[ ص: 23 ] ( سورة غافر )
ثمانون وخمس آيات مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار )
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
عاصم في رواية
أبي بكر وحمزة والكسائي "حم" بكسر الحاء ، والباقون بفتح الحاء ،
ونافع في بعض الروايات
وابن عامر ، بين الفتح والكسر وهو أن لا يفتحها فتحا شديدا ، قال صاحب "الكشاف" : قرئ بفتح الميم وتسكينها ، ووجه الفتح التحريك لالتقاء الساكنين وإيثار أخف الحركات نحو : أين وكيف ، أو النصب بإضمار اقرأ ، ومنع الصرف إما للتأنيث والتعريف ، من حيث أنها اسم للسورة وللتعريف ، وأنها على زنة أعجمي نحو
قابيل وهابيل ، وأما السكون فلأنا بينا أن الأسماء تذكر موقوفة الأواخر .
[ ص: 24 ] المسألة الثانية : الكلام المستقصى في هذه الفواتح مذكور في أول سورة البقرة ، والأقرب هاهنا أن يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=29011_28883 " nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم " اسم للسورة ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم ) مبتدأ ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب من الله ) خبر ، والتقدير أن هذه السورة المسماة بحم تنزيل الكتاب ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل ) مصدر ، لكن المراد منه المنزل .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2من الله ) فاعلم أنه لما ذكر أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب ) وجب بيان أن المنزل من هو؟ فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2من الله ) ثم بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=33677_29682الله تعالى موصوف بصفات الجلال وسمات العظمة ليصير ذلك حاملا على التشمير عن ساق الجد عند الاستماع ، وزجره عن التهاون والتواني فيه ، فبين أن المنزل هو (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2الله العزيز العليم ) .
واعلم أن الناس اختلفوا في أن
nindex.php?page=treesubj&link=29426العلم بالله ما هو؟ فقال جمع عظيم : إنه العلم بكونه قادرا وبعده العلم بكونه عالما ، إذا عرفت هذا فنقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2العزيز ) له تفسيران ؛ أحدهما : الغالب فيكون معناه القادر الذي لا يساويه أحد في القدرة . والثاني : الذي لا مثل له ، ولا يجوز أن يكون المراد بالعزيز هنا القادر ; لأن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2الله ) يدل على كونه قادرا ، فوجب حمل (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2العزيز ) على المعنى الثاني وهو الذي لا يوجد له مثل ، وما كان كذلك وجب أن لا يكون جسما ، والذي لا يكون جسما يكون منزها عن الشهوة والنفرة ، والذي يكون كذلك يكون منزها عن الحاجة . وأما (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2العليم ) فهو مبالغة في العلم ، والمبالغة التامة إنما تتحقق عند كونه تعالى عالما بكل المعلومات ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2من الله العزيز العليم ) يرجع معناه إلى أن هذا الكتاب تنزيل من القادر المطلق ، الغني المطلق ، العالم المطلق ، ومن كان كذلك كان عالما بوجوه المصالح والمفاسد ، وكان عالما بكونه غنيا عن جر المصالح ودفع المفاسد ، ومن كان كذلك كان رحيما جوادا ، وكانت أفعاله حكمة وصوابا منزهة عن القبيح والباطل ، فكأنه سبحانه إنما ذكر عقيب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل ) هذه الأسماء الثلاثة لكونها دالة على أن أفعاله