(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30وقال الذي آمن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد )
اعلم أن مؤمن آل فرعون لما أقام أنواع الدلائل على أنه لا يجوز الإقدام على قتل
موسى ، خوفهم في ذلك بعذاب الله فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض ) يعني قد علوتم الناس وقهرتموهم ، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لبأس الله وعذابه ، فإنه لا قبل لكم به ، وإنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29ينصرنا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29جاءنا ) لأنه كان يظهر من نفسه أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه ، ولما قال ذلك المؤمن هذا الكلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى ) أي لا أشير إليكم برأي سوى ما ذكرته أنه يجب قتله حسما
[ ص: 53 ] لمادة الفتنة (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وما أهديكم ) بهذا الرأي (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29إلا سبيل الرشاد ) والصلاح ، ثم حكى تعالى أن ذلك المؤمن رد هذا الكلام على فرعون فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ) .
واعلم أنه تعالى حكى عن ذلك المؤمن أنه كان يكتم إيمانه ، والذي يكتم كيف يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون ، ولهذا السبب حصل هاهنا قولان ; الأول : أن فرعون لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26ذروني أقتل موسى ) لم يصرح ذلك المؤمن بأنه على دين
موسى ، بل أوهم أنه مع فرعون وعلى دينه ، إلا أنه زعم أن المصلحة تقتضي ترك قتل
موسى ; لأنه لم يصدر عنه إلا الدعوة إلى الله والإتيان بالمعجزات القاهرة ، وهذا لا يوجب القتل ، والإقدام على قتله يوجب الوقوع في ألسنة الناس بأقبح الكلمات ، بل الأولى أن يؤخر قتله وأن يمنع من إظهار دينه ; لأن على هذا التقدير إن كان كاذبا كان وبال كذبه عائدا إليه ، وإن كان صادقا حصل الانتفاع به من بعض الوجوه ، ثم أكد ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) يعني أنه إن صدق فيما يدعيه من إثبات الإله القادر الحكيم فهو لا يهدي المسرف الكذاب ، فأوهم فرعون أنه أراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) أنه يريد
موسى وهو إنما كان يقصد به فرعون ; لأن المسرف الكذاب هو فرعون . والقول الثاني : أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه أولا ، فلما قال فرعون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26ذروني أقتل موسى ) أزال الكتمان وأظهر كونه على دين
موسى ، وشافه فرعون بالحق .
واعلم أنه تعالى حكى عن هذا المؤمن أنواعا من الكلمات ذكرها لفرعون . فالأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ) والتقدير مثل أيام الأحزاب ، إلا أنه لما أضاف اليوم إلى الأحزاب ، وفسرهم
بقوم نوح وعاد وثمود ، فحينئذ ظهر أن كل حزب كان له يوم معين في البلاء ، فاقتصر من الجمع على ذكر الواحد لعدم الالتباس ، ثم فسر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ) بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود ) ودأب هؤلاء دونهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي ، فيكون ذلك دائبا ودائما لا يفترون عنه ، ولا بد من حذف مضاف ، يريد : مثل جزاء دأبهم ، والحاصل أنه خوفهم بهلاك معجل في الدنيا ، ثم خوفهم أيضا بهلاك الآخرة ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33ومن يضلل الله فما له من هاد ) والمقصود منه التنبيه على عذاب الآخرة .
والنوع الثاني من كلمات ذلك المؤمن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31وما الله يريد ظلما للعباد ) يعني أن تدمير أولئك الأحزاب كان عدلا ; لأنهم استوجبوه بسبب تكذيبهم للأنبياء ، فتلك الجملة قائمة هاهنا ، فوجب حصول الحكم هاهنا ، قالت
المعتزلة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31وما الله يريد ظلما للعباد ) يدل على أنه لا يريد أن يظلم بعض العباد بعضا ، ويدل على أنه لا يريد ظلم أحد من العباد ، فلو خلق الكفر فيهم ثم عذبهم على ذلك الكفر لكان ظالما ، وإذا ثبت أنه لا يريد الظلم البتة ثبت أنه غير خالق
nindex.php?page=treesubj&link=28785لأفعال العباد ; لأنه لو خلقها لأرادها ، وثبت أيضا أنه قادر على الظلم ، إذ لو لم يقدر عليه لما حصل المدح بترك الظلم ، وهذا الاستدلال قد ذكرناه مرارا في هذا الكتاب مع الجواب ، فلا فائدة في الإعادة .
