(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قل من يرزقكم من السماوات والأرض ) قد ذكرنا مرارا أن العامة يعبدون الله لا لكونه إلها ، وإنما يطلبون به شيئا ، وذلك إما دفع ضرر أو جر نفع فنبه الله تعالى العامة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22قل ادعوا الذين زعمتم ) على أنه لا يدفع الضر أحد إلا هو كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ) [ يونس : 107 ] وقال بعد إتمام بيان ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قل من يرزقكم من السماوات والأرض ) إشارة إلى أن جر النفع ليس إلا به ومنه ، فإذا إن كنتم من الخواص فاعبدوه لعلوه وكبريائه سواء دفع عنكم ضرا أو لم يدفع ، وسواء نفعكم بخير أو لم ينفع فإن لم تكونوا كذلك فاعبدوه لدفع الضر وجر النفع .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قل الله ) يعني إن لم يقولوا هم فقل أنت : الله يرزق ( وههنا لطيفة ) : وهي أن الله تعالى عند الضر ذكر أنهم يقولون : الله ويعترفون بالحق حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23قالوا الحق ) وعند النفع لم يقل إنهم يقولون ذلك وذلك لأن لهم حالة يعترفون بأن كاشف الضر هو الله حيث يقعون في الضر كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=33وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ) [ الروم : 33 ] وأما عند الراحة فلا تنبه لهم لذلك فلذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قل الله ) أي هم في حالة الراحة غافلون عن الله .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28431إرشاد من الله لرسوله إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها وذلك لأن أحد المتناظرين إذا قال للآخر هذا الذي تقوله خطأ وأنت فيه مخطئ يغضبه ، وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض ، وأما إذا قال له بأن أحدنا لا يشك في أنه مخطئ والتمادي في الباطل قبيح والرجوع إلى الحق أحسن الأخلاق فنجتهد ونبصر أينا على الخطأ ليحترز فإنه يجتهد ذلك الخصم في النظر ويترك التعصب وذلك لا يوجب نقصا في المنزلة لأنه أوهم بأنه في قوله شاك ، ويدل عليه قول الله تعالى لنبيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وإنا أو إياكم ) مع أنه لا يشك في أنه هو الهادي وهو المهتدي وهم الضالون والمضلون .
المسألة الثانية : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ذكر في الهدى كلمة "على" ، وفي الضلال كلمة "في" لأن المهتدي كأنه مرتفع متطلع فذكره بكلمة التعلي ، والضال منغمس في الظلمة غريق فيها فذكره بكلمة "في" .
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=34077وصف الضلال بالمبين ولم يصف الهدى لأن الهدى هو الصراط المستقيم الموصل
[ ص: 223 ] إلى الحق ، والضلال خلافه لكن المستقيم واحد وما هو غيره كله ضلال وبعضه بين من بعض ، فميز البعض عن البعض بالوصف .
