( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا    ) 
 [ ص: 177 ] ثم قال تعالى : ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا    ) 
أي عاونوهم من أهل الكتاب وهم بنو قريظة    . ( من صياصيهم    ) من قلاعهم ، ( وقذف في قلوبهم الرعب    ) حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونساءهم للسبي    . ( فريقا تقتلون    ) وهم الرجال ، ( وتأسرون فريقا    ) وهم الصبيان والنسوان ، فإن قيل : هل في تقديم المفعول حيث قال ( فريقا تقتلون    ) وتأخيره حيث قال : ( وتأسرون فريقا    ) فائدة ؟ قلت : قد أجبنا أن ما من شيء من القرآن إلا وله فوائد منها ما يظهر ومنها ما لا يظهر ، والذي يظهر من هذا - والله أعلم - أن القائل يبدأ بالأهم فالأهم والأعرف فالأعرف والأقرب فالأقرب ، والرجال كانوا مشهورين فكان القتل واردا عليهم ، والأسرى كانوا هم النساء والصغار ولم يكونوا مشهورين ، والسبي والأسر أظهر من القتل لأنه يبقى فيظهر لكل أحد أنه أسير فقدم من المحلين ما هو أشهر على الفعل القائم به ، وما هو أشهر من الفعلين قدمه على المحل الأخفى . 
وإن شئنا نقول بعبارة توافق المسائل النحوية فنقول : قوله :   ( فريقا تقتلون    ) فعل ومفعول  ، والأصل في الجمل الفعلية تقديم الفعل على المفعول والفاعل . أما أنها جملة فعلية فلأنها لو كانت اسمية لكان الواجب في فريق الرفع وكان يقول “ فريق منهم تقتلونهم “ فلما نصب كان ذلك بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره “ تقتلون فريقا تقتلون “ والحامل على مثل هذا الكلام شدة الاهتمام ببيان المفعول ، وهاهنا كذلك ; لأنه تعالى لما ذكر حال الذين ظاهروهم وأنه قذف في قلوبهم الرعب فلو قال : “ تقتلون “ إلى أن يسمع السامع مفعول تقتلون يكون زمان ، وقد يمنعه مانع فيفوته فلا يعلم أنهم هم المقتولون ، فأما إذا قال : “ فريقا “ مع سبق في قلوبهم الرعب إلى سمعه يستمع إلى تمام الكلام ، وإذا كان الأول فعلا ومفعولا قدم المفعول لفائدة عطف الجملة الثانية عليها على الأصل ، فعدم تقديم الفعل لزوال موجب التقديم إذا عرف حالهم وما يجيء بعده يكون مصروفا إليهم ، ولو قال بعد ذلك : “ وفريقا تأسرون “ فمن سمع فريقا ربما يظن أن يقال فيهم يطلقون ، أو لا يقدرون عليهم فكان تقديم الفعل ههنا أولى ، وكذلك الكلام في قوله : ( وأنزل الذين ظاهروهم    ) وقوله : ( وقذف    ) فإن قذف الرعب قبل الإنزال ; لأن الرعب صار سبب الإنزال ، ولكن لما كان الفرح في إنزالهم أكثر ، قدم الإنزال على قذف الرعب ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					