(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أافترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أافترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون تمام قول الذين كفروا أولا أعني هو من كلام من قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هل ندلكم ) ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هل ندلكم ) كأن السامع لما سمع قول القائل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هل ندلكم على رجل ) قال له : أهو يفتري على الله كذبا ؟ إن كان يعتقد خلافه ، أم به جنة [ أي ] جنون ؟ إن كان لا يعتقد خلافه ( وفي هذا لطيفة ) وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077الكافر لا يرضى بأن يظهر كذبه ، ولهذا قسم ولم يجزم بأنه مفتر ، بل قال مفتر أو مجنون ، احترازا من أن يقول قائل : كيف يقول بأنه مفتر ، مع أنه جائز أن يظن أن الحق ذلك فظن الصدق يمنع تسمية القائل مفتريا وكاذبا في بعض المواضع ، ألا ترى أن من يقول : جاء زيد ، فإذا تبين أنه لم يجئ وقيل له : كذبت ، يقول : ما كذبت ، وإنما سمعت من فلان أنه جاء ، فظننت أنه صادق فيدفع الكذب عن نفسه بالظن ، فهم احترزوا عن تبين كذبهم ، فكل عاقل ينبغي أن يحترز عن ظهور كذبه عند الناس ، ولا يكون العاقل أدنى درجة من الكافر ، ثم إنه تعالى أجابهم مرة أخرى وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب ) في مقابلة قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أافترى على الله كذبا ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8والضلال البعيد ) في مقابلة قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8به جنة ) وكلاهما مناسب . أما العذاب ؛ فلأن نسبة الكذب إلى الصادق مؤذية ؛ لأنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوه إلى الكذب . وأما الجنون فلأن نسبة الجنون إلى العاقل دونه في الإيذاء ؛ لأنه لا يشهد عليه بأنه يعذب ، ولكن ينسبه إلى عدم الهداية فبين أنهم هم الضالون ، ثم وصف ضلالهم بالبعد ؛ لأن من يسمي المهتدي ضالا يكون هو الضال ، فمن يسمي الهادي ضالا يكون أضل ،
[ ص: 212 ] nindex.php?page=treesubj&link=28749_28753والنبي عليه الصلاة والسلام كان هادي كل مهتد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء )
لما ذكر الدليل بكونه عالم الغيب وكونه جازيا على السيئات والحسنات ذكر دليلا آخر وذكر فيه تهديدا . أما الدليل فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9من السماء والأرض ) فإنهما
nindex.php?page=treesubj&link=28658يدلان على الوحدانية كما بيناه مرارا ، وكما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ لقمان : 25 ] ويدلان على الحشر لأنهما يدلان على كمال قدرته ومنها الإعادة ، وقد ذكرناه مرارا ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) [ يس : 81 ] وأما التهديد فبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9إن نشأ نخسف بهم الأرض ) يعني نجعل عين نافعهم ضارهم بالخسف والكسف .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ) أي لكل من يرجع إلى الله ويترك التعصب ثم إن الله تعالى لما ذكر من ينيب من عباده ، ذكر منهم من أناب وأصاب ومن جملتهم
داود كما قال تعالى عنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ) [ ص : 24 ] وبين ما آتاه الله على إنابته فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10منا ) إشارة إلى بيان
nindex.php?page=treesubj&link=31956فضيلة داود عليه السلام ، وتقريره هو أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ولقد آتينا داود منا فضلا ) مستقل بالمفهوم وتام كما يقول القائل : آتى الملك زيدا خلعة ، فإذا قال القائل : آتاه منه خلعة يفيد أنه كان من خاص ما يكون له ، فكذلك إيتاء الله الفضل عام ، لكن النبوة من عنده خاص بالبعض ، ومثل هذا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان ) [ التوبة : 21 ] فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29693_19961رحمة الله واسعة تصل إلى كل أحد في الدنيا لكن
nindex.php?page=treesubj&link=19962رحمته في الآخرة على المؤمنين رحمة من عنده لخواصه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يبشرهم ربهم برحمة منه ) .
المسألة الثانية : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ياجبال أوبي معه ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " يا جبال " بدل من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10فضلا ) معناه آتيناه فضلا ، قولنا : يا جبال ، أو من آتينا ومعناه قلنا : يا جبال .
المسألة الثالثة : قرئ أوبي بتشديد الواو من التأويب وبسكونها وضم الهمزة : أوبي من الأوب وهو الرجوع ، والتأويب الترجيع ، وقيل بأن معناه سيري معه ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79يسبحن ) [ الأنبياء : 79 ] قالوا : هو من السباحة وهي الحركة المخصوصة .
المسألة الرابعة : قرئ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10والطير ) بالنصب حملا على محل المنادى ، والطير بالرفع حملا على لفظه .
المسألة الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=34077لم يكن الموافق له في التأويب منحصرا في الجبال والطير ولكن ذكر الجبال ؛ لأن الصخور للجمود ، والطير للنفور تستبعد منهما الموافقة ، فإذا وافقه هذه الأشياء فغيرها أولى ، ثم إن من الناس من لم يوافقه وهم القاسية قلوبهم التي هي أشد قسوة من الحجارة .
المسألة السادسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10وألنا له الحديد ) عطف ، والمعطوف عليه يحتمل أن يكون "قلنا" المقدر في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ياجبال " تقديره : قلنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ياجبال ) أوبي وألنا ، ويحتمل أن يكون عطفا على آتينا تقديره آتيناه فضلا وألنا له .
[ ص: 213 ]
المسألة السابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=31956ألان الله له الحديد حتى كان في يده كالشمع وهو في قدرة الله يسير ، فإنه يلين بالنار وينحل حتى يصير كالمداد الذي يكتب به ، فأي عاقل يستبعد ذلك من قدرة الله ، قيل : إنه طلب من الله أن يغنيه عن أكل مال بيت المال فألان له الحديد وعلمه صنعة اللبوس وهي الدروع ، وإنما اختار الله له ذلك ؛ لأنه وقاية للروح التي هي من أمره وسعي في حفظ الآدمي المكرم عند الله من القتل ، فالزراد خير من القواس والسياف وغيرهما .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ تَمَامَ قَوْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوَّلًا أَعْنِي هُوَ مِنْ كَلَامِ مَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هَلْ نَدُلُّكُمْ ) وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ السَّامِعِ الْمُجِيبِ لِمَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هَلْ نَدُلُّكُمْ ) كَأَنَّ السَّامِعَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْقَائِلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ ) قَالَ لَهُ : أَهُوَ يَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ؟ إِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ ، أَمْ بِهِ جَنَّةٌ [ أَيْ ] جُنُونٌ ؟ إِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ ( وَفِي هَذَا لَطِيفَةٌ ) وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077الْكَافِرَ لَا يَرْضَى بِأَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ ، وَلِهَذَا قَسَمَ وَلَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّهُ مُفْتَرٍ ، بَلْ قَالَ مُفْتَرٍ أَوْ مَجْنُونٌ ، احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : كَيْفَ يَقُولُ بِأَنَّهُ مُفْتَرٍ ، مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْحَقَّ ذَلِكَ فَظَنُّ الصِّدْقِ يَمْنَعُ تَسْمِيَةَ الْقَائِلِ مُفْتَرِيًا وَكَاذِبًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ يَقُولُ : جَاءَ زَيْدٌ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقِيلَ لَهُ : كَذَبْتَ ، يَقُولُ : مَا كَذَبْتُ ، وَإِنَّمَا سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ أَنَّهُ جَاءَ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَيَدْفَعُ الْكَذِبَ عَنْ نَفْسِهِ بِالظَّنِّ ، فَهُمُ احْتَرَزُوا عَنْ تَبَيُّنِ كَذِبِهِمْ ، فَكُلُّ عَاقِلٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ ظُهُورِ كَذِبِهِ عِنْدَ النَّاسِ ، وَلَا يَكُونُ الْعَاقِلُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنَ الْكَافِرِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَجَابَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ ) فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8بِهِ جِنَّةٌ ) وَكِلَاهُمَا مُنَاسِبٌ . أَمَّا الْعَذَابُ ؛ فَلِأَنَّ نِسْبَةَ الْكَذِبِ إِلَى الصَّادِقِ مُؤْذِيَةٌ ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ فَجُعِلَ الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ نَسَبُوهُ إِلَى الْكَذِبِ . وَأَمَّا الْجُنُونُ فَلِأَنَّ نِسْبَةَ الْجُنُونِ إِلَى الْعَاقِلِ دُونَهُ فِي الْإِيذَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يُعَذَّبُ ، وَلَكِنْ يَنْسُبُهُ إِلَى عَدَمِ الْهِدَايَةِ فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ هُمُ الضَّالُّونَ ، ثُمَّ وَصَفَ ضَلَالَهُمْ بِالْبُعْدِ ؛ لِأَنَّ مَنْ يُسَمِّي الْمُهْتَدِي ضَالًّا يَكُونُ هُوَ الضَّالَّ ، فَمَنْ يُسَمِّي الْهَادِيَ ضَالًّا يَكُونُ أَضَلَّ ،
[ ص: 212 ] nindex.php?page=treesubj&link=28749_28753وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ هَادِيَ كُلِّ مُهْتَدٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ )
لَمَّا ذَكَرَ الدَّلِيلَ بِكَوْنِهِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَكَوْنِهِ جَازِيًا عَلَى السَّيِّئَاتِ وَالْحَسَنَاتِ ذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ وَذَكَرَ فِيهِ تَهْدِيدًا . أَمَّا الدَّلِيلُ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) فَإِنَّهُمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28658يَدُلَّانِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) [ لُقْمَانَ : 25 ] وَيَدُلَّانِ عَلَى الْحَشْرِ لِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَمِنْهَا الْإِعَادَةُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) [ يس : 81 ] وَأَمَّا التَّهْدِيدُ فَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ ) يَعْنِي نَجْعَلُ عَيْنَ نَافِعِهِمْ ضَارَّهُمْ بِالْخَسْفِ وَالْكِسَفِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) أَيْ لِكُلِّ مَنْ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ وَيَتْرُكُ التَّعَصُّبَ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَنْ يُنِيبُ مِنْ عِبَادِهِ ، ذَكَرَ مِنْهُمْ مَنْ أَنَابَ وَأَصَابَ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ
دَاوُدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ) [ ص : 24 ] وَبَيَّنَ مَا آتَاهُ اللَّهُ عَلَى إِنَابَتِهِ فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10مِنَّا ) إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=31956فَضِيلَةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَتَقْرِيرُهُ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا ) مُسْتَقِلٌّ بِالْمَفْهُومِ وَتَامٌّ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : آتَى الْمَلِكُ زَيْدًا خِلْعَةً ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ : آتَاهُ مِنْهُ خِلْعَةً يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ خَاصِّ مَا يَكُونُ لَهُ ، فَكَذَلِكَ إِيتَاءُ اللَّهِ الْفَضْلَ عَامٌّ ، لَكِنَّ النُّبُوَّةَ مِنْ عِنْدِهِ خَاصٌّ بِالْبَعْضِ ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ ) [ التَّوْبَةِ : 21 ] فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29693_19961رَحْمَةَ اللَّهِ وَاسِعَةٌ تَصِلُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي الدُّنْيَا لَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19962رَحْمَتَهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةٌ مِنْ عِنْدِهِ لِخَوَاصِّهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : " يَا جِبَالُ " بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10فَضْلًا ) مَعْنَاهُ آتَيْنَاهُ فَضْلًا ، قَوْلُنَا : يَا جِبَالُ ، أَوْ مَنْ آتَيْنَا وَمَعْنَاهُ قُلْنَا : يَا جِبَالُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قُرِئَ أَوِّبِي بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِنَ التَّأْوِيبِ وَبِسُكُونِهَا وَضَمِّ الْهَمْزَةِ : أُوبِي مِنَ الْأَوْبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ ، وَالتَّأْوِيبُ التَّرْجِيعُ ، وَقِيلَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ سِيرِي مَعَهُ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79يُسَبِّحْنَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 79 ] قَالُوا : هُوَ مِنَ السِّبَاحَةِ وَهِيَ الْحَرَكَةُ الْمَخْصُوصَةُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قُرِئَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10وَالطَّيْرَ ) بِالنَّصْبِ حَمْلًا عَلَى مَحَلِّ الْمُنَادَى ، وَالطَّيْرُ بِالرَّفْعِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077لَمْ يَكُنِ الْمُوَافِقُ لَهُ فِي التَّأْوِيبِ مُنْحَصِرًا فِي الْجِبَالِ وَالطَّيْرِ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْجِبَالَ ؛ لِأَنَّ الصُّخُورَ لِلْجُمُودِ ، وَالطَّيْرَ لِلنُّفُورِ تُسْتَبْعَدُ مِنْهُمَا الْمُوَافَقَةُ ، فَإِذَا وَافَقَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَغَيْرُهَا أَوْلَى ، ثُمَّ إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُ وَهُمُ الْقَاسِيَةُ قُلُوبُهُمُ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ قَسْوَةً مِنَ الْحِجَارَةِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) عَطْفٌ ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ "قُلْنَا" الْمُقَدَّرَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يَاجِبَالُ " تَقْدِيرُهُ : قُلْنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يَاجِبَالُ ) أَوِّبِي وَأَلَنَّا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى آتَيْنَا تَقْدِيرُهُ آتَيْنَاهُ فَضْلًا وَأَلَنَّا لَهُ .
[ ص: 213 ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31956أَلَانَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِيدَ حَتَّى كَانَ فِي يَدِهِ كَالشَّمْعِ وَهُوَ فِي قُدْرَةِ اللَّهُ يَسِيرٌ ، فَإِنَّهُ يَلِينُ بِالنَّارِ وَيَنْحَلُّ حَتَّى يَصِيرَ كَالْمِدَادِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ ، فَأَيُّ عَاقِلٍ يَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ ، قِيلَ : إِنَّهُ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُغْنِيَهُ عَنْ أَكْلِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَأَلَانَ لَهُ الْحَدِيدَ وَعَلَّمَهُ صَنْعَةَ اللَّبُوسِ وَهِيَ الدُّرُوعُ ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِلرُّوحِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَمْرِهِ وَسَعْيٌ فِي حِفْظِ الْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْقَتْلِ ، فَالزَّرَّادُ خَيْرٌ مِنَ الْقَوَّاسِ وَالسَّيَّافِ وَغَيْرِهِمَا .