[ ص: 164 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889_32294سورة الأحزاب
سبعون وثلاث آيات ، وهي مدنية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يا أيها النبي اتق الله )
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1ياأيها النبي اتق الله ) في تفسير الآية مسائل :
المسألة الأولى : في
nindex.php?page=treesubj&link=34080الفرق بين النداء والمنادى بقوله : يا رجل ويا أيها الرجل ، وقد قيل فيه ما قيل ، ونحن نقول : قول القائل : يا رجل يدل على النداء ، وقوله : يا أيها الرجل يدل على ذلك أيضا وينبئ عن خطر خطب المنادى له أو غفلة المنادى . أما الثاني : فمذكور . وأما الأول : فلأن قوله : “ يا أي “ جعل المنادى غير معلوم أولا فيكون كل سامع متطلعا إلى المنادى ، فإذا خص واحدا كان في ذلك إنباء الكل لتطلعهم إليه ، وإذا قال : يا زيد أو يا رجل لا يلتفت إلى جانب المنادى إلا المذكور . إذا علم هذا فنقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1ياأيها ) لا يجوز حمله على غفلة النبي لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1النبي ) ينافي الغفلة لأن النبي عليه السلام خبير فلا يكون غافلا فيجب حمله على خطر الخطب .
المسألة الثانية : الأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به ، إذ لا يصلح أن يقال للجالس : اجلس وللساكت اسكت ، والنبي عليه السلام كان متقيا ، فما الوجه فيه ؟ نقول فيه وجهان :
أحدهما : منقول ، وهو أنه أمر بالمداومة ، فإنه يصح أن يقول القائل للجالس : اجلس ههنا إلى أن أجيئك ، ويقول القائل للساكت : قد أصبت فاسكت تسلم ، أي دم على ما أنت عليه .
والثاني وهو معقول لطيف : وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=29411الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه : بعضهم يخاف من عقابه ، وبعضهم يخاف من قطع ثوابه ، وثالث يخاف من احتجابه . فالنبي لم يؤمر بالتقوى بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني ، وأما الثالث فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا ، وكيف والأمور الدنيوية شاغلة ، والآدمي في الدنيا تارة مع الله ، وأخرى مقبل على ما لا بد منه ، وإن كان معه الله وإلى هذا إشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) [ فصلت : 6 ] يعني يرفع الحجاب عني
[ ص: 165 ] وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم ، فالأمر بالتقوى يوجب استدامة الحضور .
الوجه الثاني : هو أن
nindex.php?page=treesubj&link=28753_31042_25867النبي عليه الصلاة والسلام كل لحظة كان يزداد علمه ومرتبته حتى كان حاله فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه تركا للأفضل ، فكان له في كل ساعة تقوى متجددة ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1اتق الله ) على هذا أمر بما ليس فيه ، وإلى هذا أشار عليه الصلاة والسلام بقوله :
من استوى يوماه فهو مغبون ولأنه طلب من ربه بأمر الله إياه به زيادة العلم حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وقل رب زدني علما ) [ طه : 114 ] وأيضا إلى هذا وقعت الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام : “
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013575إنه ليغان على قلبي ، فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة “ يعني يتجدد له مقام يقول الذي أتيت به من الشكر والعبادة لم يكن شيئا .
إذا علم هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم بحكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6إنما أنا بشر مثلكم ) كان قد وقع له خوف ما يسير من جهة ألسنة الكفار والمنافقين ومن أيديهم بدليل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) [ الأحزاب : 37 ] فأمره الله بتقوى أخرى فوق ما يتقيه بحيث تنسيه الخلق ولا يريد إلا الحق وزاد الله به درجته فكان ذلك بشارة له في (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1ياأيها النبي ) أنت ما بقيت في الدرجة التي يقنع منك بتقوى مثل تقوى الآحاد أو تقوى الأوتاد بل لا يقنع منك إلا بتقوى تنسيك نفسك .
ألا ترى أن الإنسان إذا كان يخاف فوت مال إن هجم عليه غاشم يقصد قتله يذهل عن المال ويهرب ويتركه ، فكذلك النبي عليه الصلاة والسلام أمر بمثل هذه التقوى ، ومع هذه التقوى لا يبقى الخوف من أحد غير الله ، وخرج هذا مخرج قول القائل لمن يخاف زيدا أو عمرا : خف عمرا فإن زيدا لا يقدر عليك إذا كان عمرو معك ، فلا يكون ذلك أمرا بالخوف من عمرو فإنه يخاف وإنما يكون ذلك نهيا عن الخوف من زيد في ضمن الأمر بزيادة الخوف من عمرو حتى ينسيه زيدا .
[ ص: 164 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889_32294سُورَةُ الْأَحْزَابِ
سَبْعُونَ وَثَلَاثُ آيَاتٍ ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ) فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=34080الْفَرْقِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْمُنَادَى بِقَوْلِهِ : يَا رَجُلُ وَيَا أَيُّهَا الرَّجُلُ ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ مَا قِيلَ ، وَنَحْنُ نَقُولُ : قَوْلُ الْقَائِلِ : يَا رَجُلُ يَدُلُّ عَلَى النِّدَاءِ ، وَقَوْلُهُ : يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَيُنْبِئُ عَنْ خَطَرِ خَطْبِ الْمُنَادَى لَهُ أَوْ غَفْلَةِ الْمُنَادَى . أَمَّا الثَّانِي : فَمَذْكُورٌ . وَأَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِأَنَّ قَوْلَهُ : “ يَا أَيُّ “ جَعَلَ الْمُنَادَى غَيْرَ مَعْلُومٍ أَوَّلًا فَيَكُونُ كُلُّ سَامِعٍ مُتَطَلِّعًا إِلَى الْمُنَادَى ، فَإِذَا خَصَّ وَاحِدًا كَانَ فِي ذَلِكَ إِنْبَاءُ الْكُلِّ لِتَطَلُّعِهِمْ إِلَيْهِ ، وَإِذَا قَالَ : يَا زَيْدُ أَوْ يَا رَجُلُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى جَانِبِ الْمُنَادَى إِلَّا الْمَذْكُورُ . إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَاأَيُّهَا ) لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى غَفْلَةِ النَّبِيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1النَّبِيُّ ) يُنَافِي الْغَفْلَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَبِيرٌ فَلَا يَكُونُ غَافِلًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى خَطَرِ الْخَطْبِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ اشْتِغَالِ الْمَأْمُورِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ ، إِذْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ لِلْجَالِسِ : اجْلِسْ وَلِلسَّاكِتِ اسْكُتْ ، وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُتَّقِيًا ، فَمَا الْوَجْهُ فِيهِ ؟ نَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : مَنْقُولٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ أُمِرَ بِالْمُدَاوَمَةِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ لِلْجَالِسِ : اجْلِسْ هَهُنَا إِلَى أَنْ أَجِيئَكَ ، وَيَقُولُ الْقَائِلُ لِلسَّاكِتِ : قَدْ أَصَبْتَ فَاسْكُتْ تَسْلَمْ ، أَيْ دُمْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي وَهُوَ مَعْقُولٌ لَطِيفٌ : وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29411الْمَلِكَ يَتَّقِي مِنْهُ عِبَادُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : بَعْضُهُمْ يَخَافُ مِنْ عِقَابِهِ ، وَبَعْضُهُمْ يَخَافُ مِنْ قَطْعِ ثَوَابِهِ ، وَثَالِثٌ يَخَافُ مِنِ احْتِجَابِهِ . فَالنَّبِيُّ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّقْوَى بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَالْمُخْلِصُ لَا يَأْمَنُهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا ، وَكَيْفَ وَالْأُمُورُ الدُّنْيَوِيَّةُ شَاغِلَةٌ ، وَالْآدَمِيُّ فِي الدُّنْيَا تَارَةً مَعَ اللَّهِ ، وَأُخْرَى مُقْبِلٌ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ اللَّهُ وَإِلَى هَذَا إِشَارَةٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ) [ فُصِّلَتَ : 6 ] يَعْنِي يُرْفَعُ الْحِجَابُ عَنِّي
[ ص: 165 ] وَقْتَ الْوَحْيِ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكُمْ كَأَنِّي مِنْكُمْ ، فَالْأَمْرُ بِالتَّقْوَى يُوجِبُ اسْتِدَامَةَ الْحُضُورِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : هُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28753_31042_25867النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلَّ لَحْظَةٍ كَانَ يَزْدَادُ عِلْمُهُ وَمَرْتَبَتُهُ حَتَّى كَانَ حَالُهُ فِيمَا مَضَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ فِيهِ تَرْكًا لِلْأَفْضَلِ ، فَكَانَ لَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ تَقْوَى مُتَجَدِّدَةٌ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1اتَّقِ اللَّهَ ) عَلَى هَذَا أُمِرَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ :
مَنِ اسْتَوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ وَلِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْ رَبِّهِ بِأَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِهِ زِيَادَةَ الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) [ طه : 114 ] وَأَيْضًا إِلَى هَذَا وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : “
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013575إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي ، فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً “ يَعْنِي يَتَجَدَّدُ لَهُ مَقَامٌ يَقُولُ الَّذِي أَتَيْتُ بِهِ مِنَ الشُّكْرِ وَالْعِبَادَةِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا .
إِذَا عُلِمَ هَذَا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُكْمِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) كَانَ قَدْ وَقَعَ لَهُ خَوْفٌ مَا يَسِيرٌ مِنْ جِهَةِ أَلْسِنَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَمِنْ أَيْدِيهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) [ الْأَحْزَابِ : 37 ] فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِتَقْوَى أُخْرَى فَوْقَ مَا يَتَّقِيهِ بِحَيْثُ تُنْسِيهِ الْخَلْقَ وَلَا يُرِيدُ إِلَّا الْحَقَّ وَزَادَ اللَّهُ بِهِ دَرَجَتَهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِشَارَةً لَهُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ ) أَنْتَ مَا بَقِيتَ فِي الدَّرَجَةِ الَّتِي يُقْنَعُ مِنْكَ بِتَقْوَى مِثْلَ تَقْوَى الْآحَادِ أَوْ تَقْوَى الْأَوْتَادِ بَلْ لَا يُقْنَعُ مِنْكَ إِلَّا بِتَقْوَى تُنْسِيكَ نَفْسَكَ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ يَخَافُ فَوْتَ مَالٍ إِنْ هَجَمَ عَلَيْهِ غَاشِمٌ يَقْصِدُ قَتْلَهُ يَذْهَلُ عَنِ الْمَالِ وَيَهْرُبُ وَيَتْرُكُهُ ، فَكَذَلِكَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُمِرَ بِمِثْلِ هَذِهِ التَّقْوَى ، وَمَعَ هَذِهِ التَّقْوَى لَا يَبْقَى الْخَوْفُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ ، وَخَرَجَ هَذَا مَخْرَجَ قَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ يَخَافُ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا : خَفْ عَمْرًا فَإِنَّ زَيْدًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْكَ إِذَا كَانَ عَمْرٌو مَعَكَ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِالْخَوْفِ مِنْ عَمْرٍو فَإِنَّهُ يَخَافُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ نَهْيًا عَنِ الْخَوْفِ مِنْ زَيْدٍ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِزِيَادَةِ الْخَوْفِ مِنْ عَمْرٍو حَتَّى يُنْسِيَهُ زَيْدًا .