(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد [ ص: 64 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )
اعلم أنه تعالى لما بين أن ذلك الرجل لم يقصر في تقرير الدين الحق ، وفي الذب عنه فالله تعالى رد عنه كيد الكافرين وقصد القاصدين ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا ) يدل على أنه لما صرح بتقرير الحق فقد قصدوه بنوع من أنواع السوء ، قال
مقاتل : لما ذكر هذه الكلمات قصدوا قتله فهرب منهم إلى الجبل فطلبوه فلم يقدروا عليه ، وقيل : المراد بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا ) أنهم قصدوا إدخاله في الكفر وصرفه عن الإسلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله ) عن ذلك إلا أن الأول أولى ; لأن قوله بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وحاق بآل فرعون سوء العذاب ) لا يليق إلا بالوجه الأول ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وحاق بآل فرعون ) أي أحاط بهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سوء العذاب ) أي غرقوا في البحر ، وقيل : بل المراد منه النار المذكورة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها ) قال
الزجاج : "النار" بدل من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سوء العذاب ) قال : وجائز أيضا أن تكون مرتفعة على إضمار تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سوء العذاب ) كأن قائلا قال : ما سوء العذاب؟ فقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها ) .
قرأ
حمزة "حيق" بكسر الحاء وكذلك في كل القرآن والباقون بالفتح أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : احتج أصحابنا بهذه الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=32925إثبات عذاب القبر قالوا : الآية تقتضي عرض النار عليهم غدوا وعشيا ، وليس المراد منه يوم القيامة ; لأنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) ، وليس المراد منه أيضا الدنيا ; لأن عرض النار عليهم غدوا وعشيا ما كان حاصلا في الدنيا ، فثبت أن هذا العرض إنما حصل بعد الموت وقبل يوم القيامة ، وذلك يدل على إثبات عذاب القبر في حق هؤلاء ، وإذا ثبت في حقهم ثبت في حق غيرهم ; لأنه لا قائل بالفرق ، فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من عرض النار عليهم غدوا وعشيا عرض النصائح عليهم في الدنيا؟ لأن أهل الدين إذا ذكروا لهم الترغيب والترهيب وخوفوهم بعذاب الله ، فقد عرضوا عليهم النار ، ثم نقول : في الآية ما يمنع من حمله على عذاب القبر وبيانه من وجهين ، الأول : أن ذلك العذاب يجب أن يكون دائما غير منقطع ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46يعرضون عليها غدوا وعشيا ) يقتضي أن لا يحصل ذلك العذاب إلا في هذين الوقتين ، فثبت أن هذا لا يمكن حمله على عذاب القبر . الثاني : أن الغدوة والعشية إنما يحصلان في الدنيا ، أما في القبر فلا وجود لهما ، فثبت بهذين الوجهين أنه لا يمكن حمل هذه الآية على عذاب القبر .
والجواب : عن السؤال الأول أن في الدنيا عرض عليهم كلمات تذكرهم أمر النار ، لا أنه يعرض عليهم نفس النار ، فعلى قولهم يصير معنى الآية الكلمات المذكرة لأمر النار كانت تعرض عليهم ، وذلك يفضي إلى ترك ظاهر اللفظ والعدول إلى المجاز ، أما قوله : الآية تدل على حصول هذا العذاب في هذين الوقتين وذلك لا يجوز ، قلنا : لم لا يجوز أن يكتفى في القبر بإيصال العذاب إليه في هذين الوقتين ، ثم عند قيام القيامة يلقى في النار فيدوم عذابه بعد ذلك ، وأيضا لا يمتنع أن يكون ذكر الغدوة والعشية كناية عن الدوام كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) أما قوله : إنه ليس في القبر والقيامة غدوة وعشية ، قلنا : لم لا يجوز أن يقال : إن عند حصول هذين الوقتين لأهل الدنيا يعرض عليهم العذاب؟ والله أعلم .
[ ص: 65 ] المسألة الثانية : قرأ
نافع وحمزة والكسائي وحفص عن
عاصم ( أدخلوا آل فرعون ) أي يقال لخزنة جهنم : أدخلوهم في أشد العذاب ، والباقون ( ادخلوا ) على معنى أنه يقال لهؤلاء الكفار : ادخلوا أشد العذاب ، والقراءة الأولى اختيار
أبي عبيدة ، واحتج عليها بقوله تعالى : " يعرضون " فهذا يفعل بهم ، فكذلك ( أدخلوا ) ، وأما وجه القراءة الثانية فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=72ادخلوا أبواب جهنم ) ، وههنا آخر الكلام في قصة مؤمن آل فرعون .
واعلم أن الكلام في تلك القصة لما انجر إلى شرح أحوال النار ، لا جرم ذكر الله عقيبها قصة المناظرات التي تجري بين الرؤساء والأتباع من أهل النار ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وإذ يتحاجون في النار ) والمعنى اذكر يا
محمد لقومك إذ يتحاجون أي يحاجج بعضهم بعضا ، ثم شرح خصومتهم وذلك أن الضعفاء يقولون للرؤساء (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إنا كنا لكم تبعا ) في الدنيا ، قال صاحب " الكشاف " : " تبعا " كخدم في جمع خادم أو ذوي تبع أي أتباع أو وصفا بالمصدر (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ) أي فهل تقدرون على أن تدفعوا أيها الرؤساء عنا نصيبا من العذاب ، واعلم أن أولئك الأتباع يعلمون أن أولئك الرؤساء لا قدرة لهم على ذلك التخفيف ، وإنما مقصودهم من هذا الكلام المبالغة في تخجيل أولئك الرؤساء وإيلام قلوبهم ؛ لأنهم هم الذين سعوا في إيقاع هؤلاء الأتباع في أنواع الضلالات ، فعند هذا يقول الرؤساء (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إنا كل فيها ) يعني أن كلنا واقعون في هذا العذاب ، فلو قدرت على إزالة العذاب عنك لدفعته عن نفسي ، ثم يقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إن الله قد حكم بين العباد ) يعني يوصل إلى كل أحد مقدار حقه من النعيم أو من العذاب ، ثم عند هذا يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين فيرجعون إلى خزنة جهنم ويقولون لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ) فإن قيل لم لم يقل : وقال الذين في النار لخزنتها بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وقال الذين في النار لخزنة جهنم ) ؟ قلنا فيه وجهان :
الأول : أن يكون المقصود من ذكر جهنم التهويل والتفظيع ، والثاني : أن يكون جهنم اسما لموضع هو أبعد النار قعرا ، من قولهم : بئر جهنام أي بعيدة القعر ، وفيها أعظم أقسام الكفار عقوبة ، وخزنة ذلك الموضع تكون أعظم خزنة جهنم عند الله درجة ، فإذا عرف الكفار أن الأمر كذلك استغاثوا بهم ، فأولئك الملائكة يقولون لهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ) والمقصود أن قبل إرسال الرسل كان للقوم أن يقولوا إنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=19ما جاءنا من بشير ولا نذير ) [ المائدة : 19 ] أما بعد مجيء الرسل فلم يبق عذر ولا علة كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] وهذه الآية تدل على أن الواجب لا يتحقق إلا بعد مجيء الشرع .