سبحانه حكمة وصواب ، ومتى كان الأمر كذلك لزم أن يكون هذا التنزيل حقا وصوابا ، وقيل : الفائدة في ذكر (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2العزيز العليم ) أمران ; أحدهما : أنه بقدرته وعلمه أنزل القرآن على هذا الحد الذي يتضمن المصالح والإعجاز ، ولولا كونه عزيزا عليما لما صح ذلك . والثاني : أنه تكفل بحفظه وبعموم التكليف فيه وظهوره إلى حين انقطاع التكليف ، وذلك لا يتم إلا بكونه عزيزا لا يغلب وبكونه عليما لا يخفى عليه شيء ، ثم وصف نفسه بما يجمع الوعد والوعيد والترهيب والترغيب ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29700_30538_19729_29468_29011غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ) فهذه ستة أنواع من الصفات :
الصفة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب ) قال
الجبائي : معناه أنه غافر الذنب إذا استحق غفرانه إما بتوبة أو طاعة أعظم منه ، ومراده منه أن فاعل المعصية إما أن يقال : إنه كان قد أتى قبل ذلك بطاعة كان ثوابها أعظم من عقاب هذه المعصية ، أو ما كان الأمر كذلك ، فإن كان الأول كانت هذه المعصية صغيرة فيحبط عقابها ، وإن كان الثاني كانت هذه المعصية كبيرة فلا يزول عقابها إلا بالتوبة . ومذهب أصحابنا أن الله تعالى قد يعفو عن الكبيرة بعد التوبة ، وهذه الآية تدل على ذلك ، وبيانه من وجوه :
الأول : أن غفران الكبيرة بعد التوبة وغفران الصغيرة من الأمور الواجبة على العبد ، وجميع الأنبياء والأولياء والصالحين من أوساط الناس مشتركون في فعل الواجبات ، فلو حملنا كونه تعالى غافر الذنب على هذا المعنى لم يبق بينه وبين أقل الناس من زمرة المطيعين فرق في المعنى الموجب لهذا المدح ، وذلك باطل ، فثبت أنه يجب أن يكون المراد منه كونه غافر الكبائر قبل التوبة ، وهو المطلوب .
الثاني : أن الغفران عبارة عن الستر ومعنى الستر إنما يعقل في الشيء الذي
[ ص: 25 ] يكون باقيا موجودا فيستر ، والصغيرة تحبط بسبب كثرة ثواب فاعلها ، فمعنى الغفر فيها غير معقول ، ولا يمكن حمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب ) على الكبيرة بعد التوبة ; لأن معنى كونه قابلا للتوب ليس إلا ذلك ، فلو كان المراد بكونه غافر الذنب هذا المعنى لزم التكرار وإنه باطل ، فثبت أن كونه غافر الذنب يفيد كونه غافرا للذنوب الكبائر قبل التوبة . الثالث : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب ) مذكور في معرض المدح العظيم ، فوجب حمله على ما يفيد أعظم أنواع المدح ، وذلك هو كونه غافرا للكبائر قبل التوبة ، وهو المطلوب .
الصفة الثانية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3قابل التوب ) وفيه بحثان :
الأول : في لفظ التوب قولان ؛ الأول : أنه مصدر وهو قول
أبي عبيدة . والثاني : أنه جماعة التوبة وهو قول الأخفش . قال المبرد : يجوز أن يكون مصدرا ، يقال : تاب يتوب توبا وتوبة ، مثل قال يقول قولا وقولة ، ويجوز أن يكون جمعا لتوبة ، فيكون : توبة وتوب ، مثل تمرة وتمر ، إلا أن المصدر أقرب لأن على هذا التقدير يكون تأويله أنه يقبل هذا الفعل .
الثاني : مذهب أصحابنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=19729_32478قبول التوبة من المذنب يقع على سبيل التفضل ، وليس بواجب على الله ، وقالت
المعتزلة : إنه واجب على الله ، واحتج أصحابنا بأنه تعالى ذكر كونه قابلا للتوب على سبيل المدح والثناء ، ولو كان ذلك من الواجبات لم يبق فيه من معنى المدح إلا القليل ، وهو القدر الذي يحصل لجميع الصالحين عند أداء الواجبات والاحتراز عن المحظورات .