النوع الثالث من كلمات هذا المؤمن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : التنادي تفاعل من النداء ، يقال : تنادى القوم ؛ أي نادى بعضهم بعضا ، والأصل الياء وحذف الياء حسن في الفواصل ، وذكرنا ذلك في (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15يوم التلاق ) وأجمع المفسرون على أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=30291يوم التناد ) يوم
[ ص: 54 ] القيامة ، وفي سبب تسمية ذلك اليوم بذلك الاسم وجوه ; الأول : أن أهل النار ينادون أهل الجنة ، وأهل الجنة ينادون أهل النار ، كما ذكر الله عنهم في سورة الأعراف (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=50ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ) [الأعراف : 50] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ) ، الثاني : قال
الزجاج : لا يبعد أن يكون السبب فيه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=71يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) [الإسراء : 71] . الثالث : أنه ينادي بعض الظالمين بعضا بالويل والثبور فيقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97ياويلنا ) [الأنبياء : 97] . الرابع : ينادون إلى المحشر ، أي يدعون . الخامس : ينادي المؤمن (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=19هاؤم اقرءوا كتابيه ) [الحاقة : 19] والكافر (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=25ياليتني لم أوت كتابيه ) [الحاقة : 25] . السادس : ينادى باللعنة على الظالمين . السابع : يجاء بالموت على صورة كبش أملح ثم يذبح وينادى : يا أهل القيامة لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا على فرحهم ، وأهل النار حزنا على حزنهم . الثامن : قال
أبو علي الفارسي : التنادي مشتق من التناد ، من قولهم : ند فلان : إذا هرب ، وهو قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وفسرها فقال : يندون كما تند الإبل ، ويدل على صحة هذه القراءة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=34يوم يفر المرء من أخيه ) [عبس : 34] الآية . وقوله تعالى بعد هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33يوم تولون مدبرين ) لأنهم إذا سمعوا زفير النار يندون هاربين ، فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه .
المسألة الثانية : انتصب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32يوم التناد ) لوجهين ; أحدهما : الظرف للخوف ، كأنه خاف عليهم في ذلك اليوم ، لما يلحقهم من العذاب إن لم يؤمنوا . والآخر : أن يكون التقدير "إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد" وإذا كان كذلك كان انتصاب يوم انتصاب المفعول به ، لا انتصاب الظرف ; لأن إعرابه إعراب المضاف المحذوف ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33يوم تولون مدبرين ) وهو بدل من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32يوم التناد ) عن قتادة : منصرفين عن موقف يوم الحساب إلى النار ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : فارين عن النار غير معجزين ، ثم أكد التهديد فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33ما لكم من الله من عاصم ) ثم نبه على قوة ضلالتهم وشدة جهالتهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33ومن يضلل الله فما له من هاد ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )
اعْلَمْ أَنَّ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ لَمَّا أَقَامَ أَنْوَاعَ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ
مُوسَى ، خَوَّفَهُمْ فِي ذَلِكَ بِعَذَابِ اللَّهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ ) يَعْنِي قَدْ عَلَوْتُمُ النَّاسَ وَقَهَرْتُمُوهُمْ ، فَلَا تُفْسِدُوا أَمْرَكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَتَعَرَّضُوا لِبَأْسِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ ، فَإِنَّهُ لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يَنْصُرُنَا ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29جَاءَنَا ) لِأَنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَأَنَّ الَّذِي يَنْصَحُهُمْ بِهِ هُوَ مُشَارِكٌ لَهُمْ فِيهِ ، وَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ هَذَا الْكَلَامَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ) أَيْ لَا أُشِيرُ إِلَيْكُمْ بِرَأْيٍ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُهُ حَسْمًا
[ ص: 53 ] لِمَادَّةِ الْفِتْنَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وَمَا أَهْدِيكُمْ ) بِهَذَا الرَّأْيِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) وَالصَّلَاحِ ، ثُمَّ حَكَى تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُؤْمِنَ رَدَّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ، وَالَّذِي يَكْتُمُ كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنَّ يَذْكُرَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مَعَ فِرْعَوْنَ ، وَلِهَذَا السَّبَبِ حَصَلَ هَاهُنَا قَوْلَانِ ; الْأَوَّلُ : أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ) لَمْ يُصَرِّحْ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّهُ عَلَى دِينِ
مُوسَى ، بَلْ أَوْهَمَ أَنَّهُ مَعَ فِرْعَوْنَ وَعَلَى دِينِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي تَرْكَ قَتْلِ
مُوسَى ; لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ إِلَّا الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ وَالْإِتْيَانُ بِالْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ يُوجِبُ الْوُقُوعَ فِي أَلْسِنَةِ النَّاسِ بِأَقْبَحِ الْكَلِمَاتِ ، بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخَّرَ قَتْلُهُ وَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ ; لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إِنْ كَانَ كَاذِبًا كَانَ وَبَالُ كَذِبِهِ عَائِدًا إِلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا حَصَلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) يَعْنِي أَنَّهُ إِنْ صَدَقَ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ إِثْبَاتِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ فَهُوَ لَا يَهْدِي الْمُسْرِفَ الْكَذَّابَ ، فَأَوْهَمَ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) أَنَّهُ يُرِيدُ
مُوسَى وَهُوَ إِنَّمَا كَانَ يَقْصِدُ بِهِ فِرْعَوْنَ ; لِأَنَّ الْمُسْرِفَ الْكَذَّابَ هُوَ فِرْعَوْنُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَوَّلًا ، فَلَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ) أَزَالَ الْكِتْمَانَ وَأَظْهَرَ كَوْنَهُ عَلَى دِينِ
مُوسَى ، وَشَافَهَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ هَذَا الْمُؤْمِنِ أَنْوَاعًا مِنَ الْكَلِمَاتِ ذَكَرَهَا لِفِرْعَوْنَ . فَالْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ) وَالتَّقْدِيرُ مِثْلُ أَيَّامِ الْأَحْزَابِ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْيَوْمَ إِلَى الْأَحْزَابِ ، وَفَسَّرَهُمْ
بِقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ، فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّ حِزْبٍ كَانَ لَهُ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ فِي الْبَلَاءِ ، فَاقْتَصَرَ مِنَ الْجَمْعِ عَلَى ذِكْرِ الْوَاحِدِ لِعَدَمِ الِالْتِبَاسِ ، ثُمَّ فَسَّرَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ) بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ) وَدَأْبُ هَؤُلَاءِ دُونَهُمْ فِي عَمَلِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَائِبًا وَدَائِمًا لَا يَفْتَرُونَ عَنْهُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ ، يُرِيدُ : مِثْلَ جَزَاءِ دَأْبِهِمْ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ خَوَّفَهُمْ بِهَلَاكٍ مُعَجَّلٍ فِي الدُّنْيَا ، ثُمَّ خَوَّفَهُمْ أَيْضًا بِهَلَاكِ الْآخِرَةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ كَلِمَاتِ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ) يَعْنِي أَنَّ تَدْمِيرَ أُولَئِكَ الْأَحْزَابِ كَانَ عَدْلًا ; لِأَنَّهُمُ اسْتَوْجَبُوهُ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ لِلْأَنْبِيَاءِ ، فَتِلْكَ الْجُمْلَةُ قَائِمَةٌ هَاهُنَا ، فَوَجَبَ حُصُولُ الْحُكْمِ هَاهُنَا ، قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَظْلِمَ بَعْضُ الْعِبَادِ بَعْضًا ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ ظُلْمَ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ ، فَلَوْ خَلَقَ الْكُفْرَ فِيهِمْ ثُمَّ عَذَّبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْكُفْرِ لَكَانَ ظَالِمًا ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الظُّلْمَ الْبَتَّةَ ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ خَالِقٍ
nindex.php?page=treesubj&link=28785لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ ; لِأَنَّهُ لَوْ خَلَقَهَا لَأَرَادَهَا ، وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الظُّلْمِ ، إِذْ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَمَا حَصَلَ الْمَدْحُ بِتَرْكِ الظُّلْمِ ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعَ الْجَوَابِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ .
النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ كَلِمَاتِ هَذَا الْمُؤْمِنِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : التَّنَادِي تَفَاعُلٌ مِنَ النِّدَاءِ ، يُقَالُ : تَنَادَى الْقَوْمُ ؛ أَيْ نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَالْأَصْلُ الْيَاءُ وَحَذْفُ الْيَاءِ حَسَنٌ فِي الْفَوَاصِلِ ، وَذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15يَوْمَ التَّلَاقِ ) وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=30291يَوْمَ التَّنَادِ ) يَوْمُ
[ ص: 54 ] الْقِيَامَةِ ، وَفِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِذَلِكَ الِاسْمِ وُجُوهٌ ; الْأَوَّلُ : أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يُنَادُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ يُنَادُونَ أَهْلَ النَّارِ ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=50وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) [الْأَعْرَافِ : 50] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ ) ، الثَّانِي : قَالَ
الزَّجَّاجُ : لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=71يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) [الْإِسْرَاءِ : 71] . الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُنَادِي بَعْضُ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَيَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97يَاوَيْلَنَا ) [الْأَنْبِيَاءِ : 97] . الرَّابِعُ : يُنَادَوْنَ إِلَى الْمَحْشَرِ ، أَيْ يُدْعَوْنَ . الْخَامِسُ : يُنَادِي الْمُؤْمِنُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=19هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) [الْحَاقَّةِ : 19] وَالْكَافِرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=25يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ) [الْحَاقَّةِ : 25] . السَّادِسُ : يُنَادَى بِاللَّعْنَةِ عَلَى الظَّالِمِينَ . السَّابِعُ : يُجَاءُ بِالْمَوْتِ عَلَى صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ ثُمَّ يُذْبَحُ وَيُنَادَى : يَا أَهْلَ الْقِيَامَةِ لَا مَوْتَ ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا عَلَى فَرَحِهِمْ ، وَأَهْلُ النَّارِ حُزْنًا عَلَى حُزْنِهِمْ . الثَّامِنُ : قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : التَّنَادِي مُشْتَقٌّ مِنَ التَّنَادِّ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : نَدَّ فُلَانٌ : إِذَا هَرَبَ ، وَهُوَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَفَسَّرَهَا فَقَالَ : يَنِدُّونَ كَمَا تَنِدُّ الْإِبِلُ ، وَيَدُلُ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=34يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ) [عَبَسَ : 34] الْآيَةَ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ) لِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا زَفِيرَ النَّارِ يَنِدُّونَ هَارِبِينَ ، فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنَ الْأَقْطَارِ إِلَّا وَجَدُوا مَلَائِكَةً صُفُوفًا ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : انْتَصَبَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32يَوْمَ التَّنَادِ ) لِوَجْهَيْنِ ; أَحَدُهُمَا : الظَّرْفُ لِلْخَوْفِ ، كَأَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا . وَالْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ "إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمِ التَّنَادِ" وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ انْتِصَابُ يَوْمٍ انْتِصَابَ الْمَفْعُولِ بِهِ ، لَا انْتِصَابَ الظَّرْفِ ; لِأَنَّ إِعْرَابَهُ إِعْرَابُ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ) وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=32يَوْمَ التَّنَادِ ) عَنْ قَتَادَةَ : مُنْصَرِفِينَ عَنْ مَوْقِفِ يَوْمِ الْحِسَابِ إِلَى النَّارِ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ : فَارِّينَ عَنِ النَّارِ غَيْرَ مُعْجِزِينَ ، ثُمَّ أَكَّدَ التَّهْدِيدَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى قُوَّةِ ضَلَالَتِهِمْ وَشِدَّةِ جَهَالَتِهِمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=33وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) .