ثم إن أولئك الملائكة يقولون للكفار : ادعوا أنتم فإنا لا نجترئ على ذلك ولا نشفع إلا بشرطين أحدهما : كون المشفوع له مؤمنا ، والثاني : حصول الإذن في الشفاعة ولم يوجد واحد من هذين الشرطين فإقدامنا على هذه الشفاعة ممتنع لكن ادعوا أنتم ، وليس قولهم فادعوا لرجاء المنفعة ، ولكن للدلالة على الخيبة ، فإن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكفار ؟ ثم يصرحون لهم بأنه لا أثر لدعائهم فيقولون (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) فإن قيل : إن الحاجة على الله محال ، وإذا كان كذلك امتنع أن يقال : إنه تأذى من هؤلاء المجرمين بسبب جرمهم ، وإذا كان التأذي محالا عليه كانت شهوة الانتقام ممتنعة في حقه ، إذا ثبت هذا فنقول : إيصال هذه المضار العظيمة إلى أولئك الكفار إضرار لا منفعة فيه إلى الله تعالى ولا لأحد من العبيد ، فهو إضرار خال عن جميع الجهات المنتفعة فكيف يليق بالرحيم الكريم أن يبقي على ذلك الإيلام أبد الآباد ودهر الداهرين ، من غير أن يرحم حاجتهم ، ومن غير أن يسمع دعاءهم ، ومن غير أن يلتفت إلى تضرعهم
[ ص: 66 ] وانكسارهم ، ولو أن أقسى الناس قلبا فعل مثل هذا التعذيب ببعض عبيده لدعاه كرمه ورحمته إلى العفو عنه مع أن هذا السيد في محل النفع والضرر والحاجة ، فأكرم الأكرمين كيف يليق به هذا الإضرار ؟ قلنا : أفعال الله لا تعلل و (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [ الأنبياء : 23 ] فلما جاء الحكم الحق به في الكتاب الحق وجب الإقرار به ، والله أعلم بالصواب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ [ ص: 64 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يُقَصِّرْ فِي تَقْرِيرِ الدِّينِ الْحَقِّ ، وَفِي الذَّبِّ عَنْهُ فَاللَّهُ تَعَالَى رَدَّ عَنْهُ كَيْدَ الْكَافِرِينَ وَقَصْدَ الْقَاصِدِينَ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِتَقْرِيرِ الْحَقِّ فَقَدْ قَصَدُوهُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ السُّوءِ ، قَالَ
مُقَاتِلٌ : لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَصَدُوا قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَبَلِ فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) أَنَّهُمْ قَصَدُوا إِدْخَالَهُ فِي الْكُفْرِ وَصَرْفَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ ) عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى ; لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ ) أَيْ أَحَاطَ بِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سُوءُ الْعَذَابِ ) أَيْ غَرِقُوا فِي الْبَحْرِ ، وَقِيلَ : بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّارُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ) قَالَ
الزَّجَّاجُ : "النَّارُ" بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سُوءُ الْعَذَابِ ) قَالَ : وَجَائِزٌ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُرْتَفِعَةً عَلَى إِضْمَارِ تَفْسِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45سُوءُ الْعَذَابِ ) كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ : مَا سُوءُ الْعَذَابِ؟ فَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ) .
قَرَأَ
حَمْزَةُ "حِيقَ" بِكَسْرِ الْحَاءِ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32925إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا : الْآيَةُ تَقْتَضِي عَرْضَ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; لِأَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَيْضًا الدُّنْيَا ; لِأَنَّ عَرْضَ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا مَا كَانَ حَاصِلًا فِي الدُّنْيَا ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْعَرْضَ إِنَّمَا حَصَلَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا عَرْضَ النَّصَائِحِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا؟ لِأَنَّ أَهْلَ الدِّينِ إِذَا ذَكَرُوا لَهُمُ التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ وَخَوَّفُوهُمْ بِعَذَابِ اللَّهِ ، فَقَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمُ النَّارَ ، ثُمَّ نَقُولُ : فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ ، الْأَوَّلُ : أَنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْعَذَابُ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ . الثَّانِي : أَنَّ الْغُدْوَةَ وَالْعَشِيَّةَ إِنَّمَا يَحْصُلَانِ فِي الدُّنْيَا ، أَمَّا فِي الْقَبْرِ فَلَا وُجُودَ لَهُمَا ، فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ .
وَالْجَوَابُ : عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الدُّنْيَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ كَلِمَاتٍ تُذَكِّرُهُمْ أَمْرَ النَّارِ ، لَا أَنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَ النَّارِ ، فَعَلَى قَوْلِهِمْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الْكَلِمَاتُ الْمُذَكِّرَةُ لِأَمْرِ النَّارِ كَانَتْ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَالْعُدُولِ إِلَى الْمَجَازِ ، أَمَّا قَوْلُهُ : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى حُصُولِ هَذَا الْعَذَابِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، قُلْنَا : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَفَى فِي الْقَبْرِ بِإِيصَالِ الْعَذَابِ إِلَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ، ثُمَّ عِنْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ يُلْقَى فِي النَّارِ فَيَدُومُ عَذَابُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَيْضًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْغُدْوَةِ وَالْعَشِيَّةِ كِنَايَةً عَنِ الدَّوَامِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) أَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَبْرِ وَالْقِيَامَةِ غُدْوَةٌ وَعَشِيَّةٌ ، قُلْنَا : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ عِنْدَ حُصُولِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 65 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ ( أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ ) أَيْ يُقَالُ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ : أَدْخِلُوهُمْ فِي أَشَدِّ الْعَذَابِ ، وَالْبَاقُونَ ( ادْخُلُوا ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ : ادْخُلُوا أَشَدَّ الْعَذَابِ ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى اخْتِيَارُ
أَبِي عُبَيْدَةَ ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يُعْرَضُونَ " فَهَذَا يُفْعَلُ بِهِمْ ، فَكَذَلِكَ ( أَدْخِلُوا ) ، وَأَمَّا وَجْهُ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=72ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ) ، وَهَهُنَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي قِصَّةِ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ لَمَّا انْجَرَّ إِلَى شَرْحِ أَحْوَالِ النَّارِ ، لَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ عَقِيبَهَا قِصَّةَ الْمُنَاظَرَاتِ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ الرُّؤَسَاءِ وَالْأَتْبَاعِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ ) وَالْمَعْنَى اذْكُرْ يَا
مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ إِذْ يَتَحَاجُّونَ أَيْ يُحَاجِجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، ثُمَّ شَرَحَ خُصُومَتَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الضُّعَفَاءَ يَقُولُونَ لِلرُّؤَسَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ) فِي الدُّنْيَا ، قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : " تَبَعًا " كَخَدَمٍ فِي جَمْعِ خَادِمٍ أَوْ ذَوِي تَبَعٍ أَيْ أَتْبَاعٍ أَوْ وَصْفًا بِالْمَصْدَرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=47فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ ) أَيْ فَهَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَدْفَعُوا أَيُّهَا الرُّؤَسَاءُ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ الْعَذَابِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَتْبَاعَ يَعْلَمُونَ أَنَّ أُولَئِكَ الرُّؤَسَاءَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ التَّخْفِيفِ ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُمْ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الْمُبَالَغَةُ فِي تَخْجِيلِ أُولَئِكَ الرُّؤَسَاءِ وَإِيلَامِ قُلُوبِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ سَعَوْا فِي إِيقَاعِ هَؤُلَاءِ الْأَتْبَاعِ فِي أَنْوَاعِ الضَّلَالَاتِ ، فَعِنْدَ هَذَا يَقُولُ الرُّؤَسَاءُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إِنَّا كُلٌّ فِيهَا ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّنَا وَاقِعُونَ فِي هَذَا الْعَذَابِ ، فَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى إِزَالَةِ الْعَذَابِ عَنْكَ لَدَفَعْتُهُ عَنْ نَفْسِي ، ثُمَّ يَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=48إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ) يَعْنِي يُوَصِّلُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ مِقْدَارَ حَقِّهِ مِنَ النَّعِيمِ أَوْ مِنَ الْعَذَابِ ، ثُمَّ عِنْدَ هَذَا يَحْصُلُ الْيَأْسُ لِلْأَتْبَاعِ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ فَيَرْجِعُونَ إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ وَيَقُولُونَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَقُلْ : وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَتِهَا بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=49وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ) ؟ قُلْنَا فِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ جَهَنَّمَ التَّهْوِيلَ وَالتَّفْظِيعَ ، وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ جَهَنَّمُ اسْمًا لِمَوْضِعٍ هُوَ أَبْعَدُ النَّارِ قَعْرًا ، مِنْ قَوْلِهِمْ : بِئْرٌ جَهَنَّامٌ أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ ، وَفِيهَا أَعْظَمُ أَقْسَامِ الْكُفَّارِ عُقُوبَةً ، وَخَزَنَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ تَكُونُ أَعْظَمَ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ عِنْدَ اللَّهِ دَرَجَةً ، فَإِذَا عَرَفَ الْكُفَّارُ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِهِمْ ، فَأُولَئِكَ الْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ لَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قَبْلَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ كَانَ لِلْقَوْمِ أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=19مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ) [ الْمَائِدَةِ : 19 ] أَمَّا بَعْدَ مَجِيءِ الرُّسُلِ فَلَمْ يَبْقَ عُذْرٌ وَلَا عِلَّةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 15 ] وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بَعْدَ مَجِيءِ الشَّرْعِ .
ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ : ادْعُوا أَنْتُمْ فَإِنَّا لَا نَجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا نُشَفَّعُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدَهُمَا : كَوْنُ الْمَشْفُوعِ لَهُ مُؤْمِنًا ، وَالثَّانِي : حُصُولُ الْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فَإِقْدَامُنَا عَلَى هَذِهِ الشَّفَاعَةِ مُمْتَنِعٌ لَكِنِ ادْعُوا أَنْتُمْ ، وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ فَادْعُوا لِرَجَاءِ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَكِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْبَةِ ، فَإِنَّ الْمَلَكَ الْمُقَرَّبَ إِذَا لَمْ يُسْمَعْ دُعَاؤُهُ فَكَيْفَ يُسْمَعُ دُعَاءُ الْكُفَّارِ ؟ ثُمَّ يُصَرِّحُونَ لَهُمْ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِدُعَائِهِمْ فَيَقُولُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=50وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ الْحَاجَةَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ تَأَذَّى مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ بِسَبَبِ جُرْمِهِمْ ، وَإِذَا كَانَ التَّأَذِّي مُحَالًا عَلَيْهِ كَانَتْ شَهْوَةُ الِانْتِقَامِ مُمْتَنِعَةً فِي حَقِّهِ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِيصَالُ هَذِهِ الْمَضَارِّ الْعَظِيمَةِ إِلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ إِضْرَارٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا لِأَحَدٍ مِنَ الْعَبِيدِ ، فَهُوَ إِضْرَارٌ خَالٍ عَنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ الْمُنْتَفِعَةِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالرَّحِيمِ الْكَرِيمِ أَنْ يُبْقِيَ عَلَى ذَلِكَ الْإِيلَامِ أَبَدَ الْآبَادِ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْحَمَ حَاجَتَهُمْ ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ دُعَاءَهُمْ ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى تَضَرُّعِهِمْ
[ ص: 66 ] وَانْكِسَارِهِمْ ، وَلَوْ أَنَّ أَقْسَى النَّاسِ قَلْبًا فَعَلَ مِثْلَ هَذَا التَّعْذِيبِ بِبَعْضِ عَبِيدِهِ لَدَعَاهُ كَرَمُهُ وَرَحْمَتُهُ إِلَى الْعَفْوِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ هَذَا السَّيِّدَ فِي مَحَلِّ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ وَالْحَاجَةِ ، فَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ هَذَا الْإِضْرَارُ ؟ قُلْنَا : أَفْعَالُ اللَّهِ لَا تُعَلَّلُ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 23 ] فَلَمَّا جَاءَ الْحُكْمُ الْحَقُّ بِهِ فِي الْكِتَابِ الْحَقِّ وَجَبَ الْإِقْرَارُ بِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .