(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=70ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=70ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون )
واعلم أنه تعالى لما حكى عن المشركين أنهم أمروا الرسول بعبادة الأصنام ، ثم إنه تعالى أقام الدلائل على فساد قولهم وأمر الرسول بأن يعبد الله ولا يعبد شيئا آخر سواه ، بين أنهم لو عرفوا الله حق معرفته لما جعلوا هذه الأشياء الخسيسة مشاركة له المعبودية ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=29010_33679وما قدروا الله حق قدره ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : احتج بعض الناس بهذه الآية على أن الخلق لا يعرفون حقيقة الله ، قالوا : لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره ) يفيد هذا المعنى ، إلا أنا ذكرنا أن هذا صفة حال الكفار فلا يلزم من وصف الكفار بأنهم ما قدروا الله حق قدره وصف المؤمنين بذلك ، فسقط هذا الكلام .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره ) أي ما عظموه حق تعظيمه ، وهذه الآية مذكورة في سور ثلاث ، في سورة الأنعام ، وفي سورة الحج ، وفي هذه السورة .
واعلم أنه تعالى لما بين أنهم ما عظموه تعظيما لائقا به أردفه بما يدل على كمال عظمته ونهاية جلالته ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) قال
القفال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ) كقول القائل : وما قدرتني حق قدري وأنا الذي فعلت كذا وكذا ، أي لما عرفت أن حالي وصفتي هذا الذي ذكرت ، فوجب أن لا تحطني عن قدري ومنزلتي ، ونظيره قوله تعالى :
[ ص: 14 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) [البقرة : 28] أي كيف تكفرون بمن هذا وصفه وحال ملكه ؟ فكذا هاهنا ، والمعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره ) إذ زعموا أن له شركاء وأنه لا يقدر على إحياء الموتى مع أن
nindex.php?page=treesubj&link=33679_29687الأرض والسماوات في قبضته وقدرته ، قال صاحب "الكشاف" الغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو مجاز ، وكذلك ما
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013649روي أن يهوديا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا القاسم إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ، ثم يهزهن فيقول : أنا الملك ! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال .
قال صاحب "الكشاف" : وإنما ضحك أفصح العرب لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من غير تصور إمساك ولا إصبع ولا هز ولا شيء من ذلك ، ولكن فهمه وقع أول كل شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة ، وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام ولا تكتنهها الأذهان هينة عليه ، قال : ولا نرى بابا في علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب ، فيقال له : هل تسلم أن الأصل في الكلام حمله على الحقيقة ، وأنه إنما يعدل عن الحقيقة إلى المجاز عند قيام الدلالة على أن حمله على حقيقته ممتنع ، فحينئذ يجب حمله على المجاز ، فإن أنكر هذا الأصل فحينئذ يخرج القرآن بالكلية عن أن يكون حجة ، فإن لكل أحد أن يقول : المقصود من الآية الفلانية كذا وكذا ، فأنا أحمل الآية على ذلك المقصود ، ولا ألتفت إلى الظواهر ، مثاله من تمسك بالآيات الواردة في ثواب أهل الجنة وعقاب أهل النار ، قال : المقصود بيان سعادات المطيعين وشقاوة المذنبين ، وأنا أحمل هذه الآيات على هذا المقصود ولا أثبت الأكل والشرب ولا سائر الأحوال الجسمانية ، ومن تمسك بالآيات الواردة في إثبات وجوب الصلاة فقال : المقصود منه إيجاب تنوير القلب بذكر الله ، فأنا أكتفي بهذا القدر ولا أوجب هذه الأعمال المخصوصة ، وإذا عرفت الكلام في هذين المثالين فقس عليه سائر المسائل الأصولية والفروعية ، وحينئذ يخرج القرآن عن أن يكون حجة في المسائل الأصولية والفروعية ، وذلك باطل قطعا .
وأما إن سلم أن الأصل في علم القرآن أن يعتقد أن الأصل في الكلام حمله على حقيقته ، فإن قام دليل منفصل على أنه يتعذر حمله على حقيقته ، فحينئذ يتعين صرفه إلى مجازه ، فإن حصلت هناك مجازات لم يتعين صرفه إلى مجاز معين إلا إذا كان الدليل يوجب ذلك التعيين ، فنقول هاهنا : لفظ القبضة ولفظ اليمين حقيقة في الجارحة المخصوصة ، ولا يمكنك أن تصرف ظاهر الكلام عن هذا المعنى إلا إذا أقمت الدلالة على أن حمل هذه الألفاظ على ظواهرها ممتنع ، فحينئذ يجب حملها على المجازات ، ثم تبين بالدليل أن المعنى الفلاني يصح جعله مجازا عن تلك الحقيقة ، ثم تبين بالدليل أن هذا المجاز أولى من غيره ، وإذا ثبتت هذه المقدمات وترتيبها على هذا الوجه فهذا هو الطريق الصحيح الذي عليه تعويل أهل التحقيق ، فأنت ما أتيت في هذا الباب بطريقة جديدة وكلام غريب ، بل هو عين ما ذكره أهل التحقيق ، فثبت أن الفرح الذي أظهره من أنه اهتدى إلى الطريق الذي لم يعرفه غيره ، طريق فاسد ، دال على قلة وقوفه على المعاني .
ولنرجع إلى الطريق الحقيقي ، فنقول : لا شك أن لفظ القبضة واليمين مشعر بهذه الأعضاء والجوارح ، إلا أن الدلائل العقلية قامت على
nindex.php?page=treesubj&link=33677_28716_29442امتناع ثبوت الأعضاء والجوارح لله تعالى ، فوجب حمل هذه الأعضاء على وجوه المجاز ، فنقول : إنه يقال : فلان في قبضة فلان : إذا كان تحت تدبيره وتسخيره . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) [المعارج : 30] والمراد منه كونه مملوكا له ، ويقال : هذه الدار
[ ص: 15 ] في يد فلان ، وفلان صاحب اليد ، والمراد من الكل القدرة ، والفقهاء يقولون في الشروط : وقبض فلان كذا وصار في قبضته ، ولا يريدون إلا خلوص ملكه ، وإذا ثبت تعذر حمل هذه الألفاظ على حقائقها وجب حملها على مجازاتها ; صونا لهذه النصوص عن التعطيل ، فهذا هو الكلام الحقيقي في هذا الباب ، ولنا كتاب مفرد في إثبات تنزيه الله تعالى عن الجسمية والمكان ، سميناه بتأسيس التقديس ، من أراد الإطناب في هذا الباب فليرجع إليه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=70وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=69وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=70وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ )
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ أَمَرُوا الرَّسُولَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَقَامَ الدَّلَائِلَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ وَأَمَرَ الرَّسُولَ بِأَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا يَعْبُدَ شَيْئًا آخَرَ سِوَاهُ ، بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوا اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ لَمَا جَعَلُوا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْخَسِيسَةَ مُشَارِكَةً لَهُ الْمَعْبُودِيَّةَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=29010_33679وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ لَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ اللَّهِ ، قَالُوا : لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى ، إِلَّا أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا صِفَةُ حَالِ الْكُفَّارِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِ الْكُفَّارِ بِأَنَّهُمْ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَصْفُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ ، فَسَقَطَ هَذَا الْكَلَامُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ ، فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُمْ مَا عَظَّمُوهُ تَعْظِيمًا لَائِقًا بِهِ أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَظَمَتِهِ وَنِهَايَةِ جَلَالَتِهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) قَالَ
الْقَفَّالُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) كَقَوْلِ الْقَائِلِ : وَمَا قَدَرْتَنِي حَقَّ قَدْرِي وَأَنَا الَّذِي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، أَيْ لَمَّا عَرَفْتَ أَنَّ حَالِي وَصِفَتِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَحُطَّنِي عَنْ قَدْرِي وَمَنْزِلَتِي ، وَنَظِيرُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 14 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ) [الْبَقَرَةِ : 28] أَيْ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِمَنْ هَذَا وَصْفُهُ وَحَالُ مُلْكِهِ ؟ فَكَذَا هَاهُنَا ، وَالْمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) إِذْ زَعَمُوا أَنَّ لَهُ شُرَكَاءَ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى مَعَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_29687الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ فِي قَبْضَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ، قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" الْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إِذَا أَخَذْتَهُ كَمَا هُوَ بِجُمْلَتِهِ وَمَجْمُوعِهِ تَصْوِيرُ عَظَمَتِهِ وَالتَّوْقِيفُ عَلَى كُنْهِ جَلَالِهِ مِنْ غَيْرِ ذَهَابٍ بِالْقَبْضَةِ وَلَا بِالْيَمِينِ إِلَى جِهَةِ حَقِيقَةٍ أَوْ مَجَازٍ ، وَكَذَلِكَ مَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013649رُوِيَ أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرْضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ! فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ .
قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : وَإِنَّمَا ضَحِكَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ إِلَّا مَا يَفْهَمُهُ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ تَصَوُّرِ إِمْسَاكٍ وَلَا إِصْبَعٍ وَلَا هَزٍّ وَلَا شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ فَهْمَهُ وَقَعَ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ وَآخِرَهُ عَلَى الزُّبْدَةِ وَالْخُلَاصَةِ الَّتِي هِيَ الدِّلَالَةُ عَلَى الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ ، وَأَنَّ الْأَفْعَالَ الْعِظَامَ الَّتِي تَتَحَيَّرُ فِيهَا الْأَوْهَامُ وَلَا تَكْتَنِهُهَا الْأَذْهَانُ هَيِّنَةٌ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَلَا نَرَى بَابًا فِي عِلْمِ الْبَيَانِ أَدَقُّ وَلَا أَلْطَفُ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ تُسَلِّمُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْدَلُ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ عِنْدَ قِيَامِ الدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مُمْتَنِعٌ ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ هَذَا الْأَصْلَ فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ الْقُرْآنُ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً ، فَإِنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ : الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ الْفُلَانِيَّةِ كَذَا وَكَذَا ، فَأَنَا أَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ الْمَقْصُودِ ، وَلَا أَلْتَفِتُ إِلَى الظَّوَاهِرِ ، مِثَالُهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي ثَوَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَعِقَابِ أَهْلِ النَّارِ ، قَالَ : الْمَقْصُودُ بَيَانُ سَعَادَاتِ الْمُطِيعِينَ وَشَقَاوَةِ الْمُذْنِبِينَ ، وَأَنَا أَحْمِلُ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى هَذَا الْمَقْصُودِ وَلَا أُثْبِتُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَلَا سَائِرَ الْأَحْوَالِ الْجُسْمَانِيَّةِ ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِالْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي إِثْبَاتِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَقَالَ : الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِيجَابُ تَنْوِيرِ الْقَلْبِ بِذِكْرِ اللَّهِ ، فَأَنَا أَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ وَلَا أُوجِبُ هَذِهِ الْأَعْمَالَ الْمَخْصُوصَةَ ، وَإِذَا عَرَفْتَ الْكَلَامَ فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ فَقِسْ عَلَيْهِ سَائِرَ الْمَسَائِلَ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعَيَّةِ ، وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ الْقُرْآنُ عَنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعَيَّةِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا .
وَأَمَّا إِنْ سَلَّمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إِلَى مَجَازِهِ ، فَإِنْ حَصَلَتْ هُنَاكَ مَجَازَاتٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ صَرْفُهُ إِلَى مَجَازٍ مُعَيَّنٍ إِلَّا إِذَا كَانَ الدَّلِيلُ يُوجِبُ ذَلِكَ التَّعْيِينَ ، فَنَقُولُ هَاهُنَا : لَفْظُ الْقَبْضَةِ وَلَفْظُ الْيَمِينِ حَقِيقَةٌ فِي الْجَارِحَةِ الْمَخْصُوصَةِ ، وَلَا يُمْكِنُكَ أَنَّ تَصْرِفَ ظَاهِرَ الْكَلَامِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى إِلَّا إِذَا أَقَمْتَ الدِّلَالَةَ عَلَى أَنَّ حَمْلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا مُمْتَنِعٌ ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازَاتِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ الْمَعْنَى الْفُلَانِيَّ يَصِحُّ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ هَذَا الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ وَتَرْتِيبُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ تَعْوِيلُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ ، فَأَنْتَ مَا أَتَيْتَ فِي هَذَا الْبَابِ بِطَرِيقَةٍ جَدِيدَةٍ وَكَلَامٍ غَرِيبٍ ، بَلْ هُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّحْقِيقِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْفَرَحَ الَّذِي أَظْهَرَهُ مِنْ أَنَّهُ اهْتَدَى إِلَى الطَّرِيقِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ غَيْرُهُ ، طَرِيقٌ فَاسِدٌ ، دَالٌّ عَلَى قِلَّةِ وُقُوفِهِ عَلَى الْمَعَانِي .
وَلْنَرْجِعْ إِلَى الطَّرِيقِ الْحَقِيقِيِّ ، فَنَقُولُ : لَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ الْقَبْضَةِ وَالْيَمِينِ مُشْعِرٌ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ ، إِلَّا أَنَّ الدَّلَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ قَامَتْ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33677_28716_29442امْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَوَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَلَى وُجُوهِ الْمَجَازِ ، فَنَقُولُ : إِنَّهُ يُقَالُ : فُلَانٌ فِي قَبْضَةِ فُلَانٍ : إِذَا كَانَ تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وَتَسْخِيرِهِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) [الْمَعَارِجِ : 30] وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لَهُ ، وَيُقَالُ : هَذِهِ الدَّارُ
[ ص: 15 ] فِي يَدِ فُلَانٍ ، وَفُلَانٌ صَاحِبُ الْيَدِ ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْكُلِّ الْقُدْرَةُ ، وَالْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ فِي الشُّرُوطِ : وَقَبَضَ فُلَانٌ كَذَا وَصَارَ فِي قَبْضَتِهِ ، وَلَا يُرِيدُونَ إِلَّا خُلُوصَ مُلْكِهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ تَعَذُّرُ حَمْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى حَقَائِقِهَا وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَجَازَاتِهَا ; صَوْنًا لِهَذِهِ النُّصُوصِ عَنِ التَّعْطِيلِ ، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْحَقِيقِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَلَنَا كِتَابٌ مُفْرَدٌ فِي إِثْبَاتِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْمَكَانِ ، سَمَّيْنَاهُ بِتَأْسِيسِ التَّقْدِيسِ ، مَنْ أَرَادَ الْإِطْنَابَ فِي هَذَا الْبَابِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ .