[ ص: 20 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) .
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل العقاب في الآية المتقدمة ، شرح أحوال أهل الثواب في هذه الآية ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73nindex.php?page=treesubj&link=29010_29468_19889وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ) فإن قيل : السوق في أهل النار للعذاب معقول ; لأنهم لما أمروا بالذهاب إلى موضع العذاب والشقاوة لا بد وأن يساقوا إليه ، وأما أهل الثواب فإذا أمروا بالذهاب إلى موضع الكرامة والراحة والسعادة ، فأي حاجة فيه إلى السوق؟
والجواب من وجوه :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19889_30305_28766المحبة والصداقة باقية بين المتقين يوم القيامة كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=67الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) [الزخرف : 67] فإذا قيل لواحد منهم : اذهب إلى الجنة فيقول : لا أدخلها حتى يدخلها أحبائي وأصدقائي ، فيتأخرون لهذا السبب ، فحينئذ يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنة .
والثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19875_29468الذين اتقوا ربهم قد عبدوا الله تعالى لا للجنة ولا للنار ، فتصير شدة استغراقهم في مشاهدة مواقف الجلال والجمال مانعة لهم عن الرغبة في الجنة ، فلا جرم يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنة .
والثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=treesubj&link=30399أكثر أهل الجنة البله وعليون للأبرار " فلهذا السبب يساقون إلى الجنة . والرابع : أن أهل الجنة وأهل النار يساقون إلا أن المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهوان والعنف كما يفعل بالأسير إذا سيق إلى الحبس والقيد ،
nindex.php?page=treesubj&link=30394والمراد بسوق أهل الجنة سوق مراكبهم ; لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين ، والمراد بذلك السوق إسراعهم إلى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على الملوك ، فشتان ما بين السوقين .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ) الآية ، واعلم أن جملة هذا الكلام شرط واحد مركب من قيود ؛ القيد الأول : هو مجيئهم إلى الجنة . والقيد الثاني : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وفتحت أبوابها ) فإن قيل : قال أهل النار : فتحت أبوابها ، بغير الواو ، وقال هاهنا بالواو فما الفرق؟ قلنا : الفرق أن
nindex.php?page=treesubj&link=30393_30435أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها ، فأما أبواب الجنة ففتحها يكون متقدما على وصولهم إليها بدليل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=50جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ) [ص : 50] فلذلك جيء بالواو ، كأنه قيل : حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها . القيد الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) فبين تعالى أن خزنة
[ ص: 21 ] الجنة يذكرون لأهل الثواب هذه الكلمات الثلاث ، فأولها : قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73سلام عليكم ) وهذا يدل على أنهم يبشرونهم بالسلامة من كل الآفات . وثانيها : قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73طبتم ) والمعنى طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا . وثالثها : قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73فادخلوها خالدين ) والفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73فادخلوها ) يدل على كون ذلك الدخول معللا بالطيب والطهارة ، قالت
المعتزلة : هذا يدل على أن أحدا لا يدخلها إلا إذا كان طاهرا عن كل المعاصي ، قلنا : هذا ضعيف لأنه تعالى يبدل سيئاتهم حسنات ، وحينئذ يصيرون طيبين طاهرين بفضل الله تعالى ، فإن قيل : فهذا الذي تقدم ذكره هو الشرط فأين الجواب؟ قلنا : فيه وجهان ; الأول : أن الجواب محذوف والمقصود من الحذف أن يدل على أنه بلغ في الكمال إلى حيث لا يمكن ذكره .
الثاني : أن الجواب هو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وقال لهم خزنتها سلام عليكم ) والواو محذوف ، والصحيح هو الأول ، ثم أخبر الله تعالى بأن الملائكة إذا خاطبوا المتقين بهذه الكلمات ، قال المتقون عند ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74الحمد لله الذي صدقنا وعده ) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) [فصلت : 30] (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وأورثنا الأرض ) [الزمر : 74] والمراد بالأرض أرض الجنة ، وإنما عبر عنه بالإرث لوجوه ; الأول : أن الجنة كانت في أول الأمر
لآدم عليه السلام ; لأنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وكلا منها رغدا حيث شئتما ) [البقرة : 35] فلما عادت الجنة إلى أولاد
آدم كان ذلك سببا لتسميتها بالإرث . الثاني : أن هذا اللفظ مأخوذ من قول القائل : هذا العمل أورث كذا وهذا العمل أورث كذا ، فلما كانت طاعتهم قد أفادتهم الجنة ، لا جرم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وأورثنا الأرض ) والمعنى أن الله تعالى أورثنا الجنة بأن وفقنا للإتيان بأعمال أورثت الجنة .
الثالث : أن الوارث يتصرف فيما يرثه كما يشاء من غير منازع ولا مدافع ، فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=30387المؤمنون المتقون يتصرفون في الجنة كيف شاءوا وأرادوا ، والمشابهة علة حسن المجاز ، فإن قيل ما معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74حيث نشاء ) وهل يتبوأ أحدهم مكان غيره؟ قلنا : يكون لكل أحد جنة لا يحتاج معها إلى جنة غيره ، قال حكماء الإسلام :
nindex.php?page=treesubj&link=30383الجنات نوعان : الجنات الجسمانية والجنات الروحانية ; فالجنات الجسمانية لا تحتمل المشاركة فيها ، أما الروحانيات فحصولها لواحد لا يمنع من حصولها للآخرين ، ولما بين الله تعالى صفة أهل الجنة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74فنعم أجر العاملين ) قال
مقاتل : ليس هذا من كلام أهل الجنة ، بل من كلام الله تعالى ; لأنه لما حكى ما جرى بين الملائكة وبين المتقين من صفة ثواب أهل الجنة قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74فنعم أجر العاملين ) ولما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وترى الملائكة حافين من حول العرش ) ذكر عقيبه ثواب الملائكة فقال : كما أن دار ثواب المتقين المؤمنين هي الجنة ، فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28733دار ثواب الملائكة جوانب العرش وأطرافه ، فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وترى الملائكة حافين من حول العرش ) أي محلقين بالعرش . قال الليث : يقال : حف القوم بسيدهم يحفون حفا : إذا طافوا به .
إذا عرفت هذا ، فنقول : بين تعالى أن دار ثوابهم هو جوانب العرش وأطرافه ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75يسبحون بحمد ربهم ) وهذا مشعر بأن ثوابهم هو عين ذلك التحميد والتسبيح ، وحينئذ رجع حاصل الكلام إلى أن أعظم درجات الثواب استغراق قلوب العباد في درجات التنزيه ومنازل التقديس .
[ ص: 20 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ أَهْلِ الْعِقَابِ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، شَرَحَ أَحْوَالَ أَهْلِ الثَّوَابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73nindex.php?page=treesubj&link=29010_29468_19889وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) فَإِنْ قِيلَ : السَّوْقُ فِي أَهْلِ النَّارِ لِلْعَذَابِ مَعْقُولٌ ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِالذَّهَابِ إِلَى مَوْضِعِ الْعَذَابِ وَالشَّقَاوَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُسَاقُوا إِلَيْهِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الثَّوَابِ فَإِذَا أُمِرُوا بِالذَّهَابِ إِلَى مَوْضِعِ الْكَرَامَةِ وَالرَّاحَةِ وَالسَّعَادَةِ ، فَأَيُّ حَاجَةٍ فِيهِ إِلَى السَّوْقِ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19889_30305_28766الْمَحَبَّةَ وَالصَّدَاقَةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَ الْمُتَّقِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=67الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) [الزُّخْرُفِ : 67] فَإِذَا قِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ : اذْهَبْ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : لَا أَدْخُلُهَا حَتَّى يَدْخُلَهَا أَحِبَّائِي وَأَصْدِقَائِي ، فَيَتَأَخَّرُونَ لِهَذَا السَّبَبِ ، فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يُسَاقُوا إِلَى الْجَنَّةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19875_29468الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ قَدْ عَبَدُوا اللَّهَ تَعَالَى لَا لِلْجَنَّةِ وَلَا لِلنَّارِ ، فَتَصِيرُ شِدَّةُ اسْتِغْرَاقِهِمْ فِي مُشَاهَدَةِ مَوَاقِفَ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ مَانِعَةً لَهُمْ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الْجَنَّةِ ، فَلَا جَرَمَ يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يُسَاقُوا إِلَى الْجَنَّةِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=treesubj&link=30399أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ وَعِلِّيُّونَ لِلْأَبْرَارِ " فَلِهَذَا السَّبَبِ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ . وَالرَّابِعُ : أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ يُسَاقُونَ إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِسَوْقِ أَهْلِ النَّارِ طَرْدُهُمْ إِلَيْهَا بِالْهَوَانِ وَالْعُنْفِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْأَسِيرِ إِذَا سِيقَ إِلَى الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30394وَالْمُرَادُ بِسَوْقِ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَوْقُ مَرَاكِبِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَّا رَاكِبِينَ ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ السَّوْقِ إِسْرَاعُهُمْ إِلَى دَارِ الْكَرَامَةِ وَالرِّضْوَانِ كَمَا يُفْعَلُ بِمَنْ يُشَرَّفُ وَيُكَرَّمُ مِنَ الْوَافِدِينَ عَلَى الْمُلُوكِ ، فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ السَّوْقَيْنِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ) الْآيَةَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ هَذَا الْكَلَامِ شَرْطٌ وَاحِدٌ مُرَكَّبٌ مِنْ قُيُودٍ ؛ الْقَيْدُ الْأَوَّلُ : هُوَ مَجِيئُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ . وَالْقَيْدُ الثَّانِي : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) فَإِنْ قِيلَ : قَالَ أَهْلَ النَّارِ : فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ، بِغَيْرِ الْوَاوِ ، وَقَالَ هَاهُنَا بِالْوَاوِ فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْنَا : الْفَرْقُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30393_30435أَبْوَابَ جَهَنَّمَ لَا تُفْتَحُ إِلَّا عِنْدَ دُخُولِ أَهْلِهَا فِيهَا ، فَأَمَّا أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَفَتْحُهَا يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلَى وُصُولِهِمْ إِلَيْهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=50جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ) [ص : 50] فَلِذَلِكَ جِيءَ بِالْوَاوِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَقَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا . الْقَيْدُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ خَزَنَةَ
[ ص: 21 ] الْجَنَّةِ يَذْكُرُونَ لِأَهْلِ الثَّوَابِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ ، فَأَوَّلُهَا : قَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُبَشِّرُونَهُمْ بِالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ الْآفَاتِ . وَثَانِيهَا : قَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73طِبْتُمْ ) وَالْمَعْنَى طِبْتُمْ مِنْ دَنَسِ الْمَعَاصِي وَطَهُرْتُمْ مِنْ خُبْثِ الْخَطَايَا . وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73فَادْخُلُوهَا ) يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الدُّخُولُ مُعَلَّلًا بِالطِّيبِ وَالطَّهَارَةِ ، قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا إِذَا كَانَ طَاهِرًا عَنْ كُلِّ الْمَعَاصِي ، قُلْنَا : هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُونَ طَيِّبِينَ طَاهِرِينَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ قِيلَ : فَهَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ هُوَ الشَّرْطُ فَأَيْنَ الْجَوَابُ؟ قُلْنَا : فِيهِ وَجْهَانِ ; الْأَوَّلُ : أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَذْفِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ بَلَغَ فِي الْكَمَالِ إِلَى حَيْثُ لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ .
الثَّانِي : أَنَّ الْجَوَابَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ) وَالْوَاوُ مَحْذُوفٌ ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا خَاطَبُوا الْمُتَّقِينَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، قَالَ الْمُتَّقُونَ عِنْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=30أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) [فُصِّلَتْ : 30] (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ) [الزُّمَرِ : 74] وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ أَرْضُ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِرْثِ لِوُجُوهٍ ; الْأَوَّلُ : أَنَّ الْجَنَّةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ
لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا ) [الْبَقَرَةِ : 35] فَلَمَّا عَادَتِ الْجَنَّةُ إِلَى أَوْلَادِ
آدَمَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَسْمِيَتِهَا بِالْإِرْثِ . الثَّانِي : أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : هَذَا الْعَمَلُ أَوْرَثَ كَذَا وَهَذَا الْعَمَلُ أَوْرَثَ كَذَا ، فَلَمَّا كَانَتْ طَاعَتُهُمْ قَدْ أَفَادَتْهُمُ الْجَنَّةَ ، لَا جَرَمَ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ) وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْرَثَنَا الْجَنَّةَ بِأَنْ وَفَّقَنَا لِلْإِتْيَانِ بِأَعْمَالٍ أَوْرَثَتِ الْجَنَّةَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْوَارِثَ يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَرِثُهُ كَمَا يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ ، فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=30387الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ يَتَصَرَّفُونَ فِي الْجَنَّةِ كَيْفَ شَاءُوا وَأَرَادُوا ، وَالْمُشَابَهَةُ عِلَّةُ حُسْنِ الْمَجَازِ ، فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74حَيْثُ نَشَاءُ ) وَهَلْ يَتَبَوَّأُ أَحَدُهُمْ مَكَانَ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا : يَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ جَنَّةٌ لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى جَنَّةِ غَيْرِهِ ، قَالَ حُكَمَاءُ الْإِسْلَامِ :
nindex.php?page=treesubj&link=30383الْجَنَّاتُ نَوْعَانِ : الْجَنَّاتُ الْجُسْمَانِيَّةُ وَالْجَنَّاتُ الرُّوحَانِيَّةُ ; فَالْجَنَّاتُ الْجُسْمَانِيَّةُ لَا تَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ فِيهَا ، أَمَّا الرُّوحَانِيَّاتُ فَحُصُولُهَا لِوَاحِدٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ حُصُولِهَا لِلْآخَرِينَ ، وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى صِفَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) قَالَ
مُقَاتِلٌ : لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، بَلْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَى مَا جَرَى بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَبَيْنَ الْمُتَّقِينَ مِنْ صِفَةِ ثَوَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=74فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) ذَكَرَ عَقِيبَهُ ثَوَابَ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ : كَمَا أَنَّ دَارَ ثَوَابِ الْمُتَّقِينَ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ الْجَنَّةُ ، فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28733دَارُ ثَوَابِ الْمَلَائِكَةِ جَوَانِبُ الْعَرْشِ وَأَطْرَافُهُ ، فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) أَيْ مُحَلِّقِينَ بِالْعَرْشِ . قَالَ اللَّيْثَ : يُقَالُ : حَفَّ الْقَوْمُ بِسَيِّدِهِمْ يَحُفُّونَ حَفًّا : إِذَا طَافُوا بِهِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا ، فَنَقُولُ : بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ دَارَ ثَوَابِهِمْ هُوَ جَوَانِبُ الْعَرْشِ وَأَطْرَافُهُ ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=75يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ ثَوَابَهُمْ هُوَ عَيْنُ ذَلِكَ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ ، وَحِينَئِذٍ رَجَعَ حَاصِلُ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ أَعْظَمَ دَرَجَاتِ الثَّوَابِ اسْتِغْرَاقُ قُلُوبِ الْعِبَادِ فِي دَرَجَاتِ التَّنْزِيهِ وَمَنَازِلِ التَّقْدِيسِ .