(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب )
اعلم أنه تعالى لما حكى عن
موسى عليه السلام أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على
nindex.php?page=treesubj&link=33087الاستعاذة بالله ، بين أنه تعالى قيض إنسانا أجنبيا غير
موسى حتى ذب عنه على أحسن الوجوه ، وبالغ في تسكين تلك الفتنة واجتهد في إزالة ذلك الشر .
يقول مصنف هذا الكتاب رحمه الله : ولقد جربت في أحوال نفسي أنه كلما قصدني شرير بشر ، لم أتعرض له ، وأكتفي بتفويض ذلك الأمر إلى الله ، فإنه سبحانه يقيض أقواما لا أعرفهم البتة ، يبالغون في دفع ذلك الشر ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في ذلك الرجل الذي كان من آل فرعون ، فقيل : إنه كان ابن عم له ، وكان جاريا مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة ، وقيل : كان قبطيا من آل فرعون وما كان من أقاربه ، وقيل : إنه كان من
بني إسرائيل ، والقول الأول أقرب ; لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=34إلا آل لوط نجيناهم بسحر ) وعن رسول الله أنه قال : "
الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، ومؤمن آل فرعون الذي قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) . والثالث nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وهو أفضلهم " وعن
جعفر بن محمد أنه قال : كان
nindex.php?page=treesubj&link=31136_31142أبو بكر خيرا من مؤمن آل فرعون ; لأنه كان يكتم إيمانه ، وقال
أبو بكر جهارا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) فكان ذلك سرا وهذا كان جهارا .
المسألة الثانية : لفظ "من" في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28من آل فرعون ) يجوز أن يكون متعلقا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28مؤمن ) أي كان ذلك المؤمن شخصا من آل فرعون ، ويجوز أن يكون متعلقا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28يكتم إيمانه ) والتقدير رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون ، وقيل : إن هذا الاحتمال غير جائز لأنه لا يقال : كتمت من فلان كذا ، إنما يقال : كتمته كذا ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42ولا يكتمون الله حديثا ) [النساء : 42] .
[ ص: 51 ] المسألة الثالثة : "رجل مؤمن" الأكثرون قرأوا بضم الجيم وقرئ "رجل" بكسر الجيم كما يقال : عضد في عضد .
المسألة الرابعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) استفهام على سبيل الإنكار ، وقد ذكر في هذا الكلام ما يدل على حسن الاستنكار ، وذلك لأنه ما زاد على أن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28ربي الله ) وجاء بالبينات ، وذلك لا يوجب القتل البتة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) يحتمل وجهين ; الأول : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28ربي الله ) إشارة إلى التوحيد ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقد جاءكم بالبينات ) إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28658_29426الدلائل الدالة على التوحيد ، وهو قوله في سورة طه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) [طه : 50] وقوله في سورة الشعراء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=7رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) [الدخان : 7] إلى آخر الآيات ، ثم ذكر ذلك المؤمن حجة ثانية في أن الإقدام على قتله غير جائز ، وهي حجة مذكورة على طريقة التقسيم ، فقال : إن كان هذا الرجل كاذبا كان وبال كذبه عائدا عليه فاتركوه ، وإن كان صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ، فثبت أن على كلا التقديرين كان الأولى إبقاؤه حيا .
فإن قيل : السؤال على هذا الدليل من وجهين ; الأول : أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وإن يك كاذبا فعليه كذبه ) معناه أن ضرر كذبه مقصور عليه ولا يتعداه ، وهذا الكلام فاسد لوجوه ; أحدها : أنا لا نسلم أن بتقدير كونه كاذبا كان ضرر كذبه مقصورا عليه ; لأنه يدعو الناس إلى ذلك الدين الباطل ، فيغتر به جماعة منهم ، ويقعون في المذهب الباطل والاعتقاد الفاسد ، ثم يقع بينهم وبين غيرهم الخصومات الكثيرة ، فثبت أن بتقدير كونه كاذبا لم يكن ضرر كذبه مقصورا عليه ، بل كان متعديا إلى الكل ; ولهذا السبب العلماء أجمعوا على أن الزنديق الذي يدعو الناس إلى زندقته يجب قتله . وثانيها : أنه إن كان الكلام حجة له ، فلا كذاب إلا ويمكنه أن يتمسك بهذه الطريقة ، فوجب تمكن جميع الزنادقة والمبطلين من تقرير أديانهم الباطلة . وثالثها : أن الكفار الذين أنكروا نبوة
موسى عليه السلام وجب أن لا يجوز الإنكار عليهم ; لأنه يقال : إن كان ذلك المنكر كاذبا في ذلك الإنكار فعليه كذبه ، وإن يك صادقا انتفعتم بصدقه ، فثبت أن هذا الطريق يوجب تصويب ضده ، وما أفضى ثبوته إلى عدمه كان باطلا .
السؤال الثاني : أنه كان من الواجب أن يقال : وإن يك صادقا يصبكم كل الذي يعدكم ; لأن الذي يصيب في بعض ما يعد دون البعض هم أصحاب الكهانة والنجوم ، أما الرسول الصادق الذي لا يتكلم إلا بالوحي فإنه يجب أن يكون صادقا في كل ما يقول فكان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28يصبكم بعض الذي يعدكم ) غير لائق بهذا المقام . والجواب عن الأسئلة الثلاثة بحرف واحد وهو أن تقدير الكلام أن يقال : إنه لا حاجة بكم في دفع شره إلى قتله بل يكفيكم أن تمنعوه عن إظهار هذه المقالة ثم تتركوا قتله فإن كان كاذبا فحينئذ لا يعود ضرره إلا إليه ، وإن يك صادقا انتفعتم به ، والحاصل أن المقصود من ذكر ذلك التقسيم بيان أنه لا حاجة إلى قتله بل يكفيكم أن تعرضوا عنه وأن تمنعوه عن إظهار دينه ، فبهذا الطريق تكون الأسئلة الثلاثة مدفوعة .
وأما السؤال الثاني ، وهو قوله : كان الأولى أن يقال : يصبكم كل الذي يعدكم ، فالجواب عنه من وجوه ; الأول : أن مدار هذا الاستدلال على إظهار الإنصاف وترك اللجاج ; لأن المقصود منه إن كان كاذبا كان ضرر كذبه مقصورا عليه ، وإن كان صادقا فلا أقل من أن يصل إليكم بعض ما يعدكم ، وإن كان المقصود من هذا
[ ص: 52 ] الكلام ما ذكر صح ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) [سبأ : 24] ، والوجه الثاني : أنه عليه السلام كان يتوعدهم بعذاب الدنيا وبعذاب الآخرة ، فإذا وصل إليهم في الدنيا عذاب الدنيا فقد أصابهم بعض الذي يعدهم به ، الوجه الثالث : حكي عن
أبي عبيدة أنه قال : ورود لفظ البعض بمعنى الكل جائز ، واحتج بقول
لبيد :
تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها
والجمهور على أن هذا القول خطأ ، قالوا : وأراد
لبيد ببعض النفوس نفسه . والله أعلم .
ثم حكى الله تعالى عن هذا المؤمن حكاية ثالثة في أنه لا يجوز إيذاء
موسى عليه السلام فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ) [غافر : 34] وتقرير هذا الدليل أن يقال : إن الله تعالى هدى
موسى إلى الإتيان بهذه المعجزات الباهرة ، ومن هداه الله إلى الإتيان بالمعجزات لا يكون مسرفا كذابا ، فهذا يدل على أن
موسى عليه السلام ليس من الكاذبين ، فكان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=31908علو شأن موسى عليه السلام على طريق الرمز والتعريض ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن فرعون مسرف في عزمه على قتل
موسى ، كذاب في إقدامه على ادعاء الإلهية ، والله لا يهدي من هذا شأنه وصفته ، بل يبطله ويهدم أمره .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ مَا زَادَ فِي دَفْعِ مَكْرِ فِرْعَوْنَ وَشَرِّهِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33087الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ ، بَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى قَيَّضَ إِنْسَانًا أَجْنَبِيًّا غَيْرَ
مُوسَى حَتَّى ذَبَّ عَنْهُ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ ، وَبَالَغَ فِي تَسْكِينِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ وَاجْتَهَدَ فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ الشَّرِّ .
يَقُولُ مُصَنَّفُ هَذَا الْكِتَابِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَقَدْ جَرَّبْتُ فِي أَحْوَالِ نَفْسِي أَنَّهُ كُلَّمَا قَصَدَنِي شِرِّيرٌ بِشَرٍّ ، لَمْ أَتَعَرَّضْ لَهُ ، وَأَكْتَفِي بِتَفْوِيضِ ذَلِكَ الْأَمْرِ إِلَى اللَّهِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُقَيِّضُ أَقْوَامًا لَا أَعْرِفُهُمُ الْبَتَّةَ ، يُبَالِغُونَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الشَّرِّ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، فَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ ابْنَ عَمٍّ لَهُ ، وَكَانَ جَارِيًا مَجْرَى وَلِيِّ الْعَهْدِ وَمَجْرَى صَاحِبِ الشُّرَطَةِ ، وَقِيلَ : كَانَ قِبْطِيًّا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَمَا كَانَ مِنْ أَقَارِبِهِ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ ; لِأَنَّ لَفْظَ الْآلِ يَقَعُ عَلَى الْقَرَابَةِ وَالْعَشِيرَةِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=34إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ) وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : "
الصِّدِّيقُونَ ثَلَاثَةٌ : حَبِيبٌ النَّجَّارُ مُؤْمِنُ آلِ يَاسِينَ ، وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) . وَالثَّالِثُ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ " وَعَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=31136_31142أَبُو بَكْرٍ خَيْرًا مِنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ، وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ جِهَارًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) فَكَانَ ذَلِكَ سِرًّا وَهَذَا كَانَ جِهَارًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لَفْظُ "مِنْ" فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28مُؤْمِنٌ ) أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ شَخْصًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) وَالتَّقْدِيرُ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : كَتَمْتُ مِنْ فُلَانٍ كَذَا ، إِنَّمَا يُقَالُ : كَتَمْتُهُ كَذَا ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ) [النِّسَاءِ : 42] .
[ ص: 51 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : "رَجُلٌ مُؤْمِنٌ" الْأَكْثَرُونَ قَرَأُوا بِضَمِّ الْجِيمِ وَقُرِئَ "رَجِلٌ" بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا يُقَالُ : عَضِدٌ فِي عَضُدٍ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الِاسْتِنْكَارِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28رَبِّيَ اللَّهُ ) وَجَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ الْبَتَّةَ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ; الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28رَبِّيَ اللَّهُ ) إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28658_29426الدَّلَائِلَ الدَّالَّةِ عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ طه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) [طه : 50] وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=7رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ) [الدُّخَانِ : 7] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ ، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ حُجَّةً ثَانِيَةً فِي أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِهِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَهِيَ حُجَّةٌ مَذْكُورَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ التَّقْسِيمِ ، فَقَالَ : إِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ كَاذِبًا كَانَ وَبَالُ كَذِبِهِ عَائِدًا عَلَيْهِ فَاتْرُكُوهُ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ، فَثَبَتَ أَنَّ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ كَانَ الْأَوْلَى إِبْقَاؤُهُ حَيًّا .
فَإِنْ قِيلَ : السُّؤَالُ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ مِنْ وَجْهَيْنِ ; الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ) مَعْنَاهُ أَنَّ ضَرَرَ كَذِبِهِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ ، وَهَذَا الْكَلَامُ فَاسِدٌ لِوُجُوهٍ ; أَحَدُهَا : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ كَاذِبًا كَانَ ضَرَرُ كَذِبِهِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ الدِّينِ الْبَاطِلِ ، فَيَغْتَرُّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ، وَيَقَعُونَ فِي الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ وَالِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ ، ثُمَّ يَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمُ الْخُصُومَاتُ الْكَثِيرَةُ ، فَثَبَتَ أَنَّ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ كَاذِبًا لَمْ يَكُنْ ضَرَرُ كَذِبِهِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ، بَلْ كَانَ مُتَعَدِّيًا إِلَى الْكُلِّ ; وَلِهَذَا السَّبَبِ الْعُلَمَاءُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الزِّنْدِيقَ الَّذِي يَدْعُو النَّاسَ إِلَى زَنْدَقَتِهِ يَجِبُ قَتْلُهُ . وَثَانِيهَا : أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْكَلَامُ حُجَّةً لَهُ ، فَلَا كَذَّابَ إِلَّا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ ، فَوَجَبَ تَمَكُّنُ جَمِيعِ الزَّنَادِقَةِ وَالْمُبْطِلِينَ مِنْ تَقْرِيرِ أَدْيَانِهِمُ الْبَاطِلَةِ . وَثَالِثُهَا : أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا نُبُوَّةَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ : إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُنْكِرُ كَاذِبًا فِي ذَلِكَ الْإِنْكَارِ فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ، وَإِنْ يَكُ صَادِقًا انْتَفَعْتُمْ بِصِدْقِهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ يُوجِبُ تَصْوِيبَ ضِدِّهُ ، وَمَا أَفْضَى ثُبُوتُهُ إِلَى عَدَمِهِ كَانَ بَاطِلًا .
