(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=63كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=63كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون )
اعلم أنه تعالى لما بين أن القول بالقيامة حق وصدق ، وكان من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بطاعة الله تعالى ، لا جرم كان الاشتغال بالطاعة من أهم المهمات ، ولما كان
nindex.php?page=treesubj&link=19734أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرع ، لا جرم أمر الله تعالى به في هذه الآية فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) واختلف الناس في المراد بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادعوني ) فقيل إنه الأمر بالدعاء ، وقيل : إنه الأمر بالعبادة ، بدليل أنه قال بعده (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60الذين يستكبرون عن عبادتي ) ولولا أن الأمر بالدعاء أمر بمطلق العبادة لما بقي لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إن الذين يستكبرون عن عبادتي ) معنى ، وأيضا الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله
[ ص: 71 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=117إن يدعون من دونه إلا إناثا ) [ النساء : 117 ] وأجيب عنه بأن الدعاء هو اعتراف بالعبودية والذلة والمسكنة ، فكأنه قيل : إن تارك الدعاء إنما تركه لأجل أن يستكبر عن إظهار العبودية ، وأجيب عن قوله : إن الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ، بأن ترك الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل منفصل ، فإن قيل : كيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادعوني أستجب لكم ) وقد يدعى كثيرا فلا يستجاب أجاب
الكعبي عنه بأن قال : الدعاء إنما يصح على شرط ، ومن دعا كذلك استجيب له ، وذلك الشرط هو أن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة وحكمة ، ثم سأل نفسه فقال : فما هو أصلح يفعله بلا دعاء ، فما الفائدة في الدعاء ؟ .
وأجاب عنه من وجهين الأول : أن فيه الفزع والانقطاع إلى الله والثاني : أن هذا أيضا وارد على الكل ؛ لأنه إن علم أنه يفعله فلا بد وأن يفعله ، فلا فائدة في الدعاء ، وإن علم أنه لا يفعله فإنه البتة لا يفعله ، فلا فائدة في الدعاء ، وكل ما يقولونه ههنا فهو جوابنا ، هذا تمام ما ذكره ، وعندي فيه وجه آخر وهو أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادعوني أستجب لكم ) فكل من دعا الله وفي قلبه ذرة من الاعتماد على ماله وجاهه وأقاربه وأصدقائه وجده واجتهاده ، فهو في الحقيقة ما دعا الله إلا باللسان ، أما بالقلب فإنه معول في تحصيل ذلك المطلوب على غير الله ، فهذا الإنسان ما دعا ربه في وقت ، أما إذا دعا في وقت لا يبقى في القلب التفات إلى غير الله ، فالظاهر أنه تحصل الاستجابة ، إذا عرفت هذا ففيه بشارة كاملة ، وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=29430انقطاع القلب بالكلية عما سوى الله لا يحصل إلا عند القرب من الموت ، فإن الإنسان قاطع في ذلك الوقت بأنه لا ينفعه شيء سوى فضل الله تعالى ، فعلى القانون الذي ذكرناه وجب أن يكون الدعاء في ذلك الوقت مقبولا عند الله ، ونرجو من فضل الله وإحسانه أن يوفقنا للدعاء المقرون بالإخلاص والتضرع في ذلك الوقت ، واعلم أن الكلام المستقصى في الدعاء قد سبق ذكره في سورة البقرة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) أي صاغرين وهذا إحسان عظيم من الله تعالى حيث ذكر الوعيد الشديد على ترك الدعاء ، فإن قيل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حكاية عن رب العزة أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011775من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " فهذا الخبر يقتضي أن ترك الدعاء أفضل ، وهذه الآية تدل على أن ترك الدعاء يوجب الوعيد الشديد ، فكيف الجمع بينهما ؟ قلنا : لا شك أن العقل إذا كان مستغرقا في الثناء كان ذلك أضل من الدعاء ؛ لأن الدعاء يشتمل على معرفة عزة الربوبية وذلة العبودية ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ) واعلم أن تعلقه بما قبله من وجهين الأول : كأنه تعالى قال : إني أنعمت عليك قبل طلبك لهذه النعم الجليلة العظيمة ، ومن أنعم قبل السؤال بهذه النعم العالية فكيف لا ينعم بالأشياء القليلة بعد السؤال ؟ والثاني : أنه تعالى لما أمر بالدعاء ، فكأنه قيل : الاشتغال بالدعاء لا بد وأن يكون مسبوقا بحصول المعرفة ، فما الدليل على وجود الإله القادر ، وقد ذكر الله تعالى هذه الدلائل العشرة على وجوده وقدرته وحكمته ، واعلم أنا بينا أن
nindex.php?page=treesubj&link=28659دلائل وجود الله وقدرته ، إما فلكية ، وإما عنصرية ، أما الفلكيات فأقسام كثيرة أحدها : تعاقب الليل والنهار ، و ( لما ) كان أكثر مصالح العالم مربوطا بهما فذكرهما الله تعالى في هذا المقام ، وبين أن الحكمة في
nindex.php?page=treesubj&link=31755خلق الليل حصول الراحة بسبب النوم والسكون ، والحكمة في
nindex.php?page=treesubj&link=31755خلق النهار إبصار الأشياء ليحصل مكنة التصرف فيها على الوجه الأنفع ، أما أن السكون في وقت النوم سبب للراحة فبيانه من وجهين : الأول : أن الحركات توجب الإعياء من حيث إن الحركة توجب السخونة والجفاف ، وذلك يوجب التألم ، والثاني : أن الإحساس بالأشياء إنما يمكن بإيصال
[ ص: 72 ] الأرواح الجسمانية إلى ظاهر الحس ، ثم إن تلك الأرواح تتحلل بسبب كثرة الحركات فتضعف الحواس والإحساسات ، وإذا نام الإنسان عادت الأرواح الحساسة في باطن البدن وركزت وقويت وتخلصت عن الإعياء ، وأيضا الليل بارد رطب فبرودته ورطوبته يتداركان ما حصل في النهار من الحر والجفاف بسبب ما حدث من كثرة الحركات ، فهذه هي المنافع المعلومة من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ) وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61والنهار مبصرا ) فاعلم أن الإنسان مدني بالطبع ، ومعناه أنه ما لم يحصل مدينة تامة لم تنتظم مهمات الإنسان في مأكوله ومشروبه وملبسه ومنكحه ، وتلك المهمات لا تحصل إلا بأعمال كثيرة ، وتلك الأعمال تصرفات في أمور ، وهذه التصرفات لا تكمل إلا بالضوء والنور حتى يميز الإنسان بسبب ذلك النور بين ما يوافقه وبين ما لا يوافقه ، فهذا هو الحكمة في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61والنهار مبصرا ) فإن قيل كان الواجب بحسب رعاية النظم أن يقال : هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار لتبصروا فيه ، أو فجعل لكم الليل ساكنا ولكنه لم يقل كذلك بل قال في الليل لتسكنوا فيه ، وقال في النهار مبصرا فما الفائدة فيه ؟ وأيضا فما الحكمة في تقديم ذكر الليل على ذكر النهار مع أن النهار أشرف من الليل ؟
قلنا : أما الجواب عن الأول : فهو أن الليل والنوم في الحقيقة طبيعة عدمية فهو غير مقصود بالذات ، أما اليقظة فأمور وجودية ، وهي مقصودة بالذات ، وقد بين الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13990عبد القاهر النحوي في " دلائل الإعجاز " أن دلالة صيغة الاسم على التمام والكمال أقوى من دلالة صيغة الفعل عليهما ، فهذا هو السبب في هذا الفرق والله أعلم .
وأما الجواب عن الثاني : فهو أن الظلمة طبيعة عدمية والنور طبيعة وجودية والعدم في المحدثات مقدم على الوجود ؛ ولهذا السبب قال في أول سورة الأنعام (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وجعل الظلمات والنور ) [ الأنعام : 1 ] .
واعلم أنه تعالى لما ذكر ما في الليل والنهار من المصالح والحكم البالغة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) والمراد أن فضل الله على الخلق كثير جدا ولكنهم لا يشكرونه ، وأعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19609ترك الشكر لوجوه : أحدها : أن يعتقد الرجل أن هذه النعم ليست من الله تعالى مثل أن يعتقد أن هذه الأفلاك واجبة الوجود لذواتها وواجبة الدوران لذواتها ، فحينئذ هذا الرجل لا يعتقد أن هذه النعم من الله ، وثانيها أن الرجل وإن اعتقد أن كل العالم حصل بتخليق الله وتكوينه إلا أن هذه النعم العظيمة ، أعني نعمة تعاقب الليل والنهار لما دامت واستمرت نسيها الإنسان ، فإذا ابتلي الإنسان بفقدان شيء منها عرف قدرها مثل أن يتفق لبعض الناس والعياذ بالله أن يحبسه بعض الظلمة في آبار عميقة مظلمة مدة مديدة ، فحينئذ يعرف ذلك الإنسان قدر نعمة الهواء الصافي وقدر نعمة الضوء ، ورأيت بعض الملوك كان يعذب بعض خدمه بأن أمر أقواما حتى يمنعوه عن الاستناد إلى الجدار ، وعن النوم فعظم وقع هذا التعذيب .
وثالثها : أن الرجل وإن كان عارفا بمواقع هذه النعم إلا أنه يكون حريصا على الدنيا محبا للمال والجاه ، فإذا فاته المال الكثير والجاه العريض وقع في كفران هذه النعم العظيمة ، ولما كان أكثر الخلق هالكين في أحد هذه الأودية الثلاثة التي ذكرناها ، لا جرم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=13وقليل من عبادي الشكور ) [ سبأ : 13 ] وقول إبليس (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=17ولا تجد أكثرهم شاكرين ) [ الأعراف : 17 ] ولما بين الله تعالى بتلك الدلائل المذكورة وجود الإله القادر الرحيم الحكيم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو ) قال صاحب " الكشاف " ذلكم المعلوم المميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد و (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو ) أخبار مترادفة أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية وخلق كل
[ ص: 73 ] شيء وأنه لا ثاني له (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62فأنى تؤفكون ) والمراد فأنى تصرفون ولم تعدلون عن هذه الدلائل وتكذبون بها ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=63كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ) [ غافر : 63 ] يعني أن كل من
nindex.php?page=treesubj&link=30542_30549جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يكن فيه همة لطلب الحق وخوف العاقبة أفك كما أفكوا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=63كَذَلِكَ يُؤْفَكَ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=63كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيَامَةِ حَقٌّ وَصِدْقٌ ، وَكَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَفِعُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، لَا جَرَمَ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالطَّاعَةِ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ، وَلَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=19734أَشْرَفُ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ ، لَا جَرَمَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادْعُونِي ) فَقِيلَ إِنَّهُ الْأَمْرُ بِالدُّعَاءِ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) وَلَوْلَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالدُّعَاءِ أَمْرٌ بِمُطْلَقِ الْعِبَادَةِ لَمَا بَقِيَ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) مَعْنًى ، وَأَيْضًا الدُّعَاءُ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ
[ ص: 71 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=117إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا ) [ النِّسَاءِ : 117 ] وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ اعْتِرَافٌ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّ تَارِكَ الدُّعَاءِ إِنَّمَا تَرَكَهُ لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَكْبِرَ عَنْ إِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ : إِنَّ الدُّعَاءَ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ، بِأَنَّ تَرْكَ الظَّاهِرِ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وَقَدْ يُدْعَى كَثِيرًا فَلَا يُسْتَجَابُ أَجَابَ
الْكَعْبِيُّ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ : الدُّعَاءُ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى شَرْطٍ ، وَمَنْ دَعَا كَذَلِكَ اسْتُجِيبَ لَهُ ، وَذَلِكَ الشَّرْطُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ مَصْلَحَةً وَحِكْمَةً ، ثُمَّ سَأَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ : فَمَا هُوَ أَصْلَحُ يَفْعَلُهُ بِلَا دُعَاءٍ ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي الدُّعَاءِ ؟ .
وَأَجَابَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ : أَنَّ فِيهِ الْفَزَعَ وَالِانْقِطَاعَ إِلَى اللَّهِ وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا أَيْضًا وَارِدٌ عَلَى الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَفْعَلَهُ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ فَإِنَّهُ الْبَتَّةَ لَا يَفْعَلُهُ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ ، وَكُلُّ مَا يَقُولُونَهُ هَهُنَا فَهُوَ جَوَابُنَا ، هَذَا تَمَامُ مَا ذَكَرَهُ ، وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) فَكُلُّ مَنْ دَعَا اللَّهَ وَفِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى مَالِهِ وَجَاهِهِ وَأَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَا دَعَا اللَّهَ إِلَّا بِاللِّسَانِ ، أَمَّا بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ مُعَوِّلٌ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ، فَهَذَا الْإِنْسَانُ مَا دَعَا رَبَّهُ فِي وَقْتٍ ، أَمَّا إِذَا دَعَا فِي وَقْتٍ لَا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ الْتِفَاتٌ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْصُلُ الِاسْتِجَابَةُ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَفِيهِ بِشَارَةٌ كَامِلَةٌ ، وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29430انْقِطَاعَ الْقَلْبِ بِالْكُلِّيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ الْمَوْتِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَاطِعٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ سِوَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَعَلَى الْقَانُونِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْبُولًا عِنْدَ اللَّهِ ، وَنَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلدُّعَاءِ الْمَقْرُونِ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّضَرُّعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُسْتَقْصَى فِي الدُّعَاءِ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) أَيْ صَاغِرِينَ وَهَذَا إِحْسَانٌ عَظِيمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ عَلَى تَرْكِ الدُّعَاءِ ، فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ حِكَايَةً عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011775مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ " فَهَذَا الْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنَّ تَرْكَ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الدُّعَاءِ يُوجِبُ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ ، فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؟ قُلْنَا : لَا شَكَّ أَنَّ الْعَقْلَ إِذَا كَانَ مُسْتَغْرِقًا فِي الثَّنَاءِ كَانَ ذَلِكَ أَضَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ عِزَّةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَذِلَّةِ الْعُبُودِيَّةِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ) وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ : كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : إِنِّي أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ قَبْلَ طَلَبِكَ لِهَذِهِ النِّعَمِ الْجَلِيلَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَمَنْ أَنْعَمَ قَبْلَ السُّؤَالِ بِهَذِهِ النِّعَمِ الْعَالِيَةِ فَكَيْفَ لَا يُنْعِمُ بِالْأَشْيَاءِ الْقَلِيلَةِ بَعْدَ السُّؤَالِ ؟ وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : الِاشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الدَّلَائِلَ الْعَشْرَةَ عَلَى وُجُودِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28659دَلَائِلَ وُجُودِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ ، إِمَّا فَلَكِيَّةٌ ، وَإِمَّا عُنْصُرِيَّةٌ ، أَمَّا الْفَلَكِيَّاتُ فَأَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ أَحَدُهَا : تَعَاقُبُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَ ( لَمَّا ) كَانَ أَكْثَرُ مَصَالِحِ الْعَالَمِ مَرْبُوطًا بِهِمَا فَذَكَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31755خَلْقِ اللَّيْلِ حُصُولُ الرَّاحَةِ بِسَبَبِ النَّوْمِ وَالسُّكُونِ ، وَالْحِكْمَةَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31755خَلْقِ النَّهَارِ إِبْصَارُ الْأَشْيَاءِ لِيَحْصُلَ مُكْنَةُ التَّصَرُّفِ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَنْفَعِ ، أَمَّا أَنَّ السُّكُونَ فِي وَقْتِ النَّوْمِ سَبَبٌ لِلرَّاحَةِ فَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنَّ الْحَرَكَاتِ تُوجِبُ الْإِعْيَاءَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْحَرَكَةَ تُوجِبُ السُّخُونَةَ وَالْجَفَافَ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّأَلُّمَ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْإِحْسَاسَ بِالْأَشْيَاءِ إِنَّمَا يُمْكُنُ بِإِيصَالِ
[ ص: 72 ] الْأَرْوَاحِ الْجُسْمَانِيَّةِ إِلَى ظَاهِرِ الْحِسِّ ، ثُمَّ إِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحَ تَتَحَلَّلُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ فَتَضْعُفُ الْحَوَاسُّ وَالْإِحْسَاسَاتُ ، وَإِذَا نَامَ الْإِنْسَانُ عَادَتِ الْأَرْوَاحُ الْحَسَّاسَةُ فِي بَاطِنِ الْبَدَنِ وَرُكِّزَتْ وَقَوِيَتْ وَتَخَلَّصَتْ عَنِ الْإِعْيَاءِ ، وَأَيْضًا اللَّيْلُ بَارِدٌ رَطْبٌ فَبُرُودَتُهُ وَرُطُوبَتُهُ يَتَدَارَكَانِ مَا حَصَلَ فِي النَّهَارِ مِنَ الْحَرِّ وَالْجَفَافِ بِسَبَبِ مَا حَدَثَ مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ ، فَهَذِهِ هِيَ الْمَنَافِعُ الْمَعْلُومَةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ) وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَدِينَةٌ تَامَّةٌ لَمْ تَنْتَظِمْ مُهِمَّاتُ الْإِنْسَانِ فِي مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَنْكَحِهِ ، وَتِلْكَ الْمُهِمَّاتُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِأَعْمَالٍ كَثِيرَةٍ ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ تَصَرُّفَاتٌ فِي أُمُورٍ ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لَا تَكْمُلُ إِلَّا بِالضَّوْءِ وَالنُّورِ حَتَّى يُمَيِّزَ الْإِنْسَانُ بِسَبَبِ ذَلِكَ النُّورِ بَيْنَ مَا يُوَافِقُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يُوَافِقُهُ ، فَهَذَا هُوَ الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ بِحَسَبِ رِعَايَةِ النَّظْمِ أَنْ يُقَالَ : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ لِتُبْصِرُوا فِيهِ ، أَوْ فَجَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ سَاكِنًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ فِي اللَّيْلِ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ، وَقَالَ فِي النَّهَارِ مُبْصِرًا فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهِ ؟ وَأَيْضًا فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ اللَّيْلِ عَلَى ذِكْرِ النَّهَارِ مَعَ أَنَّ النَّهَارَ أَشْرَفُ مِنَ اللَّيْلِ ؟
قُلْنَا : أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : فَهُوَ أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّوْمَ فِي الْحَقِيقَةِ طَبِيعَةٌ عَدَمِيَّةٌ فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ ، أَمَّا الْيَقَظَةُ فَأُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ بِالذَّاتِ ، وَقَدْ بَيَّنَ الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=13990عَبْدُ الْقَاهِرِ النَّحْوِيُّ فِي " دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ " أَنَّ دَلَالَةَ صِيغَةِ الِاسْمِ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ صِيغَةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِمَا ، فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي : فَهُوَ أَنَّ الظُّلْمَةَ طَبِيعَةٌ عَدَمِيَّةٌ وَالنُّورَ طَبِيعَةٌ وُجُودِيَّةٌ وَالْعَدَمُ فِي الْمُحْدَثَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُجُودِ ؛ وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) [ الْأَنْعَامِ : 1 ] .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْحِكَمِ الْبَالِغَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) وَالْمُرَادُ أَنَّ فَضْلَ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ كَثِيرٌ جِدًّا وَلَكِنَّهُمْ لَا يَشْكُرُونَهُ ، وَأَعْلَمُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19609تَرْكَ الشُّكْرِ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَعْتَقِدَ الرَّجُلُ أَنَّ هَذِهِ النِّعَمَ لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذِهِ الْأَفْلَاكَ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ لِذَوَاتِهَا وَوَاجِبَةُ الدَّوَرَانِ لِذَوَاتِهَا ، فَحِينَئِذٍ هَذَا الرَّجُلُ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ النِّعَمَ مِنَ اللَّهِ ، وَثَانِيهَا أَنَّ الرَّجُلَ وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ الْعَالَمِ حَصَلَ بِتَخْلِيقِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ إِلَّا أَنَّ هَذِهِ النِّعَمَ الْعَظِيمَةَ ، أَعْنِي نِعْمَةَ تَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَمَّا دَامَتْ وَاسْتَمَرَّتْ نَسِيَهَا الْإِنْسَانُ ، فَإِذَا ابْتُلِيَ الْإِنْسَانُ بِفُقْدَانِ شَيْءٍ مِنْهَا عَرَفَ قَدْرَهَا مِثْلَ أَنْ يَتَّفِقَ لِبَعْضِ النَّاسِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْضُ الظَّلَمَةِ فِي آبَارٍ عَمِيقَةٍ مُظْلِمَةٍ مُدَّةً مَدِيدَةً ، فَحِينَئِذٍ يَعْرِفُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ قَدْرَ نِعْمَةِ الْهَوَاءِ الصَّافِي وَقَدْرَ نِعْمَةِ الضَّوْءِ ، وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْمُلُوكِ كَانَ يُعَذِّبُ بَعْضَ خَدَمِهِ بِأَنْ أَمَرَ أَقْوَامًا حَتَّى يَمْنَعُوهُ عَنِ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْجِدَارِ ، وَعَنِ النَّوْمِ فَعَظُمَ وَقْعُ هَذَا التَّعْذِيبِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ الرَّجُلَ وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِمَوَاقِعِ هَذِهِ النِّعَمِ إِلَّا أَنَّهُ يَكُونُ حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا مُحِبًّا لِلْمَالِ وَالْجَاهِ ، فَإِذَا فَاتَهُ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَالْجَاهُ الْعَرِيضُ وَقَعَ فِي كُفْرَانِ هَذِهِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ ، وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ هَالِكِينَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَوْدِيَةِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، لَا جَرَمَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=61وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=13وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) [ سَبَأٍ : 13 ] وَقَوْلُ إِبْلِيسَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=17وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) [ الْأَعْرَافِ : 17 ] وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِتِلْكَ الدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وُجُودَ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الرَّحِيمِ الْحَكِيمِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " ذَلِكُمُ الْمَعْلُومُ الْمُمَيَّزُ بِالْأَفْعَالِ الْخَاصَّةِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) أَخْبَارٌ مُتَرَادِفَةٌ أَيْ هُوَ الْجَامِعُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَخَلْقِ كُلِّ
[ ص: 73 ] شَيْءٍ وَأَنَّهُ لَا ثَانِيَ لَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=62فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) وَالْمُرَادُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ وَلِمَ تَعْدِلُونَ عَنْ هَذِهِ الدَّلَائِلِ وَتُكَذِّبُونَ بِهَا ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=63كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) [ غَافِرٍ : 63 ] يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30542_30549جَحَدَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَلَمْ يَتَأَمَّلْهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ هِمَّةٌ لِطَلَبِ الْحَقِّ وَخَوْفِ الْعَاقِبَةِ أُفِكَ كَمَا أُفِكُوا .