(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29011_31907ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=24إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=23ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=24إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب )
واعلم أنه تعالى لما سلى رسوله بذكر الكفار الذين كذبوا الأنبياء قبله وبمشاهدة آثارهم ، سلاه أيضا بذكر
موسى عليه السلام ، وأنه مع قوة معجزاته بعثه إلى فرعون
وهامان وقارون فكذبوه وكابروه ، وقالوا : هو ساحر كذاب .
واعلم أن
موسى عليه السلام ، لما جاءهم بتلك المعجزات الباهرة وبالنبوة ، وهي المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25فلما جاءهم بالحق من عندنا ) حكى الله تعالى عنهم ما صدر عنهم من الجهالات . فالأول : أنهم وصفوه بكونه
[ ص: 48 ] ساحرا كذابا ، وهذا في غاية البعد ; لأن تلك المعجزات كانت قد بلغت في القوة والظهور إلى حيث يشهد كل ذي عقل سليم بأنه ليس من السحر البتة . الثاني : أنهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ) والصحيح أن هذا القتل غير القتل الذي وقع في وقت ولادة
موسى عليه السلام ; لأن في ذلك الوقت أخبره المنجمون بولادة عدو له يظهر عليه ، فأمر بقتل الأولاد في ذلك الوقت ، وأما في هذا الوقت
فموسى عليه السلام قد جاءه وأظهر المعجزات الظاهرة ، فعند هذا أمر بقتل أبناء الذين آمنوا معه ; لئلا ينشئوا على دين
موسى فيقوى بهم ، وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات ، فلهذا السبب أمر بقتل الأبناء .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25وما كيد الكافرين إلا في ضلال ) ومعناه أن جميع ما يسعون فيه من مكايدة
موسى ومكايدة من آمن معه يبطل ; لأن (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ) [فاطر : 2] . النوع الثالث من قبائح أفعال أولئك الكفار مع
موسى عليه السلام ما حكاه الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وقال فرعون ذروني أقتل موسى ) وهذا الكلام كالدلالة على أنهم كانوا يمنعونه من قتله ، وفيه احتمالان :
والاحتمال الأول : أنهم منعوه من قتله لوجوه ; الأول : لعله كان فيهم من يعتقد بقلبه كون
موسى صادقا ، فيأتي بوجوه الحيل في منع فرعون من قتله . الثاني : قال
الحسن : إن أصحابه قالوا له : لا تقتله فإنما هو ساحر ضعيف ولا يمكنه أن يغلب سحرتك ، وإن قتلته أدخلت الشبهة على الناس وقالوا : إنه كان محقا وعجزوا عن جوابه فقتلوه . الثالث : لعلهم كانوا يحتالون في منعه من قتله ; لأجل أن يبقى فرعون مشغول القلب
بموسى فلا يتفرغ لتأديب أولئك الأقوام ، فإن من شأن الأمراء أن يشغلوا قلب ملكهم بخصم خارجي حتى يصيروا آمنين من شر ذلك الملك .
والاحتمال الثاني : أن أحدا ما منع فرعون من قتل
موسى ، وأنه كان يريد أن يقتله إلا أنه كان خائفا من أنه لو حاول قتله لظهرت معجزات قاهرة تمنعه من قتله فيفتضح ، إلا أنه لوقاحته قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26ذروني أقتل موسى ) وغرضه منه أنه إنما امتنع عن قتله رعاية لقلوب أصحابه ، وغرضه منه إخفاء خوفه .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وليدع ربه ) فإنما ذكره على سبيل الاستهزاء يعني أني أقتله فليقل لربه حتى يخلصه مني .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : فتح
ابن كثير الياء من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26ذروني ) وفتح
نافع وابن كثير وأبو عمرو الياء من (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26إني أخاف ) وأيضا قرأ
نافع nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر "وأن يظهروا" بالواو وبحذف (أو) يعني أنه يجمع بين تبديل الدين وبين إظهار المفاسد ، والذين قرءوا بصيغة (أو) فمعناه أنه لا بد من وقوع أحد الأمرين وقرئ " يظهر " بضم الياء وكسر الهاء و (الفساد) بالنصب على التعدية ، وقرأ
حمزة والكسائي وأبو بكر عن
عاصم بلفظ (أو يظهر) بفتح الياء والهاء ، و (الفساد) بالرفع ، أما وجه القراءة الأولى فهو أنه أسند الفعل إلى
موسى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26يبدل ) فكذلك في (يظهر) ليكون الكلام على نسق واحد ، وأما وجه القراءة الثانية فهو أنه إذا بدل الدين فقد ظهر الفساد الحاصل بسبب ذلك التبديل .