السُّؤَالُ الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ يُقَالَ : وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ كُلُّ الَّذِي يَعِدُكُمْ ; لِأَنَّ الَّذِي يُصِيبُ فِي بَعْضِ مَا يَعِدُ دُونَ الْبَعْضِ هُمْ أَصْحَابُ الْكَهَانَةِ وَالنُّجُومِ ، أَمَّا الرَّسُولُ الصَّادِقُ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِالْوَحْيِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي كُلِّ مَا يَقُولُ فَكَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) غَيْرَ لَائِقٍ بِهَذَا الْمَقَامِ . وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَسْئِلَةِ الثَّلَاثَةِ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِكُمْ فِي دَفْعِ شَرِّهِ إِلَى قَتْلِهِ بَلْ يَكْفِيكُمْ أَنْ تَمْنَعُوهُ عَنْ إِظْهَارِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ثُمَّ تَتْرُكُوا قَتْلَهُ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَحِينَئِذٍ لَا يَعُودُ ضَرَرُهُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَإِنْ يَكُ صَادِقًا انْتَفَعْتُمْ بِهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ التَّقْسِيمِ بَيَانُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى قَتْلِهِ بَلْ يَكْفِيكُمْ أَنْ تُعْرِضُوا عَنْهُ وَأَنْ تَمْنَعُوهُ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَكُونُ الْأَسْئِلَةُ الثَّلَاثَةُ مَدْفُوعَةً .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي ، وَهُوَ قَوْلُهُ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : يُصِبْكُمْ كُلُّ الَّذِي يَعِدُكُمْ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ ; الْأَوَّلُ : أَنَّ مَدَارَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِظْهَارِ الْإِنْصَافِ وَتَرْكِ اللِّجَاجِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إِنْ كَانَ كَاذِبًا كَانَ ضَرَرُ كَذِبِهِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمْ بَعْضُ مَا يَعِدُكُمْ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا
[ ص: 52 ] الْكَلَامِ مَا ذُكِرَ صَحَّ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) [سَبَأٍ : 24] ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَتَوَعَّدُهُمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا وَبِعَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا عَذَابُ الدُّنْيَا فَقَدْ أَصَابَهُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُهُمْ بِهِ ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ : حُكِيَ عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ : وُرُودُ لَفْظِ الْبَعْضِ بِمَعْنَى الْكُلِّ جَائِزٌ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ
لَبِيدٍ :
تَرَاكَ أَمْكِنَةٌ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوسِ حِمَامَهَا
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ ، قَالُوا : وَأَرَادَ
لَبِيدٌ بِبَعْضِ النُّفُوسِ نَفْسَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا الْمُؤْمِنِ حِكَايَةً ثَالِثَةً فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِيذَاءُ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ) [غَافِرٍ : 34] وَتَقْرِيرُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هَدَى
مُوسَى إِلَى الْإِتْيَانِ بِهَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ ، وَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْمُعْجِزَاتِ لَا يَكُونُ مُسْرِفًا كَذَّابًا ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ، فَكَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) إِشَارَةً إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=31908عُلُوِّ شَأْنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى طَرِيقِ الرَّمْزِ وَالتَّعْرِيضِ ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ فِرْعَوْنَ مُسْرِفٌ فِي عَزْمِهِ عَلَى قَتْلِ
مُوسَى ، كَذَّابٌ فِي إِقْدَامِهِ عَلَى ادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي مَنْ هَذَا شَأْنُهُ وَصِفَتُهُ ، بَلْ يُبْطِلُهُ وَيَهْدِمُ أَمْرَهُ .