المسألة الرابعة : قدم الهدى على الضلال لأنه كان وصف المؤمنين المذكورين بقوله : ( إنا ) وهو مقدم في الذكر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) قَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ الْعَامَّةَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ لَا لِكَوْنِهِ إِلَهًا ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُونَ بِهِ شَيْئًا ، وَذَلِكَ إِمَّا دَفْعُ ضَرَرٍ أَوْ جَرُّ نَفْعٍ فَنَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَامَّةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=22قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ) عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الضُّرَّ أَحَدٌ إِلَّا هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) [ يُونُسَ : 107 ] وَقَالَ بَعْدَ إِتْمَامِ بَيَانِ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّ جَرَّ النَّفْعِ لَيْسَ إِلَّا بِهِ وَمِنْهُ ، فَإِذًا إِنْ كُنْتُمْ مِنَ الْخَوَاصِّ فَاعْبُدُوهُ لِعُلُوِّهِ وَكِبْرِيَائِهِ سَوَاءٌ دَفَعَ عَنْكُمْ ضُرًّا أَوْ لَمْ يَدْفَعْ ، وَسَوَاءٌ نَفَعَكُمْ بِخَيْرٍ أَوْ لَمْ يَنْفَعْ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا كَذَلِكَ فَاعْبُدُوهُ لِدَفْعِ الضُّرِّ وَجَرِّ النَّفْعِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قُلِ اللَّهُ ) يَعْنِي إِنْ لَمْ يَقُولُوا هُمْ فَقُلْ أَنْتَ : اللَّهُ يَرْزُقُ ( وَهَهُنَا لَطِيفَةٌ ) : وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الضُّرِّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : اللَّهُ وَيَعْتَرِفُونَ بِالْحَقِّ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23قَالُوا الْحَقَّ ) وَعِنْدَ النَّفْعِ لَمْ يَقُلْ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ لَهُمْ حَالَةً يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ كَاشِفَ الضُّرِّ هُوَ اللَّهُ حَيْثُ يَقَعُونَ فِي الضُّرِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=33وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ) [ الرُّومِ : 33 ] وَأَمَّا عِنْدَ الرَّاحَةِ فَلَا تَنَبُّهَ لَهُمْ لِذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24قُلِ اللَّهُ ) أَيْ هُمْ فِي حَالَةِ الرَّاحَةِ غَافِلُونَ عَنِ اللَّهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28431إِرْشَادٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ إِلَى الْمُنَاظَرَاتِ الْجَارِيَةِ فِي الْعُلُومِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ إِذَا قَالَ لِلْآخَرِ هَذَا الَّذِي تَقُولُهُ خَطَأٌ وَأَنْتَ فِيهِ مُخْطِئٌ يُغْضِبُهُ ، وَعِنْدَ الْغَضَبِ لَا يَبْقَى سَدَادُ الْفِكْرِ وَعِنْدَ اخْتِلَالِهِ لَا مَطْمَعَ فِي الْفَهْمِ فَيَفُوتُ الْغَرَضُ ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ لَهُ بِأَنَّ أَحَدَنَا لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ مُخْطِئٌ وَالتَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ قَبِيحٌ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ أَحْسَنُ الْأَخْلَاقِ فَنَجْتَهِدُ وَنُبْصِرُ أَيُّنَا عَلَى الْخَطَأِ لِيَحْتَرِزَ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ ذَلِكَ الْخَصْمُ فِي النَّظَرِ وَيَتْرُكُ التَّعَصُّبَ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الْمَنْزِلَةِ لِأَنَّهُ أَوْهَمَ بِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ شَاكٌّ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ) مَعَ أَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ هُوَ الْهَادِي وَهُوَ الْمُهْتَدِي وَهُمُ الضَّالُّونَ وَالْمُضِلُّونَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ذَكَرَ فِي الْهُدَى كَلِمَةَ "عَلَى" ، وَفِي الضَّلَالِ كَلِمَةَ "فِي" لِأَنَّ الْمُهْتَدِيَ كَأَنَّهُ مُرْتَفِعٌ مُتَطَلِّعٌ فَذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ التَّعَلِّي ، وَالضَّالُّ مُنْغَمِسٌ فِي الظُّلْمَةِ غَرِيقٌ فِيهَا فَذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ "فِي" .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077وَصَفَ الضَّلَالَ بِالْمُبِينِ وَلَمْ يَصِفِ الْهُدَى لِأَنَّ الْهُدَى هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْمُوصِلُ
[ ص: 223 ] إِلَى الْحَقِّ ، وَالضَّلَالُ خِلَافُهُ لَكِنَّ الْمُسْتَقِيمَ وَاحِدٌ وَمَا هُوَ غَيْرُهُ كُلُّهُ ضَلَالٌ وَبَعْضُهُ بَيِّنٌ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَيَّزَ الْبَعْضَ عَنِ الْبَعْضِ بِالْوَصْفِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَدَّمَ الْهُدَى عَلَى الضَّلَالِ لِأَنَّهُ كَانَ وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَذْكُورِينَ بِقَوْلِهِ : ( إِنَّا ) وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الذِّكْرِ .