( ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون  قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون    ) 
ثم قال تعالى : ( ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون  قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون    ) لما بين أن حال النبي صلى الله عليه وسلم كحال من تقدمه من الأنبياء ، وحال قومه كحال من تقدم من الكفار ، وبين بطلان استدلالهم بكثرة أموالهم وأولادهم ، بين ما يكون من عاقبة حالهم فقال : ( ويوم يحشرهم جميعا    ) يعني المكذبين بك وبمن تقدمك ، ثم نقول لمن يدعون أنهم يعبدونهم وهم الملائكة ، فإن غاية ما ترتقي إليه منزلتهم أنهم يقولون نحن نعبد الملائكة والكواكب ، فيسأل الملائكة أهم كانوا يعبدونكم ؟ إهانة لهم ، فيقول كل منهم : سبحانك ننزهك عن أن يكون غيرك معبودا وأنت معبودنا ومعبود كل خلق ، وقولهم : ( أنت ولينا من دونهم    ) إشارة إلى معنى لطيف وهو أن مذاهب الناس مختلفة    : بعضهم لا يسكن المواضع المعمورة التي يكون فيها سواد عظيم ، لأنه لا يترأس هناك فيرضى الضياع والبلاد الصغيرة ، وبعضهم لا يريد البلاد الصغيرة لعدم اجتماعه فيها بالناس وقلة وصوله فيها إلى الأكياس ، ثم إن الفريقين جميعا إذا عرض عليهم خدمة السلطان واستخدام الأرذال الذين لا التفات إليهم أصلا يختار العاقل خدمة السلطان على استخدام من لا يؤبه به ، ولو أن رجلا سكن جبلا ووضع بين يديه شيئا من القاذورات واجتمع عليه الذباب والديدان ، وهو يقول : هؤلاء أتباعي وأشياعي ، ولا أدخل المدينة مخافة أن أحتاج إلى خدمة السلطان العظيم والتردد إليه ينسب إلى الجنون ، فكذلك من رضي بأن يترك خدمة الله وعبادته ، ورضي باستتباع الهمج الذين هم أضل من البهائم وأقل من الهوام يكون مجنونا  ، فقالوا : ( أنت ولينا من دونهم    ) يعني : كونك ولينا بالمعبودية أولى ، وأحب إلينا من كونهم أولياءنا بالعبادة لنا ، وقالوا : ( بل كانوا يعبدون الجن    ) أي كانوا ينقادون لأمر الجن ، فهم في الحقيقة كانوا يعبدون الجن ، ونحن كنا كالقبلة لهم ؛ لأن العبادة هي الطاعة وقوله تعالى : ( أكثرهم بهم مؤمنون    ) لو قال قائل : جميعهم كانوا تابعين للشياطين ، فما وجه قوله : ( أكثرهم بهم مؤمنون    ) فإنه ينبئ أن بعضهم لم يؤمن بهم ولم يطع لهم ؟ نقول : الجواب عنه من وجهين : 
أحدهما : أن الملائكة احترزوا عن دعوى الإحاطة بهم فقالوا أكثرهم لأن الذين رأوهم واطلعوا على أحوالهم كانوا يعبدون الجن ويؤمنون بهم ولعل في الوجود من لم يطلع الله الملائكة عليه من الكفار . 
الثاني : هو أن العبادة عمل ظاهر والإيمان عمل باطن فقالوا : ( بل كانوا يعبدون الجن    ) لاطلاعهم على أعمالهم وقالوا : ( أكثرهم بهم مؤمنون    ) عند عمل القلب لئلا يكونوا مدعين اطلاعهم على ما في القلوب فإن القلب لا اطلاع عليه إلا لله  ، كما قال تعالى : ( إنه عليم بذات الصدور    ) [ الشورى : 24 ] . 
				
						
						