المسألة الثانية : المقصود من هذا الكلام بيان السبب الموجب لقتله وهو أن وجوده يوجب إما فساد الدين أو فساد الدنيا ، أما فساد الدين فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو الذي كانوا عليه ، فلما كان
[ ص: 49 ] موسى ساعيا في إفساده كان في اعتقادهم أنه ساع في إفساد الدين الحق ، وأما فساد الدنيا فهو أنه لا بد وأن يجتمع عليه قوم ويصير ذلك سببا لوقوع الخصومات وإثارة الفتن ، ولما كان حب الناس لأديانهم فوق حبهم لأموالهم لا جرم بدأ فرعون بذكر الدين فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26إني أخاف أن يبدل دينكم ) ثم أتبعه بذكر فساد الدنيا فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26أو أن يظهر في الأرض الفساد ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29011_31907وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=24إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=23وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=24إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ )
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا سَلَّى رَسُولَهُ بِذِكْرِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ وَبِمُشَاهَدَةِ آثَارِهِمْ ، سَلَّاهُ أَيْضًا بِذِكْرِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ مَعَ قُوَّةِ مُعْجِزَاتِهِ بَعَثَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَكَذَّبُوهُ وَكَابَرُوهُ ، وَقَالُوا : هُوَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لَمَّا جَاءَهُمْ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ وَبِالنُّبُوَّةِ ، وَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا ) حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ الْجَهَالَاتِ . فَالْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ وَصَفُوهُ بِكَوْنِهِ
[ ص: 48 ] سَاحِرًا كَذَّابًا ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ فِي الْقُوَّةِ وَالظُّهُورِ إِلَى حَيْثُ يَشْهَدُ كُلُّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ السِّحْرِ الْبَتَّةَ . الثَّانِي : أَنَّهُمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ) وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْقَتْلَ غَيْرُ الْقَتْلِ الَّذِي وَقَعَ فِي وَقْتِ وِلَادَةِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَخْبَرَهُ الْمُنَجِّمُونَ بِوِلَادَةِ عَدُوٍّ لَهُ يَظْهَرُ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْلَادِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَأَمَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ
فَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ جَاءَهُ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةَ ، فَعِنْدَ هَذَا أَمَرَ بِقَتْلِ أَبْنَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ; لِئَلَّا يَنْشَئُوا عَلَى دِينِ
مُوسَى فَيَقْوَى بِهِمْ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَبْنَاءِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَسْعَوْنَ فِيهِ مِنْ مُكَايَدَةِ
مُوسَى وَمُكَايَدَةِ مَنْ آمَنِ مَعَهُ يَبْطُلُ ; لِأَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ) [فَاطِرٍ : 2] . النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ قَبَائِحَ أَفْعَالِ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ مَعَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ) وَهَذَا الْكَلَامُ كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَمْنَعُونَهُ مِنْ قَتْلِهِ ، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ :
وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ مَنَعُوهُ مِنْ قَتْلِهِ لِوُجُوهٍ ; الْأَوَّلُ : لَعَلَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ بِقَلْبِهِ كَوْنَ
مُوسَى صَادِقًا ، فَيَأْتِي بِوُجُوهِ الْحِيَلِ فِي مَنْعِ فِرْعَوْنَ مِنْ قَتْلِهِ . الثَّانِي : قَالَ
الْحَسَنُ : إِنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا لَهُ : لَا تَقْتُلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ سَاحِرٌ ضَعِيفٌ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْلِبَ سَحَرَتَكَ ، وَإِنْ قَتَلْتَهُ أَدْخَلْتَ الشُّبْهَةَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا : إِنَّهُ كَانَ مُحِقًّا وَعَجَزُوا عَنْ جَوَابِهِ فَقَتَلُوهُ . الثَّالِثُ : لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَحْتَالُونَ فِي مَنْعِهِ مِنْ قَتْلِهِ ; لِأَجْلِ أَنْ يَبْقَى فِرْعَوْنُ مَشْغُولَ الْقَلْبِ
بِمُوسَى فَلَا يَتَفَرَّغُ لِتَأْدِيبِ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْأُمَرَاءِ أَنْ يَشْغَلُوا قَلْبَ مَلِكِهِمْ بِخَصْمٍ خَارِجِيٍّ حَتَّى يَصِيرُوا آمَنِينَ مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الْمَلِكِ .
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي : أَنَّ أَحَدًا مَا مَنَعَ فِرْعَوْنَ مِنْ قَتْلِ
مُوسَى ، وَأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ خَائِفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَاوَلَ قَتْلَهُ لَظَهَرَتْ مُعْجِزَاتٌ قَاهِرَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِهِ فَيَفْتَضِحُ ، إِلَّا أَنَّهُ لِوَقَاحَتِهِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ) وَغَرَضُهُ مِنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا امْتَنَعَ عَنْ قَتْلِهِ رِعَايَةً لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ ، وَغَرَضُهُ مِنْهُ إِخْفَاءُ خَوْفِهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ) فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ يَعْنِي أَنِّي أَقْتُلُهُ فَلْيَقُلْ لِرَبِّهِ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنِّي .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فَتَحَ
ابْنُ كَثِيرٍ الْيَاءَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26ذَرُونِي ) وَفَتَحَ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو الْيَاءَ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26إِنِّي أَخَافُ ) وَأَيْضًا قَرَأَ
نَافِعٌ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ "وَأَنْ يُظْهِرُوا" بِالْوَاوِ وَبِحَذْفِ (أَوْ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ تَبْدِيلِ الدِّينِ وَبَيْنَ إِظْهَارِ الْمَفَاسِدِ ، وَالَّذِينَ قَرَءُوا بِصِيغَةِ (أَوْ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَقُرِئَ " يُظْهِرَ " بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَ (الْفَسَادَ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّعْدِيَةِ ، وَقَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ بِلَفْظِ (أَوْ يَظْهَرَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ ، وَ (الْفَسَادُ) بِالرَّفْعِ ، أَمَّا وَجْهُ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى فَهُوَ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى
مُوسَى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26يُبَدِّلَ ) فَكَذَلِكَ فِي (يُظْهِرَ) لِيَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ ، وَأَمَّا وَجْهُ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا بَدَّلَ الدِّينَ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَسَادُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّبْدِيلِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِقَتْلِهِ وَهُوَ أَنَّ وَجُودَهُ يُوجِبُ إِمَّا فَسَادَ الدِّينِ أَوْ فَسَادَ الدُّنْيَا ، أَمَّا فَسَادُ الدِّينِ فَلِأَنَّ الْقَوْمَ اعْتَقَدُوا أَنَّ الدِّينَ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ ، فَلَمَّا كَانَ
[ ص: 49 ] مُوسَى سَاعِيًا فِي إِفْسَادِهِ كَانَ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ سَاعٍ فِي إِفْسَادِ الدِّينِ الْحَقِّ ، وَأَمَّا فَسَادُ الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قَوْمٌ وَيَصِيرَ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِ الْخُصُومَاتِ وَإِثَارَةِ الْفِتَنِ ، وَلَمَّا كَانَ حُبُّ النَّاسِ لِأَدْيَانِهِمْ فَوْقَ حُبِّهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ لَا جَرَمَ بَدَأَ فِرْعَوْنُ بِذِكْرِ الدِّينِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ) ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ فَسَادِ الدُّنْيَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) .