، والسبعة خصصت بالذكر من بين الأعداد ؛ لأنها عدد كثير يحصر المعدودات في العادة ، والذي يدل عليه وجوه :
الأول : هو أن ما هو معلوم عند كل أحد لحاجته إليه ، هو الزمان والمكان ; لأن المكان فيه الأجسام ، والزمان فيه الأفعال ، لكن المكان منحصر في سبعة أقاليم ، والزمان في سبعة أيام ; ولأن الكواكب السيارة سبعة ، وكان المنجمون ينسبون إليها أمورا ، فصارت السبعة كالعدد الحاصر للكثرات الواقعة في العادة ، فاستعملت في كل كثير .
الثاني : هو أن الآحاد إلى العشرة وهي العقد الأول ، وما بعده يبتدئ من الآحاد مرة أخرى ، فيقال أحد عشر ، واثنا عشر ، ثم المئات من العشرات ، والألوف من المئات ، إذا علم هذا فنقول : أقل ما يلتئم منه أكثر المعدودات هو الثلاثة ، لأنه يحتاج إلى طرفين : مبدأ ومنتهى ووسط ، ولهذا يقال : أقل ما يكون الاسم والفعل منه هو ثلاثة أحرف ، فإذا كانت الثلاثة هو القسم الأول من العشرة التي هو العدد الأصلي تبقى السبعة القسم الأكثر ، فإذا أريد بيان الكثرة ذكرت السبعة ، ولهذا فإن المعدودات في العبادات من التسبيحات في الانتقالات في الصلوات ثلاثة ، والمرار في الوضوء ثلاثة تيسيرا للأمر على المكلف اكتفاء بالقسم الأول .
إذا ثبت هذا فنقول : قوله عليه السلام : “
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013570المؤمن يأكل في معى ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء “ إشارة إلى قلة الأكل وكثرته من غير إرادة السبعة بخصوصها ، ويحتمل أن يقال : إن لجهنم سبعة أبواب بهذا التفسير ، ثم على هذا فقولنا : للجنة ثمانية أبواب إشارة إلى زيادتها ، فإن فيها الحسنى وزيادة ، فلها أبواب كثيرة وزائدة على كثرة غيرها ، والذي يدل على ما ذكرنا في السبعة أن العرب عند الثامن يزيدون واوا ، يقول الفراء إنها واو الثمانية وليس ذلك إلا للاستئناف ; لأن العدد بالسبعة يتم في العرف ، ثم بالثامن استئناف جديد .
اللطيفة الثالثة : لم يقل في الأقلام المدد ، لوجهين .
أحدهما : هو أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) بينا أن المراد منه هو أن يكون بعدد كل شجرة موجودة أقلام ، فتكون الأقلام أكثر من الأشجار الموجودة ، وقوله في البحر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ) إشارة إلى أن البحر لو كان أكثر من الموجود لاستوى القلم والبحر في المعنى .
والثاني : هو أن النقصان بالكتابة يلحق المداد أكثر ، فإنه هو النافد ، والقلم الواحد يمكن أن يكتب به كتب كثيرة ، فذكر المدد في البحر الذي هو كالمداد .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27إن الله عزيز حكيم ) لما ذكر أن ملكوته كثير ، أشار إلى ما يحقق ذلك فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27إن الله عزيز حكيم ) أي كامل القدرة ، فيكون له مقدورات لا نهاية لها ، وإلا لانتهت القدرة إلى حيث لا تصلح للإيجاد ، وهو حكيم كامل العلم ، ففي علمه ما لا نهاية له ، فتحقق أن البحر لو كان مدادا لما نفد ما في علمه وقدرته .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) لما بين كمال قدرته وعلمه ذكر ما يبطل استبعادهم للحشر ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) ومن لا نفاد لكلماته ، يقول للموتى كونوا فيكونوا .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28إن الله سميع بصير ) سميع لما يقولون ، بصير بما يعملون ، فإذا كونه قادرا على البعث ومحيطا بالأقوال والأفعال يوجب ذلك الاجتناب التام والاحتراز الكامل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ )
لَمَّا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=26لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وَكَانَ ذَلِكَ مُوَهِمًا لِتَنَاهِي مُلْكِهِ لِانْحِصَارِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فِيهِمَا ، وَحُكْمُ الْعَقْلِ الصَّرِيحُ بِتَنَاهِيهِمَا بَيَّنَ أَنَّ فِي قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ عَجَائِبَ لَا نِهَايَةَ لَهَا ؛ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ) وَيُكْتَبُ بِهَا ، وَالْأَبْحُرُ مِدَادٌ لَا تَفْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=33679_19784عَجَائِبُ صُنْعِ اللَّهِ ، وَعَلَى هَذَا فَالْكَلِمَةُ مُفَسَّرَةٌ بِالْعَجِيبَةِ ، وَوَجْهُهَا أَنَّ الْعَجَائِبَ بِقَوْلِهِ : “ كُنْ “ وَ“ كُنْ “ كَلِمَةٌ ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ جَائِزٌ . يَقُولُ الشُّجَاعُ : لِمَنْ يُبَارِزُهُ أَنَا مَوْتُكَ ، وَيُقَالُ لِلدَّوَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ هَذَا شِفَاؤُكَ ، وَدَلِيلُ صِحَّةِ هَذَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى
الْمَسِيحَ كَلِمَةً ; لِأَنَّهُ كَانَ أَمْرًا عَجِيبًا وَصُنْعًا غَرِيبًا لِوُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي
الْيَهُودِ حَيْثُ قَالُوا : اللَّهُ ذَكَرَ كُلَّ شَيْءٍ فِي التَّوْرَاةِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَمْ يَذْكُرْهُ ، فَقَالَ : الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ إِلَّا قَطْرَةً مِنْ بِحَارٍ ، وَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ .
وَقِيلَ أَيْضًا : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَاحِدٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّكَ تَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 85 ] وَتَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) [ الْبَقَرَةِ : 269 ] فَنَزَلَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِبَادِ ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ وَعُلُومِهِ قَلِيلٌ ، وَقِيلَ أَيْضًا : إِنَّهَا نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى الْكُفَّارِ حَيْثُ قَالُوا بِأَنَّ مَا يُورِدُهُ
مُحَمَّدٌ سَيَنْفَدُ ، فَقَالَ : إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ لَا يَنْفَدُ .
وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ يُنَافِي مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ التَّفْسِيرِ ; لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْكَلَامُ . فَنَقُولُ : مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّهُ إِذَا صَلَحَ جَوَابًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا ، وَهِيَ مُتَبَايِنَةُ ، عُلِمَ أَنَّهَا عَامَّةٌ ، وَمَا ذَكَرْنَا لَا يُنَافِي هَذَا ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18626_29568كَلَامَ اللَّهِ عَجِيبٌ مُعْجِزٌ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ عَجَائِبَ اللَّهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا دَخَلَ فِيهَا كَلَامُهُ ، لَا يُقَالُ : إِنَّكَ جَعَلْتَ الْكَلَامَ مَخْلُوقًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْمَخْلُوقُ هُوَ الْحَرْفُ وَالتَّرْكِيبُ ، وَهُوَ عَجِيبٌ ، وَأَمَّا الْكَلِمَاتُ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ نَازِلَةً عَلَى تَرْتِيبِ غَيْرِ الَّذِي هُوَ مَكْتُوبٌ ، وَلَكِنَّ التَّرْتِيبَ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِأَمْرِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ بِأَمْرِ الرَّسُولِ كُتِبَ كَذَلِكَ ، وَأَمْرُ الرَّسُولِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ مُحَقَّقٌ مُتَيَقَّنٌ مِنْ سُنَنِ التَّرْتِيبِ الَّذِي فِيهِ . ثُمَّ إِنَّ الْآيَةَ فِيهَا لَطَائِفُ .
الْأُولَى : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ) وَحَّدَ الشَّجَرَةَ ، وَجَمَعَ الْأَقْلَامَ ، وَلَمْ يَقُلْ وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَشْجَارِ أَقْلَامٌ ، وَلَا قَالَ : وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ قَلَمٌ ، إِشَارَةً إِلَى التَّكْثِيرِ ، يَعْنِي وَلَوْ أَنَّ بِعَدَدِ كُلِّ شَجَرَةٍ أَقْلَامًا .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ ) تَعْرِيفُ الْبَحْرِ بِاللَّامِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ ،
[ ص: 138 ] وَكُلُّ بَحْرٍ مِدَادٌ ، ثُمَّ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى بِحَارٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ ، يَعْنِي لَوْ مُدَّتِ الْبِحَارُ الْمَوْجُودَةُ بِسَبْعَةِ أَبْحُرٍ أُخَرَ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27سَبْعَةُ ) لَيْسَ لِانْحِصَارِهَا فِي سَبْعَةٍ ، وَإِنَّمَا الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَدَدِ وَالْكَثْرَةِ وَلَوْ بِأَلْفِ بَحْرٍ ، وَالسَّبْعَةُ خُصِّصَتْ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ الْأَعْدَادِ ؛ لِأَنَّهَا عَدَدٌ كَثِيرٌ يَحْصُرُ الْمَعْدُودَاتِ فِي الْعَادَةِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : هُوَ أَنَّ مَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ ، هُوَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ ; لِأَنَّ الْمَكَانَ فِيهِ الْأَجْسَامُ ، وَالزَّمَانَ فِيهِ الْأَفْعَالُ ، لَكِنَّ الْمَكَانَ مُنْحَصِرٌ فِي سَبْعَةِ أَقَالِيمَ ، وَالزَّمَانَ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ ; وَلِأَنَّ الْكَوَاكِبَ السَّيَّارَةَ سَبْعَةٌ ، وَكَانَ الْمُنَجِّمُونَ يَنْسُبُونَ إِلَيْهَا أُمُورًا ، فَصَارَتِ السَّبْعَةُ كَالْعَدَدِ الْحَاصِرِ لِلْكَثْرَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْعَادَةِ ، فَاسْتُعْمِلَتْ فِي كُلِّ كَثِيرٍ .
الثَّانِي : هُوَ أَنَّ الْآحَادَ إِلَى الْعَشَرَةِ وَهِيَ الْعِقْدُ الْأَوَّلُ ، وَمَا بَعْدَهُ يَبْتَدِئُ مِنَ الْآحَادِ مَرَّةً أُخْرَى ، فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ ، وَاثْنَا عَشَرَ ، ثُمَّ الْمِئَاتُ مِنَ الْعَشَرَاتِ ، وَالْأُلُوفُ مِنَ الْمِئَاتِ ، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ : أَقَلُّ مَا يَلْتَئِمُ مِنْهُ أَكْثَرُ الْمَعْدُودَاتِ هُوَ الثَّلَاثَةُ ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى طَرَفَيْنِ : مَبْدَأٌ وَمُنْتَهًى وَوَسَطٌ ، وَلِهَذَا يُقَالُ : أَقَلُّ مَا يَكُونُ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ مِنْهُ هُوَ ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ ، فَإِذَا كَانَتِ الثَّلَاثَةُ هُوَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مِنَ الْعَشَرَةِ الَّتِي هُوَ الْعَدَدُ الْأَصْلِيُّ تَبْقَى السَّبْعَةُ الْقِسْمَ الْأَكْثَرَ ، فَإِذَا أُرِيدَ بَيَانُ الْكَثْرَةِ ذُكِرَتِ السَّبْعَةُ ، وَلِهَذَا فَإِنَّ الْمَعْدُودَاتِ فِي الْعِبَادَاتِ مِنَ التَّسْبِيحَاتِ فِي الِانْتِقَالَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةٌ ، وَالْمِرَارُ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثَةٌ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ عَلَى الْمُكَلَّفِ اكْتِفَاءً بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : “
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013570الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ “ إِشَارَةٌ إِلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ وَكَثْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ السَّبْعَةِ بِخُصُوصِهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ لِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ بِهَذَا التَّفْسِيرِ ، ثُمَّ عَلَى هَذَا فَقَوْلُنَا : لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ إِشَارَةٌ إِلَى زِيَادَتِهَا ، فَإِنَّ فِيهَا الْحُسْنَى وَزِيَادَةً ، فَلَهَا أَبْوَابٌ كَثِيرَةٌ وَزَائِدَةٌ عَلَى كَثْرَةِ غَيْرِهَا ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي السَّبْعَةِ أَنَّ الْعَرَبَ عِنْدَ الثَّامِنِ يَزِيدُونَ وَاوًا ، يَقُولُ الْفَرَّاءُ إِنَّهَا وَاوُ الثَّمَانِيَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلِاسْتِئْنَافِ ; لِأَنَّ الْعَدَدَ بِالسَّبْعَةِ يَتِمُّ فِي الْعُرْفِ ، ثُمَّ بِالثَّامِنِ اسْتِئْنَافٌ جَدِيدٌ .
اللَّطِيفَةُ الثَّالِثَةُ : لَمْ يَقُلْ فِي الْأَقْلَامِ الْمَدَدَ ، لِوَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ) بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِعَدَدِ كُلِّ شَجَرَةٍ مَوْجُودَةٍ أَقْلَامٌ ، فَتَكُونُ الْأَقْلَامُ أَكْثَرَ مِنَ الْأَشْجَارِ الْمَوْجُودَةِ ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْبَحْرَ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الْمَوْجُودِ لَاسْتَوَى الْقَلَمُ وَالْبَحْرُ فِي الْمَعْنَى .
وَالثَّانِي : هُوَ أَنَّ النُّقْصَانَ بِالْكِتَابَةِ يَلْحَقُ الْمِدَادَ أَكْثَرَ ، فَإِنَّهُ هُوَ النَّافِدُ ، وَالْقَلَمُ الْوَاحِدُ يُمْكِنُ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ ، فَذَكَرَ الْمَدَدَ فِي الْبَحْرِ الَّذِي هُوَ كَالْمِدَادِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَلَكُوتَهُ كَثِيرٌ ، أَشَارَ إِلَى مَا يُحَقِّقُ ذَلِكَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) أَيْ كَامِلُ الْقُدْرَةِ ، فَيَكُونُ لَهُ مَقْدُورَاتٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَإِلَّا لَانْتَهَتِ الْقُدْرَةُ إِلَى حَيْثُ لَا تَصْلُحُ لِلْإِيجَادِ ، وَهُوَ حَكِيمٌ كَامِلُ الْعِلْمِ ، فَفِي عِلْمِهِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، فَتَحَقَّقَ أَنَّ الْبَحْرَ لَوْ كَانَ مِدَادًا لَمَا نَفِدَ مَا فِي عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) لَمَّا بَيَّنَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ ذَكَرَ مَا يُبْطِلُ اسْتِبْعَادَهُمْ لِلْحَشْرِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) وَمَنْ لَا نَفَادَ لِكَلِمَاتِهِ ، يَقُولُ لِلْمَوْتَى كُونُوا فَيَكُونُوا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=28إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُونَ ، بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ، فَإِذًا كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى الْبَعْثِ وَمُحِيطًا بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ يُوجِبُ ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ التَّامَّ وَالِاحْتِرَازَ الْكَامِلَ .