[ ص: 23 ] ( سُورَةُ غَافِرٍ )
ثَمَانُونَ وَخَمْسُ آيَاتٍ مَكِّيَّةٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=4مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ )
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ
أَبِي بَكْرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ "حم" بِكَسْرِ الْحَاءِ ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْحَاءِ ،
وَنَافِعٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
وَابْنُ عَامِرٍ ، بَيْنَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَنْ لَا يَفْتَحَهَا فَتْحًا شَدِيدًا ، قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : قُرِئَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَسْكِينِهَا ، وَوَجْهُ الْفَتْحِ التَّحْرِيكُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَإِيثَارِ أَخَفِّ الْحَرَكَاتِ نَحْوَ : أَيْنَ وَكَيْفَ ، أَوِ النَّصْبِ بِإِضْمَارِ اقْرَأْ ، وَمَنْعُ الصَّرْفِ إِمَّا لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّعْرِيفِ ، مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا اسْمٌ لِلسُّورَةِ وَلِلتَّعْرِيفِ ، وَأَنَّهَا عَلَى زِنَةِ أَعْجَمِيٍّ نَحْوَ
قَابِيلَ وَهَابِيلَ ، وَأَمَّا السُّكُونُ فَلِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَسْمَاءَ تُذْكَرُ مَوْقُوفَةَ الْأَوَاخِرِ .
[ ص: 24 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْكَلَامُ الْمُسْتَقْصَى فِي هَذِهِ الْفَوَاتِحِ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَالْأَقْرَبُ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29011_28883 " nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم " اسْمٌ لِلسُّورَةِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم ) مُبْتَدَأٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ ) خَبَرٌ ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ الْمُسَمَّاةَ بِحم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ ) مَصْدَرٌ ، لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُنَزَّلُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2مِنَ اللَّهِ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ) وَجَبَ بَيَانُ أَنَّ الْمُنَزِّلَ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2مِنَ اللَّهِ ) ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33677_29682اللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَسِمَاتِ الْعَظَمَةِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ حَامِلًا عَلَى التَّشْمِيرِ عَنْ سَاقِ الْجَدِّ عِنْدَ الِاسْتِمَاعِ ، وَزَجْرِهِ عَنِ التَّهَاوُنِ وَالتَّوَانِي فِيهِ ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُنَزِّلَ هُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29426الْعِلْمَ بِاللَّهِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ جَمْعٌ عَظِيمٌ : إِنَّهُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ قَادِرًا وَبَعْدَهُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2الْعَزِيزِ ) لَهُ تَفْسِيرَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : الْغَالِبُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْقَادِرُ الَّذِي لَا يُسَاوِيهِ أَحَدٌ فِي الْقُدْرَةِ . وَالثَّانِي : الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَزِيزِ هُنَا الْقَادِرَ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2اللَّهِ ) يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا ، فَوَجَبَ حَمْلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2الْعَزِيزِ ) عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ جِسْمًا ، وَالَّذِي لَا يَكُونُ جِسْمًا يَكُونُ مُنَزَّهًا عَنِ الشَّهْوَةِ وَالنَّفْرَةِ ، وَالَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ يَكُونُ مُنَزَّهًا عَنِ الْحَاجَةِ . وَأَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2الْعَلِيمِ ) فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْعِلْمِ ، وَالْمُبَالَغَةُ التَّامَّةُ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) يَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ تَنْزِيلٌ مِنَ الْقَادِرِ الْمُطْلَقِ ، الْغَنِيِّ الْمُطْلَقِ ، الْعَالِمِ الْمُطْلَقِ ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ ، وَكَانَ عَالِمًا بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْ جَرِّ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رَحِيمًا جَوَادًا ، وَكَانَتْ أَفْعَالُهُ حِكْمَةً وَصَوَابًا مُنَزَّهَةً عَنِ الْقَبِيحِ وَالْبَاطِلِ ، فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا ذَكَرَ عَقِيبَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ ) هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الثَّلَاثَةَ لِكَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ سُبْحَانَهُ حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّنْزِيلُ حَقًّا وَصَوَابًا ، وَقِيلَ : الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) أَمْرَانِ ; أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ وَالْإِعْجَازَ ، وَلَوْلَا كَوْنُهُ عَزِيزًا عَلِيمًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ وَبِعُمُومِ التَّكْلِيفِ فِيهِ وَظُهُورِهِ إِلَى حِينِ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِكَوْنِهِ عَزِيزًا لَا يُغْلَبُ وَبِكَوْنِهِ عَلِيمًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ وَصَفَ نَفْسَهُ بِمَا يَجْمَعُ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالتَّرْهِيبَ وَالتَّرْغِيبَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29700_30538_19729_29468_29011غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) فَهَذِهِ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الصِّفَاتِ :
الصِّفَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ ) قَالَ
الْجُبَّائِيُّ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَافِرُ الذَّنْبِ إِذَا اسْتَحَقَّ غُفْرَانَهُ إِمَّا بِتَوْبَةٍ أَوْ طَاعَةٍ أَعْظَمَ مِنْهُ ، وَمُرَادُهُ مِنْهُ أَنَّ فَاعِلَ الْمَعْصِيَةِ إِمَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَى قَبْلَ ذَلِكَ بِطَاعَةٍ كَانَ ثَوَابُهَا أَعْظَمَ مِنْ عِقَابِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ ، أَوْ مَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ صَغِيرَةً فَيُحْبَطُ عِقَابُهَا ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ كَبِيرَةً فَلَا يَزُولُ عِقَابُهَا إِلَّا بِالتَّوْبَةِ . وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَعْفُو عَنِ الْكَبِيرَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ غُفْرَانَ الْكَبِيرَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَغُفْرَانَ الصَّغِيرَةِ مِنَ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْعَبْدِ ، وَجَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ مُشْتَرِكُونَ فِي فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ ، فَلَوْ حَمَلْنَا كَوْنَهُ تَعَالَى غَافِرَ الذَّنْبِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَلِّ النَّاسِ مِنْ زُمْرَةِ الْمُطِيعِينَ فَرْقٌ فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِهَذَا الْمَدْحِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنَهُ غَافِرَ الْكَبَائِرِ قَبْلَ التَّوْبَةِ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
الثَّانِي : أَنَّ الْغُفْرَانَ عِبَارَةٌ عَنِ السِّتْرِ وَمَعْنَى السِّتْرِ إِنَّمَا يُعْقَلُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي
[ ص: 25 ] يَكُونُ بَاقِيًا مَوْجُودًا فَيُسْتَرُ ، وَالصَّغِيرَةُ تُحْبَطُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ ثَوَابِ فَاعِلِهَا ، فَمَعْنَى الْغَفْرِ فِيهَا غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ ) عَلَى الْكَبِيرَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ ; لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ قَابِلًا لِلتَّوْبِ لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ غَافِرَ الذَّنْبِ هَذَا الْمَعْنَى لَزِمَ التَّكْرَارُ وَإِنَّهُ بَاطِلٌ ، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهُ غَافِرَ الذَّنْبِ يُفِيدُ كَوْنَهُ غَافِرًا لِلذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ قَبْلَ التَّوْبَةِ . الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ ) مَذْكُورٌ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ الْعَظِيمِ ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُفِيدُ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الْمَدْحِ ، وَذَلِكَ هُوَ كَوْنُهُ غَافِرًا لِلْكَبَائِرِ قَبْلَ التَّوْبَةِ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3قَابِلِ التَّوْبِ ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
الْأَوَّلُ : فِي لَفْظِ التَّوْبِ قَوْلَانِ ؛ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عُبَيْدَةَ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَمَاعَةُ التَّوْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ . قَالَ الْمُبَرِّدُ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا ، يُقَالُ : تَابَ يَتُوبُ تَوْبًا وَتَوْبَةً ، مِثْلُ قَالَ يَقُولُ قَوْلًا وَقَوْلَةً ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِتَوْبَةٍ ، فَيَكُونُ : تَوْبَةٌ وَتَوْبٌ ، مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ ، إِلَّا أَنَّ الْمَصْدَرَ أَقْرَبُ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ يَقْبَلُ هَذَا الْفِعْلَ .
الثَّانِي : مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19729_32478قَبُولَ التَّوْبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ يَقَعُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى اللَّهِ ، وَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ كَوْنَهُ قَابِلًا لِلتَّوْبِ عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمَدْحِ إِلَّا الْقَلِيلُ ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْصُلُ لِجَمِيعِ الصَّالِحِينَ عِنْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ .