[ ص: 139 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير )
يحتمل أن يقال : إن وجه الترتيب هو أن الله تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) على وجه العموم ذكر منها بعض ما هو فيهما على وجه الخصوص بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29يولج الليل في النهار ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29وسخر الشمس والقمر ) إشارة إلى ما في السماوات ، وقوله بعد هذا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=31ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ) [ لقمان : 31 ] إشارة إلى ما في الأرض . ويحتمل أن يقال إن وجهه هو أن الله تعالى لما ذكر البعث وكان من الناس من يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وما يهلكنا إلا الدهر ) [ الجاثية : 24 ] والدهر هو الليالي والأيام ، قال الله تعالى : هذه الليالي والأيام التي تنسبون إليها الموت والحياة هي بقدرة الله تعالى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل )
ثم إن قائلا لو قال : إن ذلك اختلاف مسير ، الشمس تارة تكون القوس التي هي فوق الأرض أكثر من التي تحت الأرض ، فيكون الليل أقصر والنهار أطول ، وتارة تكون بالعكس وتارة يتساويان فيتساويان ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29وسخر الشمس والقمر ) يعني إن كنتم لا تعترفون بأن هذه الأشياء كلها في أوائلها من الله ، فلا بد من الاعتراف بأنها بأسرها عائدة إلى الله تعالى ، فالآجال إن كانت بالمدد ، والمدد بسير الكواكب
nindex.php?page=treesubj&link=32435_19786_29689فسير الكواكب ليس إلا بالله وقدرته ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=32440إيلاج الليل في النهار يحتمل وجهين
أحدهما : أن يقال : المراد إيلاج الليل في زمان النهار أي يجعل في الزمان الذي كان فيه النهار الليل ; وذلك لأن الليل إذا كان مثلا اثنتي عشرة ساعة ثم يطول يصير الليل موجودا في زمان كان فيه النهار .
وثانيهما : أن يقال المراد إيلاج زمان الليل في النهار ، أي يجعل زمان الليل في النهار ; وذلك لأن الليل إذا كان كما ذكرنا اثنتي عشرة ساعة إذا قصر صار زمان الليل موجودا في النهار ، ولا يمكن غير هذا ; لأن إيلاج الليل في النهار محال الوجود ، فما ذكرنا من الإضمار لا بد منه ، لكن الأول أولى ; لأن الليل والنهار أفعال والأفعال في الأزمنة ; لأن الزمان ظرف ، فقولنا : الليل في زمان النهار أقرب من قولنا : زمان الليل في النهار ؛ لأن الثاني يجعل الظرف مظروفا .
إذا ثبت هذا فنقول : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29يولج الليل في النهار ) أي يوجده في وقت كان فيه النهار ،
nindex.php?page=treesubj&link=32440_28912والله تعالى قدم إيجاد الليل على إيجاد النهار في كثير من المواضع كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا الليل والنهار آيتين ) [ الإسراء : 12 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وجعل الظلمات والنور ) [ الأنعام : 1 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164واختلاف الليل والنهار ) [ البقرة : 164 ] ومن جنسه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) [ الملك : 2 ] وهذا إشارة إلى مسألة حكمية ، وهي أن الظلمة قد يظن بها أنها عدم النور ، والليل عدم النور ، والليل عدم النهار ، والحياة عدم الموت ، وليس كذلك ; إذ في الأزل لم يكن نهار ولا نور ولا حياة لممكن ، ولا يمكن أن يقال كان فيه موت أو ظلمة أو ليل ، فهذه الأمور كالأعمى والأصم ، فالعمى والصمم
[ ص: 140 ] ليس مجرد عدم البصر وعدم السمع ; إذ الحجر والشجر لا بصر لهما ولا سمع ، ولا يقال لشيء منهما إنه أصم أو أعمى .
إذا علم هذا فنقول : ما يتحقق فيه العمى والصمم ، لا بد من أن يكون فيه اقتضاء لخلافهما ، وإلا لما كان يقال له أعمى وأصم ، وما يكون فيه اقتضاء شيء ، ويترتب عليه مقتضاه لا تطلب النفس له سببا ; لأن من يرى المتعيش في السوق ، لا يقول لم دخل السوق ؟ وما يثبت على خلاف المقتضى تطلب النفس له سببا ، كمن يرى ملكا في السوق يقول لم دخل ؟ فإذن سبب العمى والصمم يطلبه كل واحد ، فيقول لم صار فلان أعمى ، ولا يقول : لم صار فلان بصيرا ، وإذا كان كذلك قدم الله تعالى ما تطلب النفس سببه وهو الليل الذي هو على وزان العمى والظلمة والموت لكون كل واحد طالبا سببه ، ثم ذكر بعده الأمر الآخر .
المسألة الثانية : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29يولج ) بصيغة المستقبل ، وقال في الشمس والقمر (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29سخر ) بصيغة الماضي ; لأن إيلاج الليل في النهار أمر يتجدد كل فصل ، بل كل يوم ،
nindex.php?page=treesubj&link=32441_32415وتسخير الشمس والقمر أمر مستمر كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39حتى عاد كالعرجون القديم ) [ يس : 39 ] .
المسألة الثالثة : قدم الشمس على القمر مع تقدم الليل الذي فيه سلطان القمر على النهار الذي فيه سلطان الشمس لما بينا أن تقديم الليل كان لأن الأنفس تطلب سببه أكثر مما تطلب سبب النهار ، وهاهنا كذلك ; لأن الشمس لما كانت أكبر وأعظم كانت أعجب ، والنفس تطلب سبب الأمر العجيب أكثر مما تطلب سبب الأمر الذي لا يكون عجيبا .
المسألة الرابعة : ما تعلق قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29وأن الله بما تعملون خبير ) بما تقدم ؟ نقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28781لما كان الليل والنهار محل الأفعال بين أن ما يقع في هذين الزمانين اللذين هما بتصرف الله لا يخفى على الله .
المسألة الخامسة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29ألم تر ) يحتمل وجهين .
أحدهما : أن يكون الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم . وعليه الأكثرون ، وكأنه ترك الخطاب مع غيره ; لأن من هو غيره من الكفار لا فائدة للخطاب معهم لإصرارهم ، ومن هو غيره من المؤمنين ، فهم مؤتمرون بأمر النبي عليه الصلاة والسلام ناظرون إليه .
الوجه الثاني : أن يقال : المراد منه الوعظ ، والواعظ يخاطب ولا يعين أحدا فيقول لجمع عظيم : يا مسكين إلى الله مصيرك ، فمن نصيرك ، ولماذا تقصيرك . فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29ألم تر ) يكون خطابا من ذلك القبيل ، أي يا أيها الغافل ألم تر هذا الأمر الواضح .
[ ص: 139 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ وَجْهَ التَّرْتِيبِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ ذَكَرَ مِنْهَا بَعْضَ مَا هُوَ فِيهِمَا عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي السَّمَاوَاتِ ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=31أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ ) [ لُقْمَانَ : 31 ] إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي الْأَرْضِ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْبَعْثَ وَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ) [ الْجَاثِيَةِ : 24 ] وَالدَّهْرُ هُوَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : هَذِهِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ الَّتِي تَنْسُبُونَ إِلَيْهَا الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ هِيَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ )
ثُمَّ إِنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مُسَيَّرٌ ، الشَّمْسُ تَارَةً تَكُونُ الْقَوْسَ الَّتِي هِيَ فَوْقَ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنَ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ ، فَيَكُونُ اللَّيْلُ أَقْصَرَ وَالنَّهَارُ أَطْوَلَ ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالْعَكْسِ وَتَارَةً يَتَسَاوَيَانِ فَيَتَسَاوَيَانِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) يَعْنِي إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا فِي أَوَائِلِهَا مِنَ اللَّهِ ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهَا بِأَسْرِهَا عَائِدَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَالْآجَالُ إِنْ كَانَتْ بِالْمَدَدِ ، وَالْمَدَدُ بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ
nindex.php?page=treesubj&link=32435_19786_29689فَسَيْرُ الْكَوَاكِبِ لَيْسَ إِلَّا بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=32440إِيلَاجُ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ إِيلَاجُ اللَّيْلِ فِي زَمَانِ النَّهَارِ أَيْ يَجْعَلُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ النَّهَارُ اللَّيْلَ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّيْلَ إِذَا كَانَ مَثَلًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً ثُمَّ يَطُولُ يَصِيرُ اللَّيْلُ مَوْجُودًا فِي زَمَانٍ كَانَ فِيهِ النَّهَارُ .
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ إِيلَاجُ زَمَانِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ ، أَيْ يَجْعَلُ زَمَانَ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّيْلَ إِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْنَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً إِذَا قَصَّرَ صَارَ زَمَانُ اللَّيْلِ مَوْجُودًا فِي النَّهَارِ ، وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا ; لِأَنَّ إِيلَاجَ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ مُحَالُ الْوُجُودِ ، فَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْإِضْمَارِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى ; لِأَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَفْعَالٌ وَالْأَفْعَالُ فِي الْأَزْمِنَةِ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ ظَرْفٌ ، فَقَوْلُنَا : اللَّيْلُ فِي زَمَانِ النَّهَارِ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِنَا : زَمَانُ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَجْعَلُ الظَّرْفَ مَظْرُوفًا .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ) أَيْ يُوجِدُهُ فِي وَقْتٍ كَانَ فِيهِ النَّهَارُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32440_28912وَاللَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ إِيجَادَ اللَّيْلِ عَلَى إِيجَادِ النَّهَارِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ) [ الْإِسْرَاءِ : 12 ] ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) [ الْأَنْعَامِ : 1 ] ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) [ الْبَقَرَةِ : 164 ] وَمِنْ جِنْسِهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [ الْمُلْكِ : 2 ] وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَسْأَلَةٍ حُكْمِيَّةٍ ، وَهِيَ أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ يُظَنُّ بِهَا أَنَّهَا عَدَمُ النُّورِ ، وَاللَّيْلُ عَدَمُ النُّورِ ، وَاللَّيْلُ عَدَمُ النَّهَارِ ، وَالْحَيَاةُ عَدَمُ الْمَوْتِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; إِذْ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَكُنْ نَهَارٌ وَلَا نُورٌ وَلَا حَيَاةٌ لِمُمْكِنٍ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كَانَ فِيهِ مَوْتٌ أَوْ ظُلْمَةٌ أَوْ لَيْلٌ ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ ، فَالْعَمَى وَالصَّمَمُ
[ ص: 140 ] لَيْسَ مُجَرَّدَ عَدَمِ الْبَصَرِ وَعَدَمِ السَّمْعِ ; إِذِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ لَا بَصَرَ لَهُمَا وَلَا سَمْعَ ، وَلَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا إِنَّهُ أَصَمُّ أَوْ أَعْمَى .
إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ : مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَمَى وَالصَّمَمُ ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اقْتِضَاءٌ لِخِلَافِهِمَا ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ يُقَالُ لَهُ أَعْمَى وَأَصَمُّ ، وَمَا يَكُونُ فِيهِ اقْتِضَاءُ شَيْءٍ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ لَا تَطْلُبُ النَّفْسُ لَهُ سَبَبًا ; لِأَنَّ مَنْ يَرَى الْمُتَعَيِّشَ فِي السُّوقِ ، لَا يَقُولُ لِمَ دَخَلَ السُّوقَ ؟ وَمَا يَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْمُقْتَضَى تَطْلُبُ النَّفْسُ لَهُ سَبَبًا ، كَمَنْ يَرَى مَلِكًا فِي السُّوقِ يَقُولُ لِمَ دَخَلَ ؟ فَإِذَنْ سَبَبُ الْعَمَى وَالصَّمَمِ يَطْلُبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ ، فَيَقُولُ لِمَ صَارَ فُلَانٌ أَعْمَى ، وَلَا يَقُولُ : لِمَ صَارَ فُلَانٌ بَصِيرًا ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَا تَطْلُبُ النَّفْسُ سَبَبَهُ وَهُوَ اللَّيْلُ الَّذِي هُوَ عَلَى وِزَانِ الْعَمَى وَالظُّلْمَةِ وَالْمَوْتِ لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ طَالِبًا سَبَبَهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْأَمْرَ الْآخَرَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29يُولِجُ ) بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ ، وَقَالَ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29سَخَّرَ ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي ; لِأَنَّ إِيلَاجَ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ أَمْرٌ يَتَجَدَّدُ كُلَّ فَصْلٍ ، بَلْ كُلَّ يَوْمٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32441_32415وَتَسْخِيرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَمْرٌ مُسْتَمِرٌّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) [ يس : 39 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَدَّمَ الشَّمْسَ عَلَى الْقَمَرِ مَعَ تَقَدُّمِ اللَّيْلِ الَّذِي فِيهِ سُلْطَانُ الْقَمَرِ عَلَى النَّهَارِ الَّذِي فِيهِ سُلْطَانُ الشَّمْسِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ تَقْدِيمَ اللَّيْلِ كَانَ لِأَنَّ الْأَنْفُسَ تَطْلُبُ سَبَبَهُ أَكْثَرَ مِمَّا تَطْلُبُ سَبَبَ النَّهَارِ ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الشَّمْسَ لَمَّا كَانَتْ أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ كَانَتْ أَعْجَبَ ، وَالنَّفْسُ تَطْلُبُ سَبَبَ الْأَمْرِ الْعَجِيبِ أَكْثَرَ مِمَّا تَطْلُبُ سَبَبَ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَكُونُ عَجِيبًا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : مَا تَعَلُّقُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) بِمَا تَقَدَّمَ ؟ نَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28781لَمَّا كَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَحَلَّ الْأَفْعَالِ بَيَّنَ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي هَذَيْنِ الزَّمَانَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا بِتَصَرُّفِ اللَّهِ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29أَلَمْ تَرَ ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الْخِطَابَ مَعَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ مَنْ هُوَ غَيْرُهُ مِنَ الْكُفَّارِ لَا فَائِدَةَ لِلْخِطَابِ مَعَهُمْ لِإِصْرَارِهِمْ ، وَمَنْ هُوَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَهُمْ مُؤْتَمِرُونَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَاظِرُونَ إِلَيْهِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ مِنْهُ الْوَعْظُ ، وَالْوَاعِظُ يُخَاطِبُ وَلَا يُعَيِّنُ أَحَدًا فَيَقُولُ لِجَمْعٍ عَظِيمٍ : يَا مِسْكِينُ إِلَى اللَّهِ مَصِيرُكَ ، فَمَنْ نَصِيرُكَ ، وَلِمَاذَا تَقْصِيرُكَ . فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=29أَلَمْ تَرَ ) يَكُونُ خِطَابًا مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ ، أَيْ يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ أَلَمْ تَرَ هَذَا الْأَمْرَ الْوَاضِحَ .